في سابقة أولى من نوعها في المشهد السينمائي اللبناني والعربي، انطلقت أمس
عروض الفيلم الوثائقي اللبناني "سمعان بالضيعة" في صالة سينما متروبوليس
أمبير ـ صوفيل في بيروت، في بادرة قد تؤسس لنمط يرى الى الفيلم الوثائقي
منجزاً سينمائياً يستحق الالتفاف حوله واتاحته أمام الجمهور. الفيلم الذي
افتتح قبل عام تماماً مهرجان "أيام بيروت السينمائية" وجال مهرجانات كبرى
وحصد جوائز كثيرة (من ابرزها جائزة افضل وثائقي دولي في مهرجان هوت دوكس في
تورونتو) هو باكورة أعمال مخرجه الشاب سيمون الهبر المشتغل في مجال
التوليف.
أمضى المخرج خمس سنوات بين التحضير لفيلمه وإنجازه. ومما أتاح له ذلك ان
المشروع شخصي جداً في البداية وبطله هو عمه "سمعان" الذي كان يزوره ويصوره
على مراحل. في نصف الساعة الأولى من زمن الفيلم الفعلي، تدور كاميرا سيمون
الهبر في محيط قرية "عين حلزون"، قرية الرجل الواحد كما يشير العنوان
بالانكليزية، المهجورة منذ العام 1983 على أثر حرب الجبل والتهجير المسيحي.
انها قرية المخرج التي يعود اليها من دون اعلان واضح عن بحثه عن جذوره
ولكنه في الغالب يفعل ذلك من دون وعي سوى وعي عدسة الكاميرا التي تتولى
عملية البحث والرصد والفرجة والتأمل. انها الوسيلة بامتياز الاقرب الى
وسيلة نقل أو دابة تسير على دروب وعرة تعرفها بالغريزة. للمخرج صلة وصل
أخرى بالمكان هو عمه "سمعان" الذي قرر قبل عشر سنوات ان يعود الى القرية
ويستقر فيها وحيداً كأنه ذلك الرحالة الذي يطأ أرضاً بكراً مستكشفاً
إمكانية الحياة على بسيطتها. ولكنه ليس مروراً عابراً بل هو عزم على ترويض
المكان والطبيعة ما يقوم به "سمعان" منطلقاً من ان الحياة ممكنة وان كانت
مونولوغاً او مونودراما او عزفاً منفرداً. سمعان هو تماماً "وان ـ مان شو"
او "رجل العرض الواحد". كيف لا وهو يجترح الحياة كل يوم مربياً الابقار
والدجاج والنباتات كأنه يحرث الوعر ويمهد الطريق للعائدين بحذر وخوف من
وحشة المكان المقفر فيغادرونه دوماً قبل الغروب معلنين من جانبهم دورة حياة
مختلفة تنتهي في تلك البقعة مع أفول الشمس. وحده "سمعان" يجلس عند المطل
يشاهد ذلك الغروب. هو شاعر الرومنسية في ذلك المكان، ينصت الى سكونه وعتمته
كأنه يشهد في كل يوم على معجزة لا تنفك تخترع نفسها. أو يشرب قهوته ويمج
سيجاراته المتتالية ويرقد بعد تعب نهار طويل بما هي افعال تكتسب بعداً
مختلفاً في اجتزائها من دورة الحياة المدينية.
اذ تشكل يوميات "سمعان" في مزرعته وداخل منزله الجزء الاكبر من الفيلم،
يغدو محيطه اختزالا للقرية تماماً كما انه هو اختزال لأهلها. والكاميرا في
ذلك النحت في المكان كأنما تشبع دهشتها تجاه حياة لم تألفها فتمعن في
التقاط التفاصيل وتسجيل الزمن كأنها تقوم باختبار لامكانية العيش هكذا. وهي
ايضاً رغبة غير بعيدة من احساس المخرج تجاه عمه ومن دهشته من قدرة ذلك
الرجل على تدبر أمره هكذا وحيداً كأنه مقتلع من الحياة نفسها. مفارقة غريبة
عن رجل يقتلع نفسه من الحياة السائدة ليغرسها مجدداً تماماً كما يثقتلع
النبات من مكان ويغرس في مكان آخر لينمو بشكل أفضل ويتجذر بقوة. لا تغيب
أسئلة المخرج المباشرة الى "سمعان" عن بديهيات مثل الوحدة والزواج والملل
والخوف والندم... وهو اذ يبددها ببساطة رجل قروي قنوع انما يحملنا على
مساءلة ذاتنا حول معنى الحياة وفحواها. الشيء الوحيد الذي يؤرق "سمعان" هي
ذكرى والديه الراقدين في باحة البيت تحت ترابها. ذكرى لا يبوح بالكثير عنها
ولكن طيفها لا يفارقه كما لا يفارق الفيلم من خلال صورة فوتوغرافية تجمع
والديه ـ اي جديّ المخرج ـ نفهم قبيل النهاية انها مركبة لأن ما من صورة
جمعتهما قبل مماتهما. تحيل فكرة التركيب هذه على اشياء أخرى كالمصالحة التي
مازالت حتى اليوم صورة مركبة. والذاكرة.. ذاكرة المكان وأهله التي تتركب
على مهل في الفيلم من نتف كلام وصور. شخصيات قليلة تدخل على خط السرد تبدو
على تواطؤ غير واعٍ مع المخرج وفيلمه على البقاء في ذاكرة المكان كما
تكشفها السينما وليس كما يحكيها الافراد. بخجل وكلمات متفرقة يحكي بعضهم من
زوار النهار الذين يفلحون أرضهم وزوار المواسم الذين يأتون في موعد قطاف
العنّاب عن بيوتهم المهدمة وارضهم المهملة وتهجيرهم واقاماتهم "الجبرية" في
حيوات أخرى. هم انفسهم لا يعرفون ما اذا كانوا قادرين على العودة. الجرح
مازال نازفاً كما تدلل شهاداتهم القصيرة المتقطعة التي تبتعد من ادانة اي
طرف سوى ذاك المتفق على شره المطلق من الجميع. ولكن أحداً لا يستطيع أن
يمنع الكاميرا من تسجيل ذاكرة ذلك المكان بكل فراغاتها وثقوبها. فهي اذ
تجول داخل سيارة "سمعان" في الشوارع وتلتفت يسرة ويمنة الى بقايا البيوت
انما تسجل أطلال ذاكرة لن تكتمل من دون المكاشفة والمراجعة للتاريخ القريب
للافراد والاحزاب والسياسيين.
وعادت حليمة الى عادتها القديمة!
وبعد اخذ ورد حسم امس مقص الرقيب وعمد الى قطع 5 دقائق من الفيلم في خطوة
تتكرر بنوازع رقابة غير ذات معنى، لا تمت الى تقاليد المادة السينمائية
وحرية تعبيرها بصلة.
"خادمات للبيع" يفوز في المغرب
فاز الفيلم الوثائقي "خادمات للبيع" لمخرجته اللبنانية ديما الجندي
بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي الذي نظم مؤخراً دورته
الأولى في مدينة خريبكة المغربية. وعلى الرغم من ان الفيلم انتج قبل أكثر
من سنتين، الا انه شارك في المسابقة. ويدور الشريط حول وضع الخادمات
السيريلانكيات في لبنان غير الانساني ويضيء على تجارب لخادمات خضعن للتعذيب
من قبل مستخدميهم وبعضهن انتحر. أما جائزة لجنة تحكيم المسابقة فكانت من
نصيب المخرج المغربي الصاعد ياسين الإدريسي عن باكورته "في انتظار الثلج".
وحاز جائزة مدينة خريبكة للفيلم الوثائقي المخرج المصري عز الدين سعيد عن
فيلمه الوثائقي "اللفيف".
شارك في المسابقة 11 فيلما وثائقيا هي: "في انتظار الثلج" للمخرج المغربي
ياسين الإدريسي، "ساحة موسكو" للمخرج محمد بوهاري (بلجيكا)، "جدل" للمخرج
الفلسطيني فايق جرادة، "من الرمل إلى الإسفلت" للمخرجين موسى لوسيل
وعبدالرحمن أحمد (فرنسا)، "ملامح دمشقية" للمخرج السوري بطرس ريمون،
"العكاز" للمخرج الفلسطيني عبدالسلام شحاتة، "الجواهر الثلاث" لجمال الدين
شرفي وسمير حُميدي (الجزائر)، "الدقة الرقمية في ترتيب المصحف الكريم"
لإيهاب ممدوح (السعودية)، "خادمات للبيع" للمخرجة اللبنانية ديما الجندي و
"صبي العالم الصغير"، للمخرج الموريتاني محمد إيدوم.
المستقبل اللبنانية في
16/10/2009 |