ليست كلمات الشاعر المصري "جمال بخيت" هي المدخل الوحيد لقراءة فيلم
"دكان شحاتة"، فأغنية "أنا عاشق" تجعلنا نقف أمام الحلم البسيط، والذي رغم
محدوديته لا يتحقق:
"وايه يعني لو العشاق في دنيتنا يزيدو اتنين/ وايه يعني لو الدنيا دي
تسعدنا ولو ساعتين/ نخدهم من الحياة سرقة/ أنا عاشق وانا عاشقة".
وفي أغنية "الفقر" يسأل بخيت، وبذات البساطة، عن سر هذا الوجع الوطني
الممتد من محيط الله إلى خليجه.
"الفقر هو ضعف الوطن ملوش لا دهر ولا تمن/ يهلك ويشقي سنين ويادوب
يجيب حق الكفن/ ليه البلد محنية محنية شايلة عذاب / وبيوتنا ليه مرهونا علي
زلزال/ طب مين اللي قال ملها ومين كنز مالها/ ومين واقف وياها وياها وقت
المحن".
إلا أن كاميرا "خالد يوسف" تدور في كل الجهات لتكون هي المدخل الآخر،
والأشد "ألماً" لرؤية وضعنا العربي المحتضر، إن لم يكن قد أعلن موته منذ
زمن بعيد.
دكان شحاته هو الشرق الأوسط الذي يتعارك داخله الأخوة عندما تأتي
السفارة الإسرائيلية لشراء الفيلا الملحق بها، فـ "شحاتة" أخ أصغر لأخوين
وبنت من زوجة أخرى، هؤلاء الأخوة الذين سبق للأب أن قرر أن يحرمهم من
الدكان لكن الدكتور مؤنس يرفض هذه الفكرة، هذا الإقطاعي السابق والشيوعي
الحالي، يرى أن الأب يجب ألا يحرم بقية الأبناء من التركة. وما إن يموت
الأب حتى تصبح الرمزية واضحة جداً في تناول خالد يوسف لقضية الاحتضار
العربي. فالأب لم يكن أكثر من رمز على زمن غابر من المجد الذي زال ليبقى
أبناؤه يعيشون تحت عباءة تراثه العاجز عن إحداث أي تغيير، فهو تراث بقايا
ممثلا في بطاقته وملابسه الرثة، كما أن رمز أبوته لا يأتي إلا في شكل سلطة
مستبدة لم تورث للأبناء إلا التناحر والفُرقة، أما "شحاتة" فقد جاء ليمثل
دور مصر التي سبقت اخوتها بخطوة واحدة لتمتلك "الدكان"، لكنها كانت الخطوة
الخاطئة التي ستقود الجميع إلى نهاية مؤلمة. فهو ضحية كل شيء سبقه أو
عاصره، وهو ضحية حتمية لما سيأتي،إذ يبدأ "يوسف" فيلمه بالرجوع تاريخياً من
العام 2014 وحتى اغتيال السادات. ويرصد الفيلم، في مشاهد متعددة ومنتشرة
منذ البداية وحتى النهاية، الفقر والقلق السياسي وغياب الرؤية من خلال
طوابير الخبز أو مهاجمة قطار البضائع أو رصد المظاهرات كمظاهرة المتعاطفين
وأهالي ضحايا مسرح بني سويف!.
في فيلم خالد يوسف الكثير من الدلالات، ولعل من أهمها مشهد "شحاتة"
الذي حين يخرج من السجن ويجلس حزينا في جامع الحسين ليتذكر والده يمر به
أحد المحسنين ليتصدق عليه، وحين يخبره شحاتة بأنه ليس متسولاً يرد الرجل:
"يا ابني احنا كلنا شحاتين". كما أن بعض شخصيات الفيلم تؤدي دوراً هام من
خلال رمزيته في الفيلم؛ كشخصية "كرم غباوة" الذي رغم محوريته في الصراع
حول الدكان إلا أنه يثبت أنه من أهم الخاسرين، فالكرم العربي على طول
تاريخنا رافقته غباوة أوصلتنا إلى ما نحن فيه. إضافة إلى دور "بيسة" الذي
أتقن يوسف توظيفه ليوضح أن دكان شحاتة/ شرقنا العربي ليس هو كل ما يسبب
الصراع ولكن أسباباً كثيرة تؤازره، فالشهوة الجامحة تدفع الأخ للحصول على
ما يمتلكه الأخ الآخر لتكون سبباً كافياً للقتل. كذلك شخصية "البرص" التي
المخدر تحت لسان "شحاتة" لتعينه على نسيان ألم احتضاره في نهاية الفيلم بعد
أن يرديه أخوه، فالعالم العربي بات يجد في الاحتضار على يد أدوات تغييب
الوعي والمخدرات لذة تناسب لذة تمثيله الدائم والمستمر لدور الضحية.
فيلم دكان شحاتة كان قراءة واعية جداً لأزمتنا العربية الراهنة، أزمة
تسول حل قضايانا على أيدي الآخرين، وقراءة واعية للأزمة المصرية بشكل خاص،
وهي الأزمة الممثلة في غياب الرؤية لدى الأخت الكبرى التي تقدمت الجميع
بالخطوة الخطأ لتقود البقية إلى الهاوية بعينين شبه مطفأتين، تماماً كما
عبر الشاعر جمال بخيت في أغنية "السجن":
"مش باقى منى غير شوية ضى فى عينيا / انا هديهوملك و امشى بصبرى فى
الملكوت/ يمكن فى نورهم تلمحى خطوة /تفرق معاكى بين الحياة و الموت".
إيلاف في
30/07/2009 |