يعد الموسيقار والفنان الكبير محمد فوزي مؤسسة فنية قائمة
بذاتها وهذا ليس من قبيل المبالغة فهو الملحن والموسيقار الكبير الذي
اعتبره الكثير من النقاد والمؤرخين احد أهم وابرز المجددين في الموسيقى
والألحان العربية بدرجة ان هناك من أشار الى ان معظم الملحنين والموسيقيين
الذين عرفتهم مصر في نهايات الخمسينيات والستينيات قد خرجوا من عباءته
وتتلمذوا في مدرسته فهو بالفعل كان مدرسة موسيقية قائمة بذاتها كما انه
واحد من نجوم الغناء والطرب على مدى ثلاثة عقود زمنية ولاتزال أغنياته
وألحانه تعيش وتتردد وتتغنى بها الجماهير حتى اليوم وستظل هكذا لأجيال أخرى
رغم مضي ما يقرب من نصف قرن على وفاته.
وبالاضافة الى هذا كله هو أيضا نجم السينما وصاحب رصيد هائل
من الأفلام الغنائية التي قدمتها السينما المصرية حيث قدم للسينما ما يقرب
من 40 فيلما جعلته في مقدمة نجوم الطرب الذين ظهروا كأبطال ونجوم سينمائيين
وهو أيضا المنتج السينمائي والمنتج
الغنائي من خلال شركته التي أسسها لانتاج وصناعة الاسطوانات
الغنائية انه احد العمالقة الكبار في تاريخ الفن المصري.
واذا كانت السطور السابقة هي مقدمه بسيطة للتعريف أكثر بهذا
الفنان الكبير فان ما سنذهب الى الحديث عنه هنا هو ارتباطه الانساني
بالفنانة والنجمة الكبيرة مديحة يسري حيث كانت قصة حبهما وزواجهما التي
امتدت لعشر سنوات طيلة حقبة الخمسينيات بأكملها تمثل حالة خاصة بين الكثير
من حالات الزيجات الفنية فهي «حالة حب» حقيقية وتجربة فنية وانسانية رائعة
بين فوزي الذي اشتهر بلقب «شحات الغرام» نسبة الى واحدة من أشهر وأهم
الدويتوهات الغنائية في السينما المصرية وهو الدويتو الذي حمل الاسم نفسه «شحات
الغرام» وقدمه مع النجمة والفنانة الكبيرة والقديرة ليلى مراد في فليم «ورد
الغرام»، وبين مديحة يسري التي اشتهرت بلقب «سمراء الشاشة الجميلة» التي
تعد من ابرز درات العقد الفريد لنجمات السينما المصرية.
وقبل ان ندخل الى تفاصيل حالة الحب والتجربة الانسانية بين
هذين النجمين ندلف سريعا الى عرض سريع ومختصر لنشأة وبداية محمد فوزي
الفنية لتكون اشارة ومعرفة للأجيال الجديدة التي لا تعرف الكثير عنه، ولد
«محمد فوزي عبد العال الحو» وهذا هو اسمه كاملا في احدى القرى التابعة
لمركز «طنطا» بمحافظة الغربية بدلتا مصر في 28 اغسطس 1918 واذا كان تاريخ
اليوم والشهر ليس محل جدل أو خلاف فان الجدل يكمن في سنة مولده فهناك من
أشار الى انه من مواليد 1920 وبعيدا عن الجزم بأي التاريخين هو الأصدق
لميلاده الحقيقي نشير الى انه ولد لأسرة ريفية كثيرة العدد من ناحية الاخوة
والأخوات حيث كان والده كثير الزيجات وأخوات فوزي يزيدون عن العشرين أخاً
وأختاً لكن لابد وان نشير الى أشهر أخوته وهي «بهيجة فوزي عبدالعال الحو»
والتي أصبحت فيما بعد الفنانة والنجمة الكبيرة هدى سلطان عندما احترفت الفن
كمطربة وممثلة من ابرز وأهم نجمات السينما المصرية في عصرها الذهبي.
ورث محمد فوزي حلاوة الصوت من والده المزارع الذي كان معجبا
ومرددا للموشحات والمدائح النبوية وعندما تفتح وعيه بدأ يردد هذه الموشحات
التي كان يسمعها من أبيه وبدأ يتعلم حفظ القرآن وتجويده ولما أظهر الكثير
من حلاوة الصوت تعهد عازف موسيقي في طنطا برعايته وبدأ في تعليمه أصول
الغناء والانشاد وبدأ يأخذه معه الى الكثير من الحفلات التي تقام في مدينة
طنطا ليغني فيها كما كان فوزي يغني عندما بلغ الصبا في الحفلات المدرسية
بعض أغنيات محمد عبدالوهاب وأم كلثوم فسمعه محمد العقاد العازف المشهور
ولمس موهبته وحبه للموسيقى والغناء فنصحه بالسفر الى القاهرة ودراسة
الموسيقى وأيضا ليشق طريقه في عالم الغناء والطرب بدلا من ان يظل فنانا
مغموراً في الأقاليم.
في عام 1938 كان محمد فوزي في طريقه الى القاهرة ليعمل
بنصيحة عازف القانون الشهير والتحق بالفعل بمعهد الموسيقى العربية وكان من
ابرز زملاء دفعته في المعهد عدد من رموز الموسيقى في مصر والعالم العربي،
على رأسهم محمد الموجي واحمد فؤاد حسن والمطرب الشهير كارم محمود والموسيقى
الشهير عطية شرارة
.
بعد تخرجه من المعهد انضم عام 1940 الى فرقة بديعة مصابني
وفي هذه الفرقة الشهيرة تعرف على فريد الأطرش وابراهيم حمودة وتحية كاريوكا
وسامية جمال ومحمد عبدالمطلب وشارك في الكثير من عروض فرقة ومسرح بديعة
كمطرب وملحن وممثل وفي عام 1942 انضم الى فرقة «فاطمة رشدي» وشاركها بطولة
مسرحيتها الشهيرة «مصر كليوباترا» وفي تلك الفترة كانت ألحانه وأغنياته قد
انتشرت وبدت كنوع جديد من الموسيقى والغناء مختلفا عما كان سائدا وقتها مما
حقق له الشهرة والانتشار الواسع لذلك كان طبيعيا ان تلتفت اليه السينما
واختاره يوسف وهبي ليشارك في فيلم «سيف الجلاد» عام 1944 وقدم في هذا
الفيلم عددا من الأغنيات والألحان مع عقيلة راتب بعدها شارك في بطولة فيلم
«أصحاب السعادة» مع المخرج محمد كريم والفنانة المطربة رجاء عبده وكانت هذه
بدايته في السينما التي سرعان ما أكد تواجده خلالها ليس كممثل وملحن ومطرب
فقط بل كمنتج أيضا عندما أسس شركته للانتاج السينمائي عام 1946 وقدم أول
أفلامه كمنتج من خلال فيلم «العقل في اجازة» الذي أخرجه حلمي رفلة الذي شهد
الظهور الأول للفنانة الكبيرة شادية على شاشة السينما من خلال مشاركتها
لمحمد فوزي بطولة هذا الفيلم، بعدها انطلق فوزي سينمائيا وبقوة يقدم ألحانه
وأغنياته وبطولاته اضافة الى انتاجه أيضا كما كان للمخرج حلمي رفلة الذي
ربطته علاقة قوية بمحمد فوزي النصيب الأكبر في اخراج أفلامه فقدما معا ما
يقرب من 17 فيلما.
وقد فرض محمد فوزي نفسه على السينما الغنائية والاستعراضية
من خلال كم كبير من أفلامه قدم فيها ألحانه وأغنياته والاستعراضات
والدويتوهات الناجحة ووقفت أمامه وشاركته بطولات أفلامه اعددا كبيرة من
كبار نجمات السينما في الأربعينيات والخمسينيات.
ونعود الى قصة حبه وزواجه من الفنانة مديحة يسري ونبدأ من
عام 1949 عندما تقاسما بطولة الفيلم الشهير «فاطمة وماريكا وراشيل» الذي
أخرجه حلمي رفلة وفي أحداث الفيلم نشأت قصة حب بين الاثنين فوزي ومديحة،
التي تسيطر بمشاعرها على هذا الشاب العابث الدنجوان كثير العلاقات ومن اجل
ان يثبت لها صدق مشاعره ناحيتها تخلص من كل علاقاته، وامتدت المشاعر من
أمام الكاميرا وعلى الشاشة الى خلف الكاميرا وارض الواقع وأصبح التمثيل
حقيقة وأصبحت هناك مشاعر حب حقيقية ومعلنة تجمع بين محمد فوزي ومديحة يسري
وباتت «حالة الحب» بين «سمراء الشاشة» و«شحات الغرام» واضحة.
ولم تكن أمامها أية عوائق لتترجم كل هذا الحب بالشكل الرسمي
والطبيعي والتتويج بالارتباط والزواج وهو ما حدث بالفعل في العام 1950
عندما تزوجا وقدما معا فيلمهما الشهير «آه من الرجالة» مع المخرج حلمي رفلة
أيضا وغلب الطابع الكوميدي على أحداث الفيلم.
هنا نتوقف قليلا لنشير الى بعض التفاصيل المهمة المتعلقة
بهذين النجمين لم يكن زواج فوزي من مديحة هو الزواج الأول له فقد سبق له
الزواج من خارج الوسط الفني من أم أولاده والتي أنجبت له ثلاثة أبناء «سمير
ومنير ونبيل» حسبما أشارت كثير من المصادر في حين كان زواج مديحة من فوزي
هي تجربة الزواج الثالثة بالنسبة لها لكن كان الأمر مختلفا عن فوزي فأزواج
مديحة السابقين كانوا من المنتمين للوسط الفني فهي تزوجت من المطرب والملحن
والممثل «محمد أمين» في عام 1943 وكان محمد أمين طوال فترة الأربعينيات من
أبطال السينما البارزين في مجال الفيلم الغنائي وشارك مع مديحة يسري في
بطولة أفلام عدة منها «تحيا الستات» 1943 مع المخرج توجو مزراحي «الجنس
اللطيف» 1945 من اخراج احمد كامل مرسي ولا توجد مصادر دقيقة لتؤكد عن مدة
زواجهما لكن المؤكد ان هذا الزواج لم يستمر طويلا مابين عامين أو ثلاثة على
الأكثر
.
وكانت تجربة الزواج الثانية لمديحة يسري واحدة من الزيجات
الشهيرة داخل الوسط الفني في الأربعينيات وذلك لان طرفها الثاني كان الفنان
والنجم احمد سالم وهو الممثل والمخرج والمنتج ومدير استديو مصر في بدايات
انشائه اضافة الى مكانته كواحد من ابرز نجوم المجتمع المصري في ثلاثينيات
وأربعينيات القرن الماضي وشارك أحمد سالم مع مديحة في أفلام عدة خلال فترة
زواجهما منها «ابن عنتر» 1947 من انتاج واخراج احمد سالم وبطولته أيضا
وهناك مصادر تشير الى انهما تزوجا خلال التحضير وتصوير هذا الفيلم وأيضا
فيلم «آمنت بالله» 1950 من انتاجه واخراجه أيضا ولم يستمر زواجهما سوى مدة
قصيرة وهناك من أشار الى ان هذا الفيلم الثاني كان بعد انفصالهما
.
ونعود الى فوزي ومديحة وحالة حبهما وزواجهما لنرى ان هذا
الزواج كان الزواج الأطول عمرا بالنسبة لكليهما وقد استمر ما يقرب من
10سنوات أي طوال حقبة الخمسينيات بكاملها والحقيقة ان هذا الزواج ومن خلال
كم التفاهم والحب والتعاون والانتاج الفني بين طرفيه اعتبره الكثيرون من
أهم الزيجات الفنية التي شهدها الوسط الفني خلال الخمسينيات بل البعض ذهب
الى انه من أشهر الزيجات الفنية خلال مسيرة الفن المصري لما كان به من حالة
حب جميلة وتجربة فنية وانسانية رائعة أثمرت عن العديد من الأعمال والمشاريع
الفنية كما أثمرت أيضا على المستوى الانساني عن ابن رابع لمحمد فوزي هو
«عمرو»
.
أما على المستوى الفني فقد تعددت الأفلام الناجحة جدا بين
فوزي ومديحة ونذكر منها على سبيل المثال «نهاية قصة» 1951 مع المخرج حلمي
رفلة «من أين لك هذا» 1952 مع المخرج نيازي مصطفى- «بنات حواء» 1956 من
اخراج عاطف سالم اضافة الى أفلام أخرى عديدة وقد تميزت هذه الأفلام بالشكل
الغنائي والاستعراضي والألحان والموسيقى الرائعة التي قدمها فوزي خلالها
كما تميزت أيضا بحالة الحب الرائعة والجميلة التي كانت تظهر على الشاشة بين
البطلين وهي كانت أفضل تعبير عن الحالة التي تجمعهما في الواقع بالاضافة
الى الحس والشكل والملمح الكوميدي الملحوظ الذي كانت أفلام هذا الثنائي
الجميل تتميز به وخصوصا في فيلمهما الشهير «تحيا الستات» وما دمنا نتحدث عن
السينما فلابد ان نشير الى ان مديحة يسري سبقت محمد فوزي في الظهور على
شاشة السينما فاذا كان هو ظهر لأول مرة مع يوسف وهبي في فيلم «سيف الجلاد»
1944-كما اشرنا- فان الظهور الأول لمديحة كان في فيلم محمد عبدالوهاب
الشهير «ممنوع الحب» مع المخرج محمد كريم.
واذا كنا بصدد الاستعراض السريع الذي أفرزته هذه الزيجة أو
التجربة الانسانية بين فوزي ومديحة يسري فلابد ان نشير الى انها شجعته
وساندته ليؤسس أول مصنع لانتاج الاسطوانات الغنائية وكان الأول من نوعه في
الشرق الأوسط وحمل المصنع اسم «مصنع الشرق لانتاج الاسطوانات»، كما انشأ
أيضا شركة «مصرفون» للانتاج والتوزيع الغنائي وهي من الشركات التي أممتها
الدولة بعد صدور قرارات التأميم في بدايات الستينيات وقد أثرت هذه القرارات
في فوزي كثيرا بعد ان رأى جهده ومشاريعه لم تعد تحمل اسمه أو ملكيته لها.
وبعد ما يقرب من 10 سنوات من الحب والزواج الناجح وقع
الانفصال والطلاق بين محمد فوزي ومديحة يسري في هدوء ودون ضجة أو خلافات
وأيضا دون أسباب معلومة ولم تنقطع الصلة الطيبة بين الطرفين خصوصا انه كان
بينهما ثمرة زواجهما ابنهما «عمرو»، بعدها تزوج الفنان محمد فوزي من
الفنانة «كريمة» وتم الزواج في هدوء دون ضجة وظلت زوجته حتى رحيله بينما
تزوجت مديحة يسري فيما بعد من خارج الوسط الفني وفي عام 1966 أصيب محمد
فوزي بمرض غريب ونادر ولم يعرف له اسم حتى اليوم وتحير الأطباء في هذا
المرض وطريقة علاجه وبعد فترة من آلام المرض رحل هذا الموسيقار والمطرب
والفنان الكبير الذي كان مؤسسة فنية قائمة بذاتها رحل في سن مبكرة حيث لم
يكمل الخمسين من عمره مثل الكثير من العباقرة الذين رحلوا مبكرا لكنهم
تركوا أثرا كبيراً.
النهار الكويتية في
02/08/2013 |