تعيين المخرج إيليا سليمان مديرا فنيا لمؤسسة «دوحة فيلم إنستتيوت» هو فعل
قد يـصيب وقد يـخيب. مصيب من حيث إن الاختيار وقع لإدارة هذه المؤسسة
السينمائية على مخرج هو أولا عربي، وثانيا مرموق وله جولاته العالمية
الناجحة، وثالثا وأساسا: مخرج. لكنه قد يـخيب من حيث إن المخرج الجيـد ليس
بالضرورة مديرا فنيـا أو إداريا جيـدا. أي من عناصر الجذب هذه هو ضمانة
لمستوى سينمائي مبذول عن دراية، لكن ما يكبـلها هو أن لا يكون العمل
الإداري من بين مواهبه.
جيل جاكوب، رئيس مهرجان «كان» السينمائي الذي قرر التقاعد في عام 2015 كان
ناقدا سينمائيا. روبرت ردفورد رئيس مهرجان سندانس كان ممثلا ومخرجا (ولا
يزال) وروبرت دي نيرو هو ممثل (وفي مرات قليلة مخرج) يترأس مهرجان ترايبيكا.
عندنا مسعود أمر الله آل علي مخرج سابق والمدير الفني لمهرجان دبي،
والأمثلة كثيرة لسينمائيين ونقاد أداروا، ولا يزالون، مهرجانات سينمائية،
والسؤال هو إذا ما كانت مهرجاناتهم أفضل شأنا من إداريين لا عمل لهم في
السينما إلا من خلال إشرافهم على مهرجاناتهم.
مهرجانات السينما العربية باتت ثرية في تجاربها في وقت قصير، والحديث هنا
بالطبع عن تلك الناجحة. تعاقب على معظمها إداريون وسينمائيون مختلفون في
الآونة الأخيرة، والتبديلات الأخيرة كانت موفـقة. بداية أدار الكندي نيل
ستيفنسون مهرجان دبي (أول الرعيل الجديد من المهرجانات العربية) وجيء
بالسيدة نشوى الرويني لإدارة مهرجان أبوظبي في الوقت نفسه الذي قرر فيه
مهرجان دبي الاستغناء عن خدمات الأجنبي وقيام الإماراتيين بإدارته، وهذا
كان أهم تطور إداري حدث له بعد ثلاث سنوات من إطلاقه. أما «أبوظبي» فاستغنى
عن نشوى الرويني وطاقمها العربي، وجاء بالأميركي بيتر سكارلت لبضع سنوات،
قبل تغييره واختيار خبرة إماراتية لإدارته. هذا تم في العام الماضي الذي تم
فيه أيضا إقالة أماندا بالمر من إدارة مهرجان الدوحة وتعيين قطريين في
الإدارة العليا عوضا عنها.
كل هذه تجارب على الطريق تكتنزها هذه المهرجانات فتقويها، لكن التجارب لن
تنتهي قريبا، ففي أي وقت قد يتم إجراء تغيير آخر يهدف إلى تعزيز قدراتها أو
تصحيح اعوجاج طرأ على الخطـة، لكن المؤكد أنه لا رجعة في مسألة جعل
المهرجانات العربية الكبيرة نقطة جذب لمشاريع أكبر.
الفرنسية ساكنة والأميركية
هادرة والباقي متفاوت
تقييم
أفلام النصف الأول من المهرجان
* كيف يتصرف الذين كتبوا قبل بدء مهرجان «كان» اليوم بعدما مر الأسبوع
الأول من أعمال المهرجان من دون فيلم كبير؟ بسيطة: ينسون ما كتبوا ويكتبون
من جديد أن المهرجان لم يشهد حتى الآن فيلما كبيرا أو خارقا للعادة، وهو
بدأ قبل يومين أسبوعه الثاني.
كما كان من الخطأ الممارس كل سنة، الحماسة المفرطة في النظر إلى ما جمعه
المهرجان الفرنسي في دورته السادسة والستين التي انطلقت في الخامس عشر من
هذا الشهر، وتغلق أبوابها في السابع والعشرين منه، فإنه من الخطأ أيضا
اعتبار كل ما يلمع ذهبا لمجرد أنه يحمل اسما كبيرا. نعم كانت هناك - حتى
الآن - أفلام مميـزة، ولا تزال الأيام المتبقية تحمل مجموعة من الأفلام
التي لا ريب ستساعد الدورة على تجاوز مطبـات الأفلام الأوروبية التي عرضت
حتى الآن، والتي لم يكن من بينها سوى فيلمين يستحقان التقدير، هما «شابـة
وجميلة» لفرنسوا أوزون، الذي لم يخل بدوره من المشاكل، و«الماضي» الذي هو
إنتاج إيطالي - فرنسي للمخرج الإيراني أصغر فرهادي.
حتى يوم الثلاثاء (أول من أمس) عرضت المسابقة 11 فيلما من بينها 6 أفلام
أوروبية، هي إلى جانب الفيلمين المذكورين «قلعة في إيطاليا» لفالريا بروني
تديشي (فرنسا)، «بورغمن» لأليكس فان وورمردام (دنمارك - بلجيكا - هولاندا)
و«جيمي ب» لأرنو دبلاشان (فرنسا) ثم «جمال عظيم» لباولو سورنتو (إيطاليا).
وفي كل فيلم من هذه الأفلام حسنات تتفاوت بين القليلة («قلعة في إيطاليا»)
والمعتدلة («جيمي ب») قبل أن يأتيك الكوارثي في درجة تكلـفه («جمال عظيم»).
لكن الأفلام غير الأوروبية هي التي تثير الاهتمام أكثر، وتحتوي على حسنات
أعلى، وهي حتى الآن «درع من قش» لتاكاشي ماييكي (اليابان)، «الابن كأبيه»
لهيروكازو كوري - إيدا (اليابان) و«لمسة خطيئة» لجيا جانكجي (الصين).
والاختيار الأفريقي المتمثـل بفيلم محمد صالح هارون «غريغري» ينضوي تحت تلك
الفئة التي خيـبت أكثر الراغبين في مشاهدة المخرج التشادي يتقدم في مشواره
عوض أن يتراجع. هذا يترك الأفلام الأميركية التي عرض منها فيلم واحد حتى
الآن وهو «داخل ليووين ديفيز»، بينما سيتوالى عرض الباقي تباعا، وهي «نبراسكا»
لألكسندر باين، «المهاجر» لجيمس غراي، و«فقط العشاق بقوا أحياء» لجيم
يارموش.
ومع علمنا بأن كل أفلام المسابقة تحمل علما فرنسيا (بما فيها الأفلام
الأميركية المستقلة) فإن الحل الوحيد في هذا التقييم هو إعادة الفيلم لهوية
مخرجه حتى يتسنى لنا النظر إلى تلك الأعمال من زوايا اختلافها. في هذا
الإطار فإن المخرج الفرنسي رومان بولانسكي لا يزال يخبئ مفاجأته لآخر يوم
من أيام المهرجان، وعنوانها «فينوس في الفراء»، كذلك يفعل المخرج التونسي
الأصل عبد اللطيف كشيش «الأزرق هو اللون الأدفأ»، وكلاهما إنتاج فرنسي صرف
كما الحال مع فيلم مخرجه دنماركي يحقق أعماله بالإنجليزية، هو نيكولاس
وندينغ رن وعنوانه «الله فقط يغفر».
* حسب النقاد
* لعل الأيام ستثبت أن الأفلام الأميركية المتنافسة في هذا المهرجان هي
الأكثر خروجا عن التقليد من سينما المؤلفين الأوروبيين، لكن هذا لا يزال،
إلى أن تتوالى بقية الأفلام، افتراضا ولو أنه يحمل مبرراته. ما ليس
افتراضيا أن لجنة التحكيم برئاسة الأميركي ستيفن سبيلبرغ ستجد نفسها أمام
اختيارات مثيرة للاهتمام. سبيلبرغ، تحديدا، سيواجه مهمـة عصيبة خلال
تصويته: لديه فيلم جيـد من إيران، فهل سيمنحه صوته؟ لديه بضعة أفلام
أميركية تعد بأن تكون أفضل من معظم ما تم تقديمه حتى الآن، فهل سيميل إليها
حتى ولو اتهم لاحقا بأنه غمط حق الأفلام غير الأميركية؟
في الواقع هناك نحو ثلاثين ناقدا سينمائيا من مختلف أنحاء العالم يجدون أن
فيلم الأخوين إيتان وجوول كوون «داخل ليووين ديفيز» هو أفضل ما عرض من
أعمال. المخرجان الأميركيان سبرا غورا متعدد السبل هذه المرة: من ناحية
تحدثا عن إحباط مغن فولكلوري أميركي وسط متاهات حياته وعوزه المستمر لأدنى
متطلبات الحياة، ومن ناحية أخرى تناولا بذكاء مرحلة الستينات وعالمها الذي
تماوج بالمسارات الشبابية، ومن ناحية ثالثة قادا الفيلم في النهاية لا
للحديث عن إحباط الفرد، بل إحباط العلاقة بين الحالمين والحلم الأميركي
الكبير نفسه. الفيلم الإيراني الإخراج «الماضي» ينجز المركز الثاني في
الأفضلية بين النقاد؛ كونه فحص ميكروسكوبيا العلاقات ضمن البيت الواحد في
حكاية ذلك الإيراني الذي يأتي لتوقيع طلاقه من زوجته الفرنسية ليجدها تعيش
دوامة متعددة الدوائر. والفيلم الصيني «لمسة خطيئة» لجيا جانكجي ينافس
«الماضي» على المركز الثاني، والمخرج الأميركي سبيلبرغ قد يجده (إلا في حال
حدوث مفاجأة كبيرة في الأيام الأربعة الباقية من المهرجان) حلا وسطا.
* عربيا: غياب أفلام ومهرجان
* في خضم كل ذلك.. السينما العربية تسلـم على الجميع وتتمنـى لهم عروضا
ناجحة. آسفة لعدم تمكـنها هذا العام من عرض جديد جيـد (ولو أننا غير واثقين
من أن شروط المهرجان والعلاقات التوزيعية هي السبب) لكنها تعد أن تحاول
جهدها... ربما قبل نهاية هذا العقد مثلا. صحيح أنها كانت، بفضل تلك الشبكة
التوزيعية التي تحدثنا عنها سابقا، موجودة في العام الماضي عبر فيلم «بعد
الموقعة» ليسري نصر الله، لكنها هذه السنة والسنوات الكثيرة قبل العام
الماضي لم تظهر على شاشة المسابقة. لم يكن لديها ما تعرضه أو ما لم تكترث
شركات فرنسية للارتباط بها كأعمال تستحق التقديم.
ربما نظلم السينما العربية ومحاولاتها الدؤوبة التي غالبا ما تتوقـف عند
الحضور وإطلاق المبادرات لمهرجاناتها الرئيسية. مهرجان القاهرة دعا إلى
واحدة من تلك المبادرات الصحافية لكن، حسب قول أحد الذين حضروا، كان الذين
لبوا الدعوة أقل من عدد الداعين إليها. السينما اللبنانية لها مكتب في سوق
الفيلم، لكن عدد الذين يدخلون ويخرجون من المكاتب المحيطة بها هم أكثر من
المتوجـهين إلى المكتب اللبناني للأسف. مهرجانا دبي وأبوظبي وحـدا جهودهما
وانضمـا تحت خيمة واحدة باسم «دولة الإمارات العربية المتحدة»، وهو إقدام
رائع يـبقي على روح المنافسة، لكنه يـذيب حدتها غير الضرورية التي قامت
بينهما سابقا.
مهرجان دبي، عبر ذراعه التمويلي المسمـى «إنجاز» واقف وراء فيلم «عـمر»
للفلسطيني هاني أبو أسعد الذي تم تقديمه في مظاهرة «نظرة ما»، وإذا ما فاز
بالجائزة الأولى عن هذا القسم فإن ذلك انتصار للمهرجان بحد ذاته.
ينافسه على ذلك، من بين ثمانية عشر فيلما معروضة في هذا الفيلم فيلم هاينر
سليم «أرضي المزروعة فلفل أحمر» وهو فيلم فرنسي - ألماني مشترك، ولو أن
النيـة الإعلامية تقديمه أيضا كفيلم كردي نسبة لمخرجه وموضوعه. أيضا من بين
المنافسين فيلم إيراني لمحمد رسولوف «مخطوطة.. لا تحرق» يعلن ملخـصه أنه
يدور حول قاتلين مأجورين في مهمـة يختلفان حولها.
تكملة لحال المهرجانات فإن مهرجان الدوحة السينمائي الدولي الذي له مكتب
هنا تحت راية «مؤسسة الفيلم القطري» انتهى. المدير العام الجديد السيد عبد
العزيز بلخاطر أعلن ذلك قبل يومين في مؤتمر حاشد ذكر فيه أن الدورة الخامسة
في العام الماضي هي آخر دوراته. لكن في المقابل سيتم استحداث مهرجانين
دوليين آخرين، الأول هو «أجيال» وهو سيخصص، على ما يبدو، لسينما الأطفال
والناشئة، والثاني مهرجان «قمرة» الذي سيخصص للأعمال الأولى والثانية فقط.
هل هي خطوة في مكانها؟ معرفة ذلك أمر سابق لأوانه حاليا، لكنه جزء من
التغييرات التي كان صرح بها إلينا حين التقينا رئيس المهرجان في إطار
مهرجان «برلين»، حيث تحدث هنا عن أن التفكير السائد هو البحث عن تغييرات
جذرية تعيد وضع أولويات جديدة للمهرجان، وتفصله عن صيته السابق كمتعاون
وشريك لمهرجان ترايبيكا النيويوركي.
لسلي
مونفيز ..
عمل في التمثيل قبل أن
يصبح رئيس «سي بي إس» الأميركية
منتج
فيلم «صيد السلمون في اليمن» أثنى لـ «الشرق الأوسط» على بطله عمرو واكد
* أولا المهنة: رئيس شركة «سي بي إس» الأميركية، يمكن اعتباره رديفا في
عالم السينما والتلفزيون برئيس دولة. كلـما كـبر شأن الشركة كبر شأن الرئيس
الذي يتولاها، والرئيس الذي يتولاها هو لسلي مونفيز.
هذا العام قفزت حصـة «سي بي إس» «CBS»
من المشاهدين 20 في المائة أكثر مما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام
السابق، وهذا ما جعلها المحطة الأكثر مشاهدة متجاوزة منافستيها الرئيسيتين
(إن بي سي» «NBC»
و«أيه بي سي» «ABC» ومتجاوزة أيضا كل المحطـات الفضائية تبعا للإحصاء نفسه.
لسلي مونفيز له خلفية في «بزنس» السينما والتلفزيون تعود إلى منتصف
الثمانينات، متولـيا في أواخرها منصبا رئاسيا لشركة الإنتاج المعروفة آنذاك
«لوريمار» حتى عام 1993 عندما التحمت «لوريمار» بشركة «وورنر تليفجن»
(واحدة من فروع «استديو وورنر»). تحت إدارته شهدت الشركة إنتاج برامج
كوميدية ودرامية ناجحة، بينها المسلسل الذي منح جورج كلوني إطلالته الناجحة
«ER».
عامان هناك ثم استقبلته محطة «سي بي إس» رئيسا لمجلسها التنفيذي، حيث نقلها
من المركز الثالث إلى الأول عبر إنتاج مسلسلات نافذة مثل: «CSI»
و«ناجون» ثم المزيد من حلقات «ستار ترك» الشهيرة.
استقبلنا في غرفة في فندق «أوتيل دي كاب» على بعد نحو 40 دقيقة من «كان».
كان بعث بسيارة «ليموزين» لأنه وزوجته (مراسلة الأخبار في المحطة سابقا
جولي تشن) يحبـان هدوء الفندق البعيد عن صخب المهرجان. الغرفة ذاتها تم
استئجار كنباتها ومقاعدها والشاشة الكبيرة التي ستعرض على هذا الناقد ثلث
ساعة من فيلم جديد كنظرة أولى. الفيلم هو «آخر فيغاس»
Last Vegas
(هناك لعب على كلمة «لاس فيغاس» بالطبع): كوميديا فاقعة من بطولة مايكل
دوغلاس (الذي حضر بعد قليل) ومورغن فريمان وكيفن كلاين وروبرت دي نيرو.
* منذ حين والذراع السينمائية لمحطة «سي بي إس» نشطت في مجال السينما. ما
سمات هذه المرحلة الجديدة؟
- الأفلام المصنوعة من قـبل المحطات التلفزيونية للعروض إما على الشاشة
السينمائية أو في المنازل عادة ما كانت تتسم باختياراتها المحدودة في كل
مجال. إنتاجيا هي محدودة الميزانيات. كأماكن تصوير هي أيضا محدودة
الإمكانيات. كقصص ومواضيع هي مشاريع موجـهة للعائلات التي ترغب في مشاهدة
بعض كبار نجوم الأمس؛ لأن السينما ما عادت توفـر لهم هذه الرغبة. سياستي
منذ سنوات هي عدم تحاشي ممارسة اللعبة السينمائية ذاتها. أقصد أن تكون
أفلامنا أولا موجـهة إلى جمهور السينما، وثانيا أن تكون قادرة على المنافسة
في سوق صعبة، وثالثا أن تكون جيـدة في جوانبها وعناصرها الفنية. هذه هي
السمات التي تسأل عنها.
* أعتقد أن ذلك بدا واضحا حين أنتجتم «صيد السلمون في اليمن».
- صحيح. هذا الفيلم عزيز عندي. لقد أحببته وسعيد بأنه حظي نقديا بنجاح جيد،
كما كان بديلا مطروحا لأفلام كثيرة في موسم المهرجانات في نهاية العام
الماضي.
* الممثل عمرو واكد كان جيـدا فيه..
- صحيح أيضا. كذلك كان إيوان مكروغر... كلاهما لعب دورا جيـدا في موضوع هو
صاحب البطولة الأولى في الحقيقة. الآن لدينا «داخل لووين ديفيز» فيلم آخر
جيد. هل شاهدته؟
* طبعا، لكني اعتقدت أن الفيلم فرنسي التمويل!
- ليس تماما. صحيح «استديو كانال» وفـر جزءا كبيرا منه، لكن شركة «سكوت
رودين» (منتج سينمائي معروف) شاركت في تمويله، وهي شركة أميركية. نحن
ساهمنا في تمويله عبر شراء حق توزيعه في الولايات المتحدة وكندا. بهذه
الصفة نحن شركاء.
* ماذا عن «آخر فيغاس»؟
- حين ترى الفيلم ستدرك أنه فيلم مفاجأة. في السنوات الأخيرة تكاثرت
الأفلام الكوميدية التي لا معنى لها. ليست ما أتطلع صوبه شخصيا إذا ما أردت
قضاء وقت عائلي جيـد. متى كانت آخر مرة شاهدنا فيها فيلما كوميديا جيدا
ومناسبا لكل الأعمار؟ هذا الفيلم هو من هذا النوع، وهو مشروع أردت تنفيذه
من حين قراءتي للسيناريو. يكفيه وجود أربعة ممثلين كل منهم موهبة كبيرة
بالفعل.
* قرأت أنك كنت ممثلا بدورك..
- نعم في مطلع حياتي مثـلت حلقات من
The Six
Million Dollar Man وCannon.
* لماذا قررت أن تتوقـف؟
- لنقل إني شاهدت مستقبلي قبل حدوثه، وأدركت أنني لن أصل إلى الشهرة
(يضحك). الحقيقة أنني أدركت أن جوهر العمل في هذه الصناعة هو الإنتاج، وأنه
من الأولى أن أترك التمثيل لما أرغب في تحقيقه فعلا. الإنتاج بالنسبة لي هو
القلب الذي يدفع بكل الجسم إلى العمل. العناصر الأخرى جميعا مهمـة لكنها
تريد قلبا نابضا لكي تعيش.
* «غريغري»
أفلام
اليوم
* في بعض مدارس السيناريو في لوس أنجليس يقترح الأساتذة أن يتصور الكاتب أن
السيناريو هو رسم مستطيل بأربعة أضلاع. ضع خطا أفقيا في منتصفه. الأحداث
التي نراها على الشاشة هي الظاهرة وتقع في النصف الأعلى من الرسم، وتلك
المبطـنة التي تنتمي إلى أبعاد الفيلم أو مضامينه تقع في النصف الأسفل.
علاوة على ذلك، ولأجل تأمين نهاية صحيحة عليك أن تتصور خطـا نصف دائري (على
شكل قوس) يمتد من مطلع الرسم إلى نهايته. بذلك، يقول المدرس، تضمن أن
النهاية لها علاقة ببداية مشوارك.
خلال مشاهدة «غريغري» (حرف
S
لا يـفظ هنا) ليس أنه لا وجود لخط يقسم العمل إلى ظاهر وباطن، بل لا وجود
لذلك القوس أيضا، وحين تأتي نهايته بعد نحو ساعة وأربعين دقيقة تقدر تلك
المعلومة حول ربط البداية بالنهاية.. لأن النهاية هنا ليست صالحة.
المخرج التشادي محمد صالح هارون حقق أفضل من هذا العمل من قبل، وكان آخر ما
حقق «رجل يصرخ» حيث - رغم قليل من التطويل - جاء أكثر انضباطا وأقل مدعاة
لاستطراد الحكاية من دون طائل فعلي. يبدأ «غريغري» (وهو لقب الشخصية
الرئيسية التي يقوم بها سليمان دمي) بشاب أفريقي يرقص الراب. كل شيء طبيعي
في ذلك باستثناء أن قدم الراقص اليمنى مشلولة. غريغري يريد البرهنة على أن
الشلل لا يمنعه من الرقص والجمهور المحيط به يريد إشعاره بالعاطفة وتشجيعه.
بعد خمس دقائق ينتهي هذا التمهيد وننتقل إلى عمله مع والده بالتبنـي عندما
تصل فتاة جميلة ترتدي ملابس ضيـقة تطلب التقاط صور لها. يدخلها غريغري
الغرفة التي تؤدي دور الاستديو حين الحاجة، ويلتقط لها الصور، وحين تغادر
يغادر قلب غريغري معها. عندما تعود بعد أيام لأخذ الصور يكون والده دخل
المستشفى (من دون سبب معلوم). فاتورة المستشفى 700 ألف فرنك صومالي (أو
هكذا يقال) وعلى غريغري أن يجد سبيلا لذلك. يرقص مجددا وهذه المرة يلفت
ناظري ميمي (أناس مونوري) التي كان التقط لها الصور. واستلطاف وبعض الحب
يبدأ بينهما لكنه لا ينتقل إلى مكان. إنها مومس، وحين يسألها غريغري لم
تفعل ذلك تقول له: «بالطبع ليس للشهوة».
هذه مرحلة أو اثنتين متواليتين. بعد ذلك يدخل الفيلم فصلا مختلفا من
الأحداث، ولو أن المخرج أرادها ملتحمة مع البنية الأساسية. ثم يبدأ العمل
مع عصابة سرقة البترول وبيعه في السوق السوداء. حديث طويل هنا عن المخاطر
وتقديم شخصيات وعرة وشريرة قبل طرد غريغري من العمل مرتين. في المرة
الثانية حين ادعى أن البوليس أمسك به واستولى على البنزين في حين أنه باعه
إلى عميل آخر لكي يقبض ما يسدد به دين المستشفى. خلال ذلك غابت الأم التي
كانت ظهرت في البداية، ثم غاب الأب وإن كان لم يمت. وبعد تعرض غريغري للضرب
على يدي أحد أزلام رئيس العصابة واسمه موسى (سيريل غووي) يرحل مع المومس
الشابـة إلى قريتها. كانت طردته. وشاهدناه بالفعل يتركها، لذا عودته إليها
والتغيير الكبير الذي حدث بينهما ليس فيه ما يكفي من المبررات. الأكثر
إشكالا أن الفيلم وصل إلى نهايته بعودة موسى طالبا قتله، فإذا بنساء القرية
(هذه القرية بلا رجال باستثناء غريغري الضعيف) يهاجمن موسى ويقتلنه ضربا ثم
يضعنه في سيارته ويحرقنه. لجانب أن الفيلم مقسم إلى مراحل عوض أن تجمعه
وحدة صحيحة، فإن البداية التي تقدم لنا الراقص، والنهاية التي تشهد حرق
شخصية هي في الأساس ثانوية، تبدو نتيجة هذا التفكك الذي ارتكبه المخرج حين
الكتابة، ثم أضاف إليه ركاكة التنفيذ.
الشرق الأوسط في
23/05/2013
تنافس أميركي إيراني على السعفة الذهبية في "كان"
بجانب أفلام من فرنسا واليابان وآخر فيلم للمخرج ستيفن
سوديربيرك
كان (جنوب فرنسا) - سعد المسعودي
مع عودة شمس مهرجان "كان" بعد أيام ممطرة بدأت الأفلام المتبارية تشعل
المنافسة على السعفة الذهبية، وعلى رأسها فيلم أميركي للأخوين إيثان وجويل
كوين حمل عنوان "ليوين دايفز".
ويتحدث الفيلم عن رحلة المطرب "الفولك" الأميركي ليوين دايفز المليئة
بالألم والتعب، يذكر أن المطرب الذي أدى دوره في الفيلم الممثل جون كودمان،
توفي قبل أن تتعرف الجماهير على إبداعاته لتشرق نجوميته بعد رحليه.
ويستذكر الفيلم الأيام الصعبة التي عاشها دايفز في استوديوهات نيويورك
ونواديها الليلية التي رفضته في بداياته الموسيقية.
الفيلم الإيراني "الماضي"
وينافس "ليوين دايفز" على السعفة الذهبية فيلم "الماضي" للمخرج
الإيراني أصغر فرهادي، الحائز جائزة أوسكار العام الماضي، والتي غالباً ما
تعالج أفلامه المشاكل الاجتماعية المعقدة في إيران.
ويروي الفيلم رحلة شاب إيراني من طهران إلى باريس لإنهاء إجراءات
طلاقه من شابة فرنسية. الفيلم من تمثيل الإيراني علي مصطفى والفرنسية
بياتريس بيجو والفرنسي من أصل جزائري طاهر رحيم.
وبدوره قدم المخرج الفرنسي أرنو ديبلشان فيلما جميلا هو "جيمي ب"،
ويحكي قصة جندي يصاب في الحرب العالمية الثانية ومعاناته اليومية جراء
الإصابة.
ويدين الفيلم الحرب ويذكر بمعاناة جرحى الحروب الأميركية. وأذهل أداء
الممثل الأميركي بينيشيو دل تورس الذي لعب دور البطل، مشاهدي كان.
اليابان ليست بعيدة عن المنافسة
أما المخرج الأميركي ستيفن سوديربيرك فقدم فيلم "حياتي مع ليبرجي" من
بطولة النجمين مايكل دوغلاس ومات دامون. وقدم سودير بيرك في الفيلم رحلة
سينمائية مع عازف البيانو الشهير ليبرجي وحياته المليئة بالإبداع والبذخ
والترف.
جدير بالذكر أن المخرج سوديربيرك أعلن لإدارة المهرجان أن فيلم "حياتي
مع ليبرجي" سيكون خاتمة عمله السينمائي، حسب ما أكده لـ"العربية.نت" تيري
فريمو المدير الفني للمهرجان.
ولم تغب اليابان عن منافسة مهرجان كان وقدمت فيلما يحمل عنوان "هذا
الابن لهذا الأب" للمخرج كوريدا هيروكازيو، ويروي الفيلم قصة أب تبلغه
المستشفى بأن الطفل الذي يعيش معه ليس ابنه، ومع مقابلته لابنه الحقيقي
تبدأ رحلة الأب مأساوية والتي أخرجت بمهارة عالية.
ويشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي 21 فيلما من
أنحاء العالم ليس من بينها فيلم عربي. ويترأس لجنة التحكيم المخرج الأميركي
ستيفن سبيلبيرج. وتتواصل أعمال المهرجان حتى 26 مايو/أيار الجاري.
العربية نت في
23/05/2013
كانّ 66: سورنتينو يُحدث انقلاباً ويأخذنا الى أقاصي الليل
والخيال
الذنب
يحرك سينما فرهادي والأخوان كووين يصوّران معاناة الخلق
كانّ ــ هوفيك حبشيان
أربعة
عناوين
تصدرت قائمة أفلامنا المفضلة ضمن المسابقة، في النصف الأول لمهرجان كانّ
(15 ــ 26 أيار): "الماضي" لأصغر فرهادي، "قصر في ايطاليا" لفاليريّا بروني
تيديسكي، "داخل لوين ديفيس" للأخوين كووين، وخصوصاً "الجمال العظيم" لباولو
سورنتينو الذي نعتبره، من وجهة نظرنا الخاصة، درة سينمائية ستبقى ماثلة في
وجدان هذه الطبعة الـ66، كونه شديد الارتباط بذاكرة سينيفيلية، ويستعيد كل
جماليات الفيلم الايطالي. اقتنعنا أيضاً بـ"هلي" لأمات اسكالانتيه و"كالأب
كالإبن" لهيروكازو كوريه ايدا، وإن بدرجة أقل.
"الجمال
العظيم"
لباولو سورنتينو
يشبه
الدخول الى فيلم سورنتينو دخول أليس الى بلاد العجائب. يكفي ان ندق على
الباب لنجد أنفسنا وسط ديكورات توقف القلب عن الخفقان من شدة جمالها. هذا
أمر طبيعي، فنحن في روما، المدينة الأبدية التي صوّرها فيلليني بجمودها
التاريخي ولحظات انبعاث روعتها من اللاشيء. أحداث فيلم سورنتينو يحلو لي
تشبيهها بنوع من ماترويشكا روسية، كل شيء داخله شيءٌ آخر. كل باب نطرقه
خلفه بابٌ آخر، الداخل منه مفقودٌ والخارج منه مولودٌ. كلهم تائهون وسط
هذا، الـ سورنتينو الذي يحملنا الى اوديسا سينمائية لن يهدأ لنا بال من
أجلها، ما دامت مستمرة.
في
البداية، هناك صحافي (أداء جبار لطوني سرفيللو) يتسكع في ليالي روما
المجنونة، يلتقي بهذا وذاك، من اصحاب المقامات الرفيعة في العاصمة
الايطالية، ثم يتسلل الى شقته الفاخرة المشرفة على الكوليزيه. انه احد
اسياد تلك السهرات حيث نجد رجال اعمال وسياسيين وعاهرات وفنانين وناساً
بأشكال غريبة، من تلك التي تحبها السينما الايطالية. حتى شخصية العربي
وزوجته المبرقعة لا تفلتان من سهامه. جبّ (هكذا يدعى الصحافي) من الأشخاص
الذين تطلق عليهم اللغة الانكليزية عبارة "بيغر دان لايف" (أكبر من
الحياة). يصوّره سورنتينو بشيطانيته واريستوقراطيته واناقته وبرودته
واحتقاره للنساء. هذه النقطة الأخيرة تختفي تحتها حكاية حبّ عاشها عندما
كان في التاسعة عشرة ولم يجد مذذاك امرأة تصل الى ركبتها من حيث الجمال.
صديقنا
الصحافي بنى مجده على كتاب واحد ووحيد أصدره قبل أربعين عاماً، ثم انقطع عن
الكتابة كونه صار واحداً من نجوم الاريستوقراطية. في احدى اللقطات نراه
يقول: "لم أكن اريد فقط المشاركة في السهرات، بل كنتُ اريد ان تكون لي
القدرة على افسادها ايضاً". جبّ شخصية قادرة على استيعاب كل هواجس المخرج.
لكن جبّ يشكو من عاهة: انه قوي وضعيف في آن واحد. هذا التناقض يبني عليه
الفيلم خطابه. فيلليني يلقي بظلاله على الشريط من خلال "الحياة العذبة"،
لكن شتان بين الحقبتين الزمنيتين. في حين كان للحب قدرة على انقاذ المرء في
ايطاليا الستينات، هنا نحن أمام مصير رجل محكوم بالعدم. في هذا السياق، ليس
مفاجئاً ان يستعير سورنتينو مقطعاً من "رحلة الى اقاصي الليل" لسيلين لوضعه
في الجنريك. كتب الروائي الفرنسي: "هذه هي الحياة، بقعة ضوء تنكسر في ظلام
الليل". الفيلم كلّه في هذه الجملة.
يعرّي
سورنتينو البورجوازية ويسخر من الثقافوية في روما بنبرة مستفزة تصل احياناً
الى حدّ الفضيحة والنقمة المبطنة. تطارد الكاميرا الشخوص كما في سباق
ماراتوني؛ لا تقف آلة التصوير عن الحركة، حيناً ترافلينغ أمامي وحيناً آخر
ترافلينغ خلفي، ودائماً في مرصاده كرادلة مهووسون بالطبخ، فنانون فاشلون،
وسيدات مجتمع ينتظرن في طوابير لإجراء حقنة بوتوكس. يحسن سورنتينو تصوير
العمارات والحدائق والمراقص الليلية والمعالم التاريخية في ظلام روما
الدامس. الصدمة قوية بين تقليد حواري راسخ في السينما الايطالية، وحداثة
الامكانات التي تتيح لسورنتينو تنفيذ واحدة من أجمل افتتاحيات تاريخ
السينما. عندما تدخل شخصية "القديسة" على الخطّ، شخصية تشبه الى حدّ بعيد
الأمّ تيريزا، يلملم الفيلم نفسه، ويصبح أكثر تجرداً. تحطّ الطيور على شرفة
جبّ في لقطة أبوكاليبتية مدهشة، كرمز للحرية الموعودة، ويصبح رجلنا التائه
وحيداً امام مدينة جذورها في الأرض وروحها في السماء، متحرراً من قيود
الخيال.
"الماضي"
لأصغر فرهادي
يعود أحمد
(علي مصفا) عند زوجته (بيرينيس بيجو) التي هجرها لإكمال اوراق الطلاق معها.
تقوده الى ضواحي باريس حيث تسكن، وهناك تعلمه انها على علاقة بشاب من أصول
عربية (طاهر رحيم). بيد ان المشكلة لا تكمن في دخول رجل جديد الى حياتها
بقدر ما هي ناتجة من وقوع زوجة الوافد الجديد في الغيبوبة بعد محاولة
انتحار.
بعد
"انفصال" (2011) الذي كان الاجماع حوله شبه كامل، كان من الطبيعي انتظار
العمل التالي لفرهادي ولاسيما انه يبتعد عن بيئته الايرانية، ويزرع رؤيته
هذه المرة في ضواحي باريس، مختبره الجديد. الخبرية التي تطمئن هي ان فرهادي
تفادى الوقوع في فخّ البطاقات البريدية لعاصمة الأنوار، كما فعلها وودي آلن
مع "الى روما مع حبّي" (2012). كان يمكن اعتبار "الماضي" نوعاً من ريميك
فرنسي لفيلمه السابق الذي حاز عنه جائزة "أوسكار"، ذلك ان الاثنين يقاربان
مسألة هجر شخص لآخر، لولا ان شيئاً اساسياً يعبر الفيلم من أوله الى آخره:
عدم تكيف المخرج مع المكان، وهذا طبعاً لصالح الفيلم.
هناك
حتماً اشياء تقتنصها عين فرهادي يهملها عادةً السينمائي الفرنسي. وفق هذا
المنطق، يصبح البوق الذي تطلقه ابواب المترو لدى انغلاقها والضجيج الذي
يحدثه عند انطلاق القطار على السكة، اداة دراماتيكية يستغلها فرهادي لفرض
حال من التوتر على الفيلم (علاقة الأب بالإبن وبباقي الأفراد). وعلى الرغم
من ان المخرج كشف في مقابلة مع "النهار" (تُنشر لاحقاً) عن انه عاش في
باريس لمدة سنتين، فنظرته نظيفة كيدَي مولود جديد. تلك النظرة هي المسؤولة
عن جعل منطقة واقعة على ضفاف باريس تبدو كـأنها ضواحي طهران. لكن مهما يكن،
يبقى فرهادي أكثر اهتماماً بالانسان من اهتمامه بالمكان. فهو سيد حرفة
وصنعة يعرف أين يقطع اللقطة وأين يضخ أحاسيس وأين يكبتها، بل أكثر من ذلك:
تكمن ألمعيته في نسج العلاقات الانسانية على نحو يذكّرنا بمعلّمي السينما
الأوروبية. تحت الأقنعة التي يضعها البشر، هناك دائماً وحشٌ يتربص بحياة
الآخرين ويلعب بأقدارهم. هذا ما يقوله الفيلم، مانحاً مسألة الذنب الناتج
من الخيارات التي نقوم بها فسحة كبيرة من التأمل. واحد من العناوين التي
يدرجها فرهادي في قائمة أفلامه المفضلة: "راشمون" لأكيرا كوروساوا، أشهر
فيلم عن وجهات النظر المختلفة لحادثة واحدة. أحمد الذي يقدمه النصّ على انه
مخلص لا حول له ولا قوة، سيبقى ماكثاً في وسط المعمعة حتى جلاء ما يشبه
الحقيقة. بالتأكيد، يمتنع فرهادي عن ابداء اي نوع من اليقين وسط فوضى
الأحاسيس التي تسود الفيلم. احمد الذي يعمل على تقصي المعلومات لاكتشاف
الحقيقة خلف انتحار الزوجة، هل هو الأنظف كفاً في هذه الحكاية؟ اقل ما
نستطيع القول ان الحقيقة في السينما الكبيرة تبتعد كلما اقتربنا منها!
"قصر
في ايطاليا"
لفاليريّا تيديسكي
فاليريّا
بروني تيديسكي تحملنا الى قصر عائلتها البورجوازية وتخرج منه بأسرار
وحكايات تختلط فيها المأساة بالخفة والكوميديا. مَن يعرف سجلها السينمائي
جيداً، تمثيلاً واخراجاً، يعرف انها قادرة على مقاومة كل الاغراءات التي
كانت تتمثل في توريط شقيقتها كارلا بروني ساركوزي في السيرة نصف الذاتية
التي تؤفلمها هنا على طريقتها الخاصة جداً (شاركت في تأليف السيناريو
المخرجة نويمي لفوفسكي). تيديسكي تورّط جسدها وعواطفها وشذرات من حياتها
الشخصية في نصّ لا يلمّع صورتها بالضرورة. هذه هي الجرأة الانثوية الحقيقية
التي تبلغ هنا حدّها الأبعد (بعيداً من سينما النساء السيليكونية). هناك
حاجتها الى الانجاب، مرض شقيقها، حضور والدتها الطاغي في حياتها، حبيبها
السابق وحبيبها المقبل (عشيقها السابق لوي غاريل). كل هؤلاء يساهمون في
اعطاء صبغة مجنونة للفيلم. سقوط الشجرة في نهاية الفيلم ومعها تاريخ عائلة،
ليس الا ولادة جديدة لامرأة عصرية تستحق الاعجاب والحبّ... وربما جائزة
افضل ممثلة لدور لم تضطلع به بل سكنته.
"داخل
لوين ديفيس" للأخوان كووين
مشاهدة
هذا الفيلم بهجة خالصة. الحياة البوهيمية تحتاج الى موهبة من حجم الاخوين
لتتجسد بهذا الشكل الذي يتجاوز التصنيفات. مرة اخرى اعماق أميركا، مرة اخرى
الموسيقى (الفولك في الستينات)، ومرة اخرى ضرب يكاد يكون سادياً فوق رأس
الشخصية الاساسية التي تتجسد هنا في مغنٍّ منبوذ يرتاد الحانات في غرينويتش
فيلدج، بغية استعراض صوته ومواهبه، التي لا احد سيراها غيره. على مدى
ساعتين
تقريباً، سنتابع درب الجلجلة التي يرسمها الأخوان لبطلهما المضاد. هناك
طبعاً وجه الممثل أوسكار ايزاك الذي يختزل كل العذابات والعبث.
ماذا كان
صار الفيلم من دون الدعابة اليهودية التي يعرف النصّ كيف يُمرّها في سياق
دراماتيكي؟ كلما زادت مصيبته وتعمقت هامشيته، رحّب الفيلم في اقحام ديفيس
في داخل الدوائر الحلزونية التي تنتظره. هناك لحظتان في الفيلم، تنتهي
الاولى مع بدء رحلة ديفيس الى شيكاغو (التقاط مَشاهد فظيعة في الليل لبرونو
دلبونيل) حيث يلتقي شخصيات غريبة كعازف الجاز (جون غودمان) او مدير الأعمال
غروسمان، الذي يرفض مساندته. اسناد دور غروسمان الى اف موراي ابراهام، مشخص
سالييري في "اماديوس" لميلوش فورمان، غمزة جميلة الى علاقة الخلق بالمتلقي.
من خلال فيلم آخر عن شخصية فاشلة (سينما الأخوين تزخر بها)، يتأمل الأخوان
كووين في معاناة الخلق التي تشغلهما منذ "بارتون فينك" ("سعفة" عام 1991).
hauvick.habechian@annahar.com.lb
أفلام أخرى....
"هلي"
لأمات اسكالانتيه
تعذيب،
عسف، قطع اوصال... هذه من الأشياء التي في انتظار مُشاهد فيلم "هلي"
(مسابقة) للمكسيكي المتنور امات اسكالانتيه.
الفيلم يبدأ جيداً، مع
رغبة عالية في كشف المستور. يوقّع مخرج "الأوغاد" فيلماً يطور
حاجة صريحة لتلقين الدرس الأخلاقي،
متسلحاً بواقعية فجة، وراديكالية تبلغ حدودها احياناً.
بين فساد الشرطة وشيطانية العصابات وعجز المدنيين، يبني اسكالانتيه نصه
المرتكز على مشهديات كثيراً ما هي ثابتة. "في المكسيك يعيش الكلّ خائفاً،
العنف حقيقة في كل لحظة حتى لو لم يتعرض لك مباشرة"، يقول المخرج في الملف
الصحافي للفيلم. هذا الخوف هو المحفز الأساسي لشريط يأخذنا الى حافة
الجحيم، مراراً وتكراراً.
تجري
الحوادث في كارتيلات المخدرات: فتاة في الثانية عشرة تقع في اتون العنف
عندما يتورّط صديقها الشرطي في عملية تهريب مخدرات. مع شقيقها هلي، سترى
استيلا الموت بأمّ عينيها. بلقطاته الطويلة التي تبلور ذوقاً جمالياً صار
من علامات سينما اميركا اللاتينية، يقع المخرج الذي برزه كانّ منذ بداياته
ودافع عنه، في فخّ التبسيط عندما يدعم فكرة الانتقام التي ستهيمن على الجزء
الأخير من الفيلم. من فرط ما يرينا اسكالانتيه العنف ويبسطه، تفقد الادانة
معناها، وتبقى لذة التلصص عنده اقوى من اي شيء آخر.
"كالأب
كالإبن" لهيروكازو كوريه ايدا
دخول
المخرج الياباني القدير الى المسابقة لم يمر مرور الكرام هذه السنة، بل بدا
منذ اللحظة الاولى لمشاهدتنا لفيلمه واحداً من المرشحين الأقوياء لـ"السعفة
الذهب". نصّ كوريه ايدا يطرح حكاية ليست جديدة: استبدال طفلين من طريق
الخطأ اثر عملية الولادة في مستشفى. كم ستكون الدهشة كبيرة عندما يعلم
مهندس من الطبقة اليابانية الرفيعة ان المولود الذي وضعته زوجته ليس ابنه
البيولوجي. وكم سيكون حجم الدهشة كبيراً عندما يرى المشاهد النحو الذي
يعالج كوريه ايدا فيه فيلمه، أي بنمط جد هادئ ومن دون ايّ هجرة مفتعلة الى
الميلودراما. فلنتخيل للحظة لو جرت هذه الحكاية في مصر او جنوب ايطاليا او
في اي من البلدان المتوسطية!
بدلاً من
تحويل القضية الى مصيبة، يفضل النصّ الذهاب الى يوميات هذه العائلة
اليابانية حيث تتفجر اسئلة عديدة اثر بروز المشكلة. يفهم الأب لحظة اكتشافه
الحقيقة ميل ابنه كايتا الى الحلم، هذا الذي يريده عملياً وليس حالماً.
تبقى المعضلة الكبرى: هل ينبغي للأب اختيار الولد الذي ربّاه منذ ولادته
واعتقده ابنه الحقيقي، أم ذلك الذي تربطه به صلة الدمّ؟ عندما تتعرف عائلة
إلى اخرى، ويُستبدل الطفلان، تتبدى جلياً الفوارق الواضحة التي بينهما،
فيبني المخرج فيلمه على هذه الأرض، من دون اي عوامل جلب واستدرار عواطف.
يفضل مخرج "لا احد يعرف" اللحظات المنسية التي تقتصد الحوادث، فيشهر هواجسه
التي يتصدرها هاجس أساسي: في أي لحظة نكون فعلاً اباً لطفل؟
"مارون،
ستعيش"، قال جيل جاكوب!
هـ. ح.
للسنة
التاسعة على التوالي، رفرف علم لبنان فوق الجناح اللبناني في القرية
العالمية الخاصة بمهرجان كانّ. هذا الجناح يحتضن "مؤسسة سينما لبنان"، التي
اغتنمت المناسبة لتوجيه تحية شبه عائلية لمارون بغدادي (1950 ــ 1993) بعد
ظهر الاثنين الفائت، في ذكرى رحيله العشرين. بغدادي الذي شارك في صناعة
الموجة الجديدة اللبنانية في اواسط السبعينات، ستكون أفلامه متوافرة بأقراص
"دي في دي"، بفضل جهود جمعية "نادٍ لكل الناس"، بالاشتراك مع زوجة الراحل
ثريا بغدادي، التي روت في التحية التي جرت في جناح "أونيفرانس"، المؤسسة
التي ترعى شؤون السينما الفرنسية والتي كان بغدادي أحد المستشارين فيها، ان
حاجتها الى اصدار علبة تتضمن أفلام بغدادي كلها، جاءت من رغبة اولادها في
مشاهدة أفلام والدهم. استغرق المشروع خمسة اعوام، وها انه في طريقه الى ان
يتحول شيئاً ملموساً في يد الذين يريدون اعادة اكتشاف هذا الذي أرّخ لمراحل
عدة من تاريخ لبنان المعاصر، ولمس قدوم الحرب في "بيروت يا بيروت"، قبل
اسابيع قليلة من اندلاعها، عام 1975.
ارسل رئيس
المهرجان جيل جاكوب كلمة في ذكرى بغدادي القتها مايا دو فريج، مديرة "مؤسسة
سينما لبنان"، عاد فيها الى لقائه بصاحب "حروب صغيرة"، خاتماً سطوره
القليلة والمكثفة بـ"مارون، ستعيش". ثم كانت وقفة مع شريط مونتاج عن سيرة
المخرج الذي رحل في الحادي عشر من كانون الأول 1993 اثر سقوطه في قاعدة
المصعد، وهو المصير الذي كان يريده لشخصية فيلمه "زوايا" الذي لم يُنجز.
مخرج أساسي في تاريخ السينما اللبنانية، اختلطت حياته بمنجزه الفني، حتى
الرمق الأخير. هذا ما قاله الفيلم وما اجمع عليه الكثير من الحاضرين في
التحية. لفتنا الآتي ونحن نشاهد الفيلم: ثلاثة من الذين ذكرهم الفيلم
انتقلوا الى الضفة الأخرى: ماري ترانتينيان، اومبير بالسان، سمير نصري.
لفتتنا ايضاً مقابلة اجريت معه غداة عرض "خارج الحياة" (نال عنه جائزة لجنة
التحكيم الخاصة في كانّ 1991)، يروي فيها ما تعرض له من حملة: "هناك جوّ في
العالم العربي لا يستوعب المقاربة النقدية للواقع. مخرج مصري كبير طالب
الرقابة بالتدخل. هناك مشكلة في علاقة العرب بالصورة وعلاقتهم بصورتهم في
الخارج". ما أشبه الأمس باليوم. كانت مداخلة سمير فريد الأكثر عاطفية. نهل
الناقد المصري الذي يعتبر بغدادي واحداً من أهم عشرة سينمائيين عرب من
ينبوع الذكريات التي ربطته بصديقه الراحل. قال: "كان يعيش بسرعة، شأنه شأن
فاسبيندر وكل الذين يشعرون ان الوقت يدهمهم. كان يريد ان يتزوج وينجب
الأولاد وينال "السعفة" ويربح 100 مليون دولار. هناك مقولة يرددها الفلاحون
في صعيد مصر دائماً: ابن الموت. هكذا كان بغدادي". وروى فريد كيف اتصل به
بغدادي ذات صباح مبكر في كانّ، بعد مشاهدته "سائق التاكسي"، وكان يبدو
مندهشاً بالفيلم وأصر على أن يعرّفه إلى مخرج الفيلم مارتن سكورسيزي. وكشف
فريد عن امتلاكه مشاريع أفلام غير منجزة وكذلك مراسلات، قبل ان يسأل الحضور
بأسى: "أين هي السينماتيك التي ستحتفظ بها؟". وختم كلمته بالقول: كان اسم
الحركة الخاص به خلال الحرب احمد. جسد تعددية لبنان: كان احمد ومارون في آن
واحد!
النهار اللبنانية في
23/05/2013
«التونسية»
في مهرجان «كان»(15-26 ماي) :
حين يقف الجمهور لـ «عمر» الفلسطيني...
من موفدنا الى مدينة كان ـ نبيل بنور
استقبل جمهور مهرجان «كان» يوم الإثنين الماضي فيلم «عمر» للفلسطيني
هاني أبو أسعد في إطار قسم»نظرة ما» بشكل احتفالي واختلطت الدموع بنظرات
الاستحسان والتصفيق الذي لا ينقطع ... ويبدو أن هاني أبو اسعد نجح في لمّ
شمل كل العرب الموجودين في المهرجان، نقاد وصحافيين ومديري مهرجانات من كل
البلاد العربية ، وحضور لافت للسينمائي الفلسطيني ذي الشهرة العالمية إيليا
سليمان والممثل محمد بكري صاحب رائعة «المتشائل» على خشبة المسرح و»جنين
جنين» و»من يوم ما رحت» وبطل فيلم»عيد ميلاد ليلى» الذي كان مصحوبا بزوجته
«ليلى» وإبنهما صالح (شارك في فيلم «الزمن الباقي» لإيليا سليمان) لمشاهدة
آدم بكري (الخامس في ترتيب أبناء محمد بكري) الذي قام بدور عمر في فيلم
«عمر»، وبالمناسبة فإن شركة إنتاج هاني أبو أسعد تحمل أيضا إسم عمر؟
تدور قصة الفيلم حول عامل المخبزة عمر (ادم بكري) الذي يتفادى رصاص
القنص الاسرائيلي يوميا، عابرا جدار الفصل العنصري، للقاء حبيبته نادية
شقيقة صديق الطفولة (طارق) ويتعرض عمر للإذلال من طرف جنود الاحتلال بسبب
ودونه ، ودون إقناع درامي نكتشف جانبا آخر من شخصية عمر الذي لا ينتمي إلى
أي فصيل فلسطيني إلا إذا أولنا كتابة «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»
على جدار الفصل على أنها إشارة إلى إنتماء ما إلى هذا الفصيل العلماني في
المقاومة الفلسطينية
.
يخطط «طارق» لعملية قنص أحد الجنود الإسرائيليين، ويتكفل عمر بسرقة
السيارة التي سيتم إستعمالها للهروب بعد تنفيذ العملية في ما يتولى ثالثهما
«أمجد» بإطلاق الرصاص بعد تردد.
تتم العملية بنجاح تام دون أي أضرار جانبية وتحرق السيارة حتى لا يظل
أي خيط يمكن أن يوصل قوات الاحتلال إلى الفدائيين.
دون مقدمات ودون أن يعطينا المخرج أدوات يفسر بها المشاهد سير الأحداث
ومنعرجاتها تتم ملاحقة الأصدقاء الثلاثة ويتم إعتقال «عمر» ويتعرض إلى
ضغوطات جسدية ونفسية رهيبة ثم يتم إطلاق سراحه من طرف ضابط الإحتلال «رامي»
الذي طلب منه أن يكشف له عن مكان إختفاء «طارق» المتهم بقتل الجندي
الإسرائيلي ، كيف عرف الإسرائيليون بمنفذي العملية؟ من أخبرهم بأن طارق هو
منفذ عملية القنص؟
لا أحد يعلم مبدئيا لا من داخل الفيلم ولا من خارجه، ولكن كانت الشكوك
تجاه عمر مبررة دراميا، لماذا لم توجه الشكوك إلى «أمجد»؟ من قام بحمايته؟
أسئلة تظل معلقة إلى حين
...
تتماهى المشاعر الممزقة لعمر مع المشهد الفلسطيني المعاصر حيث الشقاق
في كل مكان، حماس في غزة وفتح في الضفة، حكومة هنا وحكومة مقالة هناك،
مفاوضات ومفاوضات وإتفاقات تبرم دون أن تنفذ وأخرى تعلق بعد تنفيذها جزئيا،
وساطات قطرية ومصرية ... لكن القطيعة متواصلة ، لكن ما هو مؤكد أن ما يفعله
الشاب هو تعبير مطلق عن حبه.
تتطور الأحداث سريعا وبشكل حاد ليكتشف المشاهد الجالس على نار التشوق
إلى معرفة الحقيقة أن أمجد هو الخائن وهو الذي تسبب في مقتل طارق وفي ضياع
«نادية» من حبيبها وفي تغذية الشكوك نحو صديق الطفولة عمر...
تدور أحداث فيلم»عمر» في مكان ما لا يحدده المخرج من الضفة الغربية
وان كان التصوير تم على مدى أربعين يوما بين نابلس والناصرة، وفي غياب
ترخيص اسرائيلي للتصوير امام جدار الفصل الحقيقي، اعاد المخرج بناء جزء من
الجدار كديكور يحضر بشكل حاسم في الفيلم .
وصرح المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، بعد عرض فيلمه «عمر»ضمن فعاليات
الدورة 66 لمهرجان «كان» السينمائي، في قسم «نظرة ما»، إن الحياة تمنح
قصصًا رائعة للكُتاب، وفيلم عمر ليس استثناءًا لهذه القاعدة، مشيرًا إلى
أنه بكى أثناء تصوير الفيلم بسبب أحد المشاهد التي تفاعل معها»، وأضاف «أبو
سعد» الذي كان مقيما لسنوات بهولندا وعاد للإستقرار بمدينة الناصرة: «كنت
برام الله منذ بضع سنوات، أتناول فنجانًا من الشاي مع أحد الأصدقاء، الذي
روى لي محاولة عميل مخابرات استعمال المعلومات التي بحوزته لإجباره على
العمل معه، وحاولت معرفة المزيد عن هذا الموضوع منه لدراسة التبعات التي
يمكن أن تتسبب فيها علاقات الحب والصداقة والثقة»
وتحدث عن كواليس العمل قائلًا:«عشت لحظات سعيدة في هذا العمل لم أعشها
في أي فيلم من قبل، حتى أن بعض مشاهدي أثرت في شخصيًا ولمست عواطفي حتى
أنني لم اتمالك نفسي من الدموع أثناء تصوير أحد المشاهد قبل أن (أقطع)
المشهد، ونظرت إلى الأسفل لأنني أردت إخفاء عيناي التي كانت مليئة بالدموع»
واستكمل الموقف قائلًا: «بعد ذلك اكتشفت أن طاقم الفيلم كان له نفس
الإحساس بهذه اللحظة، لقد حبسنا دموعنا جميعًا، وهذا جعلني أتساءل؟ لماذا
يحاول الناس إخفاء أحاسيسهم وغيرهم لا؟ لماذا نحرم أنفسننا من تشارك هذه
اللحظة خلال تصوير فيلم في مكان نعمل فيه جميعًا؟، وتأكدت في هذه اللحظة أن
السينما قوية جدًا، لأنها المكان الذي يذهب إليه الناس لإخراج أحاسيسهم دون
تحفظ، إنه المكان الذي لا يكبح فيه الناس أفكارهم وعواطفهم»
ينتهي الفيلم بقتل عمر للضابط الإسرائيلي»رامي» الذي تسبّب في إدخاله
إلى نفق مظلم من الشكوك ودمّر حياته وتسبب في خسارته لحبيبة عمره «نادية»
التي كتب لها آلاف الرسائل والقصص والحكايا والنكت وتسلق من اجل ملاقاتها
جدارا يصعب الفكاك منه وتعرض للإذلال أكثر من مرة ... ولكن « أمجد» الذي
خان صداقة عمر وإفتك منه «نادية» غدرا بعد ان شوّه سمعتها يواصل حياته قرير
العين هانئا بولديه بعد ان تزوج بما قدمه له عمر من مال ثمرة نار الفرن
الملتهبة طيلة سنوات ... تزوجت نادية ولم تحقق حلم «عمر» في ان تواصل
دراستها، أما عمر فخسر كل شيء، الحبيبة والسمعة والكرامة
..
حتى أنه بات عاجزا عن تسلق الجدار... ماذا بقي له؟
لقد إرتبط نسق الفيلم وإيقاعه صعودا وهبوطا بحركة عمر الذي لم يكن
يتعب من الركض والجري والتسلق والقفز حتى تدمى يداه... كان لهاث أنفاسه
يتردد في القاعة والأعين ترقب حركته السريعة، كم من ممثل عربي كان بوسعه أن
يكون عمر في فيلم هاني أبو أسعد؟
وأنا أشاهد حركة عمر مرت بذهني صور أحمد السقا في فيلم»إبراهيم
الأبيض» لمروان حامد الذي عرض قبل سنوات في 98 نهج الأنتيب وصوّرت الصحافة
المصرية الحدث على أنه فتح مبين، كان أداء أحمد السقا كراقصة على أبواب
الإعتزال باتت تتعمد التعري لتغطي على ترهل أردافها ... جري وجري وجري من
أجل لا شيء سوى أن يظهر البطل المغوار أحمد السقا نفسه لا إبراهيم
الأبيض...وكأنه يصور ومضة إشهارية لقناة النيل سينما...أما آدم بكري خامس
أبناء محمد بكري(الذي بكى خلال العرض المسائي للفيلم) فنجح في الذوبان في
«عمر»، شاب فلسطيني في مطلع العشرينات، لا إنتماء سياسي واضح له، لا يصلي،
لا يشرب الخمر، كل حياته هي العمل وحبيبته نادية ... حتى انه لم يفكر في
النضال الوطني إلا عندما عرقل المحتل تواصله مع حبيبته، هو اصلا لم يفكر في
النضال فقد وجدناه يتدرب دون مقدمات على إطلاق الرصاص...
خلا الفيلم من الشعارات الثورية الخلّب التي تقول الكثير ولا تعني سوى
القليل، وفي ديكورات الفيلم إشارات حمالة اوجه لملك مصر المحروسة فاروق
والممثل عماد حمدي لا عرفات ولا محمود عباس ولا احمد ياسين.... لا احد من
هؤلاء، هذا جيل كافر بالأسماء التاريخية. اما القياديين الميدانيين فغلاظ
القلب قساة لا يحترمون صداقة ولا عشرة في ظل إحتلال نجح في زرع بذور الشك
حتى في فراش الزوجين...
صفق الجمهور بحرارة من أجل فلسطين ولكن أيضا لفيلم سينمائي صنع بحرفية
عالية يستحق معها أن يكون في سباق السعفة الذهبية لا مجرد ركن في نظرة ما
... ونظل نحن في تونس نرقب بحذر حركة سينمائنا البطيئة التي بات يطلب فيها
تحت الطاولة من مخرجينا أن يحذفوا هذا المشهد وتلك العبارة تجنبا للمشاكل
... وهم لا يعلمون أن سياسة النعامة قد تكون سببا رئيسيا في غياب صورتنا عن
اكبر شاشات العالم... «كان».
موقع "التونسية" في
23/05/2013 |