هل يمكن الفصل بين الظواهر الثقافية وما يحدث في الواقع؟ من النادر
والاستثنائي بالقطع أن تتشكل ظاهرة فنية أو ثقافية دون أن تكون انعكاساً
لواقع محدد فقد علمتنا الخبرات التاريخية الإنسانية أن الإنتاج الثقافي
والفني هو تعبير مركب عما يدور في الحياة الحقيقية.. وحين تسود أشكال محددة
من التعبير الفني وتتحول الى ظاهرة جديدة لا بد من البحث عن الأسباب بعيداً
عن المزاج والمصالح الخاصة للمبدعين.. وفي الموسم السينمائي الأخير للسينما
المصرية لا يمكن للعين إلا أن ترصد ظاهرة العنف الدموي الذي بدأ بالزحف على
وجه هذه السينما الرائدة.. فمن بين ثمانية أفلام تتنافس الآن على إيرادات
الموسم الأهم موسم الإجازات الصيفية يمكن رصد ثلاثة أفلام شديدة العنف
والدموية يضاف اليها فيلمان على الأقل يشكل العنف محوراً من محاورها..
والأفلام الثلاثة الأولى هي دكان شحاتة وإبراهيم الأبيض و السفاح ومن
اللافت للنظر ومما لا يخلو من دلالة أن فيلمين من هذه الأفلام الثلاثة
يعلنان أنهما عن قصص وشخصيات حقيقية معاصرة وهما فيلما: إبراهيم الأبيض
عن قصة بلطجي وخارج على القانون يحمل الاسم نفسه و السفاح وهو عن قصة
سفاح حقيقي أطلق عليه اسم سفاح المهندسين أما فيلم دكان شحاتة فيعتبر
من وجهة نظري واحداً من أهم إن لم يكن أهم الأفلام المصرية الراصدة
والمحذرة من التغيرات الاجتماعية الحادة وإفرازاتها في الواقع في السنوات
الأخيرة. ويضاف لهذه الأفلام كما قلنا فيلمي الفرح و بدل فاقد حيث يشكل
العنف والخروج على القانون محوراً أساسياً من محاورهما.
في فيلم المخرج المبدع خالد يوسف دكان شحاتة يشكل مشهد النهاية
الدموية التي ينفجر فيها العنف ليسود كل مكان محطماً كل شيء في طريقه على
يد الغوغاء والمتطرفين صرخة إنذار وتحذير خطير للمجتمع والسلطة مما قد يحدث
في الواقع إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه من احتقان اجتماعي وسياسي
نتيجة لازدياد الفوارق الطبقية بشكل أكثر حدة من أي وقت مضى واستمر انفراد
قلة من المجتمع بخيراته وقيادته وبغض النظر عن قصة وحبكة الفيلم وشخصياته
التي يمكن أن يقال فيها الكثير من السلبيات والإيجابيات فإن الهدف الأساسي
والرسالة الأساسية للفيلم هي هذا الإنذار وهذا المشهد الذي يحاول أن يستشرف
ما يمكن أن يحدث في عام 2011 إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه ولعل
أضعف حلقات هذا الفيلم رغم ما تحمله أيضاً من رسالة مهمة هي شخصية البطل
شحاتة الذي لم ينجح في كسب تعاطف الجمهور رغم الأداء الرائع للممثل الشاب
عمرو سعد فهو شخص شديد الطيبة الى حد السلبية حتى في مواجهة من يسرقون حقه
ومن يلفقون له الاتهامات والذي يرمز به الفيلم للشعب محاولاً أن يقول إن
هذه الطيبة والسلبية لن تقود إلا الى كارثة.
وإذا كان دكان شحاتة هو محاولة لقراءة سياسية للواقع المعاش فإن
إبراهيم الأبيض و السفاح هما نقل من هذا الواقع بشكل شبه مباشر كما قلنا
حيث انتشرت ظواهر العنف والبلطجية والخروج على القانون وهو بشكل أو بآخر
نفس حال ما يحدث في فيلم بدل فاقد و الفرح وإن لم يدع أي منهما لنفسه
اعتماده على قصص وشخصيات حقيقية لكنها في النهاية خصوصاً فيلم الفرح
تعبير عن العشوائية وأساليب التحايل على صعوبات الواقع وما تدفع إليه من
خروج على القوانين والقيم ولا يخلو حتى فيلم آخر عرض في بداية هذا الموسم
من مظاهر العنف الأسري وهو فيلم احكي شهرزاد وهو نفس حال الفيلم
الكوميدي ألف مبروك لأحمد حلمي.. والذي يعالج بعض مظاهر العنف الشوارعي
بأسلوب كوميدي.. ومن اللافت للنظر أن إعلانات كل هذه الأفلام بلا استثناء
والتي تبث ليل نهار على القنوات الفضائية تركز بشكل أساسي على مشاهد العنف
والدم والقسوة وكأنها منطقة الجاذبية الجماهيرية الأساسية لهذه الأفلام ما
يكشف عن مداعبة صناعها لرغبات ومخاوف مكبوتة أو صريحة لدى الجمهور لهذه
النوعية من المشاهد!!.
الراية القطرية في
16/07/2009 |