في محاولة جادة لتقديم الواقع المصري الذي يعيشه الإنسان ما بين القناع
الذي يرتديه على وجهه وبين الحقيقة الكامنة بداخله والتي يحاول جاهدا أن
يخفيها كتب أحمد عبد الله فيلمه «الفرح» ليستكمل به الثنائية التي جمعته مع
المخرج سامح عبد العزيز في فيلمهما الأول «كباريه».. وكان حريصا على أن يضع
أبطاله داخل هذا القيد الزمني والذي ينعكس أيضا بدوره على المكان حيث يصبح
خروج الكاميرا عن المكان الأساسي للحدث هو الاستثناء.. كانت الأحداث
الرئيسية في الفيلم الأول تجري داخل كباريه بينما في الثاني نجد أن سرادق
الفرح هو الذي احتل تلك المكانة.. الفرح بالطبع لحظة سعادة معلنة وفي
الأحياء الشعبية يتم التباهي بهذا اليوم من الصباح الباكر.. الكل ينبغي أن
يعرض على الجيران إمكانياته المادية.. الفرح هذه المرة هو كذبة كبيرة يشترك
فيها الجميع.. أسرة فقيرة تحلم بشراء ميكروباص لكي تواصل العيش.. خالد
الصاوي هو رب الأسرة لديه زوجته روجينا وأبناؤه يعيش مع أمه.. الخطة التي
تم وضع تفاصيلها تقضي بأن يشارك الجميع في هذه التمثيلية استئجار عريس
وعروس مقابل أجر ويدعي خالد الصاوي أن العروس هي أخته التي جاءت من الغربة
لتتزوج من ياسر جلال.. الأثاث يتم تأجيره من محل مقابل الحصول على أجر
ليعرض على سكان الحي في الصباح الباكر حتى تتم كل تفاصيل تلك اللعبة..
وهناك «صيوان» منصوب وفرقة موسيقية وأيضا في الفرح دائما هناك «نوبتشي»
دوره هو تسخين الجميع من أجل دفع النقوط للعروسين والمعروف أن النقوط هو
الجزء الأساسي من تلك اللعبة إنه المبلغ الذي سوف يستخدمه خالد الصاوي لكي
يشتري الميكروباص.. ومن العادات المتأصلة في الأحياء الشعبية أن تنقيط
العريس والعروس بالأموال هو الدلالة المباشرة على المكانة الاجتماعية،
ولهذا فإنه دائما ما يتحول الأمر إلى مزاد الكل يحاول أن يدفع ثمنا أكبر
وتقديمه كهدية للعروسين كل هذه التفاصيل تؤدي في نهاية الأمر إلى الفرح..
الانقلاب الميلودرامي عندما يتحول الفرح إلى مأتم وذلك في اللحظة التي تموت
فيها الأم التي أدت دورها كريمة مختار، إنها نقطة فاصلة جدا في بناء العمل
الفني عندما يجبر الجميع على مواجهة أنفسهم كل منهم يعرف أنه بصدد لعبة هم
أصحاب مصلحة في استمرار الفرح ولكن على الجانب الآخر كيف يقدم فرح والأم قد
فارقت الحياة.. نقطة فارقة جدا في بناء السيناريو ولكن اتفق الكاتب والمخرج
على أن يقدما نهايتين، أرى أنه أراد أن يكتب نهاية واحدة فقط وهي الثانية..
النهاية الأولى تحمل تحذيرا لكل من يفكر في أن يفعل ذلك ويكمل الفرح حيث أن
كل شيء يبدو وكأنه يحمل عقابا حتى الذين لم يصدروا قرار استمرار الفرح
عاقبهم فهو حريص على أن يوجه رسالة للجمهور الذي ربما يرى أن النهاية
الأولى هي المنطقية طبقا لما تتوجه إليه الأحداث.. خالد الصاوي لم يكن وحده
فقط في مواجهة خبر موت الأم على الفور يستدعي الأطراف الرئيسية في اللعبة
ليصعدوا إلى المنزل ويصبحوا أطرافا فاعلة في اتخاذ القرار.. المسؤول عن
إقامة الفرح والاتفاق مع الفرقة الموسيقية محمود الجندي و«النوبتشي» ماجد
الكدواني والمونولوجست القديم صلاح عبد الله حتى الراقصة التي أدت دورها
سوسن بدر التي كانت قد عاهدت الأم قبل رحيلها على أن تترك الرقص.. الكل
وافق على استمرار الفرح وفي الصباح يتم دفن الأم وحرص السيناريو على أن
تصبح النتيجة خسارة للجميع سرقة النقود التي تم جمعها مقابل النقطة وهكذا
ضاع أمل خالد الصاوي في شراء الميكروباص، الذي أيضا فقد زوجته روجينا بعد
أن قررت أن تهجر منزل الزوجية احتجاجا على موقفه، صلاح عبد الله
المونولوجست يجد نفسه قد أصبح مفضوحا أمام ابنه والناس تسخر منه بعد أن صعد
على المسرح لأداء فقرته والتي لم تعد تضحك أحدا، والعروسان اللذان يشتركان
في اللعبة ياسر جلال وجومانة مراد نجد أن الطبيب الذي سوف يجري لجومانة
عملية ترقيع غشاء البكارة يحاول الاعتداء عليها.. بائعة البيرة التي أدت
دورها دنيا سمير غانم تتعرض لمحاولة اغتصاب وهي تدافع عن نفسها تقتل باسم
سمرة الشاب الذي حاول الاعتداء عليها.. سوسن بدر الراقصة العجوز يسخر منها
الجمهور.. الكل خسر كل شيء.. وعلى هذا فإنه أراد من البداية التمهيد لضرورة
الاتجاه للنهاية الثانية وهي إعلان موت الأم على الجميع وإنهاء الفرح.. في
هذه الحالة سوف يكسب الجميع حتى خالد الصاوي يحصل على النقوط الذي جمعه في
بداية الفرح ولا نرى اعتداء لا على جومانة مراد ولا دنيا سمير غانم، كما أن
صلاح عبد الله لا يفتضح أمره أمام ابنه الذي كان يعتقد أن أباه مونولوجست
لا يزال شهيرا.. الكل عندما احترم الموت وجد طوق النجاة لأن الوجه الآخر هو
العقاب القاسي.. قدم الكاتب والمخرج رسالة أخلاقية مباشرة رغم أن الأمر كان
ينبغي أن يذوب في ثنايا الفيلم ثم إن العمل الفني كان لديه الفرصة لكي يفضح
التغيير القيمي الذي وصل إليه المجتمع عندما تواطأ مرتين الأولى عند إقامة
الفرح وأغلبهم يعرفون أنه فرح وهمي.. الثانية عندما قرروا الاستمرار في
اللعبة حتى النهاية ولكن يبدو أن المنطق الأخلاقي المباشر الذي دفع صناع
الفيلم إلى الارتكان إليه بالتمهيد للنهاية الثانية. في هذا الفيلم تجد
حضورا مميزا للفنانة القديرة كريمة مختار.. عادت بعد غياب إلى السينما
وأضفت على مشاهدها القليلة عمقا وألقا.. دنيا سمير غانم إنها الممثلة
الموهوبة هذه المرة في دور الفتاة المسترجلة.. تضع على وجهها «ماسك» من
الخشونة حتى تضمن ألا يعتدي عليها أحد، جومانة مراد أدت دور بنت البلد
بدرجة تفهم عالية.. ياسر جلال من هؤلاء الذين غابوا كثيرا عن السينما لكن
عودته هذه المرة أكدت جدارته بمكانة يستحقها.. أدى دور الشاب المقبل على
الزواج والذي يدافع عن شرف خطيبته بقدر واضح من الإبداع.. ماجد الكدواني
موهبة دافئة منح دوره ألقا خاصا.. كذلك صلاح عبد الله في دور صلاح وردة
المونولوجست الذي يعيش في الظل ولكنه لا يعترف بذلك.. ويبقى خالد الصاوي
الممثل المتألق الذي لا أنسى له مشهده في الفرح وهو يرقص بعد أن علم بأن
أمه قد رحلت لكنه قرر أن يواصل اللعبة كان يرقص وكأنه يحاكي قول الشاعر
القديم «كالطير يرقص مذبوحا من الألم»!! نحن بصدد شريط سينمائي حافظ فيه
المخرج سامح عبد العزيز على التتابع الزمني للأحداث لأنه يتناول يوما واحدا
وأيضا التتابع الانفعالي للشخصيات، وكاتب أراد أن يقدم بانوراما معاصرة
وكأننا بصدد لحن مصري شعبي تتعدد شخصياته وأنماطه.. من العناصر المتألقة في
الفيلم مدير التصوير جلال الذكي ومونتاج عمرو عاصم وموسيقى خالد حماد
الثلاثة كانوا أبطالا!! ورغم ذلك فإن هذا الفيلم كان أمامه الفرصة مهيأة
لكي يحلق نحو آفاق أرحب وأعلى لو أنه لم يسيطر عليه فكرة المحاكمة المباشرة
للشخصيات الدرامية ومن خلال منظور أخلاقي.. الفرح انقلب إلى مأتم وتواطأ
الجميع لاستمراره.. تلك هي اللحظة الفارقة دراميا التي تعمد المخرج أن يقفز
عليها وذهب مستسلما للقيد الأخلاقي الذي يفرض قانون الثواب والعقاب!
الشرق الأوسط في
21/08/2009 |