«الموسترا»
عامرة في يومها الخامس:
لانثيموس يُحيي غرائزنا... وبينـوشيه يحلّق فوق تشيلي
شفيق طبارة
البندقية
| بعد
خمسة أيام في «البندقية»، بات واضحاً أن عميد المهرجانات السينمائية مختلف
تماماً هذه السنة عن الدورات السابقة بسبب إضراب الممثلين والكتّاب في
هوليوود. لم يكن «بينالي البندقية» فارغاً من النجوم كما هي عليه دورته
الثمانون. السجادة الحمراء تسأل عن نجومها الأميركيين الذين كانوا يغطّون
كل شبر منها في السنوات السابقة. على الرغم من أنّ المدير الفني ألبرتو
باربيرا لم يبد قلقاً من غياب النجوم، إلا أنه يمكن إلا أن نلاحظ الفرق
الذي يصنعه غياب الممثلين والمخرجين الأميركيين. بالعودة إلى عروض الشاشة
الكبيرة، لا تزال «الموسترا» تقدّم العديد من التحف بتوقيع كبار المخرجين.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا يزال فيلم اليوناني يورغوس لانثيموس يتربّع
على عرش المسابقة الرسمية كأفضل فيلم تمت مشاهدته (لم نشاهد بعد فيلمي
ديفيد فينشر، وريوسوكي هاماغوتشي، حتى فيلم براندي كوبر «مايسترو» لم يكن
على قدر التوقعات، لكن هذا حديث آخر نعود إليه لاحقاً). خلال العرض الخاص
بالصحافيين والعاملين في السينما، رجّت الصالة من كثرة التصفيق والصيحات
عند انتهاء فيلم لانثيموس، وهذا نادراً ما يحدث. من جهته، قدّم بابلو لارين
هجاءه الجديد، وكذلك فعل لوك بوسون وكلابه. خارج المسابقة، عاد رومان
بولانسكي وملأ الصالة في عرض التاسعة والنصف ليلاً
يورغوس لانثيموس: الجنس كما لم تروه من قبل
يصمّم المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس عالماً سوريالياً
غير متوازن، مدنه تقع دوماً بين الزمن المستقبلي والماضي، فيسجننا فيها وفي
كابوسه، ويخلق قصة تطاردنا، تقطع سعادتنا اليومية ووجودنا. هو الذي يقول
دوماً: «لا أعرف ماذا أفعل». كرّرها هذه السنة في مؤتمره الصحافي، لكنه
يعرف جيداً كيف يعبث بنا وبأفكارنا وعقولنا وبمبادئنا. فيلمه الجديد
المشارك في المسابقة الرسمية في «مهرجان البندقية» عبارة عن انغماس جديد لا
مفر منه في عوالم لانثيموس. في «أشياء مسكينة»
(Poor Things)،
بنى لانثيموس عالماً غريباً من صفحات الأدب القوطي الفيكتوري ليتلاءم مع
القصة التي قدمها، ومع واقع وحقيقة مجتمعاتنا المعاصرة. كلمة «الاكتشاف» هي
التي تحرك فيلمه الجديد.
يفعل ذلك في العديد من الاتجاهات، فيجمّل ويشوّه كل شيء حتى
حواس مشاهديه. يتم العثور على جثّة بيلا باكستر (إيما ستون في أداء
استثنائي لم نعهده منها سابقاً) وهي حامل على يد الدكتور غودوين باكستر
(ويليان دافو) الملقّب بالله. بعدما انتحرت بالقفر في البحر، أعادها
الدكتور إلى الحياة عن طريق زرع دماغ طفلتها فيها. عمرها الجسدي والعقلي لا
يتطابقان، فهي مسجونة في جسد شخص بالغ. يطلب الدكتور من مساعده الشاب ماكس
ماكاندل (رامي يوسف) تدوين كل التقدم الذي تحرزه بيلا، خطوة بخطوة وبأدق
التفاصيل. من خلال انفتاح بيلا على عالم جديد والتعرف إلى المحامي دنكن
وديربيرن (مارك روفالو)، تقرر الذهاب في مغامرة لاكتشاف العالم ونفسها
وتعلّم كل ما تجهله. تبحر بيلا من لندن إلى لشبونة فالإسكندرية فباريس،
وهذه المغامرة هي نقطة تحوّل الفيلم وتحول الفتاة نفسها. تبدأ بيلا بتعلم
جميع مبادئ الحياة، وتقاليد المجتمع الفيكتوري الصارمة والمزيّفة، وتُبطلها
كلها، وتبدأ بفهم حياتها وتفهم علاقتها بالرجال وأفعالهم. ستكتشف الأدب
والفلسفة، ولكن قبل أي شيء، حياتها الجنسية. «أشياء مسكينة» مقتبس عن رواية
تحمل نفس الاسم للروائي الاسكتلندي ألسيدر غراي، صادرة عام 1992. لكن
الأشياء المسكينة حقّاً هي نحن البشر، وخصوصاً الذكور الغارقين بشكل بائس
في تقرير مصير بيلا باكستر. في أطروحته الجديدة حتى الجنون، يجعل لانثيموس
من تمكين المرأة عالمَه، معيداً إحياء فرانكشتاين ليهديه للمرأة. لانثيموس
لا يمزح ولا يهادن، يطلق النار علينا من دون إخفاء يده. جديده هو اعتداء
أيديولوجي وعملي على البشرية وعلى النظام الأبوي، الذي سخر منه بلا رحمة.
ويفعل ذلك بسخرية لاذعة، ويجعلنا نتأملها ونحفرها في عقلنا بينما يؤلمنا
ونحن نضحك حتى البكاء.
ثقافة الموت هي التي شكّلت بيلا باكستر. لقد نشأت في منزل
حيث تشريح الجثث شيء أكثر من طبيعي، فتعرف كيف تتعامل مع الجسد واللحم
والدم. وكذلك لانثيموس الذي عودنا في أفلامه السابقة مثل «جراد البحر»
(2015)، و«قتل الغزال المقدس» (2017) و«ناب الكلب» (2009)، على كيفية
الرجوع إلى غرائزنا البدائية. اليوم يفعلها بوضوح أكثر في إنكلترا
الفيكتورية، التي تتسم بالزيف والنفاق الاجتماعي بقدر ما هي باروكية.
لانثيموس لا يخشى التحدث بصراحة عن الجنس، وعرض الجسد وجعل الأعضاء
التناسلية عمود فيلمه. نعم، «أشياء مسكينة» هو فيلم جنسي بشكل بارز، لقد
مرّ وقت طويل منذ أن تجرأت السينما، على فعل هذا الأمر بهذه الطريقة
المباشرة والمبهجة.
المخرج اليوناني لا يضحي بشيء من أجل فنه، واليوم يقدم أحد
أكثر أفلامه إقناعاً ووضوحاً. لا تزال المصفوفة اللانثيموسية موجودة، بين
زوايا الكاميرا الواسعة والتشوهات الصورية والسخرية الحادة والذوق المروّع،
والحوارات غير المحتملة، لكن المليئة بالصدق. وفوق كل هذا، تعود الموسيقى
في أفلامه وتوظَف كمحوِّل للسرد وتطلب منا إعادة النظر في ما نشاهده.
«أشياء مسكينة»، أو نحن المساكين، عمل يجعل غرائزنا الحيوانية شيئاً
رائعاً، يعيد تثقيفنا، يعلّمنا معنى الحياة من خلال جسد امرأة بالغة في عقل
طفلة تكتشف الحياة من دون حواجز. لانثيوس قدم حكاية قوطية دقيقة ومفصّلة
بقدر ما هي مبهرة. أسطورة يجب أن تبقى لتتوارثها الأجيال.
«الحب
والفنّ» لم ينقذا لوك بوسون
حظي الفرنسي لوك بوسون بشعبية كبيرة في التسعينيات مع أفلام
مثل «ليون» (1994) و«العنصر الخامس» (1997) وحتى آخر أعماله «فالاريان
ومدينة الألف كوكب» (2017). منذ ذلك الحين، واجه تهم الاغتصاب من قبل
الممثلة ساند فان روي، قبل تبرئته من جميع التهم قبل حوالي شهر. «دوغمان»
هو عودته إلى السينما من بوّابة «الموسترا». هي عودة مقصودة، فيها الكثير
من التلميحات عن الظلم الذي لحق به. لبوسون قدرة على التفكير خارج الصندوق
دائماً. يتحدى هوليوود في عقر دارها وينجح أحياناً. فيلمه الجديد «دوغمان»
يعكس بشكل مثالي شاعرية بوسون وفكره السينمائي الصافي، ولكنه فيلم محفوف
بالمخاطر، فيه الكثير من العظمة البوسونية والجماليات السردية، بقدر ما فيه
من الأخطاء المتراكمة والطرح الفقير نوعاً ما.
يحكي «دوغمان» قصة الشاب دوغلاس (كاليب لاندري جونز في أداء
كان أعظم ما في الفيلم)، الذي يلجأ إلى الكلاب ويعيش بينها. كان دوغلاس فتى
صغيراً حين تعرّض لمعاملة سيئة من قبل والده وشقيقه، ولاحقاً أصبح «دراغ
كوين»، يعيش مع عشرات الكلاب ويعلّمها السرقة وهي بدورها تفهم عليه كل شيء.
دوغلاس هو بطل مضاد يسرق من الغني ويحمي مَن يلجأ إليه بمساعدة كلابه. في
بداية الفيلم، يُقبض عليه، بسبب مشكلات وقتل مع عصابة. يبدأ الشريط ودوغلاس
يسرد حكايته وذكرياته ولغز ماضيه على شكل فلاش باك، مع الدكتورة النفسية
التي تساعده في مركز الاحتجاز.
«دوغمان»
عبارة عن كل شيء، يمزج بين مغامرات الكلاب، حيث تتواصل الحيوانات بشكل
تخاطري مع صاحبها وتنهب وتهدد وحتى تقتل، وبين الأكشن والعنف ونبضات
ميلودرامية وإديث بياف ومارلين مونرو، والقناع (دراغ كوين) الذي يلبسه
دوغلاس كهروب من الواقع القمعي. لذلك، يشبه الفيلم القصص الخيالية السوداء
التي تبدو في بعض الأحيان كأنّها فيلم رعب وأحياناً أخرى درامية شاعرية
وأيضاً العلاج بالفن. وهذا ما أكده لوك بوسون في المؤتمر الصحافي: «الأمران
الوحيدان اللذان يمكنهما إنقاذك هما الحب والفن، وليس المال بالتأكيد».
فيلمه نشيد حبّ للكلاب التي يرى أنّ عيبها الوحيد هو أنها تثق بالبشر.
قد يبدو الفيلم من الوهلة الأولى قفزةً إيمانية، أو بوحاً
أو حتى قرفاً يبديه بوسون من الظلم الذي لحق به والطبيعة الإنسانية، لكن
بعد نصف ساعة تقريباً، يبدأ كل شيء بالتراكم وتبدأ الاستعارات والرمزيات
ليضيع كل شيء. الفيلم مبني بطريقة طبيعية عادية، مع بداية ووسط ونهاية،
لذلك لا نضيع في القصة أبداً، لكن كثرة الحشو تأخذ الفيلم إلى مكان آخر،
فلا ندري إن كنا أمام كوميديا أم مهزلة أو محاكاة ساخرة أو ميلودراما
جامحة. لكن الأكيد أن التبجح والسذاجة والثقة بالنفس المخيفة عند بوسون
واضحة جداً. نحن نعلم، أن أفلام بوسون تُفهم بشكل أفضل عندما نستطيع أن
نرتقي إلى مستوى تفاهتها، وهذا بالفعل مدح بأفلامه. ولكن «دوغان» نفسه لا
يرتقي إلى مستوى هذه التفاهة.
رومان بولانسكي... دعسة ناقصة
مغضوب عليه آخر، عُرض فيلمه في البندقية لكن هذه المرة خارج
المسابقة. إنه البولندي الفرنسي رومان بولانسكي، ثاني المكروهين بعد لوك
بوسون في انتظار ثالثهما وودي آلن. شاهدنا فيلم «القصر» الجديد لبولانسكي
خلال عرض الليل، كانت الصالة ممتلئة، وعلت الضحكات بين الحين والآخر، لكن
الفيلم بفكرته الأساسية (على الرغم من أنها كوميدية) لا ترتقي لتكون هجاء
سياسياً أو اجتماعياً، فهي هزيلة جداً وغير مؤثرة ولا تثير الجدل حتى.
قبل الدخول في الفيلم، الجدال المهم والأهم كان في المؤتمر
الصحافي. طبعاً، لم يكن بولانسكي حاضراً لأنه لا يمكنه السفر إلى إيطاليا
بسبب اتفاقية تسليم المتهمين بين أميركا وإيطاليا. منتج الفيلم لوكا
بارباريسكي، هو الذي كان موجوداً وصرخ «فيفا بولانسكي»، قبل أن يبدأ هجومه
المحق على الجميع. بدأ بمنصات التدفق الرقمي قائلاً: «لا أفهم لماذا تمتلك
جميع المنصات من نتفليكس إلى «أمازون» و«باراماونت بلاس»، أفلام بولانسكي
القديمة، وتجني منها الملايين، لكنّها لا تنتج فيلم بولانسكي الجديد». قال
ذلك بسبب صعوبة إيجاد المال لإنتاج فيلم لبولانسكي. بعد ذلك، فتح النار على
المجتمع والكلّ بسبب تهمة الاغتصاب التي تلاحق بولانسكي قائلاً: «أنا أعرف
القصة، لقد كنت هناك في عامَي 1975 و1976. لا أستطيع أن أتحدث باسم رومان،
لكن السبعينيات مختلفة تماماً عن اليوم. لقد كان الجنس مجانياً للجميع.
يمكن أن أتعرض لعقوبة السجن بسبب ما فعلته أنا في نيويورك بين عامَي 1974
و1980، بمنطق الصوابية السياسية اليوم». وأضاف: «رومان لم يعط المخدرات لأي
شخص، كان الجميع يتعاطى، كنا جميعاً تحت تأثير المخدرات. لقد كان وقتاً
مختلفاً تماماً. رومان هو الشخص الأكثر لطفاً، وأنا أصر على كلمة لطيف، فهو
الرجل الأكثر لطفاً وحساسية الذي قابلته في حياتي».
بالعودة إلى الفيلم، بولانسكي يأخذنا إلى جبال الألب،
تحديداً إلى «بالاس أوتيل» الفاخر، الذي يحتفل دائماً برأس السنة بأفضل
طريقة ممكنة، ويصرّ على موظفيه على أن يكونوا كاملين وأن يضعوا أنفسهم في
خدمة وإمرة ضيوفهم، طبقة الأغنياء والنافذين الفاسدة. إنه يوم 31 كانون
الأول (ديسمبر) 1999، وفكرة نهاية العالم تخيف الجميع. ولكنّ النزلاء
الأغنياء يريدون الاحتفال كما كل عام برأس السنة. يبدأ الضيوف الأثرياء في
الوصول: هناك مجموعة من الروس، امرأة فرنسية (فاني أردان) مع كلبها المدلل
الذي يأكل الكافيار، جرّاح تجميل معروف (واكيم دو المايدا)، نجم إباحي
سابق، وثري غريب الأطوار (ميكي روكي)، وشابة متزوجة من الملياردير آرثر
ويليام الثالث (جون غليز). هؤلاء قلة من ضيوف السهرة، الذين سيصنعون الجزء
الأول من الفيلم الممتع بسبب رذالتهم وتعاملهم مع الخدام والموظفين. يعرض
الفيلم مواقف مضحكة وسخيفة ويلمح إلى القضايا السياسية في الخلفية، عندما
يظهر على الشاشة بوريس يلتسن وهو يتنحّى ويسلم بوتين الحكم وبدوره يقول
بوتين إنّ روسيا ستكون أكثر حرية وديموقراطية وحكمه الانتقالي سيكون لأشهر
فقط.
مع تقدم الفيلم، كنا ننتظر من بولانكسي أن يغوص أكثر في سخريته، لكنّه ظلّ
على السطح. ظلّت المواقف الفكاهية نفسها وتحولّت إلى شيء لا يضحك في معظم
الأوقات. بدأت الشخصيات في الاختفاء من أمامنا لأنّه ليس لها دور، ويمكن
نسيانها بسهولة، عدا أنّها مكروهة بسهولة. تجنب بولانكسي النقد الاجتماعي
الذي اشتهر به وكنا نحن في انتظاره.
بابلو لارين يسخر من «الكونت»
لا يزال ظلّ أوغستو بينوشيه (1915 ــ 2006) يخيّم فوق تشيلي
حتى اليوم. إنه ظلّ الجنرال المعروف الذي استولى على السلطة عام 1973 في
انقلاب دموي، ومعه بدأ واحد من أقسى الأنظمة الدكتاتورية في التاريخ استمرّ
حتى عام 1990. ولأن بينوشيه لا يزال حاضراً في وجدان البلد والناس الذين
عاصروه، اختار المخرج التشيلي بابلو لارين في فيلمه الروائي «الكونت» (يطرح
قريباً على نتفليكس) الذي يعرض ضمن المسابقة الرسمية من «مهرجان البندقية»،
أن يقدّم الجنرال باعتباره مصاص دماء تشيلياً حتى بعد سقوط نظامه السياسي.
«الكونت» فيلم كوميديا سوداء ورعب يتخيّل فيه لارين عالماً موازياً مستوحى
من تاريخ تشيلي الحديث. يصوّر أوغستو بينوشيه، الرئيس السابق لتشيلي، رمز
الفاشية العالمية، كمصاص دماء يعيش مختبئاً في قصر واقع في الطرف الجنوبي
البارد من القارة. بعد مائتين وخمسين عاماً من الحياة، قرر بينوشيه التوقف
عن شرب الدم والتخلي عن امتياز الحياة الأبدية. لم يعد يستطيع أن يتحمّل
أنّ العالم يتذكره كفاشي وكلصّ. على الرغم من الطبيعة المخيبة للآمال
وانتهازية عائلته، فإنه يجد إلهاماً جديداً لمواصلة عيش حياة مليئة
بالعاطفة الحيوية والثورة المضادة من خلال علاقة غير متوقعة.
«الكونت»
لبابلو لارين يطرح قريباً على نتفليكس
خصص لارين، جزءاً من أفلامه بشكل غير مباشر لشخصية الجنرال
مثل فيلم «لا» (2012)، لكنه اليوم يخرج من منطقة راحته ويقدم بينوشيه
بطريقة مباشرة في فيلم فيه الكثير من الهجاء والكوميديا السوداء وإعادة
تفسير التاريخ. علماً أنّه لم يتم الحديث عن بينوشيه في السينما، وهو أمر
كان محظوراً لفترة طويلة، وهو الذي توفي عام 2006 من دون أن يقضي يوماً
واحداً في السجن. لارين اليوم يعرضه للمرة الأولى، ويهدف إلى كشف طبيعته
الحقيقية كمصاص دماء، وأيضاً لخدش صورته.
يبدأ الفيلم بصوت امرأة نعرف من هي في نهاية الفيلم، وهي
التي تحكي القصة. ثم في النهاية، تجتمع مع بينوشيه لتكون مفاجأة سياسية في
الفيلم، لن ندخل في تفاصيلها لكيلا نفسدها. النصف الأول من الفيلم مهزلة
قوية ذات قصة رمزية سياسية، ونهايته حلم مزعج. لجأ لارين إلى الكوميديا
ليروي ألم بلد وجيل ونجح في ذلك، صراخ لارين واضح في الفيلم وراء ضحكاتنا.
لم يقتصر صراخه على بينوشيه فقط، بل طال أيضاً الكنيسة التي تواطأت مع
الديكتاتور. في بعض الأحيان، كان الفيلم تعليمياً ويوضح أن الإفلات من
العقاب شيء لا يمكن غفرانه، وفي بعض الأحيان لجأ إلى القصائد الغنائية،
ربما للتأكيد على عدم جدوى أي شيء. «الكونت» محاكاة ساخرة بعيون حزينة
ومضحكة. عمل جامح ومضحك في يأسه العميق والممتع. |