1
مشكلة الناقد مع المنقود أنه نادراً ما يحاول المنقود الرد على الموضوع
المثار
بالموضوعية ذاتها. فإذا كتب ناقد ما أن فيلماً معيّناً لا يطرح
ما يقول المخرج أنه
يطرحه وقدّم في ذلك رأياً سينمائياً، ردّ عليه ذاك بأنه يقف ضد سينما
الشباب، او
مع المشككين او لعلّه ناقد غربي الميول او ربما كانت له مصالح مشتركة مع
داغستان او
إمارة موناكو.
لكن ليس هناك مهرب وعليه سأقول ما خرجت به من مقالة نشرت في أحد
المواقع حول "تأسيس المركز العراقي المستقل للفيلم السينمائي"
عنوان جميل أجمل مما
يليه لأن ما يليه يبدو لهذا الناقد أحلاماً لا تنطلق من الواقع
بل تتجاوزه بداية،
سرعان ما يضع المقال ثقباً في كلمة "مستقل" فالمركز توجّه الى وزارة
الثقافة فهم،
حسب النص "الراعي الأساسي عبر المكان والمعدّات الموجودة" ولو أنه يضيف
"دون التدخل
في إمكانياتنا وعملنا". لكن كيف لن يتدخّل هذا الراعي ساعة يشاء. ثم ما
شاكلة هذا
الاستقلال؟ هل هناك أساساً سينما عراقية غير مستقلّة لكي تنطلق سينما
مستقلّة؟.
ويقول السينمائي عدي رشيد، أحد صاحبي المشروع، أن العام المقبل سيكون
حافلاً إذ "سينجز المركز فيلماً روائياً طويلاً، خمسة الى
ستّة أفلام قصيرة،
ثالثا: مجلة سينمائية شهرية، رابعاً: إقامة عروض أسبوعية وندوات لمناقشة
الأفلام
الفنية، خامساً: بناء حوار مع كل مؤسسات العالم واستضافة فنانين".
ويضيف، كما لو
أن ما سبق ليس كافياً "الى الكثير من الفعاليات" بما في تلك الفعاليات
إقامة مهرجان
سينمائي "لا يقل عن أي مهرجان، على الأقل إقليمي".
قبل المضي، أتمنّى لو أن أي
شيء من ذلك يتحقق على هذا النحو المذكور. لكن حتى يتحقق جزء منه فإن هناك
تكاليف
ماديّة وجهود بشرية لا أعرف من سيقوم بها. فإذا كان مستقلاً عليه إذاً أن
لا يُعول
على مؤسسات الدولة (هذا إذا ما ارتأت الميزانية). أما إذا طمح
فعلاً لأن ينجز (في
العام المقبل) كل هذه الإنجازات و"الفعاليات" فإن الكلفة التي يتطلّع
المركز إليها
ستتراوح بين العشر والعشرين مليون دولار لأنه حتى يمكن مضاهاة المهرجانات
الإقليمية
الأخرى التي تتراوح ميزانيّات كل منها ما بين سبعة ملايين وخمس وعشرين
مليون دولار،
عليه أن يصرف. حتى ولو كان المعنى الكامن ليس المضاهاة المالية، فإن هذا
الكلام لا
يقول شيئاً عن الكيفية. كيف سيأتي هذا المهرجان مختلفاً؟ كيف
له أن لا يقل عن سواه؟
ما الهدف منه وكيف سيتم تحقيق هذا الهدف؟".
نعم القضية قضية دولة، كما يقول
السينمائي بحق، لكن كيف سيمكن له الحصول على هذا الدعم والبقاء على
الاستقلالية في
الوقت نفسه؟ لا شيء من دون شيء مقابل فما هو المقابل؟.
مرّة أخرى آمل أن يكون
الحلم على مستوى الواقع لأن الحلم ليس خطأ بل الفانتازيا هي الخطأ وهذا
الكلام،
وسواه مما نشر، أقرب الى فانتازيا، او على الأقل حلم يطير فوق
الواقع ولا ينطلق
منه. آمل أيضاً أن أكون على خطأ، لكن الأيام علّمتنا أن أوضاعنا العربية
الصعبة تضع
النهضة الثقافية إجمالاً في آخر درجات اهتمامها علماً بأنها قادرة على حل
الكثير من
مشاكل هذه الدول التي لا زالت - بعد 120 سنة على اختراع
السينما- تجهد لأن يكون
لديها أفلاماً- ناهيك عن صناعة.
2
فيلم "في بلاد فارس" يستعير من تراث ألف ليلة
وليلة
قبل أن يرى بعض القرّاء في فيلم "أمير بلاد فارس"
بعداً في مسألة الحداثة وما بعدها ووراءها، نذكّر أن المسألة بأسرها لا
علاقة لها
بأي نظريات ومفاهيم من هذا النحو. كذلك هو تذكير لمن سيعتقد أن فيلماً عن
موضوع
فارسي لابد له أن يكون إما مع الفرس (وبذلك مع إيران اليوم) او
ضدهم (وبالتالي ضد
إيرانيي اليوم) لكن المسألة ليست كذلك. الفيلم يتبلور من نقطة لقاء داستان
بالأميرة
تامينا الى تسلية غير مضرّة لا تحمل لا الاهتمام بثقافة تلك البلاد ولا
الرغبة في
تشويهها. على العكس قليلاً، هناك من سيجد الفيلم في لعبته
الترفيهية إنما يُثير،
بنجاح، حب هوليوود الأولى لحكايات "الليالي العربية" وهو المصطلح الذي
استخدم لوصف
مغامرات علي بابا والسندباد وعلاء الدين والذي يصلح لوصف مغامرات هذا
الفيلم علماً
بأن كل ما كان يحتاجه الفيلم لكي يصبح عربياً، هو تغيير أسماء الأشخاص
والمدن، أما
الخلفية والتراث والملامح والعادات والطبيعة الصحراوية فهي
واحدة في خطّها الرئيسي
العريض. وحقيقة أن التصوير الخارجي تم في المغرب تؤكد أن الهويّات الخاصّة
بكل
جانب، ليست ذا أهمية على هذا الصعيد بسبب غلبة ما هو مشترك من تراث الأدب
والتقاليد
وإن باعدت السياسة عبر التاريخ بين الثقافتين العربية
والفارسية ولا تزال تقع
الحكاية في بلاد فارس القديمة والتمهيد عبارة عن حادثة تقع بينما كان الملك
شارامان (رونالد بيكاب) يجول في الأسواق حينما اعترض
الموكب صبي خفيف الحركة سريع الخطى ما
ساعده على الهرب من حرس الملك والمرافقين قافزاً فوق أسطح
المباني وموقعاً مطارديه
في مقالب أعجبت الملك فقرر أن يتبنّاه مسنداً إلى شقيقه نظام (بن كينغسلي)
أمر
رعايته هذا الأخير يوافق والابتسامة عريضة على وجهه. تنتقل الأحداث بضع
سنوات الى
الأمام وهاهو داستان (كما يؤديه جايك جيلنهول) قد أضحى شاباً
وسيما تربطه علاقة
مقرّبة مع الملك وولديه تاس (رتشارد كويل) وغارسيف (توبي بيبل) ولو أن
غارسيف لا
يثق كثيراً به. من ناحيته، فإن دارسان ربما ينعم بالرعاية الملكية لكنه لا
يزال
يلعب في الشوارع مختلطاً مع أناس من العموم.
حينما يقرر القصر احتلال مملكة قريبة أسمها ألاموت ينبري داستان راغباً في
أن يكون رأس الحربة التي ستدخل المدينة للبحث عن سلاح تخفيه
الأميرة تامينا (جيما
أرترتون). هنا ربما خطر للمشاهد أن يقارن بين هذا المنحى من الفيلم وبين
غزو العراق
بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل التي لم يكن لها وجود. لكن هذه المقارنة ليست
ذات شأن
حتى ولو كانت مقصودة، لأن داستان سيجد السلاح الذي يبحث عنه
والذي لا تستطيع
الأميرة التخلّي عنه. وهو ليس سلاحاً بالمعنى التقليدي للكلمة، بل خنجر له
زر في
أعلاه، إذا ما ضغط حامله عليه استعاد الزمن الذي يريد.
أحدى المفارقات المهمّة في هذه الحبكة المذكورة هي أن داستان يجد نفسه
متّهماً
بقتل أبيه الملك فيهرب وتلتحق به الأميرة التي تشاركه الرغبة في الحفاظ على
ذلك
الخنجر الثمين الذي يصبح محط محاولات جهات مختلفة للحصول
عليه. وحسب السيناريو
المناسب فإن هذه المحاولات تضمن المزيد من المغامرات ومشاهد الأكشن
والحركة. ومن
دون أن أكشف التفاصيل، سريعاً ما سندلف الى قلب مؤامرة يقودها أحد
المقرّبين من
الملك الراحل، وعصابة تخطف المسافرين وجنود يحاولون القبض على
الأمير والأميرة
والكثير من مشاهد الرمي بالسهم والقتال بالسيف وركوب الجياد السريعة. وحين
لا يبدو
كل ذلك مثيراً وكافياً يتدخّل الكومبيوتر غرافيكس ليخلق مشاهد عراك ومخاطر
تقع في
منازلات حاسمة ليست، نوعياً، بعيدة عن تلك التي شاهدناها في
سلسلة "المومياء" ولو
أنها أقل عدداً هنا مما هي في أفلام كثيرة أخرى.
الأصل في كل هذا هو لعبة
فيديو ظهرت قبل نحو عشر سنوات والمفارقة هنا أن الزمن السالف يستمد شكله
الحالي من
تكنولوجيا لم تكن متوفّرة حتى لسنوات قليلة. وبينما كانت
أفلام ستيوارت غرانجر
وسابو وإيرول فلين ودوغلاس فيربانكس المتعاملة مع مثل هذه المغامرات
التاريخية
الخفيفة قادمة مباشرة من التراث الشرقي، نراها الآن تستمد مصادرها من وسيط
تكنولوجي
حديث (نسبياً إذا أردت) ولو أن هذا الوسيط استوحاه من ذات
التراث الشرقي
القديم.
لكن
هذا المصدر ليس الوحيد إذا ما تمعّن المشاهد قليلاً. ففي داخل
الحبكة التي تدور حول الملك وأولاده ومن منهم يعتبر نفسه
الأولى بالخلافة بالإضافة
إلى المؤامرة الدائرة للتخلّص من الملك وإلقاء التهمة على داستان، سيجد
المرء
الكثير من وليام شكسبير، وهي ملاحظة أكّدها لي الممثل بن كينغسلي ولو أنه
أضاف أنه
في العديد من الأفلام التي مثّلها يكمن شكسبير بين السطور.
على الشاشة، هناك ذلك
الخيط الملحمي الشكسبيري بالفعل وهو يمنح الفيلم بعض كثافته، لكن حسناً فعل
المخرج
نيووَل بعدم التوغّل عميقاً لأن الفيلم ليس مصنوعاً لهذه
الغاية أساساً. في
المقابل، يبقي المخرج، الذي من بين أفلامه الناجحة "أربع أعراس وجنازة"
و"دوني
براسكو" و"الموناليزا تبتسم" ثم ذلك الجزء من مغامرات هاري بوتر الذي خرج
سنة 2005
تحت عنوان "هاري بوتر وشعلة النار"، العجلة دائرة بلا توقّف طوال الوقت. لا
يهم، إذا ما تأخرت قبلة البطلين الى ما قبل النهاية، ولا يهم إذا ما كانت
جيما
أرترتون تبدو نسخة مزوّرة من كاثرين زيتا-جونز، المهم هو أن
يبقي المخرج الإيقاع
سريعاً والتنفيذ جيّداً مستعينا بذاكرته من الأفلام المماثلة التي قام
ببطولتها في
الأربعينات والخمسينات ايرول فلين ودوغلاس فاربانكس من بين آخرين.
في هذا الجانب
يحقق المخرج نجاحاً جيّداً ونحن علينا أن نأخذ الفيلم حسب وجهته وليس حسب
ما نريده
أن يكون. ووجهة "أمير بلاد فارس" هي إنجاز فيلم مغامراتي تشويقي يستعير من
تراث ألف
ليلة وليلة وهو يفعل ذلك راضياً أن يكون، في الوقت ذاته، هشّاً في مراحل
عدّة من
أحداثه.
في زمن مضى، كانت الكثير من أفلام هوليوود تشبه هذا الفيلم: مغامرة في
التاريخ
بعيداً عن الواقع، مستوحاة من رحيق الشرق وحكايات ألف ليلة
وليلة، يقودها بطل وسيم
مغوار واقع في حب أميرة حسناء وعلى طرف النقيض من بعض رجال البلاط الذين
يخططون
للاستيلاء على الحكم.
هذا الزمن يعود في هذا الفيلم الذي أنجزه مايك نيووَل من
إنتاج جيري بروكنهايمر وبطولة لفيف من الممثلين ولو أن أسماء بعضهم لم تشهد
لمعانها
حتى الآن. فإلى جانب جايك جيلنهول ورموشه الطويلة، وأرترتون وبشرتها
الناعمة، ثم بن
كينغسلي و "صلعته" المضيئة، هناك ألفرد مولينا وستيف توسانت ورتشارد كويل.
هناك
أيضاً مئات من المجاميع البشرية، ولو أن هؤلاء من تنفيذ الكومبيوتر غرافيكس.
The End
الجزيرة الوثائقية في
06/06/2010 |