انطلاق مهرجان "كان" وسط انتقادات لفيلم الافتتاح
كان (جنوب فرنسا) - سعد المسعودي
على بساطها الأحمر الشهير، استقبلت مدينة كان الغافية في حوض البحر
الأبيض المتوسط نجوم وصناع السينما في العالم، لتبدأ رحلتها مع
النجوم والصراع من أجل الفوز بـ"السعفة الذهبية". وتحولت مدينة كان
إلى شريط سينمائي أبطاله صحافيون ونقاد من مختلف العالم، تجاوز
عددهم الأربعة آلاف صحافي وناقد، فيما احتشد عشاق السينما من أهالي
وزوار المدينة أمام قصر المهرجانات لمشاهدة النجوم، بينما اصطف عدد
آخر للبحث عن تذاكر لمشاهدة الأفلام التي خصصت للصحافيين
والسينمائيين.
فيلم الافتتاح
لم يفلح جمال نجمة فيلم الافتتاح الأسترالية، نيكول كيدمان، في
إنهاء حالة الجدل الدائر في أروقة المهرجان، ولم يخف نقاد المهرجان
من إطلاق صيحات الاستهجان لمستوى الفيلم، واتهموه بأنه تزوير
للتاريخ في مرحلة مهمة وحساسة من تاريخ فرنسا ورئيسها شارل ديغول.
ويروي الفيلم قصة ممثلة هوليوود وأميرة موناكو، جريس كيلي، التي
رحلت عام 1982 في حادث سير. وبسبب هذا الفيلم رفضت العائلة الحاكمة
في إمارة موناكو حضور الفيلم، وقال الأمير ألبرت وشقيقتيه الأميرة
كارولين والأميرة ستيفاني في بيان لهم إن "الشريط الدعائي للفيلم
مهزلة على ما يبدو ويؤكد الطبيعة الخيالية تماماً لهذا الفيلم".
وأضافوا أن "العائلة لا تريد بأي حال الارتباط بهذا الفيلم الذي لا
يعكس الواقع، كما تبدي العائلة أسفها لسرقة تاريخها لأغراض تجارية
محضة".
وتابعت عائلة موناكو الحاكمة في بيانها أن المخرج أوليفيه داهان
والمنتجين رفضوا أن يأخذوا في اعتبارهم الملاحظات التي أبداها
القصر والتي "تشكك في النص كله وشخصيات الفيلم"، وختم البيان بأن
الفيلم لا يمت للواقع بصلة.
المستوى الفني
وعلى المستوى الفني، شهد الفيلم حالة من الجدل فالبعض يرى أنه جاء
دون المستوى، ولم يكشف أي تفاصيل جديدة أو منتظرة في قصة، جريس
كيلي، بينما يري البعض الآخر أن الفيلم كان موفقاً في رصد المرحلة
التي اتجهت فيها كيلي للتمثيل وسط اعتراضات كثير من أفراد العائلة.
وعلقت النجمة نيكول كيدمان خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد،
الأربعاء، قبيل حفل الافتتاح بأن تجربتها في هذا الدور كانت تحديا
كبيرا، وأنها قامت بتحضيرات كبيرة للتعامل مع هذه الشخصية.
وأضافت كيدمان: "لم أقصد إطلاقاً تقليد أميرة موناكو، وكنت أتعامل
مع الشخصية، وكأنني أقدم دور ممثلة حيث إن كثيراً من تفاصيل الدور
كنت أواجهها في حياتي العادية أمام الكاميرات وفي الكواليس".
بينما قال المخرج أولييفيه دهان: "قصدت من هذا الفيلم أن أقدم
عملاً عن السينما لأنني أتحدث في الأساس عن ممثلة، وليس سيرة ذاتية
ومع ذلك فكل ما قدمته عن جريس كيلي خلال الأحداث كان صحيحاً لأنني
شخصياً جمعت الكثير من المعلومات من مصادر مختلفة حتى أصل لهذه
النتيجة".
وكان الجميع يتمنى بأن يرقى المخرج الفرنسي أوليفيه داهان بأسطورة
غريس كيلي سينمائياً، وأن يبقى الجدل في سجل الإشاعة، فهو الذي صنع
شهرة الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار الحائزة على الأوسكار عن
دورها في فيلمه "لاموم" الذي يتناول سيرة المغنية إديث بياف.
لكن الفيلم لم يكن في مستوى التوقعات وربما حتى لا يستحق كل
الإثارة التي حركها. لكن الفضيحة وعكسها هي أيضاً من مكونات مهرجان
كان الأساسية وكأنها لعبة في جعبة الألعاب السحرية للفن السابع.
خيبة أمل نقاد المهرجان
من جانبه، دافع النائب العام للمهرجان، تيري فريمو، بقوة عن المخرج
وعن الفيلم ووصفه بالفيلم "الجذاب بفضل حضور نيكول كيدمان وتيم روث
وكذلك بفضل موضوعه. إنه فيلم قريب من كان، بما أن الأمر يتعلق
بموناكو فيحمل نكهة خاصة كفيلم افتتاحي".
يذكر أن غريس كيلي التقت زوجها الأمير رينيه في كان. وإن كانت كان
شاهداً على بداية قصة حب تاريخية بينهما فإن المنطقة كانت كذلك قبر
الأميرة التي فارقت الحياة وهي تقود سيارتها الروفر 350 أس على أحد
طرقات الكوت دازير.
وعلى غرار الأقدار الساخرة كان هيتشكوك قد صور في فيلم "يد على
العنق" غريس وهي تقود بسرعة فائقة على نفس الطريق التي شهدت وفاتها
بعد 28 سنة.
لا ربيع لنيكول كيدمان
لكن محاولات فريمو لم تمنع القاعة من التصفير استياء بعد العرض
الصحافي. وحتى أداء نيكول كيدمان لم ينقذ سحر الأسطورة، فكانت
شديدة التصنع في تقمصها دور إحدى أكثر الممثلات إغراء. ولم يغتنم
المخرج داهان حتى مأساة غريس كيلي لخلق ديناميكية تتنافس فيها
الحياة والسينما في سباق على الرواية حيث انتظر النقاد هذا المشهد
وكيف تم تنفيذه، إلا أن الفيلم انتهى دون الإشارة إليه، فظلت
إيحاءاته إلى تراجيدية الحياة فاترة لا يدق لها قلب. أما إحالاته
إلى مرجعية أفلام هتشكوك فبقيت كذلك سطحية ومنها محاولات عادية
للتذكير بسيناريو "لا ربيع لمارني" الذي كان سبباً في تمزق غريس
كيلي بين نداء التمثيل وعرش موناكو.
ففي النهاية غلبت منظومة الأخلاق الأميركية المحافظة سحر الفن،
فترفض غريس كيلي دور "مارني" الذي اقترحه عليها هتشكوك وتفضل
التفرغ لزوجها وأبنائها.
وانطلق فيلم "غريس دي موناكو" مع اعتراض أبناء الأميرة غريس
ومطالبة الموزع الأميركي بمونتاج مختلف للجمهور الأميركي. فإذا
كانت النسخة الفرنسية فاترة فماذا ستكون عليه النسخة الأميركية؟
ودافع المخرج أوليفيه داهان بقوة عن الفيلم مؤكداً أن "السينما"
وأن الخيال في مفهومه الأولي يخالف الواقع. لكن الواقع في قصة غريس
كان أكبر من الخيال، فحتى الأمير رينيه الذي عرف بضعف شخصيته أثار
فينا التعاطف بفضل أداء مقبول لتيم روت.
مهرجان "كان":
"تمبكتو" فيلم موريتاني يواجه القاعدة
كان (جنوب فرنسا) - سعد المسعودي
أشاد نقاد ونجوم مهرجان "كان" السينمائي بشجاعة المخرج الموريتاني،
عبدالرحمن سيساكو، الذي يتناول في فيلمه موضوع التطرف الديني الذي
يجتاح دول الساحل الإفريقي، ويقدم مدينة "تمبكتو"، المعروفة
بتاريخها الثقافي وانفتاحها على العالم فنيا وثقافيا، ضحية للعنف
الذي تمارسه القاعدة في المدن والقرى الإفريقية التي قامت بغزوها
وأعلنتها دولا إسلامية تحكمها بقوة السلاح والسوط وبفتاوى بعيدة عن
تقاليد وأعراف إفريقيا.
وفي الفيلم، يواجه إمام جامع تمبكتو، الذي يمثل الإسلام المعتدل،
التطرف ببدء حوار مع مجموعة تمثل القاعدة حول مفاهيم الإسلام،
وفتاوى زواج القاصرات بالقوة، ومنع الموسيقى، وتحريم عمل المرأة
وغيرها.
ويسألهم إمام الجامع: من أرسلكم لتطبيق هذه القوانين البعيدة عن
الإسلام؟ ولماذا تحرمون كل شيء حتى لعبة كرة القدم لشباب المدينة؟
وهنا يترك أعضاء القاعدة الجامع، ويطالبون الإمام بالطاعة وتطبيق
الشريعة الإسلامية دون تقديم إجابات عن تساؤلاته.
وفي تحدٍّ لعناصر القاعدة، يقيم شباب القرية مباراة لكرة القدم
ولكن دون كرة، ويجرون وراء كرة افتراضية، وتتعالى صيحاتهم دون أن
نرى أي كرة في الملعب. ويضع الموقف الغريب عناصر القاعدة في حيرة،
فيتركون الشباب يلهون بالكرة الافتراضية.
كثيرة هي مشاهد الكوميديا السوداء في الفيلم، لعل أبرزها مشهد
تعذيب المغنية التي حكمت عليها محكمة جهادية بالجلد 22 جلدة،
واستمرت في الغناء أثناء تنفيذ العقوبة، ثم تنهار وتترك في العراء.
وفي مؤتمره الصحافي، لم يخف المخرج سيساكو قلقه من أن التطرف
يتوسع، ومحاربته مسؤولية دولية. وعن اختيار فيلمه في المسابقة قال
لا توجد أي أسباب سياسية أو توجهات متطرفة ضد الإسلام أو المسلمين
لاختيار الفيلم للعرض في المسابقة الرسمية، مشيرا إلى أن هناك
توجها حقيقيا من أجل تقديم الوجه الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف
والقبول بالآخر.
وقال سيساكو إن ظروفا صعبة مرت بفترة تصوير الفيلم وتزامنت مع
الحملة الدولية لمطارة المتشددين الإسلامين في مالي على وجه
الخصوص، حيث تم تصوير أحداث الفيلم الذي تطلب قرابة أربعة أعوام من
الإعداد والتحضير والإنتاج، مشيرا إلى أن الفترة الأولى للتصوير
أحيطت بالسرية التامة.
وحول واقع حال السينما في موريتانيا، قال سيساكو إن السينما في
العالم العربي والدول الإفريقية بوجه عام تمر بظروف إنتاجية غاية
في الصعوبة، ملمحا إلى ضرورة السعي إلى إنتاج سينمائي مشترك مع عدد
من القطاعات الإنتاجية الأوروبية، والفرنسية على وجه الخصوص.
وسيساكو اسم فني له تجارب سينمائية، حيث أنتج أربعة عشر فيلما
سينمائيا في المجالين الوثائقي والروائي. |