تتضمن مقدمة كتاب “لقطة مقربة السينما الإيرانية ماضياً، حاضراً،
مستقبلاً” الصادر عن المؤسسة العامة للسينما في دمشق، سلسلة “الفن السابع”
أفكاراً تستحق التأمل في أبعادها بسبب من أهميتها بالنسبة لسينما العالم
النامي، الكتاب من تأليف الباحث الإيراني حميدو باشي، والذي يعلن في مقدمته
الخاصة بالترجمة العربية لكتابه المهم، عن شكره لمترجم الكتاب عارف حديقة،
ولكل من أسهم في إصداره باللغة العربية.
يكتب حميدو باشي: “فرحي برؤيته مترجما إلى العربية له أسباب متعددة تتجاوز
زهو الكاتب وغروره، فأنا أشاطر الكاتب المتميز، والصديق العزيز، إلياس
خوري، اقتناعه بأن التواصل الأفقي بين مثقفي ما يدعى “العالم الثالث” ضرورة
ملحة ولكنها مع الأسف مفتقدة”. ويضيف لاحقاً: “..الواقع هو أن الكثير من
التواصل الثقافي بين ما يدعى “الغرب” وسائر الشعوب قد جرى حسب مبدأ القوة”.
يطرح الباحث من إشارته إلى مبدأ القوة في تعامل الغرب مع بقية الشعوب
مفارقة مؤسفة حيث يؤكد، مستخدما السينما الإيرانية نموذجاً، أن: “ما تتمتع
به السينما الإيرانية الآن من اهتمام عالمي مرده على وجه الحصر تقريبا إلى
الاهتمام الذي أبداه الوسط السينمائي الفرنسي”، ويضيف: “إن لمهرجان كان
السينمائي قدرة هائلة على خلق سينما وطنية أو تحطيمها”.
“.. خلق سينما وطنية أو تحطيمها”، هذه الفقرة الأخيرة تحتاج منا إلى بعض
التوضيح أو التصويب، وذلك كي نستوعب أهمية الاستنتاج الذي يتوصل إليه
الباحث، فدعم أية سينما وطنية من قبل مهرجان كان، من خلال الجوائز والشهرة
الإعلامية بمشاركة النقاد السينمائيين، ثم فتح الطريق أمام إمكانات التوزيع
والتسويق، وما يتلوه من دعم مؤسسات الإنتاج الغربية لأفلام أو لمشاريع
أفلام مخرجي الشعوب الأخرى، خاصة من جيل الشباب الذين يبحثون عن التمويل
الأجنبي إذ لا يجدون وسيلة أخرى لتمويل مشاريع أفلامهم، هو دعم يفترض أو
يشترط، وجود موضوعات وأفكار ومعالجات، يقر الكثير من المراقبين المعنيين
بأنها تهدف في النهاية إلى الاستجابة لما يريد الممول رؤيته، أي، حسب تعبير
الباحث، تحقيق “مبدأ القوة”. لذلك، وكي يكون الدعم العالمي متحررا من قيود
واستحقاقات مبدأ القوة، يستنتج الباحث أن: “على نقّاد الثقافة في كافة
أرجاء العالم أن يخلقوا ويعززوا التواصلات الإقليمية التي توطد جيوب
المقاومات المحلية للعولمة الثقافية”.
هنا لا بد أن نلاحظ أنه إذا كان النقاد السينمائيون في بلدان العالم النامي
تحديدا لا يستطيعون أن يلعبوا أي دور في مجال إنتاج وتمويل وتوزيع الأفلام
فإنهم مدعوون أكثر من غيرهم لتشكيل قوى دعم ثقافية لأفلام العالم النامي
وتشكيل جيوب مقاومة سينمائية ثقافية ضد هيمنة السينما التجارية وتحديدا،
السينما التجارية الأمريكية والسينمات الأخرى المتأثرة بها، على الوعي
والذوق السينمائي لدى عامة الناس، هذا يعني الحاجة لاهتمام أكبر بالتعريف
بسينما مختلفة والتعريف بالأفلام التي تنتج في سائر أنحاء العالم خارج
منظومة السينما التجارية، التعريف ليس فقط من خلال المقالات والدراسات، بل
حتى من خلال عرض هذه الأفلام على نطاق واسع من خلال الأندية السينمائية
والعروض الخاصة وغيرها، وهو أمر لم يعد صعبا مع توفر نسخ الأفلام على أشرطة
“دي في دي” أو حتى قرصنة الأفلام من خلال مواقع تنزيل الأفلام على الانترنت
(نلاحظ هنا أنه بالنسبة لقوانين حماية الملكية، تندرج عملية قرصنة الأفلام
بهدف عرضها عروضاً ثقافية تحت بند “الاستعمال العادل”)، مقابل ذلك على
النقاد السينمائيين الامتناع عن الترويج لأفلام السينما التجارية التي
تفتقر لأية قيمة ثقافية أو فنية إبداعية ولنجومها من الممثلين والممثلات
الذين هم، في واقع الحال، مجرد أدوات مساعدة لصناعة السينما التجارية.
على النقاد السينمائيين الوطنيين أن يشرحوا أن الإيراني عباس كيروستامي
والتونسي نوري بو زيد والتشادي محمد صالح هارون وغيرهم، هم أهم بكثير
إبداعياً من “تارانتينو” وبقية نجوم الإخراج في صناعة السينما ذات
الإمكانيات الإنتاجية الوفيرة، وهم، بأفلامهم، أقرب ثقافياً إلى شعوبهم
والأقدر على التعبير عن الهوية الوطنية الحضارية. في ختام مقدمته يكتب
المؤلف: “إن أفلام كياروستمي وأعمال غيره من المخرجين الأفارقة والعرب
والآسيويين والهنود والإيرانيين والأتراك، تنتظر إدراكاً محلياً، وشروحاً
أغنى، ومناقشة أكثر نقدية”.
ما يستطيع النقاد السينمائيون في العالم النامي وما يجب عليهم ممارسته، هو
تغذية الوعي العام وتنمية الذوق العام في بلادهم سينمائياً. ومن المؤسف أن
نلاحظ في حقل الممارسة أن النقاد السينمائيين الغربيين يكتبون عن أفلام
العالم النامي عبر وسائل الإعلام التي يتعاملون معها بزخم أكبر بكثير مما
يفعل نقاد العالم النامي، مع أن مختلف أنواع الفرص باتت متاحة أمام الجميع
لمشاهدة الأفلام والتعرف إليها وإلى صانعيها.
الكتاب بمجمله يشكل مساهمة فعالة في خدمة مقاصد المقدمة ويقدم تحليلاً
وتعريفاً علميين منهجيين للسينما الإيرانية ولأعمال بعض أهم السينمائيين
المبدعين.
الخليج الإماراتية في
10/10/2009 |