فيلم «1000 مبروك» الذي يعرض حاليا في صالات السينما المحلية، من
النوع الذي تخرج منه وأنت تشعر بالانتعاش والتفاؤل، الانتعاش لأنه خاطب
عقلك ومشاعرك، والتفاؤل لأنه أكد على وجود جيل من السينمائيين لديه الرغبة
في تقديم سينما مختلفة، والأهم من هذا وذاك انه قدم درسا في الحياة من خلال
حكمة يصفعنا بها البطل في نهاية الفيلم بصورة مباشرة وهي، «أن تكون غائباً
حاضراً أفضل من أن تكون حاضراً غائباً»، وهي تلخص كثيرا من معاني الفيلم
وفلسفته في أن حضور الإنسان بأعماله وأثرها على من حوله هو المهم، وليس
مجرد حضوره الجسدي بلا تأثير.
يؤكد أحمد حلمي في فيلمه الجديد أن السينما هي الفن والمتعة، وأن
اختياراته هي الأنضج والأكثر إمتاعا بين زملائه من نجوم الكوميديا، فقد نجح
من خلال أعماله الأخيرة في صنع طريق خاص به، يعتمد على شكل فني ودرامي
مختلف وجذاب ومضمون إنساني يفجر الكوميديا، حيث يعمق فكرة أن الكوميديا
ليست مجرد إيفيهات وزغزغة ينتهي مفعولها بانتهاء الفيلم، بل هي انتقاء
موضوعات تمنح البهجة للجمهور داخل قاعة العرض ولا ينساها بعد خروجه
منها.(1000 مبروك) مجرد فكرة فيها كل عناصر الجرأة والابتكار والخيال،
تحولت لتصبح فيلماً مسلياً خفيف الظل ذا مغزى إنساني يحمل قيمة، ويتحمل أن
تكون الكوميديا فيه ليست مجرد تهريج مبتذل، هو بالفعل مقتبس من الفيلم
الأميركي (يوم فأر الأرض ـ
GROUND HOG DAY)،
وقد حاول صناعه إخفاء هذه الحقيقة بلوحة في التترات تدعي أن الفيلم مقتبس
من أسطورة إغريقية.
لكننا أمام معالجة سينمائية وتمصير جيد قام به (محمد دياب) و(خالد
دياب) لأحداث الفيلم الأصلي، الذي يحتل مرتبة مهمة كواحد من أكثر الأفلام
شعبية في عديد من القوائم الفنية المهمة في أميركا، وقد أنتج عام 1993 أي
منذ حوالي 16 عاما، وتمت إضافته منذ ثلاثة أعوام إلى السجل القومي للأفلام
الأميركية باعتباره من الأعمال التي تتمتع بتأثير ثقافي وحضاري وجمالي
كبير، فهو من الأفلام التي تحمل فلسفة خاصة تحرض المتفرج على تطوير سلوكه
الشخصي إلى الأفضل، وهو يحمل العديد من الأفكار الإيجابية التي تؤكد ضرورة
التكاتف والتعاطف، ونبذ الأنانية والسلبية والخوف من تحمل المسؤولية.
بطل الفيلم اسمه أحمد جلال ـ وهي مفارقة طريفة أن يحمل اسم البطل اسم
مخرج الفيلم ـ ونحن نراه في بداية اليوم يستعد لحفل زفافه، الذي يمثل
بالنسبة له نقطة مهمة في حياته لأنه مقبل على تحمل مسؤولية حياة أسرية
كاملة، وهذا اليوم بتفاصيله يصبح محور الفيلم لاحقا، نرى فيه البطل يعمل
موظف حسابات بالبورصة، ولكنه بعيد عن المضاربة وشراء وبيع الأسهم لأنه لا
يحب المجازفة، نري أيضاً علاقته بأبيه وأمه وشقيقته تقوم على الأخذ الدائم
دون عطاء، نراه في الشارع وعلاقته بالآخرين سلبية وأنانية.
وتحمل قدرا كبيرا من اللامبالاة بالآخرين، فهو لا يتشجع للامساك بلص
سرق حقيبة سيدة، ولا يسعى لإنقاذ رجل مسن غارق في دمائه بعد أن تعرض لحادث
سيارة صدمته وفر بها صاحبها، ولا يعنيه أن يقدم خمسة ملفات لصاحب الشركة
تحوي أسماء من يقترح إنهاء عقود عملهم حتى لا يتعرض لتخفيض راتبه وزملاؤه،
وفي نهاية اليوم وأمام مكان الفرح نراه يعبر الطريق فتصدمه شاحنة ضخمة
ويموت.
ومع هذه الصدمة الدرامية تبدأ أحداث الفيلم الحقيقية، فالبطل يستيقظ
صباح اليوم الذي مات فيه ليجد نفسه حياً، ليكتشف أنه لا يعاني كابوسًا كما
يظن، ولكن يوم زفاف نفسه يتكرر تفاصيله تقريباً، هذا الشكل الدرامي يبدو في
بداية الفيلم مجرد موقف درامي للإضحاك من خلال تكرار مواقف وحوار يحفظه
البطل عن ظهر قلب، لكنه تدريجياً ومع استمرار وفاة البطل في نهاية اليوم،
وتكرار نفس اليوم يجد نفسه مضطراً لمقاومة مصيره بمحاولة تغيير الواقع، ومع
محاولاته تلك يبدأ في إعادة النظر في بعض قناعاته ونظرته للآخرين خاصة
أفراد عائلته.
تفاصيل اليوم الأول رغم أنها كانت بطيئة قليلاً وتحتاج إلى الاختصار
والتخفيف من بعض تفاصيلها، مثل مشهد حمام البيوتي سنتر والمساج أو صيد
العصافير، والتي جاءت أشبه باسكتشات كوميدية مقحمة، إلا أن تفاصيل هذا
اليوم كانت مهمة لأن تفاعل البطل معها يختلف مع تكرار الأيام، ولكن التخلص
من بعض الأحداث داخل اليوم الواحد كان مطلوباً، وهذا ما رأيناه في مشاهد
تتابع التكرار حتى لا يمل المتفرج، ولا يقع الفيلم في البطء والتطويل،
واستطاع مونتاج (معتز الكاتب) بمؤثراته من تحقيق المباغتة في مشهد استيقاظ
البطل يوميا من الكابوس الجاثم على صدره.
كذلك احتوت نهاية الفيلم على بعض التطويل الذي يمكن تبريره، والتي
تأتي ضمن السياق الدرامي، حيث يمهد لقرار البطل مواجهة الموت الذي يخاف
منه، وقد استطاع احمد حلمي في المشهد الأخير، أن يؤكد بتعبيرات وجهه وعينيه
تحوله من شخصية أنانية سلبية، إلى شخصية تدرك معنى التضحية بالذات من أجل
الآخرين في أقصى معانيها.
وكانت المفاجأة الحقيقية في هذا الفيلم، مجموعة من الوجوه الجديدة
التي حصلت على فرصة جيدة للتألق ونجح كل في دوره، كما نجح أيضا المخرج
(أحمد جلال) ابن المخرج المتميز نادر جلال، في صنع عمل كوميدي يستخدم لغة
الصورة السينمائية ببلاغة ورشاقة رغم تكرار المشاهد وأحداث اليوم الواحد،
وساهمت الخدع والمؤثرات البصرية الجيدة خاصة مشاهد الموت المتكررة للبطل،
في صنع شكل مقنع ومميز لفيلم احتل قائمة الإيرادات المصرية في موسم الصيف
محققا 7 ملايين جنيه خلال الأسبوع الأول لطرحه في صالات السينما.
البيان الإماراتية في
28/07/2009 |