خالد الصديق
يعود إلى السينما بعد أكثر من عقدين...
حسب ما قاله لي المخرج الصديق خالد الصدّيق حين
التقيت به في إطار مهرجان "الخليج السينمائي" قبل عام تقريباً، فإنه قرر
تحريك
العجلة من جديد والاستعدادات جارية لتحقيق فيلم روائي جديد يكون الأول له
منذ أكثر
من عقدين. وكما هو معروف فإن خالد الصدّيق كان طرح موهبته ورفع لواء وطنه
في
المحافل الدولية منذ أن أنجز فيلمه الأول "بس يا بحر" في مطلع
السبعينات
في
الفترة ذاتها أيضاً أخبرني المخرج الوثائقي الكويتي أيضاً عامر
الزهير بأنه يحضّر
لفيلمه الروائي الأول وهو الذي أنجز عدّة أفلام وثائقية مكللة بالنجاح
آخرها ثلاثية "عندما
تكلّم الشعب"
لا أدري ما حل بهاتين الخطوتين وما إذا كان العمل الجدّي
لا زال جارياً لكن المؤكد أن أحداً لا يتحدّث عنهما إلا من باب المشاريع
ربّما
وبالتالي فإنهما لا زالا غير حاضرين وهذا هو بيت القصيد فإلى أن يتم
إنتاجهما
وانتقالهما من الحلم إلى الواقع، فإنهما، كما أي مشروع آخر،
يمثّلان الرغبة من
ناحية وصعوبة التنفيذ من ناحية أخرى.
السينما العربية زاخرة بالأسماء الموهوبة
لكنها لا تعرف ما تطلبه تلك الأسماء والمواهب من إمكانيات فاعلة لإنجاز
أعمالهم.
نجد أن هناك بعض التمويل ونجد أن معظمه
يذهب إلى مشاريع يريد صاحب كل منها أن يقلّد
ما يراه مرتسماً على الشاشة غير العربية. مؤخراً مثلاً شاهدت
فيلماً إماراتياً
نموذجه الأعلى هو الفيلمSlumdog Millionaire
ومن قبله كان هناك ذلك الفيلم المغربي
الذي كان يبحث لنفسه عن هوية غير عربية (أميركية إذا أمكن) رغم أن معظم
أحداثه تقع
في مصر كلاهما يعتقد أن الطريق إلى العالمية تعني استعارة
الشكل وكتابة السيناريو
الذي يؤمن هذا الشكل وابتكار الموضوع الذي يُلبّي ما قد يرضي العين
الغربية- كما لو
أن العين الغربية تبحث عن فيلم عربي لهذه الغاية.
نجاح الفيلم البريطاني "مليونير
الأزقّة" لداني بويل تم بناء على ارتباط المشروع بأسمائه البريطانية
أوّلاً، المخرج بويل وشركة الإنتاج (سيلادور فيلمز وفوكس
سيرشلايت) وهوية ذلك
الإنتاج وعدم وجود توليفة سابقة لميلودراما هندية القصّة والشخصيات في فيلم
بريطاني
المعالجة والتمويل إنه فيلم ناجح، لكنه ليس ظاهرة أو موجة ناجحة والدليل
المنتظر
حدوثه قريباً لتأكيد إنه فيلم وليس ظاهرة النتائج التي سيؤول
إليها فيلم "اسمي خان"
الهندي الذي تقع أحداثه في نيويورك حول الهندي المسلم ومحاولته درأ تهمة
الإرهاب عن
نفسه. موضوع مهم بل وجليل وغير ذلك من الحسنات، لكنه لن يحقق ما يصبو إليه
من نجاح
تجاري إلا بمعجزة وهذا وحده بعيد الاحتمال
.
لذلك فإن قيام خالد الصدّيق أو عامر الزهير بتحقيق
فيلم جديد ضروري لأنه سيحمل الطعم الكويتي الخالص مدعوماً بالموهبة التي
يغرف منها
كل من هذين المخرجين مدركين أن المسألة ليست تعويم الفيلم ليبدو مثل لوحة
لم يعرف
رسّامها كيف يمنحها طابعها فرمى فوقها كل طابع يعرفه، بل هي
حاجة للتعبير عن الذات
والوطن في عمل سينمائي إذا ما توفّرت له العناصر الصحيحة من الكتابة
وصولاً إلى
الشاشة، حمل إعلاميا، حتى لا نقل فنياً وثقافياً فقط، الوطن إلى العالم
المخرج
البرتغالي مانويل دي أوليفييرا بلغ من العمر قبل شهرين مائة وعامين وهو لا
يزال
يكتب ويخرج ويحقق أفلامه. إنها العزيمة في بيئة تعرف أن القيمة
ليست في عمل تجاري
بل في العمل الفني أوّلاً وأخيراً....
*********
تسعة فيلم
يرقص على الوحدة ونص
السبب في أن هذا فيلم "تسعة" أسمه "تسعة" يعود
إلى قيامه بالارتقاء من رقم لفيلم سابق هو فيلم فديريكو
فيلليني الكلاسيكي "ثمانية
ونصف" الذي تم إنتاجه سنة 1963. في ذلك الفيلم شاهدنا المخرج يعكس بعض شؤون
حياته
عبر قصّة تستعير من سيرته الذاتية لتدور حول ذلك المخرج وعالمه الفني
المؤلّف من
مفاهيمه وسلوكياته وذكرياته، كما من النساء اللواتي عرفهن.
والتفكير لابد هدى الذين
كتبوا المسرحية التي منها تم اقتباس هذا الفيلم إنه بإضافة نص رقم على
"ثمانية ونص"
فإن النتيجة تسعة.
رغم هذه الفكرة العبقرية، إلا أن الفيلم يرقص في أسفل سلم
ريختر وليس في أعلاه. إنه عمل مثير للاهتمام لكنه لا يحقق
النجاح الفني الذي كان
بحاجة لإنجازه0
في العام 1982 تم تقديم مسرحية غنائية على خشبة إحدى مسارح
برودواي في نيويورك مستوحاة من فيلم فدريكو فيلليني ذاك. لذلك
فإن "تسعة" الفيلم إذ
يُضيف نصف درجة لكي يختلف عن العنوان الفيلليني السابق، يستوحي أحداثه
وشخصياته
وأغانيه من المسرحية ذاتها، لكنه يلتقي وفيلم المخرج الإيطالي الكبير في
مسائل
عدّة من بينها، وربما أهمها، أنه يعرض لحياة مخرج سينمائي لا تخلو تصرّفاته
من
الأنانية وعلاقاته النسائية المتعددة في نفس الوقت.
هنا لدينا المخرج الإيطالي
غويدو كونتي (دانيال داي-لويس) يؤمن بأن استمراره في عمله مرتبط باستيحاء
الإلهام
من النساء اللواتي يعرفهن. هناك زوجته لويزا (ماريون كوتيار) وعشيقته
كارلا (بينيوبي
كروز) والممثلة السابحة في عالمها كلوديا (نيكول كيدمان) ومصممة الأزياء
ليلي (جودي دنش ولو أنها كبيرة على أن تكون إلهاماً)
والصحافية الجميلة ستيفاني
(كيت
هدسون) وامرأة الليل التي كان يعرفها (الممثلة ستايسي فرغوسن). ليس لأن
المخرج
ارتبط جنسياً بكل واحدة من هؤلاء، لكنه مرتبط عاطفياً على الأقل كما الحال
مع أمّه
(صوفيا
لورين) التي تظهر له في مشاهد فانتازية بغاية توجيهه وإسداء النصيحة. فهذا
المخرج ربما يكون رجلاً لكنه بالتأكيد ليس رجلاً ناضجاً بل "بايبي" (طفل)
كبير لا
يملك الثقة التي تمكّنه من الاستقلال عن شهواته وحاجاته للعاطفة النسائية
أو أن
يكون مخلصاً لواحدة، كما حال زوجته المخلصة له وحده..
سنجد صدى لذلك في أفلام
المخرج الراحل يوسف شاهين، حيث شكّلت النساء في أفلامه مرآة للنساء الثلاث
الأقرب
إليه: أمّه وزوجته وشقيقته0 لكن "تسعة" ليس "سكوت حنصوّر" مثلاً، بل خامة
أكبر
يقدم عليها المخرج ذاته الذي حقق بنجاح مماثل، فنيّاً، وبنجاح أعلى تجارياً
فيلم
"شيكاغو" قبل أربع سنوات أو نحوها.
المسرحية التي تشكّل خامة هذا الفيلم قدّمت 729
عرضاً قبل أن تغيب لسنوات ثم تعود في إطلالة أخرى من بطولة انطونيو
بانديراس سنة 2003
لكن المهم هي أن النسخة الأولى منها، التي قام الممثل راوول جوليا
ببطولتها،
نالت خمس جوائز مسرحية، بينما فيلم روب مارشال الجديد يبدو
متعثّراً في حيازة جائزة
واحدة. مثلاً، هو مرّشح لأربعة أوسكارات في تصميم الملابس وفي التمثيل
المساند وفي
التصميم الفني وفي الموسيقى، لكنه غير مرشّح لجائزة أفضل فيلم أو أفضل مخرج
ولا
دانيال-داي لويس مرشّح لجائزة أفضل ممثل.
هذا
على الرغم من اعتناء كامل بالتصاميم المختلفة.
من الديكور إلى الملابس والتصوير المطعّم بالأجواء الفانتازية الخاصّة (قام
به ديون
بيبي) . وفي حين أدّى ظهور الممثل دانيال-داي لويس في بطولة فيلمه السابق
"سيكون
هناك دم" إلى مطر من الجوائز فإن أداءه هنا يمر عابراً تحت رادار
المهرجانات
والمؤسسات السينمائية. هذا غالباً ما يعود إلى أن وسيلة
الممثل في طرح الشخصية
التي يقوم بها لا تلتقي والمعتاد من التقاليد. مثلاً عوض تقديم أداء يعكس
حالته
العاطفية كرجل يبحث عن متعته وحدها ويسبح في فضائه من دون شريك (على الرغم
من كثرة
الشريكات) ما يجعل المشاهد معه على نفس الخط موافقاً ومتعاطفاً
أو رافضاً، يختار
داي-لويس جعل شخصيّته تعرف مسبقاً قصورها ونواياها ما يُحيّد المشاهد
ويبعده
عنه0
النتيجة أن الفيلم يدفع ثمناً أعلى من ذلك الذي يدفعه الممثل. أدائيا، لا
يمكن وضع اليد على سلبيات وأخطاء في التشخيص، لكن انعكاس
اختيارات الممثل على
الفيلم هي التي تخلق حاجزاً بين العمل وبين مشاهديه لم تكن موجودة عندما
لعب رتشارد
غير بطولة "شيكاغو" علماً بأن آخر من يصلح لفيلم موسيقي أو غنائي هو بطل
"امرأة
جميلة". قدراته مشهودة في أنواع أخرى من الشخصيات على عكس دانيال داي-لويس
حيث
قدراته مشهودة في معظم الشخصيات بما فيها الطريقة التي يبلور بها شخصية هذا
المخرج
الباحث عن نفسه0
الفيلم استعراضي موسيقي يحفل بالوصلات الغنائية. ومن إحدى
المحفزات التي ينتصر فيها المخرج في هذا النوع من الأفلام هو أن من يؤدي
الغناء،
سواء أكان بطل الفيلم أو أي من الشخصيات النسائية، ليسوا مغنين سابقين.
خبراتهم في
هذا المجال شبه معدومة أو معدومة كليا. لكن المخرج مارشال
وممثليه يقبلون هذا
التحدي والنتيجة دائماً مثيرة هنا كما كانت مثيرة حين غنّت كاثرين زيتا
جونز أو
رنيه زليغر في "شيكاغو" مثلاً. هذا لا يعدو أكثر من نجاح في النوع الذي
ينتمي إليه
الفيلم. نجاح شامل على التصوير والتصاميم المختلفة سواء للديكور او للملابس
وعلاقتها بالمكان والزمان والشخصيات أو بالنسبة للاستعراضات ،
لكنه لا ينتشر ليشمل
من لا تستهويه سينما "الميوزيكال" في الأساس0
إذ ينقل الفيلم أصداء من حياة وفن
المخرج فديريكو فيلليني من دون تسميته أو السعي لسرد حياته، ينقل أيضاً حب
تلك
الفترة من التاريخ (الستينات) حين كانت السينما تستوعب كل الأنواع
والأساليب وكان
لك نوع جمهوره الكُثر.
الجزيرة الوثائقية في
04/03/2010 |