على مدى يومين انطلقت عروض أربعة أفلام تمثّل، في حكاياتها كما في
إنتاجات غالبها، منطقة “الشرق الأوسط”.
البداية كانت مع عرض فيلمين مصريين ضمن مسابقات المهرجان. الأول “واحد
صفر” لكاملة أبو ذكري ويعرض (في مسابقة قسم “آفاق” والثاني “المسافر” لأحمد
ماهر “المسابقة الرئيسية”. في اليوم السابق له، تم عرض الفيلم الألماني
“نساء بلا رجال”، الذي أخرجته ايرانية حول ايران الأمس أسمها شيرين نزهت
وذلك بعد عرض الفيلم الوارد من الكيان المغتصب “لبنان”.
إذا ما كان “لبنان” فيلماً خبيثاً مبطّنا بشخصيات تبدو جميعاً كما لو
كانت حمامات سلام فَرَض عليها لبنان والعرب الحرب، فإن “تيمة” فيلم شيرين
نزهت وحبكة فيلمها “نساء بلا رجال” لا تعوّضان فقط غياب الواقع السياسي
للفيلم “الإسرائيلي”، بل تعوّض أيضاً غياب الفن الحقيقي فيه. بالنسبة
لأولئك الذين يرون أن المخرج “الإسرائيلي” صاموئيل عاموز أقدم على إنجاز
فني لكونه صوّر 99،99 في المائة من فيلمه داخل دبّابة، فإن الإنجاز تقني
وليس عملاً فنيّاً جيّداً او رديئاً. في المقابل، فيلم شيرين نزهت التي
وُلدت في إيران وتعيش في نيويورك وموّلت فيلمها من شركة ألمانية تؤمن الفن
للفيلم الذي تتناوله مصحوباً بلمسات شعرية رائعة في وصفها وفي سكونها
ولحظاتها.
الفيلم عن أربع نساء يعشن عالماً متوتّراً في حمى أزمة 1953 بين إيران
والغرب. في ذلك العام، كان عمر حكومة محمد مصدّق بلغ سنتين، وكانت بريطانيا
والمخابرات الأمريكية تعمل على تقويض رئاسته للوزراء على الرغم من التأييد
الكبير الذي كان يحظى به بين طبقات الشعب، وهذا ما استطاع الغرب فعله فأصدر
الشاه محمد رضا بهلوي أمراً للجيش بأن يتحرّك لإلقاء القبض على محمد مصدق
والسيطرة على الأمن المهتز في طهران وكانت تلك الحركة المضادّة مطلع سلسلة
من الأفعال المضادّة لأي حركة شبابية او شعبية معادية للنظام قدّر لها أن
تنمو الى حين قيام نظام الثورة الإسلامية. لكن سنوات طويلة قبل تلك الثورة
كان الحزب الشيوعي في ايران من بين أكثر الأحزاب والجهات المعارضة للشاه
نشاطاً وتم التعامل معه بحزم عن طريق جهاز السافاك المخابراتي تنتقل
المخرجة بين هذه الوقائع السياسية على الأرض من دون ذكر الثورة الخمينية لا
من قريب ولا من بعيد. فهي تحصر فيلمها في ذلك العام وتحيط بإتجاهات الشارع
والنظام معاً من دون أن تفقد، في الوقت ذاته، ذلك الخيط الإنساني والأنثوي
الجامع بين شخصياتها الأربع: امرأة بلغت الثلاثين وما زالت غير راغبة
بالزواج بسبب ما يكتنفه رأسها من عوامل تمرّد على الوضع، وصديقتها التي لا
تجد من يؤويها بعدما اعتدى عليها شابّان ذات ليلة، وفتاة ليل تتمرّد بدورها
على وضعها ثم زوجة كولونيل في الجيش الإيراني تنهار أحلامها في علاقة
عاطفية وهي التي تشعر بأنها تعيش على هامش الحياة كونها لم تعد قادرة على
تحمّل زوجها المختلف والملتزم بشؤون عمله فوق واجباته الزوجية.
مصير ثلاث من الأربع الى بيت غامض وسط بستان كبير تسكنه أشجار عالية
ويمر به نهر جميل، ساكن ووديع. يتقدّمه طريق طويل يبدو كما لو أنه يوصل
السائر فيه ما بين الحياة الاجتماعية المرفوضة سياسياً واجتماعياً وبين أمل
في حياة أفضل. وما تلبث ساكنات المنزل أن يشعرن بالتآلف ويجدن بعض القوّة
النفسية في ذلك الجو المنعزل باستثناء أن المرض كان اشتد على فتاة الليل
بعدما وُجدت مغشياً عليها في النهر، فماتت في الليلة التي تدعو فيه زوجة
الكولونيل الى حفلة في القصر، فيلبّي الدعوة رجال ونساء الطبقة العسكرية
ورجال الأعمال المرفّهون. أما المرأة الرابعة، التي عادت، بشكل رمزي إنما
غير مشبع، للحياة بعد انتحارها، فتنضم الى الحزب الشيوعي وتشهد انهيار
قوائمه في غارات ليليلة تضعها المخرجة متزامنة مع تلك الليلة التي تكتشف
فيها أن الرجل الذي بالغ في لطفه معها لم يكن يحبّها كما اعتقدت بل ها هو
يجلب الى الحفلة زوجة المستقبل: امرأة أمريكية. زوجة الكولونيل تغنّي أغنية
حزينة ينتهي الفيلم بها.
الفيلم مختلف في كل شؤونه عن الأفلام الإيرانية التي اعتدنا مشاهدتها
وتحديداً على صعيد القصّة كما على صعيد الأسلوب. لا كاميرا محمولة ومهتزة
كما لا حديث عن إيران اليوم لا مع الثورة الإيرانية ولا ضدّها. لكنه، في كل
الأحوال، يبقى مرتبطاً بتاريخ ليس بعيداً عن الحاضر بل معنياً ببحث ماضي
الواقع الآني من دون خطابة او مواقف. مشكلته في التنسيق بين الحكايات ذات
الصدى الواقعي الجانب السياسي من مظاهرات وفلتان أمني. وبين تلك ذات
المستوى الشعري والرمزي. يبدو الفيلم غير متّحد في جانبيه وعدم تناسقه يؤدي
الى اختلال.
مصر اليوم
فيلم كاملة أبو ذكرى “واحد صفر” يتحدّث عن مصر اليوم من خلال شخصيات
عديدة تجسّدها نهاية تجمع بين معظم هذه الشخصيات. إنها القاهرة خلال يوم
سينتهي بانتصار فريق كرة القدم المصري. كل الأحداث التي تقع خلال 24 ساعة
سابقة ستؤدي الى تلك المباراة ليس لأن المباراة بذاتها لها علاقة مع ما
يدور في ملعب الحياة، بل لأن النصر الذي سيحدث يصهر الخلافات ويوحّد الناس
في نهاية تعكس حب المصريين لمصر رغم كل ما يعانونه من آلام فيها وأحياناً
بسببها.
شخصيات تبدو لا علاقة لأي منها بالآخر لوقت طويل: المرأة التي وصلت
الى منتصف العمر أو فوقه بقليل والتي تبيع مواد تجميلية تدّعي بأنها تزيل
التجاعيد. لا نعرف أن الشاب الكوافير الذي يسرق من المحل الذي يعمل فيه
أدوات عمله ليفتتح بها دكّانه الخاص هو ابنها إلا بعد أن يُضبط ويُطرد
ويلجأ الى بيت أمّه باحثاً عن المال الذي يعتقد أنها تخفيه. إحدى زبوناتها
هي المرأة المسيحية المتقدّمة أيضاً في السن والنضج إلهام شاهين التي تعيش
منفصلة عن زوجها وتكتشف أنها حامل من صديقها فتطلب من الكنيسة حلاً لأنها
كانت طلبت الطلاق. هناك حلان، يقول لها المحامي: “إما رفع دعوى على الزوج
او التحوّل عن الدين المسيحي الى الدين الإسلامي”.
لا نعلم أن مقدّم أحد البرامج الترفيهية على الشاشة الصغيرة (خالد أبو
النجا) هو صديقها والد الجنين. إنه مدمن كحول وله نيّة النيل من ضيفته
المغنيّة بهدف رفع أسهم برنامجه. هذه لديها صديقه (حسين الإمام) الذي
يستغلّها لكنها تنفق على أمها وشقيقتها التي ترتدي الحجاب وهذه تأخذ
لنفسها، ولأول مرّة، موعداً مع بائع السندويتشات الشاب الطيّب الذي بدأ في
الوقوع في حبّها.
في تلك الليلة الحاسمة سيضرب مقدّم البرنامج بسيارته صبياً وسيتشابك
الكوافير مع صديق المغنية (لأن المغنية كانت صديقته منذ زمن) وسيلقى القبض
على الفتاة المحجّبة والشاب بعدما كانت ردّت محاولات الشرطي عنها فعمد الى
الانتقام علماً بأنهما لم يفعلا منكراً في الشارع كما يدّعي وستتجمّع كافة
الخيوط في اللحظة التي يعلن فيها انتصار الفريق المصري لتنفجر مصر بالفرحين
ولتذوب تلك المشاكل وغيرها في فرحة عارمة.
تلك النهاية تجسيد لحب مصري يمسح، ولو لحين، كل تلك الآلام التي
يعيشها الشعب المصري نتيجة الظروف الاقتصادية والأحلام الكبيرة التي تواجهه
وتحول دون تحقيقها جدران من الإحباطات والمشكلات المختلفة.
فيلم كاملة أبو ذكرى رائع في قدرته على التعامل مع كل تلك الخيوط من
دون الغرق في أي من التبعات. لا حبكات ملتوية ولا غموض مواقف ولا غلاظة في
عرض الأحداث. الممثلون جميعاً جيّدون خصوصاً غير المعروفين بالضرورة مثل
نيللي كريم وأحمد الفيشاوي وانتصار، والمخرجة تمنح ممثليها مواقف عصيبة
يبرهنون فيها عن عواطفهم كما حسن أداءاتهم وترجماتهم لتلك العواطف. الناحية
المتكررة الوحيدة التي يجب الوقوف عندها هي حركة الكاميرا ما بين شخصين في
المشهد الواحد. ليس التصوير بذاته (فهو رائع بفضل نانسي عبدالفتاح) بل
تصميم اللقطة التي حددتها المخرجة كما رأت أنها ضرورية.
أما فيلم أحمد ماهر “المسافر” فهو فيلم تجريدي معاش بأحاسيس مختلفة
وينتمي الى سينما ذات مشاهد بصرية تسيطر على العين لكنها لا تستطيع أن
تقتحم الفؤاد او النفس. السبب هو أن هذه المشاهد تتبلور كجماليات مناخية
مصنوعة لذاتها وغير متّصلة بأبعادها على نحو فعلي ما يجعلها مقطوعة بعيداً
عن الواقع او مغتربة عن الأبعاد التي في بال مخرجها.
فيلم أحمد ماهر، في هذا الصدد، عمل للنظر ثم الانصراف. تتمتّع به
العين لكن البال يلح في أن يستوعب ما هو وراء الصورة. وهذا ما كان يمكن له
أن يصنع الفيلم الجيّد. والفيلم مملوء بالتساؤلات التي لا تجد أجوبة، يدور
حول رجل مر في كل تلك العصور وبدأ بها باحثاً عن امرأة أنجب منها وانقطع
عنها ثم تعرّف الى ابنته التي مات شقيقها الذي يمكن أن يكون من زوج المرأة
ثم على حفيده. لكن العلاقات ليست بهذه السهولة التي قد توحي بها الكلمات.
ما بين كل شخصيّتين في هذا الفيلم (وهناك شخصيات أخرى عدّة أخرى غير هذه
المذكورة) هو فراغ أبيض بنقاط غير موصولة. مساحات تنتظر من المخرج أن
يعبّئها ولو ببعض الحياة لكنه لا يفعل.
أحد النقاد ذكر أن هذا من شيم المخرجين الكبار وضرب مثلاً ثيو
أنجيلوبولوس وألكسندر سوخاروف، لكن هذا في الظاهر: الإيقاع ورتابة الصورة
والمناخ المشيّد جيّداً والمشاهد التي تثير التأمّل كلها موجودة، لكن في
سينمات الآخرين ليست موجودة لتكون موجودة وحسب بل هناك قراءات ثرية تنضح
بها الشاشة وليس مجرّد اسئلة لا يجد المشاهد، مهما كان قادراً على التحليل
ومهما كان معجباً بما يراه، أجوبة عليها.
الخليج الإماراتية في
11/09/2009
عمر الشريف وسيرين عبد النور
عمر الشريف: لا جدوى من المستقبل والماضي في مثل سني
البندقية- يحظى النجم المصري العالمي عمر الشريف باستقبال حار في
البندقية حيث يتحلق المعجبون حوله كيفما تحرك في جزيرة الليدو وتسلط عليه
الاضواء في المهرجان السينمائي الدولي.
وكما أقبل المعجبون في الأيام الماضية على جورج كلوني ونيكولاس كيج
وغيرهم من النجوم، تحلقوا حول عمر الشريف الذي يجيد الايطالية التي تحدث
بها خلال مؤتمر صحافي عقد بعد ظهر اليوم الخميس بمناسبة عرض فيلم "المسافر"
لأحمد ماهر.
وبالنسبة للنجم السينمائي المصري لا يمثل المستقبل أو الماضي أي جدوى
فهو لا يهتم سوى بالحاضر.
وقال الشريف "أعتقد أن التفكير في المستقبل هو شيء للشباب.. والتفكير
في الماضي لا طائل منه عندما يتقدم بك العمر."
وأضاف "في الحياة.. محوت فعلا كل شي مضى بالفعل".
وتابع "كل لحظة هي مثل هذه بالنسبة لي الآن وهكذا ينبغي أن تكون. كي
تعيش بشكل جيد في مثل عمري يجب عليك دائما أن تفكر في تركيز انتباهك في
اللحظة الحالية واللحظة التي تعيشها لانك لا تعرف كم من العمر ستحيا."
وقال عمر الشريف في المؤتمر الصحفي ان "الخوف مهنيا كان حاضرا في
السنوات الخمس الاولى التي قضيتها في هوليوود حيث كنت اقبل فيها ما يعرض
علي من ادوار واقول نعم دائما".
واضاف "لم اكن اتكلم او اعترض حتى حين لم تكن الاستديوهات وشركة +ام
جي ام+ تدفع لي مستحقاتي كممثل".
وتابع "وقتها نصحني البعض برفع دعوى لكني لم افعل. كنت العربي الوحيد
في هوليود والمنتجون جميعا من اليهود".
وقال عمر الشريف "كنت اخاف ان يحكم علي خطأ في بلدي مصر بسبب ذلك وان
يحكم علي خطأ في هوليوود لكوني عربي كنت احسب كل خطوة واحاول ان اعرف اين
اضع قدمي".
واوضح ان الوضع اختلف بعد ان كبر. وبعد ادائه دور دكتور جيفاغو الذي
تقاضى لقاءه 15 الف دولار ولدور بجانب باربرة سترايسند في شريط "فاني غيرل"،
قال الشريف انه احس "باني بدأت اصبح حرا فيما اريد قوله".
وتحدث عن تأثير مهنته وشهرته العالمية على حياته الشخصية. وقال "انا
الممثل الوحيد الذي يعيش في فندق كوني دائم التنقل ودائما على سفر".
وكرر ما قاله في مناسبات سابقة من انه عاش مغامرات كثيرة مع النساء.
وشرح الشريف أيضا كيف أن زواجه من الممثلة المصرية فاتن حمامة لم ينج بسبب
سفراته المستمرة المرتبطة بعمله. وقال "منذ عام 1966 لم أعش مطلقا مع
امرأة.. عشت فقط في الفنادق وأتناول طعامي في المطاعم. حياتي كانت سعيدة
جدا.. لا أشكو".. "لقد كان لي مغامرتين مع النساء.. لكنهما لم يكونا الحب
الكبير. كان لدي حب كبير مرة واحدة مع زوجتي فاتن حمامة.. يجب أن أقول
ذلك."
من جهة أخرى، قال عمر الشريف ان الشهرة "شيء لا أحس به على جسدي ولا
تغريني ولا افكر بنفسي كنجم من الناحية الذهنية. عندي اصدقاء ليس لهم اي
علاقة بالسينما".
وعمر الشريف الذي يبلغ الثامنة والسبعين، يرى ان ما يعيشه جيل اليوم
في مصر اصعب مما عاشه جيله.
وقال ان "جيلي كان جميلا والجميع في الماضي كانوا يملكون ما يأكلون.
اليوم على الجميع انتزاع اللقمة انتزاعا". واضاف ان "الجيل الجديد اكثر
انفتاحا على الغرب بينما كان جيلي اكثر في الآفاق العربية".
ويلعب الشريف دور رجل يدعى حسن في شيخوخته في أول أفلام المخرج أحمد
ماهر الروائية الطويلة "المسافر". ويتناول الفيلم ما يحدث لحسن في ثلاثة
أيام هامة في حياته الاول في عام 1948 والثاني في عام 1973 والثالث في عام
2001.
وتستكشف القصة الزمان والماضي بينما يسعى حسن المسن للاتصال مجددا
بتاريخه الشخصي عن طريق علي الصغير الذي يقتنع بأنه حفيده.
الخليج الإماراتية في
11/09/2009 |