يكاد يكون موت 'شحاتة' في نهاية فيلم خالد يوسف الجديد، كما في
كل تراجيديا، حتمية لا مناص منها. 'دكان شحاتة' ليس فيلمًا للتسلية؛ إنه
يضعك أمام
قصة تآكل المجتمع المصري وتجريد الإنسان من إنسانيته، ومن
طيبته التي يعلن المخرج
هزيمتها بموت بطله، المتأرجح بين البطولة واللابطولة.
دكان شحاتة، في الأصل، هو
مدخل جانبي لحديقة طبيب مصري ارستقراطي ذي ميول يسارية، يهبه
للجنائني الصّعيدي (محمود
حميدة) ولأبنائه الأربعة، ليقيم فيه دكانًا للفواكه يسميه باسم الأخ الأصغر (عمرو سعد) غير الشقيق. تمرّ السنوات
وتتفاقم غيرة أخوة شحاتة منه، فيتآمرون عليه
بعد موت الأب لبيع الدكان لسفارة أجنبية، بوساطة نجل الطبيب
العائد من أمريكا.
ويُسجن شحاتة ليستأثر أحد أخوته بخطيبته 'بيسة' (هيفاء وهبي) ويتزوّجها
عُنوةً
بتواطؤ شقيقها 'كرم غباوة' (عمرو عبد الجليل).
النقلة التقنية النوعية في
السينما المصرية استُثمرت حتى الآن غالبًا في 'جانرات'
الكوميديا و'الآكشن' التي
تطغى عليها نجومية الممثل. أما 'دكان شحاتة' فهو إضافة نوعية لسينما
المخرج، التي
تولـّف الحكاية والأداء والموسيقى وتنتقل بخفة بين المشاهد المتباعدة
واللقطات
الاسترجاعية (فلاش باك) على مدار ثلاثين عامًا، وتفسح المجال
أمام تجليات محمود
حميدة وومضات عمرو عبد الجليل، إلى جانب عمرو سعد الذي تألـّقت موهبته في
المونولوغات والمشاهد المنفردة والمقـرَّبة جدًا (كلوز أب).
أمّا القديرة غادة عبد
الرازق فاتسمت شخصيتها (الأخت الممتعضة التي تتمرّد لكن لا تثور) بمحدودية
زاد من
بلتها أداء هيفاء وهبي الباهت، خاصة في مشهد موت شحاتة.
لقد تمّمت هيفاء
واجباتها التسويقية على أكمل وجه، ولكنها كانت نقطة ضعف الفيلم الأساسية.
فقدراتها
التمثيلية ليست بأفضل من تلك الغنائية، كأقل ما يقال، وهي ليست ملائمة لدور
بنت
البلد الذي كان يمكن إسناده لمنى زكي أو هند صبري أو منة شلبي.
ناهيك عن أنّ
الانشغال برقصة غير موظفة هنا أو فستان هناك يحرف الأنظار عن سخونة من نوع
آخر.
وبيد أنّ 'دكان شحاتة' أبدى شيئًا من
الرضوخ للاعتبارات التجارية، فإنّه و'حين
ميسرة' و'هي فوضى' (ثلاثتهم مع السيناريست ناصر عبد الرحمن)
يشكّـلون بلا شك ثلاثية
متماسكة تنهل من مدرسة سينمائية واحدة لا تدّعي الحياد في استقرائها
للواقع، ولا في
انحيازها للمظلومين وحنينها إلى الزمن الناصريّ الجميل. إلى جانب إشكالية
الشخصيات
النسائية، قد تؤخذ على تلميذ شاهين النجيب تلك الجرعة التوثيقية الزائدة في
'دكان
شحاتة'، واستحضار مانشيتات تؤرِّخ لأحداث مثل احتلال العراق
والانتخابات الرئاسية
وحريق مسرح بني سويف وغرق العبّارة. ولعله كان بالإمكان الاكتفاء بالواقع
المتأزم
في خلفية القصة، واقع الفقر والجوع والفساد والاستغلال والخوف الذي يأخذ
الشخصيات
إلى مصائرها، ويقتاد شحاتة إلى نهايته التراجيدية بامتياز. لكن
يصعُب استساغة تهافت
بعض النقد على هذه الجزئية لغرض النيْل من قيمة العمل الفنية والتهرّب من
أسئلته
الإنسانية والسياسية الحادّة.
لا تكتمل المأساة دون خطأ مصيري، والخطيئة الوحيدة
الذي اقترفها شحاتة كانت أنه لم يستطع العيش وحده، حتى بعد أن نهب أخوته
حبيبته
وإرث والده، والفوضى الشاملة التي تنفجر بعد موته (المشهد الذي
حاولت الرقابة
المصرية حذفه) إنما هي صرخة إنذار، وتحذير من الآتي، ربما سنة 2013 كما
يتنبأ
الفيلم، بعدها أو قبلها بقليل، ولكنه آتٍ عاجلا أم آجلا.
كاتب فلسطيني
(حيفا)
rajazaatry@gmail.om
القدس العربي في
29/07/2009 |