عمل جيد بحرفية صنعته وبمشاهده المتقنة لكنه اشبه بالرواية
المكتوبة من حيث التشعبات الكثيرة والاحداث
المتداخلة.
قبل ساعة واحدة
فقط من وفاته انهى ابرز كتّاب السيناريو في مصر "عبد الحي اديب" قصة
وسيناريو وحوار
فلمه الاخير "ليلة البيبي دول" لينبري ولده "عادل اديب" لإخراج الفلم وفاءً
لابيه
ولسيرته الكبيرة في الكتابة للسينما.
ويقول عادل اديب "ما كنت لاعود الى الاخراج بعد تسع سنوات لولا ان هذا
الفيلم
يمثل بالنسبة لي وصية والدي الذي كتب كل انواع السيناريوهات للسينما
المصرية".
وفعلاً كتب "عبد الحي اديب" للسينما ما يقارب 200 سيناريو خلال 40 سنة
اولها
كان"باب الحديد" الذي عمل فيه ايضاً مساعداً للمخرج "يوسف شاهين" بالاضافة
الى
اعمال مهمة منها "ام العروسة" وقد رُشِح هذا الفلم لجائزة الاوسكار للفلم
الاجنبي
و"الخائنة" و"صغيرة على الحب" و"الخبز المرّ "و"بيت القاضي" و"البدروم "و"استاكوزا"
و"ديسكو ديسكو" و"مذكرات مراهقة" وغيرها من الاعمال.
ولكن هل استحق الفلم الذي نتحدث عنه أن يكون مِسك الختام لهذا الكاتب؟
الفلم من تمثيل نُخبة كبيرة من كبار الممثلين يقف في مقدمتهم "نور
الشريف"
و"محمود عبد العزيز" و"محمود حميدة " و"ليلى علوي" و"جميل راتب" و"عزة ابو
عوف" ومن
سوريا "جمال سليمان" و"سولاف فواخرجي" مع طاقم ضخم من الممثلين
يصل الى 60 ممثلاً.
ويُعد الفلم من اضخم الافلام انتاجاً في تاريخ السينما المصرية فقد
بلغت تكاليف
الانتاج ما يقارب 44 مليون جنيه.
ويبدو أن ابن "عبد الحي اديب" الاعلامي "عماد اديب" الذي يرأس شركة
"غود نيوز
للانتاج الفني" الشركة المنتجة للفلم لم يبخل عليه بشيء من
ممثلين كبار للادوار
الرئيسية وكذلك ممثلين محترفين حتى لبعض الشخصيات التي تؤدي مشهداً واحداً
كمحمود
الجندي وعُلا غانم.
كذلك باستخدامه تقنيات لخبرات اجنبية فللخدع والغرافيك ومشهد 11/ايلول
استخدم
شركة دوبليرات من جنوب أفريقيا، وشركة ايكلير الفرنسية كذلك استخدم مدير
التصوير
الانكليزي "هونغ مانلي" وقام بتسجيل الموسيقى التصويرية في ستديو "أب روود"
في لندن
واستعان بالمنتج المنفد "دانيال شامبنيون" وحتى للمكياج استخدام "ديدية
لافيرج"
لذلك كان العمل متقن الصنعة علماً ان "عماد اديب" كان قد كتب السيناريو
لفلم"زوجة
رجل مهم".
وفي اول لقطة للفلم يظهر عريف حفل يروج لحفلة عيد رأس السنة ويعد
الجمهور بان
الحفل سيكون متميزاً ويحوي على كل ما هو جديد وحديث ليبدأ الفلم.
وهو بهذا يعطي انطباعاً للمُشاهد بأنه داخل استعراض وكرنفال بشري
وأحداث ستكون
صاخبة ومتشعبة".
وتدور كل أحداث الفلم خلال 24 ساعة فيبدأ من الصباح وينتهي في صباح
اليوم التالي
وخلال تلك الساعات تتصاعد احداث كثيرة ومثيرة.
وتتلخص قصة الفلم في مرشد سياحي اسمه حسام (محمود عبد العزيز) كان
يعاني من عجز
جنسي وعدم قدرته على الانجاب بسبب حادث قديم حصل له أثناء أدائه للخدمة
العسكرية
وكان قد سافر الى الولايات المتحدة للعلاج فيعود الى بلده وقد تم علاجه وكل
ما
يسيطر على ذهنه خلال طريق عودته ان يجتمع مع زوجته سميحة (سولاف
فواخرجي) ويحقق
رغبته الجامحة في الحصول على طفل.
ويشتري لها "بيبي دول" لترتديه في تلك الليلة.
لكن احداثاً كثيرة ومفارقات طريفة تحول دون اجتماعهما معاً لينتهي
اليوم دون ان
يتحقق ما ارادا وليؤجلا ذلك الى ليلة راس السنة من العام القادم
!
لكنهما وبسبب تدخل اللواء محسن ابو النجا (محمود حميدة) وخاله عزمي
الدمنهوري (عزت
ابو عوف) يتجدد املهما باللقاء لتظهر لوحة كتب فيها انهما رزقا بـ12 طفلاً
لكنهم اطفال انابيب وحلت مشكلتهما لكن مشكلة العراق وفلسطين
واميركا واسرائيل بقيت
لم تحل.
وطبيعة عمل حسام كمرشد سياحي تحتم عليه ان يكون مع الفوج السياحي
الاميركي الذي
يكون مستهدفاً من قبل منظمة ارهابية يرأسها عوضين (نور الشريف) مهندس
الالكترونيات
والخبير بصناعة القنابل الذي يحاول تفجير الباص الذي يقلهم ثم يتبعهم بعد
فشل
العملية بسبب رفع مساعده شكري (جمال سليمان) بطاريات جهاز
التفجير عن بُعد الى
الفندق ليحاول تنفيذ التفجير بدون ان يكترث لنزلاء الفندق وحياتهم فكل
مايسيطر عليه
هو فكرة الانتقام من أي شخص يحمل الجنسية الاميركية.
وتتخلل ذلك مشاهد فلاش باك لأحداث مر بها ويستعرض من خلالها كيف تحول
من "بطل
قومي" كما يطلق عليه شكري ذلك اللقب لانه دخل حرب 1973 وحرب العراق وايران
وحرب
افغانستان الى ارهابي كل همه قتل الناس.
وكيف تم تعذيبه الى درجة قطع عضوه والتحرش به جنسياً في سجن ابو غريب
مع انه دخل
العراق مراسلاً صحفياً وكيف حوله هذا الى مجرم مهنته القتل.
لكنه في نهاية الفلم يُقتل قبل تنفيذه للعملية، ولا أعرف لماذا يركز
الكاتب على
موضوعة الجنس
في حياة الشخصين فحسام كان عاجزاً جنسياً وعالجته المستشفيات
الاميركية بينما يحرم الجنود الاميركان عوضين من قدرته الجنسية
بقطع عضوه!
ربما لانه يعتبر ان الجنس محرك كل شيء، وان عوضين يتحول بسبب ذلك الى
قاتل.
ويتطرق الفلم ايضا الى الفتاة اليهودية سارة ابراهام (ليلى علوي) التي
تشغل منصب
رئيس الجامعة الاميركية للصداقة والسلام ويستعرض ذكرياتها عن معسكرات
الهولوكست في
تشيكوسلوفاكيا التي مارس الالمان فيها جرائم وابادة جماعية وتطهير عرقي بحق
اليهود
وقتل اهل والدتها وكيف اثّر ذلك في حياتها ومستقبلها فأصبحت
ناشطة للسلام للتخلص من
الخوف الذي كان يعتريها من فكرة إستمرار الحرب بين الشعوب فهي تدعو للسلام
اينما
حلّت.
ومن جانب آخر يسلط الضوء على اللواء محسن ابو النجا الذي كان يمارس
عمله بكل
تفانٍ وجدية والذي شكّل هو وعوضين وحسام ثلاثي الصراع داخل الفلم "الشرطي
والمجرم
والمواطن".
اما الشخصيات الباقية فهي متممة ومكملة لذلك الصراع الرئيسي كعزمي
الدمنهوري
التاجر والسياسي الانتهازي وعضو مجلس الشعب الذي يمثل نموذج رجال السياسة
الانتفاعيين من اي وضع يكون البلد فيه، فهو لا يهمه سوى الربح بغض النظر عن
المواقف
السياسية و الاحداث المحيطة.
وشخصية السائق السوري شكري الذي يساعد عوضين في عمليته لكنه يتركه بعد
ان يكتشف
ان عوضين لا يهمه سوى القتل ولايفكر بالابرياء الذين قد يموتون بسبب
عملياته لذلك
يمنعه من تنفيذ عمليته برفع البطاريات من جهاز التفجير عن بعد فيقتله عوضين
بدم
بارد مع انه صديق العمر بالنسبة له.
وشخصية السائق المدمن على المخدرات الذي يستأجره عوضين بدل شكري والذي
يصر على
سماع اغنية "انا بكره إسرائيل" وهو يكرهها لان جنودها قتلوا أخاه الذي كان
يقوم
بدورية على الحدود والذي كان في حديقة حيوانات وهو يمارس الاشتراكية مع
الحيوانات
بمناصفة لحوم الحمير المخصصة لها مع عائلته!
كذلك شخصية الفتاة التي احبها عوضين (غادة عبد الرازق) الاميركية
الجنسية
والعربية الاصل التي تعمل رئيسة مراسلين في محطة اميركية والتي تدعسها
الدبابة
الاسرائيلية بسبب خروجها في تظاهرة ضد بناء الجدار العازل في فلسطين ـ وهذا
الحادث
حقيقي حدث لمتظاهرة اميركية تعمل مراسلة رفضت التحرك من مكانها
فدهستها الدبابة ـ
وظفه المؤلف في الفلم.
وموتها يسبب صدمة كبيرة لعوضين فقد كانت حبه الوحيد فيفقد بسبب موتها
الامل في
الاستقرار والحياة الهادئة وهذا الحادث يدفعه ايضا الى كره الاسرائيليين
واليهود
بشكل عام والمؤلف بهذا الحادث وحادث الاعتقال اعطى مبرراً لتحول عوضين الى
ارهابي
وربما ابدى في بعض المرات تعاطفاً معه وكيف ان الظروف دفعته
لان يكون مجرماً و
الضحية في آن واحد.
المؤلف اراد ان يقول ان السياسة التي تمارسها اميركا هي من يدفع
الارهابيين الى
تنفيذ افعالهم الشنيعة، وهو بهذا يعطي المبرر لهم مع انه يعلن ومن بداية
الفلم
بالكتابة على الشاشة الكلمات التالية "الارهاب اكثر الاعمال بشاعة، ومقاومة
الاحتلال اكثر الاعمال نبلاً" وهو بهذا يلخص ما يريد قوله في
الفلم وربما لانه لا
يريد ان يُفهم خطأ بأنه مع الارهاب بتبريره.
بينما يتحول شكري الى العمل مع عوضين بدون مبرر كاف لعمله هذا سوى انه
دخل
معتقلات حكومية بسبب اشتراكه في تظاهرات، وصداقته واخلاصه لعوضين وتطرق
الفلم ايضاً
الى التمييز العنصري في اميركا ونبذهم للعرب والمسلمين بسبب احداث 11
ايلول/سبتمبر
وكيف ان حسام كاد يفقد حياته لمجرد معرفة احد الاميركيين انه
عربي ومسلم.
كذلك يتطرق الى الفتاة الفلسطينية (نيكول سابا) التي كان يحبها حسام
في ايام
الدراسة والتي تعمل ايضاً مراسلة صحفية في غزة وتقوم بتصوير جرائم الجيش
الاسرائيلي
لفضحهم فيقتلون اخاها فتقرر مقاومتهم وتستشهد من جراء ذلك.
ومن الملاحظ تكرار عمل المراسلين في معظم الشخصيات ربما ليبرر حركتهم
في الدول
لكنه تكرار سبب شيئاً من الملل لدى المتفرج وكان على المؤلف التنويع في
الاعمال او
اختصار شخصياتها.
النموذج العراقي الوحيد الذي ظهر في الفلم كان لسائق الاجرة الذي يقلّ
عوضين الى
داخل العراق (محمود الجندي الذي ظهر في مشهد واحد فقط) وهي شخصية متشائمة
جداً يصل
بها التشاؤم لما يحصل في العراق الى مهاجمة كل القيم وتصوير العراق على انه
اصبح
ساحة للموت والدمار ولم يدع اي بصيص امل في كلامه وبالطبع هذه
مبالغة لان الكاتب
اعتمد على ما يسمعه في الاخبار لا على مايراه على أرض الواقع.
وهذه الشخصية التي مثلت لسان حال العراقيين شخصية مبالغ في تشاؤمها
ولم يفلح
محمود الجندي في اداء اللهجة العراقية ابداً ولو استخدم المخرج ممثلاً
عراقياً لكان
أفضل بكثير ولحصل على مصداقية في الأداء اكثر ولهجة عراقية متقنة.
الحوار كان مباشراً في طروحاته في الكثير من المشاهد خصوصاً في مشاهد
النقاش بين
سارة وحسام وبين الجنرال بيتر وعوضين وهذه المباشرة والاتهامات المجردة قد
تسبب
النفور من قبل المشاهد الذي يحب استنتاج المضامين والتلميحات بنفسه دون تلك
المباشرة الواضحة.
ويحسب للفلم المونتاج المتقن لمنى ربيع التي نفذت المونتاج لمشاهد
متداخلة من
الصعب السيطرة عليها لإستخدام الفلاش باك بكثرة وهذه تحتاج الى انسيابية في
تتابع
اللقطات وتداخل المشاهد بحيث لايسبب هذا قفزة في تجاور اللقطات.
ونفذت المونتاج لمشاهد جميلة كمشهد تجهيز القنبلة من قبل عوضين ودمجه
بمشهد عزف
سميحة ومداعبة آلة العزف وكأنها تتعامل مع انسان.
فيما رفع الموسيقار ياسر عبد الرحمن الذي ظهر في احد المشاهد وهويعزف
على الكمان
الفلم بشكل واضح بموسيقاه التصويرية المعبرة ومقطوعاته الموسيقية الرائعة
التي جارت
الاحداث وارتقت بها.
أدى الممثلون أدوارهم بخبرتهم المعهودة فيما تميز أداء "محمود عبد
العزيز"
بلمسته الكوميدية و"محمود حميدة" بأدائه لدور مسؤول الامن بقسماته الحادة
فيما لم
يكن نور الشريف بمستواه الكبير الذي اعتدنا عليه لكنه تميز بجرأته بالتعري
تماماً
امام الكاميرا في مشهد تعذيبه في سجن ابو غريب والذي قال عنه
أنه أدّى ذلك المشهد
لقناعته التامة بأنه يخدم البنية الدرامية للفلم.
العمل جيد بحرفية صنعته وبمشاهده المتقنة وزوايا التصوير المعبرة
وتجلت التقنية
اكثر في تنفيذ المشاهد الصعبة كمشهد 11 ايلول/سبتمبر ومشاهد القتال لكنه
اشبه
بالرواية المكتوبة من حيث التشعبات الكثيرة والاحداث المتداخلة والتفاصيل
العريضة
التي سببت الترهل فيه وتشتيت تركيزالمشاهد على موضوعة واحدة.
فمدة عرض الفلم بلغت الساعتين ونصف الساعة وهو وقت طويل يفقد فيه
المشاهد
السيطرة على الخيوط المتداخة للفلم ولو شُذِبت تلك التداخلات لكان الفلم
أقصر وقتاً
و أكثر تأثيرا وقوةً وهذا يقع على عائق المُخرج الذي يبدو انه التزم
بالسيناريو
بحذافيره وفاءً لابيه وربما بسبب قناعته الشديدة وإيمانه بما
سطّر الكاتب على الورق
حتى لو كان ذلك على حساب الضرورات السينمائية المتعارف عليها وهو امر اثّر
بشكل
كبير على العمل برمته وأعتقد انه لو اُسند إخراج الفلم لمخرج آخر مثل "شريف
عرفة"
او "خالد يوسف" لخرج عمل آخر اكثر اقناعاً لأنه سيتعامل مع النص بحرفية
اكثر بعيداً
عن العاطفة الشخصية تجاه كاتب النص.
ميدل إيست أنلاين في
13/07/2009 |