بانوراما ثقافة وفنون عام 2005 (سورية):
الانفتاح والتغيير والتجديد شعارات ما يزال يلوكها
الاعلام وانتعاش في مهرجانات المحافظات وتكرار في الثيمات الدرامية..
وروح مفاجئة في الموسم التشكيلي واسمائه!
أنور بدر
دمشق ـ القدس العربي اذا كانت الاشكالية الأساسية في الحياة السورية تتعلق
بما صدر عن تقريري ميليس وردود الأفعال حولهما، فان الاشكالية الأساسية في
نشاط المثقفين السوريين تتعلق بهيمنة المؤسسات الرسمية علي الحياة الثقافية
للمجتمع، وعجز هذه المؤسسات عن التطور والتغيير، رغم أهمية ذلك التطور
والتغيير كضرورة داخلية وكمطلب خارجي بآن معاً.
ويبدو نموذج اتحاد الكتاب العرب الذي بدأ كرابطة للكتّاب الماركسيين
واليساريين في سورية عام 1951، وحلّ مطلع عام 1959 لهذا السبب من قبل
النظام الأمني لدولة الوحدة بين سورية ومصر، الا أن اعادة تأسيسه عام 1967
والتي انطلقت من مكتب عبد الكريم الجندي مدير الدعاية والأخبار في القيادة
البعثية لتلك الفترة، أوثقت عراه كمنظمة ملحقة بالقيادة السياسية للدولة،
في اطار صيغة الاتحادات المهنية والفنية التي ظهرت آنذاك، وهو ما ألغي دور
الاتحاد كمنظمة نقابية تهتم بالكتاب والكتّاب أنفسهم، وتحوله الي منظمة
سياسية لتأطير هؤلاء الكتّاب وراء الخطاب الرسمي للنظام.
اذا كان الكتّاب العرب في سورية قد فرحوا بازاحة ثقل القيادة الدكتاتورية
لاتحادهم ممثلة بالرئيس الأبدي له السيد علي عقلة عرسان، الا أننا نكتشف،
وبسرعة، أن هذا الاجراء الذي جاء كتوجه من القيادة القطرية لحزب البعث في
مؤتمرها الأخير، لم يعكس مخاضات ديمقراطية داخل الاتحاد، وبالتالي كانت
النتيجة أن الأعضاء البعثيين في الاتحاد وضعوا أسماء القائمة الجديدة في
جلسة سبقت الانتخابات الرسمية، وهكذا تم استبدال الدكتور حسين جمعة
بالدكتور علي عقلة عرسان دون أن ينعكس هذا الاجراء في بنية الاتحاد أو في
وظيفته أو في توجهاته أو في آلية عمله وهو أضعف الايمان، مع أن محاولة جادة
ظهرت لأول مرة في تلك الانتخابات وهي ظهور قائمة مستقلة، لها شرف المحاولة
والجرأة، وان فشلت في خرق السقف السلطوي للعملية الانتخابية وللبنية
النقابية.
وان كنا نؤكد أن المسألة ليست في تحديد الأسماء، بل في حرية العمل، والتي
تمضي من آلية التنسيب وحقوق العضوية الي تمثل الوظيفة الرقابية والقمعية
علي الكتاب، وصولاً الي قمع الكتاّب وفصلهم من الاتحاد لأسباب غير مهنية.
لنكتشف في النهاية أن خيرة كتابنا أمثال أدونيس وهاني الراهب وسعد الله
ونوس، وقد رحل بعضهم عن الدنيا، وهم خارج هذا الاتحاد.
أما الرقابة علي الكتاب فهي تمتد من الرقابة علي المخطوطات واجازتها
للطباعة أو عدم اجازتها، وهذه الوظيفة- بكل أسف- تتقاسمها كل من وزارة
الثقافة واتحاد الكتّاب، فنأوا بأنفسهم عن الابداع وحرية الفكر وارتضوا
انحطاط الرقابة والرقيب، وهذه لعمري وظيفة لا تليق بمثقف أو كاتب حر. فكيف
عندما تمتد سلطة الرقابة الي الكتاب القادم الينا من خارج سورية، حتي أثناء
معرض دمشق الدولي للكتاب. مع العلم أن هذه الرقابة لا تتوقف مع سيل
التفاهات والخرافات والشعوذات المطبوعة باسم الفلك أو التراث أو الدين، بل
تتوقف مع كل حالة لها علاقة بالحرية وبكرامة الانسان وحقوقه.
وبينما تغدو الثقافة في عالم الانترنيت سلعة متمردة علي القيود والحدود،
فانها في عالمنا العربي ما تزال تخضع للكثير من الضوابط والنواظم التي تحدّ
من حركة الكتاب وتحدّ من حركة الترجمة، وهي تضاف بذلك الي الأسباب السياسية
والاقتصادية والاجتماعية وحتي الدينية التي تأخذ كلها لبوس الرقابة حيناً،
ولبوس الفتوي والتحريم حيناً آخر. حتي غدونا أمة لا تقرأ، بعدما كنا أمة
نفتخر بأن رسالتها بدأت بعبارة أقرأ.
فاذا كان معدل نشر الكتاب العربي، الي حركة النشر في العالم قد تراجع،
عموماً، من 1.1 بالمئة سنة 1960، الي 0.7 بالمئة سنة 2005، فان الاحصائية
الأخيرة لعدد الكتب المطبوعة في سورية تشير الي تراجع من 1478 كتاباً سنة
2003 الي 1124 كتاباً سنة 2005، فاذا أخذنا بعين الاعتبار تدني عدد النسخ
المطبوعة من كل كتاب الي 500 نسخة في الكثير من الحالات، وما دون ذلك في
بعض الأحيان، فاننا نتساءل: هل من باب تشجيع القراءة في سورية أن نفرض 8
بالمئة ضريبة أرباح علي دور النشر أسوة بأرباح السلع الأخري؟!
وبالعودة الي احصائية وزارة الثقافة الأخيرة نجد أن في سورية 410 دور
للنشر، أكثر من 85 بالمئة منها تتركز في العاصمة دمشق، بينما تتوزع قرابة
15 بالمئة علي باقي المحافظات السورية، فاذا وزعنا 1124 كتاباً طُبعت هذا
العام علي عدد دور النشر في سورية لكانت الحصيلة هي 2.74 كتاباً لكل دار
نشر، أي أقل من ثلاث كتب، فكيف اذا علمنا أن وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب
باعتبارهما الطابعان الأساسيان للكتّاب في سورية ـ بغض النظر عن سويته ـ
يطبعان قرابة نصف العدد الاجمالي، اذاً سنكتشف ان دورا عديدة لم تطبع ولا
كتاب هذا العام، والعدد الكبير منها لم يطبع الا أرقاماً زهيدة دون عدد
أصابع اليد الواحدة!
مع ذلك كان معرض دمشق الدولي للكتاب حافلاً بالكثير من العناوين، والتي بلغ
تعدادها قرابة 40 ألفاً، جاءت من 410 دار نشر مشاركة، مثلت 20 دولة عربية
وأجنبية، وقد اكتظت بهم الأجنحة المخصصة في مكتبة الأسد، بعد أن عاد المعرض
الي مقره الأساسي فيها، لكن النشاطات الموازية ـ باستثناء أمسية محمود
درويش ـ كانت دون المستوي بشكل عام ـ وشحيحة قياساً بالمعارض المجاورة في
بيروت أو القاهرة أو سواها... كذلك حفلات توقيع الكتب التي ازدحم روادها
علي ديوان محمود درويش الأخير كزهر اللوز أو ابعد فقط.
ہ ہ ہ
وزارة الثقافة تبدو منذ سنوات خارج حقل اهتماماتها، اذ يصّر الدكتور محمود
السيد علي ضبط النفقات، فيما نعلم كلنا أن النشاط الثقافي نشاط غير ربحي
بالأساس، وكل دول العالم عبر الهيئات غير الرسمية أو فعاليات المجتمع
المدني والفعاليات الاقتصادية تعمل علي دعم النشاطات الثقافية المختلفة،
واذا كانت هذه الفعاليات قد بدأت تتلمس أخيراً طريقها الي ثقافة السبونسر،
فان الوزارة تراجعت عن دورها الرئيس في تبني كل الأنشطة الثقافية الي الحد
الأدني، بعدما كانت احتكاراً سلطوياً لها، مع بقاء طبيعة الهيمنة علي حساب
الوظيفة الثقافية والقيمة الابداعية، فنجد أن وزارة الثقافة يتبع لها 450
مركزا ثقافيا، لاتكاد تقدم مجتمعة ما يقدمه أحد المركز الثقافية الأجنبية
في سورية كالمركز الثقافي الفرنسي أو معهد غوته أو المركز الروسي، واذا
رأينا مركزا ثقافيا ناشطا فعلينا أن ندرك سلفا أهمية العامل الشخصي لمدير
المركز، كما حصل سابقا في مراكز مصياف وسلمية، وكما يحصل الآن في مديرية
ثقافة الرقة بادارة حمود الموسي.
أما مديرية المطبوعات في وزارة الثقافة فلم تستطع بعد أن تتخلص من ارث
سنوات مضت راكمت فيها ما ينوف عن مئتي عنوان رديء بانتظار الطباعة. ولو
راجعنا سجل المطبوعات في الوزارة لعام 2005، لاكتشفنا قائمة تضم 113
كتاباً، صدر منها حتي تاريخ 15/12/2005 فقط 89 كتاباًُ، مع تدني واضح لحصة
مديرية التأليف والترجمة في الوزارة اذ بلغت 15عنواناً فقط، مع 10 عناوين
للسلسلة الشهرية آفاق ثقافية، فيما توزعت العناوين الأخري علي مديريات
ومؤسسات الوزارة الأخري. فنجد 23 عنواناً ضمن سلسلة الفن السابع التي
تصدرها المؤسسة العامة للسينما، و14 مجموعة قصصية للأطفال، تصدرها مديرية
ثقافة الطفل في الوزارة، كما أن الوزير دفع بخمسة عناوين شخصية له ضمن
مطبوعات الوزارة، وآخر لحميه عبد اللطيف اليونس. والباقي كان من تراكمات
سابقة لمديرية التأليف والترجمة، قسم منها غير جدير بالطباعة والقراءة،
مثال مجموعة جمانة طه القصصية صمت أزرق غامق والتي لم يوافق أي من قراء
المطبوعات علي طباعته، الا أنه طُبع.
مع ذلك نقول، أن في مديرية التأليف والترجمة خطط لتقديم اصدارات متميزة في
الأدب والفكر والفن، لعل أهمها: سلسلة روايات عالمية المترجمة، وسلسلة
دراسات تاريخية و قضايا راهنة و قضايا وحوارات النهضة بالاضافة الي آفاق
ثقافية . لكن الكثير من العناوين ضمن هذه الاصدارات وخارجها، لم تجد طريقها
علي مديرية المطبوعات بسبب التداخلات الادارية التي تفرض كتاباً ما في
اللحظة الأخيرة، مع أن طاقة مديرية المطبوعات والنشر في الوزارة هي طاقة
محدودة.
ربما يكون من أهم الاقتراحات في مديرية التأليف والترجمة، التي أخذت طريقها
الي الاصدار، ما رأيناه في سلسلة جديدة باسم الأعمال الكاملة لأعلام في
الأدب والفكر في سورية وقد صدر منها هذا العام كتابان، الأول يضم الأعمال
الكاملة للقاص أديب النحوي. والآخر يضم الأعمال الكاملة للأديب سعيد
حورانية، ولا تزال الأعمال الكاملة لكل من سنية صالح، صباح محي الدين، علي
الناصر، فرنسيس مراش، رفيق رزق سلوم، شكيب الجابري، تنتظر فرصتها في
الطباعة العام القادم، بالاضافة لأعمال ايتالو كالفينو المترجمة.
الا أن اشكالية القراءة لا تقف عند حدود العناوين المطبوعة، بل نلاحظ أن
الوزارة لا تطبع أكثر من ألف نسخة من كل عنوان، باستثناء قصص الأطفال وبعض
الاصدارات النوعية التي تبلغ ألف وخمسمائة نسخة، بينما تبلغ عدد نسخ سلسلة
الفن السابع التي تصدرها المؤسسة العامة للسينما فقط سقف الـ 3000 نسخة لكل
عدد منها.
ومن يتابع الندوات والمؤتمرات المخصصة لمحو الأمية في سورية، وحتي القرارات
وقوانين التعليم الالزامي ودورات محو الأمية لن يصدق أن نسبة الأمية لدينا
ما تزال تبلغ 19% وفق التقرير الاحصائي لعام 2004، وهي من أعلي المعدلات في
العالم العربي. وبالمقابل نجد أن الجهد الأساسي للوزارة لم يقارب هذه
الاشكالية، رغم جديتها، بل ذهب علي تكريس ثقافة المهرجانات والمناسبات،
وظهر مصطلح جديد هو الثقافة السياحية حيث بدأنا نلمس تنافساً بين بعض
المحافظات والبلدات السياحية علي اقامة مهرجانات خاصة بها، تُصر كلها علي
أن تكون ثقافية فنية ، لكن المنافسة الحقيقية بين هذه المهرجانات لا تتعدي
أسماء بعض الفرق الفنية المستضافة أو بعض نجوم الطرب الشبابي، مع منافسة
أخري علي تحديد مستوي الرعاية للمهرجان ما بين محافظ أو وزير.
فلم تكتف محافظة السويداء، وهي أصغر محافظة في سورية، بمهرجان بصري، بل ظهر
مهرجان آخر في شهبا بالاضافة لمهرجان أو مسابقة المزرعة الأدبية. وفي
محافظة صغيرة أخري كطرطوس يستمر مهرجان سعد الله ونوس مع مهرجان السنديان
الذي يقام في قرية الملاجة، مسقط رأس الشاعر محمد عمران، اضافة لمهرجان
الزيتون الأدبي والفني الرابع، ومهرجان عمريت الثاني للثقافة والفنون، كما
أقُرّ في هذا العام مهرجانان جديدان في هذه المحافظة: الأول في بلدة حمين،
والثاني في قرية الصفصافة.
ونكتشف في حمص واللاذقية وفي حماة وباقي المحافظات الشرقية أسماء أخري
لمهرجانات عدة، الا أن العاصمة دمشق تحتفظ لنفسها بنصيب الاسد في عدد
المهرجانات السنوية التي تقيمها، وهذه المهرجانات لا تشمل المهرجانات
المسرحية للمحافظات والبلديات الناشطة ولا أسابيع التسوق التي تروج لنفسها
بشيء من الثقافة والطرب، الا أننا نلاحظ أن هذا العدد الضخم من المهرجانات
السنوية لا يعني تقدماً في سوية الابداع والفن أو الثقافة، خاصة بعدما رفعت
الوزارة وصايتها عن الكثير من المهرجانات التي سبق وأطلقتها في تلك
المحافظات والمدن، قبل عقد أو عقدين من الزمن، لتحيلها عبئاً علي كاهل
المحافظة أو الادارة المحلية، مما يعني غياب الدعم المالي والاستعاضة عنه
بتمويل محلي من الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية لكل محافظة. لكن مع غياب
ثقافة السبونسر وقوانين الاعفاء الضريبي التي تشجع علي ذلك، بدا واضحاً
تراجع سوية الفعاليات الثقافية والفنية في مهرجان المحبة أو مهرجان بصري،
مقابل طغيان كمي كبير لنشاطات فنية وثقافية لا تستطيع أن ترفع علي كاهلها
عبء مهرجان حقيقي.
وأحد أوجه هذه الاشكالية في المهرجانات الأهلية التي ترفض الارتباط بأسابيع
التسوق السياحي أو الأيديولوجي، كمهرجان السنديان، وفي الوقت نفسه يحول
قانون الجمعيات المعمول به في سورية دون تحولها الي منظمة أو جمعية أهلية
لرعاية هذا المهرجان أو ذاك.
ہہہ
ومع ذلك لا يمكننا الا أن نعترف بتميز مهرجان دمشق السينمائي الذي تابعناه
في دورته ال 14، والذي تضمن اضافة للمسابقة الرسمية للأفلام الطويلة
والقصيرة حوالي 22 تظاهرة سينمائية، توزع فيها قرابة 500 فيلم ما بين
مهرجان المهرجانات، السينما الصينية ماضياً وحاضراً، تاريخ السينما
المغربية، تظاهرة سينما المرأة أو تظاهرة الممثلات الثلاث، سمر سامي، نبيلة
عبيد، أودري هيبورن، الحداثة والتجديد في السينما الفرنسية، تاريخ السينما
السورية، تكريم المخرج السوري محمد شاهين، تكريم الممثل المصري الراحل
محمود مرسي، أفلام المخرج الايطالي مايكل أنغلو أنطونيوني، أفلام استديو
موسفيلم (اتجاهات ورؤي)، الأفلام الحائزة علي أوسكار أفضل فيلم أجنبي،
أفلام المخرج الفرنسي جان رينوار، تظاهرة المخرج الياباني أكيرا ساوا،
الوجه الآخر للسينما الأوروبية، سينما الاثارة والتشويق، سينما رعاة البقر،
السينما المصرية 2004 ـ 2005، سوق الفيلم التجاري. وكل هذه الأفلام عرضت
لأول مرة بسوية مقبولة من الصالات، نتيجة وضع صالات دار الأوبرا الثلاث في
سياق عروض المهرجان، وخاصة أفلام المسابقة الطويلة التي عرضت في الصالة
الرئيسية لدار الأوبرا، والتي تتسع لقرابة 1600 مشاهد، كما أعيد عرضها في
سينما الشام في اليوم التالي وذلك لاتاحة الفرصة أمام جمهور أوسع
لمشاهدتها.
لكن الملاحظة التي صدمت الكثير من المتابعين تجلت في غياب جمهور السينما في
سورية، هذا الجمهور الذي حضر حفل الافتتاح بفقراته الفنية والخطابات
والتكريم، لكنه غاب عن عرض فيلم الافتتاح الطفل البلجيكي، وهو الحائز علي
السعفة الذهبية لمهرجان كان 2005، كذلك عروض الاعادة في فندق الشام وهي
مأجورة، لم يتابع بعضها أكثر من عدد أصابع اليدين.
الا أن الاشكالية الحقيقية وقعت فيها لجنة تحكيم الأفلام الطويلة حين قررت
منح الجوائز الثلاث لانتاجات السينما الفقيرة في العالم الثالث، فحصل
الأرجنتيني سماء صغيرة علي الذهبية، والتركي جرح قلب علي الفضية واكتفت
سورية كبلد مضيف بالجائزة البرونزية عن فيلم علاقات عامة للمخرج سمير ذكري،
وحتي جائزة لجنة التحكيم الخاصة ذهبت للفيلم الايراني شجرة الصفصاف للمخرج
مجيد مجيدي.
هذا التوجه وان كان يعيدنا الي طبيعة مهرجان دمشق السينمائي في بداياته
كمهرجان للسينما العربية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية، الا أنه يتعارض
كلية مع التوجه نحو عالمية هذا المهرجان، وامكانيات تدويله،والذي يفترض
شروطاً دونها الكثير من الفواتير، أهمها الخروج من اطار الأيديولوجيا
ومفهوم السينما الفقيرة والسينما الغنية، خاصة وأن اتحاد المنتجين
السينمائيين الدولي سيتولي هو الاشراف علي المهرجان في حال تدويله.
الا أننا وبعيداً عن اشكاليات المهرجان، نسجل للسينما السورية مشاركتها
لأول مرة بثلاث أفلام طويلة هي علاقات عامة لسمير ذكري، و تحت السقف لنضال
الدبس، و عشاق لحاتم علي، وهذا الأخير انتاج خاص لشركة سورية الدولية. كما
عرض في المهرجان أول فيلم كرتون سوري باسم خيط الحياة .
غير أن خسارة السينما السورية بالمقابل كانت خسارة كبيرة بفقدانها المخرج
العالمي من أصل سوري مصطفي العقاد، الذي ذهب مع ابنته ضحية التفجيرات
الارهابية في عمان، وهو من أخرج فيلمي الرسالة و عمر المختار وسواهما من
الأفلام العالمية، وكانت مناسبة لتكريمه في هذا المهرجان بعد ان عز عليه
التكريم وهو حيّ، وكانت مناسبة لعرض بعض أعماله والتي تعرض لأول مرة في
سورية.
ہ ہ ہ
واذا كنا أشرنا الي استخدام صالات دار الأوبرا الثلاث ضمن فعاليات مهرجان
دمشق السينمائي، فان الاشكالية البيروقراطية حالت دون استمتاع المشاهدين
بهذه الفرصة، اذ عمدت ادارة الدار الي طرد جمهور المشاهدين خارج المبني
فيما بين العروض، وهو وقت قد يطول لساعتين، مع أن أبهاء الدار تتسع لهؤلاء
المشاهدين الذين لم يقووا علي تحمل برد الطقس التشريني. كذلك فان الملاحظة
تكبر حول ابقاء قاعات العرض هذه خارج فعاليات مهرجان دمشق المسرحي للعام
المنصرم، مع أن هذه الدار أول ما وضعت حجر الأساس لها قبل أربعة عقود
تقريباً، كانت مشروعاً لبناء المسرح القومي في سورية، ثم تحولت التسمية الي
دار الأوبرا فدار الأسد للثقافة والفنون، ووضعت لها ادارة مستقلة بعيدة عن
مديرية المسارح والموسيقي، بل كانت في تعارض معها لردح من الزمن.
ولم تلبث الدار أن دخلت في علاقات رعاية مع المؤسسة العربية للاعلان
وفعّاليات القطاع الخاص في سورية فاستقدمت منصور الرحباني في عرض حكم
الرعيان ، كما استقدمت من مصر عمرو دياب ، وقدمت الي ذلك الكثير من
الأمسيات الموسيقية والحفلات الفنية، لعازفين وفنانين عالميين، كما قدمت
عرض ميوزيكال آخر حكاية لرعد خلف الذي أطلق طاقات ابداعية وأصوات جميلة من
داخل المعهد العالي للموسيقي، والذي كفت يد نبيل اللو عن عمادته بعدما
انتقلت الي الأستاذ أثيل حمدان. وهي أحد مظاهر التغيير التي توهمنا بها،
لكنها لم تعط أُكلها أيضاً، اذا كان هنالك من أكل. خاصة وأن دار الأوبرا
التي عملت علي استقدام فرق عالمية، عزّت علي نفسها بما أسست من فرق موسيقية
توزع فيها أساتذة وطلاب المعهد العالي للموسيقي، فقررت حل هذه الفرق لأسباب
مادية، مع أن الدار حصلت علي منحة يابانية بقيمة 444 ألف دولار أمريكي،
بهدف الحصول علي آلات موسيقية وتطوير نشاطات دار الأوبرا، وهذا المبلغ يوفر
علي الدار أو وزارة الثقافة ما يمكن أن يكون مكافآت رمزية لعشرات بل مئات
الموسيقيين الذين كانوا يطالبون بانصافهم مادياً بما يتناسب مع جهودهم في
التدريب والعمل المتواصل، فخاب ظنهم، رغم الاحتفاليات الرائعة التي قدمتها
هذه الفرق والمشاركات المحلية والدولية التي كانت مثار افتخارنا لعامين
تقريباً، ثم قمنا برجم أبناءنا، أو أننا أكلنا أصنام التمر بعدما عبدناها
زمناً.
والفرق المحلولة هي الفرقة الوطنية للموسيقي العربية، وفرقة أساتذة المعهد
العالي للموسيقي، والتخت الشرقي النسائي، ثم حُلت، لاحقاً، الفرقة
السيمفونية الوطنية. وأقل ما يقال في هذا الاجراء أنه يشكل ظلماً لهذه
الفرق وللموسيقيين وخريجي المعهد، كما يشكل ظلماً للدار نفسها وللحركة
الفنية في سورية.
والملاحظة السريعة أن المعهد العالي للموسيقي قدم أصواتاً متميزة ك سيلفي
سليمان وليندا بيطار وغيرهما، الا أن أياً من الهيئة العامة للاذاعة
والتلفزيون لم تستطع الاستفادة من هذه الطاقات وتسويقها، ولعل ذلك يعود
لغياب شركات الانتاج الفني القادرة علي المنافسة والتسويق في هذا الحقل.
ولعل هذا يقودنا للحديث عن أزمة الأغنية السورية التي شكل مهرجان الأغنية
أحد أوجه استعصاءأتها، اذ فشل في اطلاق نجوم حقيقيين، أو مجرد الارتقاء
بالأغنية السورية، رغم مرور عشر دورات علي بدئه، لذلك قررت الهيئة العامة
للاذاعة والتلفزيون ووزارة الاعلام اطلاق الدورة الحادية عشرة للمهرجان عبر
برنامج اذاعي تلفزيوني يستفيد من برامج مشابهة ك سوبر ستار الأغنية
العربية، الا أن العام انتهي ما بين تصفيات المحافظات والفئات الطربية، دون
أن نحظي بنتيجة حتي الآن، وأنا لا اعتقد أن مهمة البرنامج تكمن فقط في
اكتشاف الأصوات الجميلة، بل في القدرة علي تسويقها وتنجيمها، وهو ما عجزت
عنه المؤسسات الرسمية لدينا. بل ربما ساهمنا بوأدها معنوياً أو مادياً، كما
حصل مع الفنانة ربا الجمال التي رحلت بل اغتيلت وهي تسجل بعض أغانيها
الجديدة للتلفزيون.
وعندما نتحدث عن عجز المؤسسات الرسمية فنحن نتحدث عن عجز التلفزيون السوري
وعجز نقابة الفنانين وعجز الاعلام عن الاحتفاء بالأصوات الجميلة ورعايتها
أو الارتقاء بها، فيما مديرية المسارح والموسيقا ما تزال غارقة باشكالات
ادارية، تمخضت مؤخراً عن اقالة مديرها زهير رمضان لصالح نائبه جهاد الزعبي،
دون أن نلمس حتي الآن فروقاً ذات معني في أداء المديرية، بل نستطيع القول
أنها كانت لعام انقضي في اجازة تشبه البيات الشتوي، بعدما استعادت، قبل
عام، مهرجانها الذي توقف لسنوات، لكنها استعادة شكلية فقط، لم تنجح في
تفعيل المسرح داخل سورية، أو علي مستوي المديرية، وبانتظار العام القادم
لنري امكانية استمرار المهرجان من عدمه، اكتفت المديرية بالقليل من وظائفها
الفيزيولوجية. كمهرجان بصري الذي انكفأ الي حدودٍ دنيا من التألق، بعدما
تقرر أن تشرف عليه، العام القادم، محافظة السويداء. كما شاركت المديرية
ببعض العروض التي كان أبرزها عرض فوضي لعبد المنعم عمايري والذي نال لقب
أفضل عرض في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، دون أن يحظي بذات التقدير لدي
عرضه في دمشق، مع أن الرئيس السوري زار العرض في ثاني مفاجأة فنية له، اذ
سبق له وزار فرقة همام الحوت للمهندسين المتحدين في أحد عروضها في مدينة
حلب، كما حضر مع السيدة عقيلته عرض قيام... جلوس... سكوت للمخرج زهير عبد
الكريم عن نص الشاعر محمد الماغوط، وهي المسرحية التي خرجت من ابداع
الماغوط لتدخل في حقل التدجين السياسي والتعليق علي تحقيق ميليس في قضية
اغتيال الحريري. وهي مسرح قطاع خاص يتكئ علي كوميديا المقولات سياسية ليدخل
في منافسة مع همام الحوت، الذي انتقل من ليلة سقوط بغداد الي عفواً أمريكا
، ومع أن هذا المسرح يحتفظ بجمهور ودعم حكومي، لكنه ما زال غير مقنع لشرائح
المثقفين في سورية، وهو عاجز عن المنافسة حتي مع عروض التخرج التي يقدمها
طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث قدم الفنان غسان مسعود عرض مذكرات
رجل نعرفه جيداً عن نص للكاتب الروسي الشهير الكساندر استروفسكي، فيما
اشتغل فايز قزق مع طلابه عرض شكسبير حلم ليلة صيف ، والذي قدمه لأول مرة في
الهواء الطلق بحديقة تشرين، حيث كان الفعل الدرامي هو الأساس وليس السرد،
بما فيه تصوير الأحلام. اضافة لعرض جهاد سعد بعنوان هجرة أنتيغون والذي
تميز أيضاً في لوحة المشهد المسرحي السوري.
كما نستطيع أن نرصد نجاح احتفالية مديرية ثقافة الطفل، والتي تتوزع بين
معرض لكتاب الطفل، وبين لوحات غنائية راقصة، وبين عروض مسرحية وسينمائية
فعلي صعيد المسرح شاهدنا عرض مسرحية عرائس لعدنان سلوم، وعرض خيال الظل
لذكي كورديللو، ومسرحية بحيرة البجع لنضال سيجري.
وأخيراً نشير ضمن العروض الخاصة، التي تميزت عن لغة الهجاء السياسي، لعرض
فرقة موال للفنانة مها الصالح، بعنوان شجرة الدر عن نص للمسرحي التونسي عز
الدين المدني، والذي عرض في مهرجان المتخيل في باريس باسم دار ثقافات
العالم ، التي يشرف عليها المسرحي السوري شريف خزندار. كما سافرت هذه
المسرحية في عدة عروض ومهرجانات عربية.
الملاحظة البارزة بخصوص المسرح في سورية، هي تقدم العروض الراقصة مع تراجع
العروض الدرامية، فتابعنا لفرقة رماد عرضها الجديد تمرد العقل ، ولفرقة
انانا عرضها جوليا دومنا ، اضافة لعرض الخيل والهيل لفرقة أورنينا. لكنها
عروض لم تستقر علي هوية بصرية حركية، ولا زالت تعاني من سيطرة مؤسس الفرقة،
باعتباره كريوغراف علي حساب تغييب المخرج والدراماتير والتأليف الموسيقي
أيضاً.
الاضاءة التي انتظرناها في المسرح السوري كانت عرض جواد الأسدي حمّام
بغدادي من بطولة فايز قزق ونضال سيجري، والتي بدأت عروضها علي خشبة مسرح
الحمراء اعتباراً من 22/12/2005.
ہ ہ ہ
بعيداً عن مديرية المسارح والموسيقي، كانت الدراما السورية تتألق لسنوات
بدعم رسمي كبير لها، لكن باقبال أكبر من شركات الانتاج والتوزيع، باعتبارها
سلعة تجارية، الا أن هذا السبب جعلها تحت وطأة ومتطلبات شركات الانتاج
الخليجية أولاً، وتحت وطأة شركات التوزيع، وهو ما جعل الدراما السورية
بمقاييس التوزيع خاسرة، رغم نجاحاتها، مقارنة بالدراما المصرية مثلاً، التي
يعترف صانعوها بترديها.
أحد وجوه أزمة الدراما السورية هو ارتهانها، شبه المطلق، لشبكات التوزيع،
وارتهانها أيضاً للتوقيت الرمضاني، الذي يضطرها للمنافسة فيما بينها وفيما
بين الانتاجات الدرامية العربية أيضاً، وفي هذا الحصر ظلم للكثير من
الأعمال المتميزة. كما تعاني الدراما السورية من التكرار، فتارة تسيطر
الموجة التاريخية، وتارة تهب علينا رياح اللوحات الكوميدية الناقدة، لكننا
عموماً لا نمتلك رؤية أو خطة انتاجية، لذلك نشاهد عملين عن صلاح الدين في
وقت واحد، كما نتابع ذات المشاكل الاجتماعية المعاصرة في أكثر من عمل.
مع ذلك أنتجت الدراما السورية في الدورة السابقة حوالي 25 عملاً درامياً،
بينها سبعة أعمال من انتاج التلفزيون السوري، وقد تراجعت في مجموعها
الأعمال التاريخية ككم، لكنها تميزت كنوع، فرأينا الظاهر بيبرس لمحمد
عزيزية، وملوك الطوائف لحاتم علي، وقد أثارا الكثير من علامات الاستفهام
والتقدير لدي مقارنتهما بالأعمال المشابهة في الدراما المصرية.
أما في اللوحات الكوميدية الناقدة، فقد غاب لأول مرة، منذ سنوات، ياسر
العظمة ومراياه، التي أسست لهذا النوع الدرامي، لكنّ أشباه المرايا
والأعمال الناقدة التي خرجت من عباءتها كانت كثيرة، فرأينا بقعة ضوء، وع
المكشوف، وكل شي ماشي، وحلت علينا لوحات جديدة باسم عربيات و كليب وحكاية ،
لكن استطلاعات الرأي التي أجريت عقب الدورة الرمضانية، لم تعط لأي من هذه
اللوحات أو الأعمال التاريخية امكانية الحصول علي ترتيب بين أفضل الأعمال
أو حتي أفضل الممثلين. اذ تنازعت هذه القائمة أعمال الدراما المعاصرة فجاء
حاجز الصمت للمخرج يوسف روق أولاً، ثم أشواك ناعمة لرشا شربتجي ثانياً و
بكرا أحلي لمحمد الشيخ نجيب ثالثاً، واحتفظ مسلسل باسل الخطيب بالشام أهلي
بالمرتبة الرابعة، ونال بطله تيم حسن لقب أفضل ممثل، رغم الاشكاليات
القانونية مع أسرة الراحل نزار قباني. أما في البطولات النسائية فقد حلت
الفنانة سلاف فواخرجي أولاً ثم نادين تلتها مني واصف ونادين تحسين بيك.
الا أننا وبعيداً عن استطلاعات الرأي نسجل للدراما السورية تقديمها لأسمين
مهمين في عالم التمثيل هما نادين تحسين بيك، ومحمد عمر أوسو في أول أدواره.
كما أكدت علي حضور اسمين مهمين في هذه الدورة، ككاتبي سيناريو، هما محمد
عمر أوسو في بكرا أحلي وغسان ذكريا في الشمس تشرق من جديد وهما باكورة
أعمالهما.
ومن الأعمال التي لفتت الانتباه في هذه الدورة كان مسلسل الحور العين لنجدت
أنزور والذي يتحدث فيه عن الارهاب والاسلام، ومسلسل الغدر للمخرج بسام سعد
عن سيناريو عبد المجيد حيدر المقتبس عن رواية بائعة الخبز، وكذلك مسلسل عصي
الدمع لحاتم علي، و رجال ونساء من اخراج فهد ميري. بينما لم تتقدم أعمال
أيمن زيدان الكوميدية زوج الست أو أنا وبناتي .
ونذكر بهذه المناسبة أن الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون شكلت لجنة لتقييم
الأعمال الدرامية المنجزة مابين الأعوام 2000 ـ 2005 برئاسة المخرج محمد
ملص وعضوية قمر الزمان علوش وجورج خوري وريم حنا، أكدت بنتيجة التقييم أن
القليل من الأعمال جيد، وأن الغالبية العظمي وسط وما دون الوسط.. الا أن
هذه النتيجة لم تقنع أحدا من أصحاب ألأعمال المنجزة، وظهرت النزعة الشخصية
في تقبل التقييم أو التقويم.
ہ ہ ہ
واذا كانت الدراما السورية لم تستطع أن تقدم اختراقاً نوعياً في انتاجها،
فان هذا الاختراق جاء في حقل التشكيل السوري، وعلي أكثر من صعيد، بدءاً من
صدور النظام الداخلي لنقابة الفنون التشكيلية، وليس انتهاء بالغاليريات
والمعارض التي غدت ظاهرة متميزة في الحياة الثقافية السورية، بعد أن كنا
لسنوات خلت لا نعرف في دمشق الا صالة الشعب للفنون الجميلة وبعض المعارض في
المراكز الثقافية العربية.
ومما يلفت الانتباه هو كثافة هذه المعارض التي غزت بيوتات دمشق القديمة،
كشكل من أشكال الاستثمار السياحي والثقافي بآن معاً، وهي الآن بالعشرات،
مما يلبي احتياجات الأعداد المتزايدة من الفنانين الذين يدخلون سوق التشكيل
بابداعهم الخاص أو عبر بوابات كلية الفنون الجميلة، ومعهد الفنون التطبيقية
وسواهما من المعاهد والمراكز التشكيلية، ناهيك عن استضافة بعض المعارض
لفنانين أو فنون عالمية. كما رأينا في معرض التشكيل الياباني، ومعارض
التصوير التي قدمها معهد غوته ، الألماني بشكل خاص.
الا أن زيارة سريعة للمعرض السنوي الذي تقيمه نقابة الفنانين التشكيليين في
سورية تؤكد أن الكثير من الأسماء القديمة لم تستطع أن تقدم شيئاً جديداً،
بينما الأسماء الشابة لا زالت تبحث عن التقليد أو الهوية الضائعة في زحمة
المدارس المعاصرة للفنون البصرية، مع أن الكثير من أساتذة التشكيل في سورية
يرجعون ضعف مستوي المعرض السنوي الذي افتتح في العشرين من الشهر الجاري في
خان اسعد باشا الي أن الفنانين يراهنون علي التزام وزارة الثقافة بشراء
أعمالهم، لذلك هم لا يقدمون الأفضل لديهم.
لكن سوية المعرض السنوي الذي ضمّ ما يقارب الألف لوحة فنية تتوزع مابين
الحروفية والتصوير الضوئي والزخرفة والأرابيسك اضافة للمنحوتات، تؤكد
بالنسبة لنا حقيقة أن الاختراق التشكيلي الذي حصل هذا العام ينبع أساساً من
المعارض الاستعادية لأسماء تألقت عبر عقود من الزمن خارج سورية، فمن معرض
مروان قصاب باشي العائد من ألمانيا الي معرض يوسف عبد لكي العائد من فرنسا،
ومن المعرض الحروفي لمنير الشعراني العائد بعد ثلاثة عقود من الغياب، الي
معرض التصوير الضوئي الذي أقيم تكريماً للفنان عبد اللطيف الصمودي الذي رحل
بصمت في الخليج العربي، ومن المعرض الاستعادي للفنان ناظم الجعفري الذي
ابتعد عن الأضواء بقرار ذاتي، الي معرض الفنان فصيح كيسو القادم من
استراليا.
مجموعة من الفنانين السوريين غابوا أو غيبوا لأسباب متباينة، وعادوا الينا
بحميمية انسانية ورؤي ابداعية اجتمعت كلها في هذا العام، الذي تميز أيضاً
ولأول مرة بالملتقيات النحتية أو السمبوزيوم، من سمبوزيوم ج الدولي الذي
أشرف عليه الفنان مصطفي علي في جبال اللاذقية، الي ملتقيات نحتية ناجحة
لطلبة الفنون التطبيقية في منطقة مصياف، وفي مهرجان السنديان بالملاجة، لكن
الملتقي الأهم لمعهد الفنون التطبيقية كان في اسبانيا، والذي أقيم بمناسبة
مرور 1200 عام علي دخول صقر قريش عبد الرحمن الداخل الي الأندلس، وضم
الملتقي كلاً من أكثم عبد الحميد مدير المعهد وعماد الدين كسحوت رئيس قسم
النحت، اضافة الي كنانة لكود وسمر سليمان وعبير وردة وهمام السيد وعلي زينو
وجميعهم من خريجي المعهد.
وهكذا كان التشكيل، هذا العام، متميزاً عن باقي مفردات الثقافة السورية
المتنوعة.
ہ ہ ہ
الفقرة الأخيرة من حصادنا الثقافي في سورية لعام 2005 تركناها لموضوع
الاعلام، اذ أنه يشكل حاملاً للثقافة ومؤشر حركتها، خاصة في مجتمعات تفتقد
الوسائط الأخري، كالمنتديات ومظاهر المجتمع المدني المستقلة، لكن اشكالية
الاعلام في سورية هي في كونه المعبر عن طموحات التغيير حتي في الخطاب
الرسمي. لكنه ضحية عجز المؤسسات البيروقراطية عن احراز أي تغيير، الا ما
يتعلق منها بالتنقلات الادارية، والتي يتم فيها، غالباً، تدوير ذات الأسماء
التي تتوزع مربع الكلمات المتقاطعة، حتي أن الجميع فوجيء بعودة الأستاذ
فايز الصايغ الي ادارة الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون بعدما خرج منها
بفضيحة اعلامية وتحقيق أمني ليس أقل أهمية.
مع أن تجربة الاعلام السوري مع التنقلات الادارية، منذ رفع شعار التغيير
والاصلاح، لم تثمر شيئاً ذا بال، رغم كثافة هذه التنقلات التي تذكرنا بلعبة
الكراسي، مع أن بعضاً ممن صدقوا شعار التغيير والاصلاح ذهبوا ضحية ايمانهم.
بدءأً من ابراهيم ياخور الي محمود سلامة، ومن الاعلامي نضال زغبور الي قائد
الجيش الشعبي الروائي محمد ابراهيم العلي، وآخرهم مدير الهيئة العامة
للاذاعة والتلفزيون المهندس معن حيدر.
وفي احدي المقابلات القليلة معه تحدث عن ترهل الكادر وغياب البنية التحتية
وآليات العمل السليمة، وحين سئل عن حضور المذيعة السورية علي التلفزيون علق
بسلبية بليغة قائلاً أما الشق الثقافي وهو المضمون فأتحفظ في الاجابة ولا
أريد التحدث عنه .
ومع ذلك يكاد وزير الاعلام السوري، يحاضر بنا بشكل يومي، عن تطور العمل
الاعلامي متجاهلاً أن لا شيء يتطور بغياب آلية ديمقراطية تحمي الاعلام
الحر، وهو يتجاهل أن مشروعه للدمج بين مؤسسات الثورة وتشرين وتوزيع
المطبوعات لم يسفر الا عن تعيين مدير عام جديد للمؤسسة الوليدة عن الدمج،
رغم صدور قانون بهذا الشأن رقم 16 لعام 2005.
كذلك الحديث عن الاعلام الخاص والذي أثمر عن صدور قرابة 150 ترخيصا جلّها
كان لمطبوعات اعلانية ورياضية أو ما يعرف بخلطة المنوعات التي تضع ترويسة
ثقافية اجتماعية فنية . اذ لم يصدر أي ترخيص لمطبوعة سياسية باستثناء مجلة
وحيدة وسبعة صحف لأحزاب الجبهة التقدمية.
حتي الاعلان عن الترخيص لـ15 محطة فضائية تبث من المنطقة الحرة الاعلامية
في سورية، ما زال ينتظر قانون عمل هذه المنطقة، وتحديد النواظم الادارية
لها، ولم نشاهد حتي الآن غير فضائية سما الشام للثنائي محمد حمشو وعلي
جمالو والتي يكاد بثها يرتبط بوظيفة دعائية، في اطار الحدث السياسي الذي
تعيشه البلاد، أكثر مما يرتبط برؤية وبرنامج اعلامي متكامل، حتي أنها تبث
من خيمة اعتصام باسم أهل الشام ، مع عربة بث متنقلة مستعارة من التلفزيون
السوري، فأي اعلام ينتظرنا من سما الشام؟
فاذا تركنا وزير الاعلام وخطابه التغييري، نكتشف أن اتحاد الصحافيين ما زال
ينتظر ثمرة المؤتمر القطري الأخير، الذي أوصي بعدم التجديد لسدنة النقابات
والاتحادات النقابية التي استقر بعضهم فيها حتي تأسنّ ولم يتأنسن، كما حصل
مع رئيس اتحاد الكتاب العرب، علي عقلة عرسان الذي غادر مؤخراً، وينتظر
الصحافيون الآن دورهم في توديع رئيس لهم لا يستطيع أحداً منهم تحديد علاقته
بالصحافة.
ومع ذلك فالاتحاد منظمة ملحقة بالقيادة السياسية، ويضم خليطاً من موظفي
المؤسسات الاعلامية ومسؤوليها مع المحررين، لذلك يطالب الصحافيون بفصل
نقابة المحررين عن نقابة الصحافيين أولاً، وأن يتسع صدر النقابة للصحافيين
العاملين في المؤسسات الاعلامية الخاصة التي نالت ترخيصاً رسمياً، وأن يتسع
صدرها كذلك للمراسلين الصحافيين الذين دفع بهم اقصاء صابر فلحوط الي تشكيل
اتحاد خاص بهم.
المسألة الأخيرة التي يمكن ان نشير اليها بعجالة تتعلق بقانون المطبوعات
رقم 50 الذي صدر بتاريخ 2001 من حيث أننا اكتشفنا أنه يتشابه مع قانون
المطبوعات رقم 53 لعام 1949 من حيث أحكامه العامة مع التشديد في العقوبات
الرادعة والغرامات المالية، وقد وعدنا السيد فلحوط بقانون جديد للمطبوعات
لكن انقضي العام الخامس ولم نشهده بعد، رغم تغير الكثير من المعطيات
الداخلية والخارجية بآن معاً. ورغم تغير شعارات النظام وتوجهاته الاصلاحية،
والتي ما زالت تحتاج الي الديمقراطية حتي يمكن لنا ان نأمل بالاصلاح
والتغيير، باعتباره ضرورة داخلية ومطلب خارجي مازالت تحول دونه استعصاءات
شتي يجب تجاوزها.
|