مراجعة «بور ثينجز» .. إيما ستون استثنائية وكأنها ولدت
لتلعبه
فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»
«بور
ثينجز ـ Poor
Things »
للمخرج يورجوس لانثيموس، هو فيلم ليس فقط أفضل أعماله حتى الآن، ولكنه قد
يكون كذلك أفضل فيلم سنشاهده في مهرجان فينيسيا السينمائي هذا العام، يرشح
إيما ستون للفوز بالأوسكار.
وهو مقتبس من رواية ألاسدير جراي لعام 2014 التي تحمل نفس
الاسم للكاتب توني ماكنمارا، تدور قصته عن الهوية والحرية والتحرر الجنسي،
يتم سردها من خلال عيون فريدة من نوعها، «المخلوق» الذي عقد عزم العثور على
مكانه في العالم مع البقاء صادقًا مع نفسه بلا خجل.
«المخلوق»
المقصود هو بيلا باكستر (إيما ستون)، والتي تم إعادتها إلى الحياة على يد
عالم لامع وغريب الأطوار يدعى الدكتور جودوين باكستر (ويليم دافو)، والذي
مكنته أساليبه غير التقليدية المثيرة للقلق من إنقاذ امرأة حامل انتحرت
للتو عن طريق زرع دماغ طفلها حديث الولادة في جسدها.
وهكذا فإن «بيلا» شخص مختلف تمامًا، فهي «طفلتها، وأمها،
ومخلوق جديد يمزج بينهما»، كما يقول الدكتور جودوين – أو الرب كما تسميه –
لأنها لا تملك أي ذكريات عن حياتها السابقة، وهذا يعني أنها، حتى لو بدت
كامرأة شابة، فهي في الواقع طفلة – وفضولية بشكل لا يصدق، ومشرقة كذلك.
وعلى الرغم من أنها لم تتقن تمامًا فن الحركة والكلام، إلا
أن حب واهتمام من أعاد إليها الحياة يجعلها ترغب في استكشاف العالم
والاستفادة الكاملة من الحياة الجديدة التي مُنحت لها للتو، وهي لا تفهم
تمامًا بعد أي شيء
.
ولكن، في القصة التي تحمل العديد من أوجه التشابه مع قصة
«فرانكنشتاين» لماري شيلي، فإن بيلا هي أيضًا تجربة الطبيب، ولهذا السبب لا
يُسمح لها بمغادرة المنزل بمفردها.
في أحد الأيام، يقوم «مبدعها» المشوه – الذي تصبح مشكلاته
الصحية الغريبة وغير المتوقعة بشكل مضحك أكثر سخافة مع استمرار الفيلم –
بإحضار زميل له إلى المنزل، ويطلب منه مراقبة تقدم بيلا.
في الواقع، يفعل ماكس ماكاندلز (رامي يوسف) حسن النية أكثر
من ذلك، حيث سرعان ما يقع في حب إبداع الطبيب. لكن بيلا، التي تتحسن
مهاراتها اللغوية والحركية بشكل كبير كل يوم، إلى جانب شخصيتها السادية
المتزايدة، ليست سعيدة داخل حدود البيت، بل وأكثر من ذلك لأنها اكتشفت
الجنس للتو.
وهكذا، عندما يتم استدعاء المحامي المتحذلق والفاسق دنكان
ويديربيرن (مارك روفالو) إلى المنزل لوضع عقد زواج بيلا من ماكس، يهرب
المخلوق مع المحامي، عازمًا على خوض مغامرة العمر.
ولكن لا يوجد شيء عادي في بيلا، التي قد تكون لا تزال طفلة
في جسد امرأة، ولكن – «الوحوش» الحقيقية – هم الرجال الذين تقابلهم، ويعتبر
«دنكان ويديربيرن» هو المثال الأكثر وضوحًا، لأنه إذا كانت شهية الفتاة
الجنسية تشغلهما لبعض الوقت، فإنه سرعان ما يدرك أنه لا يستطيع السيطرة
عليها، ويصبح أكثر إثارة للشفقة والغرابة في كل دقيقة، الأمر الذي يجعل
بيلا تنمو بشكل أسرع، وتقودها خيبة أملها في النهاية إلى سلسلة من اللقاءات
الصدفة والبيئات الجديدة التي تساهم جميعها في «زرع مسارها نحو الحرية»،
وفي تلك الرحلة تكمن العبقرية الحقيقية لفيلم لانثيموس.
من أجل معرفة من هي كامرأة، يجب على بيلا أن تشرع في نفس
الرحلة التي تنتهي بها كل امرأة في نهاية المطاف، في مرحلة أو أخرى من
حياتها: إنها «مغامرة» تحرمها من كل آثار البراءة، والمثل الرومانسية،
والإيمان بالآخرين، ولكن هذا أيضًا يحررها ويسمح لها بالبقاء على قيد
الحياة، ومن خلال هذه الرحلة المضحكة وغير المتوقعة وذات المغزى العميق،
تتعلم هذه «المخلوقة» الخاصة جدًا في النهاية أن الشخص الوحيد الذي يمكنها
الاعتماد عليه حقًا هو نفسها، وتتولى أخيرًا السيطرة على مصيرها، وتكتشف من
هي.
«بور
ثينجز» هو في النهاية قصة امرأة غير عادية ولدت في هذا العالم دون أي
توقعات مجتمعية تلتزم بها، وتتجرأ على أن تكون حرة في عالم يهيمن عليه
الرجال. وكلما حاول هؤلاء الرجال السيطرة عليها وحرمانها من خياراتها، كلما
ارتخت قبضتهم عليها، وأصبحت قادرة على العثور على صوتها الخاص.
الفيلم مظلم وجريء وذكي بشكل رائع مثل ما كنا نتوقعه من
لانثيموس، لكن المخرج يترك أيضًا مجالًا للأمل، موضحًا أنه لا يزال من
الممكن أن يكون هناك حب إذا عرف المرء كيفية التعرف عليه.
من الناحية الفنية، الفيلم لا تشوبه شائبة. داخل البيت يتم
استخدام عدسات عين السمكة والزوايا غير العادية للأشياء الكبيرة والأثاث
مما يجعل كل شيء يبدو سرياليًا بشكل غامق، في قصة خيالية تتكشف باللونين
الأبيض والأسود الرائعين مصحوبة بالإشارات السحرية المخيفة، حيث يظهر
الطبيب الشرير وعاداته غير المتوقعة وقصصه الواقعية المؤلمة، جنبًا إلى جنب
مع حيواناته الأليفة الهجينة الغريبة (ولكنها أيضًا كوميدية رائعة) والجثث
الملقاة حوله، تخلق جوًا يجمع بين الاثنين. مظلمة ومحببة، حيث يمكننا أيضًا
التعرف على المودة الحقيقية بين الخالق والمخلوق، وهو ما يجعل التناقض مع
العالم الملون الذي تعيشه الأخيرة عندما تبدأ رحلة التحرر أكثر فعالية.
عندما تغادر بيلا مع دنكان، تزور مدنًا مألوفة نراها من
خلال عينيها، ذات سماء مذهلة بألوان وظلال مشبعة باللونين الأصفر والأزرق.
مع ملابسها الملونة والضخمة التي تزيد من النفور، ومع ذلك ينغمس المشاهد في
الجمال والشعر الذي تجده في الأماكن غير المتوقعة، من شوارع لشبونة إلى
بيوت الدعارة في باريس وزبائنها المميزين.
في دور (بيلا باكستر)، إيما ستون استثنائية وكأنها ولدت
لتلعبه، حيث تقدم أداءً مذهلاً من خلال التمثيل الجسدي المثير للإعجاب
والالتزام العاطفي بالشخصية. حتى لو كانت بيلا بطبيعتها «مخلوقًا» لم نر
مثله من قبل، إلا أنها لا تزال تمثل كل امرأة اضطرت إلى الدفاع عن حقها في
أن تكون على طبيعتها.
يؤدي مارك روفالو أداءً رائعًا مثير للشفقة لرجل تهرب معه
بيلا، ومن الواضح أنه يستمتع بتجسيد شخصية من المؤكد أن لحظاتها الأكثر
غرابة ستجعلك تضحك بشكل هستيري.
وبقية الممثلين رائعون أيضًا، بدءًا من رامي يوسف في دور
ماكس وسوزي بيمبا خطيبت بيلا، وجيرود كارمايكل وهانا شيغولا في دور
الأصدقاء الذين تكوّنهم، لكن النجم الحقيقي، إلى جانب ستون وروفالو، هو
ويليم دافو، الذي يجلب القلب الحقيقي والإنسانية إلى الدكتور جودوين
باكستر، وهو أحد أكثر الشخصيات إقناعًا نفسيًا في الفيلم.
يبدو فيلم Poor
Things بمثابة
الإنجاز الأهم في مسيرة يورجوس لانثيموس المهنية، حيث يجمع بين قصة مقنعة
لا يمكن أن تأتي في الوقت المناسب مع إخراج بأفضل طريقة ممكنة.
إنه فيلم يعرف بالضبط متى يجب أن يضحك بصوت عالٍ ومتى يجب
أن يكون جادًا، حيث يتلاعب بعدد لا يحصى من النغمات والموضوعات بسهولة
واضحة وتنفيذ فني رائع ومتميز. |