حسب المخرج جوزيبي تورناتوري في كلمته حول فيلم «باريا» فإن الكلمة
تعني باللغة الصقلية «ريحا ماضية تحمل الذكرى». والذكرى هي كل ما يبدو
مناطا بهذا الفيلم الذي افتتح مهرجان فينسيا السينمائي الدولي في دورته
السادسة والستين.
إنه افتتاح له أهميته، فللمرة الأولى يتم افتتاح دورة من دورات فينسيا
بفيلم إيطالي، وقد روعي أن يكون الافتتاح من نصيب فيلم كبير الإنتاج لمخرج
كبير المواصفات، و«باريا ـ باب الريح» بدا الاختيار الأفضل. فليس سهلا
إنجاز أفلام مكلفة في إيطاليا في الوقت الذي تعاني فيه هذه الصناعة من غياب
الدعم الحكومي السابق ومن سيطرة السينما التجارية وعزوف الجمهور الذي كان
يحضر أفلام فيلليني وأنطونيوني عن من يرغب في احتلال مكانيهما، وتورناتوري
أحد هؤلاء بالتأكيد.
لكن «باريا» قبل أن يكون فيلما وحالة سينمائية هو وسيط بين حالة
سياسية ومهرجان يحاول أن يدعم السينما الجيدة ويبحث عنها تحت كل كومة قش
ممكنة. بعض الإنتاجات لا داعي للبحث عنها، فهي التي تتقدم، والرغبة في
اختيار هذا الفيلم لمهرجان فينسيا كانت متساوية بين مدير المهرجان ماركو
مولر وبين مخرج الفيلم جوزيبي تورناتوري.
الفيلم هو، بين مواصفات أخرى كثيرة، صرخة يسارية حول أحلام أجهضتها
حركات التغيير التي وقعت في إيطاليا بالارتباط مع تلك التي وقعت حول
العالم. إذ ينطلق «باريا» من الثلاثينات وينتهي في الخمسينات، يسرد علينا
توالي التيارات السياسية الإيطالية من الفاشية في الثلاثينات وخلال الحرب
العالمية الثانية، إلى الشيوعية التي انتشرت في إيطاليا بعد انتهاء تلك
الحرب وخلال الخمسينات الستالينية، وصولا إلى الثمانينات حيث دخل الحزب
الشيوعي الإيطالي مرحلة جديدة من الصراعات السياسية داخل إيطاليا بعد
انهيار النظم الرسمية القريبة.
رئيس الوزراء الإيطالي الحالي سيلفيو برلسكوني أشاد بالفيلم وهو
اليميني، كذلك فعل نقاد سينمائيون يكتبون في صحف يسارية على الرغم من أن
المخرج تورناتوري، وهو يساري معروف، يعرض في فيلمه مشهدا لعودة حزبي شيوعي
إيطالي من رحلة قام بها إلى الاتحاد السوفياتي في الخمسينات، وقد تبدلت
قناعاته بعدما حصد خيبة أمل بسبب ما شاهده أيام ستالين.
بوضع هذه الملاحظات جانبا، وبالاقتراب أكثر من ماهية الفيلم وكيانه
فإن «باريا» مخيب للآمال على نحو كبير، وسيكون صعبا عليه منافسة أفلام جيدة
أخرى منتظرة قد لا تكون بالحجم الكبير نفسه، لكنها ستعمد إلى النفَس
المستقل وإلى الإبداع الذاتي والحكايات والشخصيات القابلة للتصديق كمعين
نوعي لها.
المشكلة التي تعتري «باريا» هي بحجم ضخامة إنتاجه: طوال الـ163 دقيقة
هناك سيل من المواقف المتوالية، سيل من الحوارات وعدد لا يتوقف من الشخصيات
الصغيرة والكبيرة، ورحلة زمنية عبر عقود من التاريخ الإيطالي الحديث، و40
مليون دولار دفعها المنتج التونسي طارق بن عمار عبر شركته الجديدة «إيغل».
ليس أن كل إنتاج كبير أو ضخم محكوم عليه بالفشل، وأفلام فرنسيس فورد
كوبولا، وبرناردو برتولوتشي، وسيرغي بوندارتشوك لا تزال نماذج صالحة
للدراسة. لكن ما يحدث في فيلم تورناتوري الجديد هو أن الرغبة في حشد كل هذه
القصص وكل تلك العناصر الفنية والإنتاجية في فيلم ضخم، أدى ـ وعلى نحو غير
متوقع من مخرج عُرف عنه ذكاء فني مشهود ـ إلى عمل مكثف في كل تلك النواحي،
والأهم ميكانيكي الحس والصنعة بحيث لا يمكن البحث عن مصادر ذاتية أو لقاء
بين الحكاية المسردة وبين ما قد يكون واقعا وليس مجرد رصف كتابي لخلق حالة
أو تسجيل موقف.
نرى في البداية صبيا يلعب في أحد أزقة بلدة براغيا في الثلاثينات،
يطلب منه رجل شراء علبة سجائر له. حين يتردد الصبي في تلبية الطلب يبصق
الرجل على الأرض ويقول للصبي إنه إذا عاد بالسجائر قبل أن تنشف البصقة
سيدفع له عشرين لير إيطالي. ينطلق الصبي يسابق الريح والكاميرا تركض أمامه،
ثم ها هو في فانتازيا شبه وحيدة في الفيلم، يطير فوق البلدة بأسرها لننتقل
بعد ذلك إلى سبر حياة عائلة تورينوفا التي سنصاحبها طوال الفيلم جيلا بعد
جيل.
الفيلم يقدم لنا الأب الذي لم يحصل على علم كثير ويعمل راعيا للمواشي
منذ صغره لكنه يحب القراءة، والذي نشأ ابنه صبيا وسط تقلب الحياة
الاجتماعية والسياسية في البلدة وصولا إلى شبابه، ثم زواجه، ثم إنجابه،
وذلك على الصعيد الشخصي، كذلك انضمامه إلى الحزب الذي ساد اعتقاد الأهالي
حينها أن أعضاءه «يأكلون الأطفال»، كما يقول الفيلم. هناك الكثير من الأخذ
والرد في أمور هذا الحزب وتطلعاته ومساعيه للوصول إلى الحكومة، وكيف أن بطل
الفيلم بيبينو (فرنشيسكو شيانا) شارك في الحزب عضوا وواجه في سبيل ذلك قوى
الفاشية وقوى الحكومة والمافيا على نحو متوالٍ.
لكنّ جزءا كبيرا من الفيلم ينتمي إلى بيبينو شابا، واقعا في حب
مانينا، الفتاة التي يرغب أهلها في تزويجها من صاحب أراضٍ «لا تنتهي» كما
تقول الأم، لكن بيبينو الذي لا يملك شراء خاتم نحاسي لزواجه هو الذي يفوز
بها، وكيف أنه خلص في النهاية لبناء صرح عائلة متحابة حتى حين مرت عليه
أزمات شديدة بسبب شيوعيته. في أحد المشاهد تسأله زوجته ما الذي نال العائلة
من خيرات أو حسنات منذ انضمامه إلى ذلك الحزب. على هذا لا يملك الزوج إلا
أن يتجاهل الرد على السؤال محاولا التغلب على أوجاعه بعدما نال «علقة» من
رجال الشرطة الذين تدخلوا لتفريق مظاهرة كان يشترك فيها.
هذه الاستخلاصات هي أهم ما تتمحور الأحداث حوله: حياة بيبينو قبل وبعد
زواجه، وما مر من مراحل في الحياتين الاجتماعية والسياسية لبلدة براغيا، من
دون الإدعاء أن ما مر بها هو نموذج لما مرت به إيطاليا كلها. إنه فيلم عن
طموح رجل معدم في أن يصبح قائدا سياسيا وحدود قدراته كونه شبه أميّ ولا
يملك تلك الرؤية السياسية التي يمكن لها أن تبلور له موقفا أو منهجا.
الحياة العاطفية تتناوب والحياة السياسية، لكنّ كليهما مليء بالكليشيهات
والمتوقع من التعابير والتصرفات. إنه كما لو كان المخرج مُصرّ على أن
يستبدل كل ما هو ذاتي (من عنده ومن عند ممثليه) بالحركة والكلمة. وعلى ذكر
الكلمة لن يكون هذا الناقد مدهوشا إذا ما تم إحصاء عدد الكلمات في هذا
الفيلم فوصل إلى مليون أو يزيد. لا شيء صامت، لا شيء للتأمل ولا فترات هدوء
ولو بسيطة، بل لهاث من قبل الممثلين عموما، وفي إطار أحداث متراكضة في
أجواء منفوخة عوض أن تكون مشحونة.
إلى ذلك كله فإن الموسيقار البديع عادة إنيو موريكوني ينجح في ملاقاة
كل ذلك بمثيله من الموسيقى، من حيث إنها تخفق في أن تتساوى ونوعية وقيمة
أعماله السابقة. إلى ذلك فإن المخرج يستخدمها كما لو كانت قنابل صوتية، كل
مقطوعة منها تنجز مهمة شبيهة بالمقطوعة السابقة من حيث عدم تأثيرها مطلقا
على صعيد فني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما كان يمكن أن يُلتقط طوال العرض من خامات
تمثيلية جيدة يقضي تورناتوري عليه بتلك الحركة المونتاجية اللاهثة. الممثل
ربما أدى المشهد صحيحا وبذل فيه من موهبته حين وقف أمام الكاميرا، لكن
التوليف يأخذ على عاتقه (وقد قام به ماسيمو غواغليا) تدمير هذا الجهد
بنقلات سريعة مكهربة تزيد من حركة الفيلم في اتجاهات مبعثرة تفتقد المنهج
الصحيح.
مفاجآت فينيسيا أميركية وإيرانية
هذا العام أعلن المهرجان عن أربع مفاجآت، وبعد أسبوع أعلن ما هي..
المخرج الأميركي جو دانتي، الذي كانت له صولة وجولة في الثمانينات، سيقدم
فيلمه الجديد «The
Movie Orgy- Ultimate Version»، وهو مؤلف من عشرات الأفلام الصغيرة (فئة
ب كما كانوا يقولون) من إنتاج الخمسينات والستينات التي كان شاهدها دانتي
صبيا وشابا وأحبها وجمع منها أجزاء تكشف عن سينما لم يعد لها وجود. ليس
لأنه لم تعد هناك أفلام صغيرة الإنتاج، بل لأن ما تم توفيره في تلك
الأفلام، مهما كان ضعيفا ـ وأحيانا كثيرة رديئا ـ فإنه كان ناطقا بفترة من
البذل والإبداع لم يعد سائدا اليوم.
المخرج لم يحقق فيلمه هذا مؤخرا، بل أنجزه سنة 1968 من سبع ساعات، ما
فعله قبل المجيء إلى فينسيا هو تنظيفه وحذف معظمه لكي يعرضه في مدة زمنية
معقولة لا تزيد عن ثلاث ساعات.
الفيلم «المفاجأة» الآخر الذي أعلن عنه هو فيلم بعنوان «أيام خضراء»
وهو آخر إنتاجات عائلة مخملباف السينمائية التي يقودها المخرج الإيراني
محسن مخملباف، والتي تضم زوجته وابنتيه، وكل منهن صنعت فيلما أو أكثر في
غضون السنوات العشر الماضية.
الفيلم المختار للعرض من توقيع هنا مخملباف، التي تبلغ من العمر إحدى
وعشرين سنة، والتي كانت حققت أول أفلامها سنة 2003 حين كانت لا تزال في
الخامسة عشرة من العمر. عنوان ذلك الفيلم الذي اشترك في دورة ذلك العام هو
«بهجة الجنون». فيلم «أيام خضراء» مرحب به هنا لكونه يتحدث عن الانتفاضة
التي سادت الشارع الإيراني مؤخرا، مستعينا بمشاهد وثائقية كما يتحدث عن وضع
المرأة بشكل عام. وعن المخرجة قولها إن الكاميرا تعمل مثل «المرآة التي
تعكس جوانب الحياة الإيرانية والثورة التحتية التي تحمل في طياتها الآمال
والشكوك».
الفيلم الثالث من نصيب المخرج البريطاني بيتر غريناواي الذي يطلق
فيلمه التجريبي الجديد «الزواج». منذ سنوات وغريناواي يغني وحيدا في حقله،
صانعا أفلاما بالغة الخصوصية في منحاها واهتماماتها وأساليب عرضها، وهذا
الفيلم الجديد يحتفي بفن الرسم واللوحات الرومانسية كما فعل في مناسبات عدة
من قبل. ذات مرة التقيت بالمخرج هنا وقال في مقابلة: «لا أريد أن أنتمي إلى
أي سينما معروفة أو غير معروفة. يهمني أكثر أن أنقل الفنون المختلفة إلى
أفلامي لكي أحيي الإبداع الإنساني الكامن فيها».
أما الفيلم الرابع فهو من أنجيلا إسماعيلوس، وهي فنانة يونانية تعيش
في نيويورك وقد أنجزت فيلما وثائقيا حول فناني السينما العالميين بعنوان
«مخرجون عظماء». ومن الذين تسلط عليهم المخرجة الضوء في فيلمها هذا
المخرجين الأميركيين المستقلين جون سايلس ورتشارد لنكلتر، والمخرجين
البريطانيين كن لوتس وستيفن فريرز، والإيطالي برناردو برتولوتشي، والمخرج
الأميركي المعروف ديفيد لينش.
أفلام أخرى معروضة: نوم في «شهرزاد» ورحلة بعد نهاية العالم
الإقبال على العرض الأول للفيلم المصري «احكي يا شهرزاد» كان حاشدا في
معظمه، وكل شيء بدا مشجعا لاستقبال فيلم من مخرج شق طريقه إلى عدد كبير من
المهرجانات العالمية وإن لم ينجز بعد الفيلم الذي يخرج بجائزة رئيسية من
تلك المهرجانات. ليس أن «احكي يا شهرزاد» مشترك في المسابقة هنا، لكن منوال
المخرج من الأعمال ينزل في منتصف الطريق بين المشاهد العربي والمشاهد
الغربي من دون أن يستحوذ كاملا على أي منهما.
فيلمه هذا من كتابة وحيد حامد ويبدأ على نحو تقليدي للغاية: التعريف
بالزوجة (منى زكي) التي لديها برنامج تلفزيوني يناقش القضايا السياسية
بجرأة وصراحة، مما يؤثر على محاولات زوجها (حسن الرداد) المتزلفة لبلوغ
منصب رئيس التحرير، إذ لا يستطيع الوصول إلى ذلك الحلم المقضي عليه
بالانتهازية من اللحظة الأولى إلا إذا توقفت زوجته عن طرح مثل تلك
المواضيع، وهي لاحقا توافق وتبدأ بانتخاب نماذج نسائية لديها ما تحكيه من
وقائع ومشكلات، ولو أنها جميعا تصب في السياسة. هنا ومع النموذج الأول
ينتقل الفيلم من ذلك التمهيد إلى مرحلة سرد الحكايات التي تتولى النماذج
النسائية الإدلاء بها على الهواء أمام حفنة من الجمهور في الاستوديو وجمهور
من المشاهدين، بينهم زوج المقدمة الذي يرتفع ضغط دمه كلما بدا أن البرنامج
سيعود إلى الحديث في موضوع شائك.
القصة الأولى تخص امرأة اختارت العيش في المصحة النفسية بعيدا عن
المجتمع، كونها لم تجد الشخص الذي تحبه ولم تشأ الكذب على نفسها وتتزوج من
أي كان. والثانية تخص السجينة التي، بعد خمسة عشر عاما في السجن، تعيش الآن
مع سجانتها في منزل الثانية، والتي كانت قتلت رجلا غرر بها وبشقيقتيها في
قصة فضفاضة وممطوطة. ثم يأتي دور الحكاية الثالثة فإذا بها عن طبيبة أسنان
يزورها رجل الأعمال والنافذ الحكومي أدهم (محمود حميدة) ويقنعها بالزواج،
ثم ينجلي الموقف فإذا به مخادع يمتهن ابتزاز النساء اللواتي يعرفهن.
ليس أن كل الرجال في هذا الفيلم «وِحشين» كما يقولون في مصر، لكن
المسألة سينمائيا أسوأ من ذلك. في الحكاية الأولى ينام الفيلم، وفي الثانية
يشخر، وفي الثالثة يصحو قليلا (شكرا لوجود محمود حميدة)، ثم يغفو مجددا بعد
أن يعود الفيلم لإغلاق نافذته المفتوحة حول العلاقة بين مقدمة البرنامج
وزوجها الصحافي، فهو خسر المنصب الذي تراءى له ويلوم زوجته على ذلك
ويضربها، ويأتي تصفيق الجمهور الأجنبي موافقا، مفهومة ومُوافق عليها، لموقف
الفيلم المؤيد للحقوق المهدورة للنماذج النسائية التي شاهدناها في الفيلم.
لا شيء للإبداع هنا، وكل شيء لسرد حالات تريد أن تنتقد لكنها تكتفي
بسرد حكايات ناقدة، والفرق كبير. حين ينتقل الفيلم إلى حكاية ما فإنه يعود
إلى الخط الأول الممتد بين الزوج وزوجته ولو في مشاهد صغيرة، نرى فيها
الزوجة في الاستوديو ملتقطة من شاشة «المونيتور» بينما ضيفتها المتحدثة
بكاميرا حية. ثم العكس أيضا يقع: المقدمة بكاميرا حية والضيفة على
المونيتور. ربما مرتين أو ثلاثة من هذا التناوب مقبول، لكن بعد ذلك تريد أن
تعرف لماذا. والجواب ليس في الفيلم.
الطريق: النهاية على مرمى حجر والأمل معدوم
في عام 2005 قدم المخرج (الجديد حينها) جون هيلكوت فيلم وسترن أسترالي
بعنوان «العرض»، حول حاكم محلي في مطلع القرن الماضي (توم ولكنسون) يعرض
على شرير كان الحاكم ألقى القبض عليه (غاي بيرس) أن يصطاد أخاه. المهمة
صعبة أخلاقيا لأن من المفترض لذلك الشرير البسيط أن يقتل شقيقه، وصعبة
تنفيذيا بسبب الرحلة المنهكة التي عليه اجتيازها وصولا إلى مكان أخيه ثم
العودة للانتقام من ذلك الحاكم.
الفيلم وجد إعجابا من قبل نقاد كثيرين، والنقلة التالية بالنسبة
للمخرج جون هيلكوت كانت الانتقال، قبل برود تأثير ردود الفعل الإيجابية،
إلى هوليوود لإنجاز فيلم فيها.
النتيجة «الطريق» عن رواية لكورماك مكارثي (كاتب «لا بلد للمسنين»)
تتحدث عن مستقبل قريب تصبح فيه الأرض دمارا شاملا ولا يبقى من أحيائه سوى
قلة من السكان، يقتات معظمهم لحم الآخر بعدما نفد الطعام.
إنه مشروع صعب كون معظم الأحداث من نسيج رجل (بلا اسم في الفيلم ويقوم
به فيغو مورتنسن) وابنه الصغير (كودي سميت ماكفي) وهما يشقان طريقهما مشيا
عبر أرض أميركية مليئة بالخراب والدمار وخطر السقوط تحت أنياب آكلي لحوم
البشر.
هذا مع «فلاشباكات» مقتضبة للزوجة والأم (تشارليز ثيرون) في فترة ما
قبل مقتلها (الذي لا نراه على الشاشة، بل يتناهى إلينا سمعا)، وهي التي
كانت تخشى على سلامتها وسلامة ابنها. طوال الطريق يحاول الرجل الدفاع عن
ابنه، ولا تستطيع أن تجد في ذلك لوما أو تخطئة حتى حين يأتي دفاعه قاسيا
(مشهد له وهو يعري رجلا من كل ملابسه ويتركه لمصيره بعدما كان ذلك الرجل
سرق طعاما من ابنه).
الصعوبة هي في أن صلب هذا الفيلم هو رحلة من شخصين ليس لديهما الكثير
لتبادله سوى وصف ما يقع على الشاشة، والذي ليس من الصعب فهمه واستيعابه.
هذا الفيلم جيد الصنعة تقنيا لكنه يحتوي على مساحات ضئيلة لبلورة تطورات
درامية ما أو شخصية أيضا. في النهاية هناك ذلك المشهد الذي ينضم فيه الصبي
إلى عائلة أخرى تشق طريقها صوب المجهول فوق أرض مليئة بالأشجار التي تسقط
من طولها والمنازل المهدمة والموت السائد، لكن المفاد هنا لا يستطيع أن
يعلو عن الطروحات ذاتها، مما يعني أن مزيدا من الأحداث تنتظر العائلة
الجديدة، ثم ماذا بعد؟
أخبار ومتفرقات سينمائية من فينيسيا وخارجها
عدد الوفد المصري الرسمي الذي حط على جزيرة السان ليدو لمواكبة فيلم
«المسافر» للمخرج أحمد ماهر، سيصل إلى 28 فردا من مسؤولين وإعلاميين. السبب
هو أن الفيلم من إنتاج وزارة الثقافة المصرية التي تزمع توظيف حقيقة اشتراك
هذا الفيلم في المسابقة على أفضل وجه ممكن.
* مهرجان زيورخ الذي سينطلق في الثالث من أكتوبر
(تشرين الأول) سيحتفي بالممثل الأميركي مورغن فريمن. كان المهرجان السويسري
قد احتفى بالممثل سيلفستر ستالون الذي سيستلم في فينسيا جائزة شرفية عن
مجمل أعماله، خلال الأيام القليلة المقبلة.
* الممثلة إيفا منديز، الوجه الجميل الوحيد في فيلم تورناتوري
«باريا»، وصلت إلى فينسيا لحضور الفيلم في عرضه الرسمي، وفي اليوم التالي
جلست إلى جانب المخرج في مؤتمر صحافي لتتحدث عن تجربتها في الفيلم. حاليا
تستعد لدخول تصوير فيلم «الاتجاه جنوبا» إلى جانب الممثل ماثيو مكونوفي.
* أقامت شركة «ونستين» الأميركية حفلة عشاء على شرف فيلم «باريا» الذي
اشترت حقوقه لشمالي أميركا، وفي ليل اليوم التالي (الخميس) أقامت حفلة أخرى
لفيلم «الطريق» بحضور المخرج هيلكوت والممثلين تشارليز ثيرون وفيغو مورتنسن.
* كازاخستان هي أول دولة تعلن ترشيح فيلم من عندها لمسابقة أوسكار
أفضل فيلم أجنبي، إذ أعلنت أنها انتخبت فيلما بعنوان «كَلين» ليشق طريقه في
تلك المسابقة المقبلة. لا معلومات عن الفيلم كونه سيشهد عرضه العالمي الأول
في إطار مهرجان تورنتو السينمائي الذي سيقام ما بين العاشر والاثنين
والعشرين من الشهر الجاري.
الشرق الأوسط في
04/09/2009 |