يستدعي الخبر الذي اوردته الوكالات قبل نحو أسبوع عن انسحاب الممثل الهندي
أنوبام خَرْ من مشروع فيلم هندي يدور حول فصل من حياة الزعيم الألماني
أدولف هتلر قبل شهرين من بدء تصويره اهتماماً كبيراً لأكثر من سبب .
المشروع حمل عنوان “الصديق العزيز هتلر” والمخرج الذي وقف وراء المشروع هو
راكش كومار، الذي لم يسبق له أن حقق أفلاماً من قبل . والموضوع تحديداً
العلاقة التي قامت بين الرئيس النازي، وإيفا براون حتى انتحارهما معاً، كما
هو مشاع . وجرى اختيار الممثل أنوبام خَرْ بناء على بعض الملامح الشبيهة
التي يمكن، حين وضعها تحت الماكياج، أن تصبح أكثر شبهاً ولو أنها ستبقى
بعيدة بما فيه الكفاية عن الحقيقة . كذلك بسبب قيامه سابقاً بأداء شخصية
الزعيم الهندي غاندي في فيلم تلفزيوني في بلاده ما يعزز احتمال خبرته في
تأدية الشخصيات الحقيقية .
يقول المخرج إن فيلمه ليس مجرد مشروع يشبه الأفلام الكثيرة التي دارت حول
الدكتاتور الألماني، بل يقوم على رسالتين كان غاندي بعث بهما الى هتلر قبيل
اشتعال الحرب العالمية الثانية نصحه فيها بعدم الإنجرار وراء الحرب .
وهاتان الرسالتان تبدآن بعبارة “الصديق العزيز هتلر” التي اختيرت عنواناً
للفيلم .
لكن انسحاب الممثل، الذي ربما استطاع المشروع تجاوزه باحثاً عن ممثل آخر،
يبدو ناتجاً عن جماعات ضغط من الجالية اليهودية في الهند، كما في خارجها .
وهو شبيه ببضع محاولات قامت بها مثل هذه الجماعات في كل مرّة وجدت أن
مخرجين أو مبدعين في طريقهم لتقديم فيلم يدور حول شخصية هتلر أو الشخصيات
التي توزّعت في محيطه على نحو لا يتلاءم والتوجّه العام للسينما التي
اعتادت الهجوم عليه وكثيراً ما صوّرته من منظور واحد فقط بعيداً عن الرغبة
في إلقاء صورة شاملة تحمل البعد السياسي والخاص للشخصية، حتى ولو في سبيل
فحص الأسباب الفعلية التي وقفت وراء توجّهاته وأفعاله . ففي حين لا يمكن
الدفاع عن تلك الأفكار والأفعال التي أقدم عليها هتلر بأي حال، الا أن
تسليط الضوء على مصادر شخصيّته ودوافع تصرّفاته، تبقى أساسية إذا ما حاولنا
فهم الشخصية من كافة جوانبها .
ما جعل مشروع كومار صعباً من البداية محاولته إظهار ما وصفه المخرج بحب
هتلر للهند، وأنه كان أبدى هذا الحب عبر مساعدة الهند على نيل استقلالها من
الاستعمار البريطاني قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية . لكن المخرج يؤكد
في مجال آخر أن الفيلم يركّز على إيفا براون وليس على هتلر لأنها “لعبت
دوراً كبيراً في حياته وحتى آخر أيامه” .
مهما يكن فإن انسحاب الممثل خَرْ منه رضوخاً لهجوم مبكر على الفيلم وعلى
اشتراكه هو فيه، يذكّر بتعرّض مبدعين آخرين لضغوط صهيونية حالما أعربوا عن
تفكيرهم في تحقيق أفلام لا تود الصهيونية العالمية لها أن تظهر .
أحد هؤلاء المبدعين الممثلة والمخرجة جودي فوستر حين أعلنت قبل أربع سنوات
عن رغبتها في تحقيق فيلم عن المخرجة الألمانية الطليعية ليني رافينشتول .
فما أن أعلنت عن شرائها حقوق كتاب عن حياة تلك المخرجة التسجيلية حتى
تعرّضت لانتقاد الجماعات الصهيونية لاختيارها شخصية يعتبرونها مؤيدة
للنازية، علماً بأن المخرجة الراحلة كانت أعلنت عن أنها لم تؤيد يوماً
النازية ولم تكن محظية لدى القيادة الهتلرية كما أشيع عنها، بل كان عليها
تنفيذ أفلام مثل “انتصار الإرادة” (1935) والا لتعرّضت للاضطهاد .
جودي فوستر لا تزال تقول إنها تريد إنجاز هذا الفيلم وهي جددت ابتياع حقوق
الكتاب الذي سيتم اقتباس الفيلم عنه، لكنها أوعى من أن تسقط تحت براثن
حملات قد تضر بمهنتها لسنوات طويلة مقبلة.
وكانت ذات الضغوط منعت المخرج الألماني الراحل راينر فرنر فاسبيندر من
تقديم عرض مسرحي في مطلع الثمانينات (قبل نحو عام او عامين من وفاته سنة
1982 اعتبرت متعاطفة مع النازية . كذلك كان على المخرج البريطاني مايكل
رادفورد التدخل في نص وليام شكسبير حين أخرج “تاجر البندقية” ليتجنّب الضغط
اليهودي المنظّم حين باشر إخراج تلك المسرحية فيلماً من بطولة آل باتشينو
سنة 2004 . لكن المخرج الروسي ألكسندر سوخوروف رسم صورة فلسفية وفنيّة
مثيرة للاهتمام حين قدّم “مولوخ” الذي دار عن شخصيتي هتلر وصديقته بعدما
وجد المخرج نافذة إنسانية ينفذ منها من دون أن يُثير نقمة أحد .
القاتل الذي في داخلي” فيلم
فارغ
مايكل وينتربوتوم نوع من المخرجين الذين يضعون أيديهم على مواضيع شائكة
وحادّة . إنه المخرج الذي سعى بنجاح لفتح عيون العالم على وضع المهاجرين
الأفغان الراغبين في الهرب صوب أوروبا في فيلم “في هذا العالم” قبل ثماني
سنوات، وهو المخرج الذي أراد فتح نافذة عريضة على ما يحدث في سجن
جوانتانامو في “الطريق الى جوانتانامو”، كما هو المخرج الذي أراد اظهار
الجانب المعقّد من تداخل الجانبين السياسي والعاطفي في أفلام عدّة مثل
“الشيفرة 45” و”القلب الكبير” و”ووندرلاند” . لكنه، وفي الوقت نفسه، المخرج
الذي يفقد توازنه، فنيّاً وموضوعياً، حين يسعى لتقديم أفلام لا قلب فيها بل
تنفيذاً ينتمي لنوعيات السينما المعروفة .
على سبيل المثال فقط، فيلمه الوسترن “العهدة” (2000) كان الأسوأ تحت مظلّة
هذا النوع . وفيلمه الشبابي “جود” كان رحلة ضبابية غير ناجحة، في حين أن
فيلمه العاطفي “أريدك” جاء هشاً وسطحياً لدرجة تثير الدهشة .
الآن، أنجز المخرج ذاته فيلماً من المفترض أنه مستوحى من الأدب البوليسي
الأمريكي في الخمسينات وينتهي الى السينما البوليسية، لكن النتيجة قد تكون
بوليسية في النوع، لكنها فارغة في المضمون وغارقة في نوع من الواقعية الذي
عوض أن ينجح في جعل المشاهد يعايشها، يجعله بغنى عنها وعن اتجاهاتها .
الفيلم هو “القاتل الذي في داخلي” المأخوذ عن رواية وضعها الكاتب البوليسي
جيم تومسون سنة 1952 حول نائب شريف بلدة في وسط أمريكا يرتكب جريمة قتل ثم
أخرى لإخفاء الأولى ثم ثالثة لإخفاء الثانية وما يلبث بعد ذلك أن يفقد كل
روادعه الأخلاقية فيختتم بمذبحة مريعة .
رواية تومسون ليست أفضل رواية بوليسية في زمنها، لكن الأحداث التي تصف كل
هذا الانهيار ليست مُعالجة كمفاصل أولى . الكاتب أبقى على صراع الخير والشر
متمثّلاً في شخصيات مختلفة وعلى إدانة واضحة لشخصية رجل بوليس يستخدم منصبه
ستاراً لارتكاب جرائم نفسية بعدما فقد القدرة على التمييز وفقدت الحياة
قدرتها على أن تعني شيئاً له .
الفيلم، الذي كان شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين، يندفع في ابراز
سلبيات الرجل ويختار أن يجسّد الجرائم العنيفة التي يرتكبها الشرطي على نحو
لا يترك شيئاً منها للإيحاء أو الخيال . مايكل وينتربوتوم في سعيه لأن ينقل
“واقعية” الموت والعنف والتعذيب، يجد حريّاً به نقل سلوكيّاتها كما هي،
مثيراً اشمئزاز المشاهد تحت ستار أنه يريد نقل الواقع كما هو .
في الفيلم نرى سيسي سبايسك شريف بلدة تكساسية صغيرة اسمه لو فورد . شخصية
تبدو عادية وطبيعية من الخارج او هكذا تعتقده خطيبته آمي (كايت هدسون) التي
ستقف على حقيقته لاحقاً لكنها تحبّه لدرجة أنها لا يمكن لها أن تفكّر بتركه
مهما بلغت اعتداءاته وجنونه وخطره عليها . في أحد الأيام يطلب منه رئيسه
بوب (توم باور) طرد فتاة اسمها جويس (جسيكا ألبا) من البلدة، لكن الشرطي
يقرر أن يستخدمها على أكثر من نحو ولأكثر من غاية . فهو يريد الاقتناص من
رجل بريء لمجرد أنه اختلف معه قبل عدّة سنوات، ويجد أن جويس تستطيع أن
تستدرج الرجل لينتقم منه . سيقتله لكنه سيضع المسدس في يد جويس لكي تبدو هي
القاتلة . فوق ذلك، ولمنح الجريمة التي في باله دافعاً، يقوم بضربها مراراً
وتكراراً على الوجه بوحشية وسادية كبيرة ليبدو أن القتيل ضربها فدافعت عن
نفسها بقتله قبل أن تقع أرضاً وتفارق الحياة .
بعد ذلك، كل جريمة يرتكبها تجر أخرى بينما يبدأ الفيلم انحداره النوعي
سريعاً . صحيح أن الفيلم لم يبدأ جيّداً ثم سقط، لكنه بدأ مقبولاً ثم تراجع
من معالجة بوليسية كان يمكن لها أن تجمع بين الترفيه والتشويق من ناحية
والفيلم “نوار” البوليسي المستفيد من معطياته وأجوائه فنياً وعلى نحو كبير
. صحيح أن وينتربوتوم يحاول تمييز هذا الفيلم ببعض الأسلوبية الداكنة الا
أن مسعاه غير ناجح لأنه ليس مكتملاً ولا متطوّراً . كذلك ليس ناجحاً في
تقديم مبررات كفيلة لما نراه . نعم، بعض المجرمين ينطلقون بلا دوافع ظاهرة،
لكن هناك شروطاً تحيط بهم وأخرى عليها أن تنمو في فضاء الفيلم تجعل من هذا
الفراغ مثيراً ومفيداً للمتابعة .
علامات
رونالد نيم
لم يكن المخرج رونالد نيم الذي مات قبل أيام عن 99 سنة من المخرجين
المعروفين على الرغم من إنجازه بضعة أفلام مشهورة . من بينها وأنجحها،
“مغامرة السفينة بوسايدن” الفيلم الكوارثي الذي حققه البريطاني نيم في
هوليوود سنة 1972 من بطولة عدد من نجومها آنذاك بينهم جين هاكمان، وشيلي
ونترز، وارنست بورغناين، ورد باتونز، ورودي مكدووَل .
جمهور اليوم قد يكون مدركاً لفيلم آخر بنفس العنوان أنجزه الألماني
وولفغانغ بيترسون (لحساب هوليوود أيضاً) سنة 2006 الذي هو إعادة صنع لفيلم
نيم مع مجموعة ممثلين بينهم كيرت راسل، وجوش لوكاس، ورتشارد درايفوس .
وعاصر المخرج رونالد نيم السينما البريطانية، حيث وُلد، بالوراثة . والده
إلوين نيم كتب وأخرج حفنة أفلام في العقد الأول من القرن العشرين حين كانت
السينما ما زالت صامتة . وهو انضم الى العمل السينمائي كمساعد مدير تصوير
في أواخر العشرينات، ثم أصبح مدير تصوير في العام 1933 وأول فيلم له في هذا
الصدد كان موسيقياً من إخراج فردريك زلنيك عنوانه “سعيد” وكمدير تصوير أنجز
45 فيلماً حتى العام 1945 وهذا عدد كبير في فترة قصيرة . وسنة 1947 حقق أول
فيلم روائي له و”خذ حياتي” .
وعدد الأفلام التي أخرجها 24 فيلماً روائياً طويلاً أغلبها بريطاني . وهو
اختار أن ينوّع قدر الإمكان، فقائمة أفلامه تتشكّل من أعمال موسيقية
وعاطفية وكوميدية وتشويقية وكوارثية على حد سواء . لكن المميّز في مهنته
أنه تعامل بنجاح مع بعض المواهب الرئيسية في السينما البريطانية والأمريكية
أمثال إليانور باركر، روبرت ميتشوم، ديبورا كَر، مايكل كين وشيرلي ماكلين
وماغي سميث وألبرت فيناي وإليك غينس، الذي رُشح للأوسكار عن دوره في “فم
الحصان” سنة 1969 من إخراج نيم .
كان مخرجاً يجيد العمل الكلاسيكي . لم يكن متفننا ولا مخرجاً مؤلّفاً، لكنه
كان شديد البراعة في تسيير الحكاية بمعالجة جيّدة لآخر لحظاتها . وهو كشف
عن ذلك بشكل رئيسي من خلال أفلامه السبعيناتية على وجه الخصوص حين أخذ يحقق
أفلاماً كبيرة لحساب هوليوود .
الى جانب “مغامرة بوسايدون” أنجز الفيلم الغنائي “سكرودج” الذي نال عنه
ألبرت فيناي جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل في فيلم غنائي، ثم أتبع “مغامرة
بوسايدون”، الذي نال نجاحاً جماهيرياً كبيراً وينتمي الى أفلام الكوارث
بسبب قصّته التي تتحدّث عن مصير مسافرين في عرض البحر تنقلب بهم الباخرة
الضخمة رأساً على عقب، بفيلم تشويقي من بطولة جون فويت ومكسيماليان شل سنة
1974 . بعد ثلاثة أعوام عاد الى ناصية الفيلم الكوارثي متحدّثاً هذه المرّة
عن نيزك كبير يتّجه الى الأرض ومحاولات روسية أمريكية متكاتفة لصدّه .
الفيلم بعنوان “نيزك” من بطولة شون كونيري ونتالي وود . وآخر أفلامه
المشهودة كان الكوميديا التي قاد وولتر ماثاو وغليندا جاكسون بطولتها تحت
عنوان “هوبسكوتش” (1980) ولو أنه ليس أفضل أعماله على الإطلاق . بعده
فيلمان صغيران هما “أول يوم اثنين في أكتوبر” و”كيان أجنبي” . الثاني أنجزه
سنة 1986 ولا يزال آخر أعماله الروائية .
ثم آثر المخرج الاعتزال ولو أنه بقي مشغولاً ببضعة أفلام قصيرة ومساهمات
غير معلنة في أفكار ومشاريع . سنة 2003 وضع سيرة حياته الذاتية تحت عنوان
“مباشرة من فم الحصان” الذي ألقى الضوء فيه على بعض ما فات عدداً من
المؤرخين بالنسبة لصناعة السينما البريطانية في الخمسين سنة الأولى من
القرن العشرين .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
27/06/2010 |