ما يثير التساؤل في مسيرة مصطفى أبو علي (1940 ــــ 2009)، هو مشاريعه
المعلّقة بطريقة أو بأخرى. السينمائي الذي يُعد من مؤسسي ما عرف بـ«سينما
الثورة الفلسطينية»، قدّم 15 فيلماً تسجيلياً منذ 1968 حتى نهاية
السبعينيات، حمل معظمها لغة سينمائية تجاوزت الوظيفة المفترضة لإعلام
«منظمة التحرير الفلسطينية». لكن بعد الخروج من بيروت 1982، تجمّد «إنتاج»
أبو علي. لم يتوقف الفنان عن البحث، لكن مشاريعه لم تكن تتحقق. من بيروت
ذهب إلى دمشق ثم عمان، حيث قضى 10 سنوات بلا جواز سفر. ثم مع «اتفاقية
أوسلو» 1993، وجد نفسه في رام الله. هناك، أسّس «جماعة السينما الفلسطينية»
وحاول استئناف عمله، لكنّ «حظه» لم يكن جيداً مع التمويل. «لم يكن يقدّم
الفكرة التي تبيع. لم يقدّم ما يريده الممولون»، كما أوضحت لنا شقيقته ميسر
أبو علي عشية رحيله. حتى آخر أيامه، ظلّ يعمل على مشروع تأسيس «أرشيف
الفيلم الفلسطيني»، وتجهيز مقرّ لـ«جماعة السينما الفلسطينية» في رام الله.
أما مشروع فيلمه الأخير الذي لم يقدمه، فكان كتاب المؤرخ الإسرائيلي إيلان
بابِه «التطهير العرقي في فلسطين» الذي يفضح الرواية الصهيونية، وأخذ أبو
علي حقوق تحويله إلى فيلم.
كان يسعى لنقل كتاب المؤرخ إيلان بابِه «التطهير العرقي في فلسطين» إلى
السينما
شريطه التسجيلي الأول «لا للحل السلمي» (16 ملم، 20 دقيقة) يسجّل رفض
الجماهير لـ«مبادرة روجز» الأميركية، أُنجز في الأردن ومن تصوير هاني
جوهرية وسلافة مرسال. وهاني جوهرية ــــ استشهد عام 1976 ــــ شارك مع أبو
علي وآخرين في تأسيس وحدة السينما في منظمة التحرير. في 1967، قدّم أبو علي
شريطين آخرين من إنتاج التلفزيون الأردني: «الحق الفلسطيني» (16 ملم، 8
دقائق) و«ريبورتاج» (16 ملم، 20 دقيقة). وبعد «أيلول الأسود» عام 1970،
انتقل إلى لبنان وأصبح عام 1971 رئيساً لـ«جماعة السينما الفلسطينية»، وهو
العام الذي قدّم فيه «بالروح بالدم» (16 ملم، 35 دقيقة) من إنتاج «وحدة
أفلام فلسطين/ حركة فتح». بقية أفلامه التي قدمها في لبنان، كانت من إنتاج
«مؤسسة السينما الفلسطينية» في بيروت: «العرقوب» (1972)، «عدوان صهيوني»
(1972)، «مشاهد من الاحتلال في غزة» (1973)، «ليس لهم وجود» (1974)،
«فلسطين في العين» (1977)، «تل الزعتر» (1977) مع جان شمعون وبينو أدريانو.
بين 1973 و1979، قدّم «جريدة فلسطين السينمائية» في خمسة أعداد/ أشرطة
قصيرة تسجل أحداثاً متعلقة بالقضية الفلسطينية. السينمائي الذي ولد على
واحدة من تلال القدس في قرية (المالحة) شرّد الاحتلال أهلها عام 1948، تبقى
في سيرته وأفلامه إشارات لمن سيحققون مشاريعه ويتابعون طريقه. مصطفى أبو
علي... وداعاً.
الأخبار اللبنانية في
03/08/2009
أبشر بطول سلامة يا... «مهرجان القدس»!
نجوان درويش
«مهرجان القدس السينمائي الدولي» مهرجان إسرائيلي يقام منذ 1984 اختُتمت
آخر دوراته في 18 تموز (يوليو) الماضي. وليس من قبيل المبالغة القول إنّه
واحدة من أدوات أسرلة القدس وتهويدها. إذ يمتلك المهرجان قدرةً فظيعة على
تجاهل واقع الاحتلال في المدينة المحتلة، بل إنّه يمتلك من الوقاحة ما يكفي
لإقامة مسابقة بعنوان... «روح الحرية»! وفي ما يخص القدس، لديه برامج
سينمائية لا تتجاوز الإطار الصهيوني، منها برنامج يموّل أفلاماً قصيرة عن
القدس لمخرجين «يهود وعرب»، وآخر عن «سندروم القدس»، تتحول المدينة معه إلى
مشكلة نفسانية ودينية وسياحية في الأساس! (وبالمصادفة المحض، تقيم «مؤسسة
المعمل» معرضاً فنياً عن القدس تحت المسمى عينه «سندروم القدس» في الخريف
المقبل!).
ورغم اشتداد حملات مقاطعة إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً، إلا أنّ «مهرجان
القدس» ينجح أحياناً في استدراج بعض السينمائيين الفلسطينيين والعرب
أحياناً، لا سيما من ذوي الإنتاجات الأجنبية، وخصوصاً الفرنسية (كالمخرج
التونسي كريم الدريدي الذي شارك بفيلمه «خمسة»). في العام الماضي مثلاً،
شارك فيلم «تحت القصف» للبناني فيليب عرقتنجي، و«كابتن أبو رائد» للأردني
أمين مطالقة. أما «مفاجأة» العام غير السارة، فكان عرض «الزمن الباقي»
للسينمائي الفلسطيني البارز إيليا سليمان الذي لا نعرف حقيقة موقفه من عرض
شريطه في هذا المهرجان. مَن شارك فيه من المخرجين الفلسطينيين في السابق،
وخصوصاً في سنوات ما بعد أوسلو، عادوا وقاطعوه مع ازدهار ثقافة المقاطعة
الثقافية لإسرائيل عالمياً، هذه الثقافة التي بلغت أوجها عربياً مع عدوان
تموز 2006... ألم يكن صاحب «يد إلهية» بغنى عن مشاركة مماثلة؟
ومنذ أشهر، انتشرت الأخبار في بعض الصحف والمواقع العربية، عن مهرجان
فلسطيني يحمل أيضاً اسم «مهرجان القدس السينمائي الدولي». وتذكر تلك
الأخبار أنّه «يبدأ فعالياته» أو «انطلق» و«صرّح مديره»... ولعل آخر تلك
الأخبار ما بثته وكالة رويترز منتصف الشهر الماضي عن اختيار فلسطين ضيفة
شرف «مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي» الذي سيستضيف «رشيد مشهراوي
وميشيل خليفي وهيام عباس وإيليا سليمان و... عز الدين شلح رئيس مهرجان
القدس السينمائي»...
كيف قبل إيليا سليمان بعرض فيلمه في مهرجان مماثل؟
لكن الدلائل جميعها تشير إلى أنّ «مهرجان القدس السينمائي الدولي» ليس أكثر
من أمنية (إذا افترضنا حسن النية) لدى شخص واحد عيّن نفسه مديراً لمهرجان
لم يؤسِّس بعد. ولعل في التحقيق الذي نشره الناقد السوري صلاح سرميني على
موقع «إيلاف» (25/ 7) واستجوابه «مدير المهرجان» ما يؤكد أنّ «المهرجان»
غير موجود في الواقع، مثل الكثير من المؤسسات الفلسطينية التي تكاد وظيفتها
الوحيدة تكون خلق مسميات لأصحابها. لكن المضحك المبكي أن ردّ «مدير
المهرجان» جاء تحت عنوان: «مشروع مهرجان القدس السينمائي الدولي تحدٍّ
للمهرجان الإسرائيلي»!
هكذا يُتسلَّح بمزاعم الوطنية لإخفاء فضيحة عدم وجود مهرجان، أو حتى نواة
توازي الاسم المُدّعى. ولعل هذا النوع من «التحدي» للاحتلال يذكِّر ببيت
جرير: «زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً فابشر بطول سلامة يا مربع»! ماذا يريد
الاحتلال أفضل من «تحد» مماثل؟ وما الذي يمكن أن «يرعب» الاحتلال في القدس،
أكثر من «الاحتفالات المتحدية» التي تقيمها اللجنة المرابطة في رام الله
بمناسبة «القدس عاصمة الثقافة العربية 2009»؟!
الأخبار اللبنانية في
03/08/2009 |