هناك مقولة عربية تقليدية تحتج بها شركات الإنتاج العربية عندما تواصل
إمطار السوق العربية بعشرات الأفلام الكوميدية المريضة والساذجة، «الجمهور
عاوز كدا». والواقع أن الجمهور دائما ما كان ضحية هذه التهمة، فمن جهة يتم
وصف ذوقه جورا بالرداءة، وثانيا فرض نوعية من الأفلام ليشاهدها كل أسبوع من
دون إتاحة أي خيار آخر. وعندما أتحدث عن الجمهور العربي فلأنه في واقع
الحال لا يختلف مطلقا عن أي جمهور آخر بتعطشه لكل عمل استثنائي وجديد، حتى
عندما يكون الحدث كوميديا هدفه التسلية ولا غير.
السينما الأميركية هي الأخرى قد بليت في السنوات العشر الأخيرة بمجموعة من
نماذج «النجم الأوحد» الذين انتقلوا من التلفزيون إلى السينما لتبدأ سلسلة
غير منتهية من أفلام التهريج التي تجد في تقليد الشخصيات وإلقاء الطرائف
الساخرة الحبكة الأهم في صناعة الكوميديا. إلا أن هذا النوع سيجد حتما
جمهورا لا يرحم إذا ما أعطي فرصة مشاهدة أفلام أكثر احتراما لعقله، وهو ما
حدث بالفعل، فقد مني عدد من نجوم الكوميديا ممن يطلق عليهم في أميركا «فرات
باك»، كبن ستيلر وويل فاريل، وفي ذيل القائمة جاك بلاك، بخيبة أمل من أداء
أعمالهم الباهتة في صالات السينما الأميركية صيف هذا العام. فالجمهور قد لا
يملك يدا طولى في صناعة الفيلم، لكنه بكل بساطة يستطيع أن يكف يده عن هدر
أمواله على أفلام تتبجح في التقليل من أهمية ذائقة الجمهور. وعلى العكس من
ذلك وقبل أربعة أسابيع فقط من دون أي مقدمات وبغياب أسماء لامعة وبراقة،
استطاع فيلم «ذي هانغ أوفر» «The Hangover»
الذي جاء من خلف الصفوف ومنذ أول أسبوع له في صالات السينما أن يحقق أهم
مفاجآت الصيف بإيرادات عالية غير متوقعة، وهو لا يزال يواصل نجاحاته تلك
بثبات حتى هذا اليوم. نحن في هذا الفيلم أمام مجموعة كاملة تقريبا ممن لهم
علاقة مباشرة بصناعة الكوميديا،، ابتداء من مخرجه تود فيليبس الذي سبق أن
قدم عددا من الأفلام الكوميدية المتوسطة مثل «Road Trip»
و«Starsky
&
Hutch»،
بالإضافة إلى بقية ممثليه الذين عملوا في أعمال كوميدية تلفزيونية كثيرة.
إلا أن هذا لم يمنع مطلقا من أن تختفي كل «اللزمات» الكوميدية لديهم
والانخراط التام في الحدث الذي يدور حوله الفيلم، والذي بذاته استطاع دون
أي افتعال أو محاولة استظراف أن يخلق كوميديا موقف بامتياز.
الفيلم يدور حول مجموعة من الأصدقاء الذين يودون أن يصطحبوا أحدهم في رحلة
توديع للعزوبية إلى لاس فيغاس، وذلك قبل موعد الزواج بيومين. إلا الأمور لا
يبدو أنها ستسير على ما خطط له الجميع. الفيلم يفتتح في الواقع بإحدى ذروات
الفيلم، حيث يقوم أحد الأصدقاء بالاتصال بالخطيبة قبل ساعات من حفل الزفاف
وهو في وضع مزر وسط الصحراء، ليقول لها: «لقد تورطنا». الفيلم منذ البداية
لم يدَع لنا فرصة التفكير فيما ستكون عليه النهاية، فنحن سنكون أمام نهاية
كارثية. هذا ما يمهد له الفيلم منذ البداية.
وعلى غير ما هو المعتاد بعد مثل هذه الافتتاحيات التي تلحق بفترة تمهيدية
طويلة، فإن الفيلم هنا لم يمهلنا كثيرا حتى دخل مباشرة في قلب عقدة الفيلم
وتحول مباشرة إلى مجموعة من الذرى المتلاحقة، فخلال دقائق من تلك
الافتتاحية وصلت مجموعة الأصدقاء إلى فيغاس وصعدوا إلى سطح الفندق قبل
القيام بأي نشاط آخر لشرب نخب الليلة تلك. هنا انتهى سريعا التمهيد للحبكة
الرئيسية في الفيلم. استيقظ الجميع على أحداث غير معقولة وغير مفهومة على
الإطلاق، ستكون مهمة البحث عن تفسير لها هي عقدة الحكاية. إذن هل نحن أمام
فيلم إثارة بوليسية وحركة وغموض؟ هو كذلك بكل ما تعنيه الكلمة. والكوميديا
التي خلقت ببراعة هي ليست ناتجة عن الوضع الذي انتهى إليه الجميع، والذي هو
مأساوي تماما، ولكن عن موقف شخصياته تجاهه. إننا أمام موقف قد يحدث لنا
جميعا ولن يثير حين حدوثه إلا الفزع والخوف، لكن بمجرد انتهائه واستذكاره
سنتذكره ونحن نضحك على موقفنا في تلك الأحداث. إن مثار السخرية في الفيلم
هو أن الجميع لا يعرف ماذا يحدث، ومجرد أن تقوم بطلب سيارتك من بواب الفندق
ثم تفاجأ أنها سيارة شرطة هي بحد ذاتها مفارقة طريفة، لكنها مخيفة للغاية.
أحد تلك المفارقات الموفقة جدا هي فقد طبيب الأسنان لأحد أسنانه دون أن
يعرف سبب ذلك، وغياب صاحب الرحلة طوال الفيلم تقريبا، وقدرة أقلهم حنكة
ودهاء على هز أروقة صالات القمار بنجاحاته، والعناية بالطفل الرضيع الوحيد.
مفارقات مبنية على انتقال من حالة افتراضية إلى ضدها دون معرفة السبب.
الفيلم يتقاطع مع بعض أشكال أفلام كوميديا الحركة الكلاسيكية كما هو في
الفيلم الشهير «It"s a Mad Mad Mad Mad World»
من حيث غياب الكوميديا الخطابية والاستعانة بكوميديا تغذيها المأساة التي
تساهم في خلق الأضداد. الرحلة كانت في فيغاس، والفيلم يدور معظمه فيها، إلا
أننا لا نشاهد مدينة «الإثم» مطلقا بصورتها المعتادة إلا في أحد لحظات
الفيلم، حيث تكون الصورة فيه مكثفة ستجعلك تحب فيغاس رغم كل آثامها.
m_aldhahri@hotmail.com
الشرق الأوسط في
03/07/2009 |