في برنامج «نظرة ما» في
الدورة الثانية والستين (أيار 2009) لمهرجان «كان» السينمائي، عُرض فيلم
«أم»
للكوري الجنوبي بونغ جوون ـ هو (مواليد 1969)، الذي درس العلوم الاجتماعية
في جامعة
يونسي، قبل أن يتخرّج، في العام 1995، من «الأكاديمية الكورية للفنون
الجميلة»،
بإنجازه فيلم «تفكّك» (كوميديا سوداء تنتقد المجتمع الكوري)،
بعد تحقيقه فيلماً
روائياً قصيراً (16 مم.) بعنوان «رجل أبيض».
له، قبل «أم»، ثلاثة
أفلام روائية
طويلة: «الكلب الذي ينبح لا يعضّ» (2000) و«مذكّرات جرائم قتل» (2003)، عن
قصّة
حقيقية تناولت سيرة قاتل متسلسل لم يُلقَ القبض عليه أبداً
(عرف نجاحاً تجارياً
لافتاً للانتباه في كوريا الجنوبية، إذ شاهده خمسة ملايين مشاهد)؛ و«الحشد»
(2006)،
ثريلر فانتازي مستلّ من وقائع حقيقية أيضاً، عن الرابط بين النفايات
السامّة التي
رماها الجيش الأميركي في نهر «هان» وظهور مخلوق وحشي في المدينة الريفية
الممتدّة
على ضفافه (حقّق نجاحاً تجارياً أكبر، باستقطابه ثلاثة عشر
مليون مُشاهد في كوريا
الجنوبية). أما بالنسبة إلى «أم»، فتناول حكاية شاب وحيد يُعاني إعاقة
عقلية،
يُتّهم بارتكابه جريمة قتل، ما دفع والدته إلى البحث عن الحقيقة، لقناعتها
ببراءته
المطلقة.
هنا الترجمة العربية لحوار أجراه فنسنت مالوزا وجان ـ فيليب تيسّي
لحساب المجلة السينمائية الفرنسية المتخصّصة «دفاتر السينما»
(حزيران 2009)، علماً
بأن الترجمة بين الفرنسية والكورية ليجين كيم.
في أية حالة كنتَ فيها بعد «الحشد»؟
كيف انتقلتَ من هذا الفيلم المنتمي إلى نوعية الإنتاجات الضخمة، إلى «أم»؟
هناك بين أفلامي ردود أفعال وردود أفعال مضادة، بحسب رغباتي. «مذكّرات
جرائم
قتل» كان نقداً لاذعاً، مستمداً من واقع متنوّع، وكنت مهووساً
بمصداقية الوقائع
وصحّتها. في ما بعد، رغبتُ في أمر مختلف تماماً، في إنجاز فيلم متخيّل
كلّياً، من
دون أن تكون لديّ حسابات لتصفيتها أو لسدادها إزاء الواقع، فأخرجت «الحشد».
لستُ
منجذباً، بشكل خاص، إلى الأفلام ذات الميزانيات الضخمة، لكن
بالنسبة إلى «الحشد»،
الذي قُدِّم لي موضوعه، كنتُ مجبراً على تنفيذه، على الرغم من
خوفي من «الاختناق»
بميزانيته. بعد هذا الفيلم، كنتُ سعيداً بالعودة إلى فيلم أكثر تواضعاً،
كما لو أنه
النقيض. «الحشد» فيلم ممتدّ إلى الخارج: العائلة، المجتمع، كوريا. «أم»
أكثر
تركيزاً وتشديداً على الشخصيات.
هناك أيضاً مسألة أخرى: بما أن «الحشد» كان
ذكورياً أكثر، أردتُ الاشتغال على فيلم مبنيّ على الصورة الأمومية.
سينما النوع
هل انطلقت الكتابة من شخصية الأم؟
في الأصل، هناك الرغبة والحشرية في العمل
مع كيم هِيْ ـ جا، وهي ممثلة مشهورة جداً في كوريا. جاءتني هذه الفكرة
مباشرة بعد «مذكّرات جرائم قتل»، في حين أن كتابة
السيناريو امتدّت على فترة الأعوام كلّها
التي شهدت اشتغالي على «الحشد». منذ طفولتي، أشاهد كيم هِيْ ـ
جا على شاشة
التلفزيون. باتت مألوفة جداً بالنسبة إلى الكوريين، إلى درجة أردتُ معها أن
أكسر
هذه الصورة، وأن أصنع شيئاً جديداً معها. وبما أني منجذبٌ، بشكل طبيعي، إلى
سينما
النوع، وخصوصاً إلى قصص الجرائم، أردتُ إغراقها في حالات
متطرّفة.
النساء
العجائز، في الفيلم، لديهنّ جميعهنّ نَفَس الساحرات، تقريباً...
ليس فقط
النساء، الشخصيات كلّها غريبة الأشكال وبشعة قليلاً. لا أعرف لماذا، لكن
عندما أكتب
سيناريو أميل تلقائياً إلى شخصيات غريبة الأطوار قليلاً. فجأة،
تصبح العلاقات بين
الشخصيات غريبة جداً هي الأخرى. لا أرى النساء كساحرات، لكني أردتُ التحدّث
عن
أمهات كوريات، تحاولن دائماً السيطرة على حياة أولادهنّ.
«أم»
هو، في الحقيقة،
فيلم إخراج. كل شيء مركَّب بالتفاصيل والمفاجآت. هناك شيء ما مقبل من
هيتشكوك،
متمثّل بطريقتك في تعليق النصّ (وهو نصّ بارع الأسلوب) لفترة زمنية معيّنة،
ارتكازاً على أكسسوار معيّن. أفكّر مثلاً بهذه اللحظة البديعة
من التشويق، المبنية
على زجاجة مياه.
أحبّ هيتشكوك كثيراً، بالتأكيد. قرأت السِيَر الحياتية كلّها
الخاصّة به التي عثرت عليها، حتى الأكثر سماكةً، ومع هذا لم
أدرس أبداً طريقته في
التصوير. إذا تضمّن «أم» مشاهد مرتكزة على مفاجأة التفصيل، فهذا لم يكن
مبرمجاً من
قبلي سلفاً. أنتبه الآن إلى أن هناك في الفيلم أموراً أكثر مما تخيّلتها.
بالنسبة إلى المثل المُقدَّم في السؤال، فقد أردت ضمّ شخصية صديق الابن إلى
المياه: إنه شخصية مائية، نشيطة جداً في مجال الجنس، تتناقض
والأم، المنقطعة عن
الطمث، التي تبيع عشباً جافاً. هناك، بالفعل، مجموعتان من الشخصيات: مجموعة
تضمّ
النشطاء جنسياً، ومجموعة تضمّ من هم على عكسهم تماماً. وبين المجموعتين،
هناك فتاة
شابة.
الجسد
العلاقة بأجساد الشخصيات غريبة. يتقدّم النصّ غالباً بفضل ما
تفعله الشخصيات بأجسادها، كالمعالجة بواسطة الوخز بالإبر أو بفرك الصدغ،
مثلاً.
نعم، الحركات مهمّة، لأن شخصيتي الأم والابن مستبعدتين من الحياة الجنسية،
على
نقيض أولئك الذين يحيطون بهم، كصديق الابن أو الفتاة الشابة
المقتولة. بالنسبة إلى
الأم والابن، تحوّلت الحياة الجنسية إلى مسائل أخرى وتصرّفات أخرى:
المعالجة بوخز
الإبر، فرك الصدغ لإنعاش الذاكرة، أو يد الابن على بطن الأم التي ينام
معها. طوال
الفيلم، يصبح هذا كلّه حادّاً أكثر فأكثر، حتى بلوغ مرحلة
السنّ المقتَلَع والرأس
المحطَّمة بفأس.
هل الصعوبات الاقتصادية للسينما الكورية تؤثّر بك، تحديداً
بالنسبة إلى فيلمك المقبل Transperceneige
المنتَج بميزانية ضخمة؟
ليس حقّاً.
بالنسبة إلى فيلمي المقبل، سأنجزه بفضل
إنتاج أجنبي مشترك، لكن مع الاحتفاظ
بالمراقبة الفنية. هذا لا يُزعجني. بالنسبة إلى سينمائيين أمثال بارك شان ـ
ووك (مخرج «عطش»، الفائز بجائزة لجنة التحكيم
مناصفة مع «حوض الأسماك» للإنكليزية
أندريا آرنولد، في المسابقة الرسمية للدورة الثانية والستين لمهرجان «كان»
أيضاً)
أو أنا، الثابتَين في العمل بشكل جيّد، لا
توجد مشاكل. لكن بالنسبة إلى السينمائيين
الشباب، الأمر صعبٌ حالياً.
السفير اللبنانية في
25/06/2009 |