«كذب
أبيض».. قصة شخصية تلامس الجمهور في مالمو للسينما العربية
طارق البحار
بحضور كبير ضمن فعاليات مهرجان
مالمو للسينما العربية في
دورته الحالية الـ14، تم عرض الفيلم المغربي الوثائقي «كذب أبيض» للمخرجة
أسماء المدير، خلال عرضه بسينما بانورا بالسويد.
يتناول الفيلم قصة المخرجة أسماء، التي تقوم بمساعدة
والديها على الانتقال إلى منزل آخر، وأثناء فرز أغراض طفولتها تعثر على
صورة تثير تساؤلاتها عن الأكاذيب التي تحكيها عائلتها، وهو ما يدفعها
لاستكشاف ذكريات حياتها وبلدها.
وفي أحداث رواية «كذب أبيض» تبتكر الكاتبة والمخرجة فيلمًا
هجينًا وثائقيًا باستخدام أجزاء متساوية من فيلم كيوميات مع الرسوم
المتحركة المتمثلة بعرائس وإعادة التمثيل المنسوجة طوال الوقت، تسعى جاهدة
لمواجهة أسرار الماضي. في البحث عن هويتها، وتبدأ عملية شفاء شاملة، تواجه
المخرجة في الفيلم مهمة مستحيلة مليئة بالحواجز، حيث تم تدمير جميع الأدلة
البصرية عندها، لكن مدار القصة لا يزال صامدًا، مستخدمًا ببراعة الحيل
السينمائية، جنبًا إلى جنب مع جرعة صحية من علم النفس، لمصارعة هذه الأسرار
من القوى الاستبدادية المصممة على حجب الحقيقة.
أصبح فيلم «كذب أبيض»، عملًا شجاعًا من أعمال التمرد المهمة
في مالمو للسينما العربية، وتتمثل مهمة المخرجة الأولى في اكتشاف سبب قلة
الصور العائلية، على وجه الخصوص، وسبب عدم وجود أي صور لها، ولجدتها وهي
شخصية مخيفة مثل أي شخصية تصادفها في الفيلم. يسمح والدا المخرجة، وهما
أكثر أفراد عائلتها تساهلًا، لهذه الأم الاستبدادية بحكم منزلهما: يتجنبان
أي نقاش حول هذا الموضوع. إنها ليست فقط الديكتاتور الفعلي في عائلتها،
ولكننا نعلم أنها عملت دائمًا بهذه الطريقة في الديناميكيات العامة لحيهم.
ما يجعل «كذب أبيض» أو
«The Mother of All Lies»
فعالًا للغاية، هو أن المخرجة تستخدم الديوراما كمجموعة، والتي تصبح خلفية
للعمل الذي يجرد تدريجيًا العديد من الأسرار، وهي تملأ القصة مع العائلة
والأصدقاء، إلى جانب نموذج لمنزلهم وحيهم في الدار البيضاء، والذي بناه
والدها أثناء التصوير. تساعد والدتها في الدمى التي يصنعها، وتعيد الحياة
إليها بالملابس، وترسم وجوههم، وسط تفاعل الأفراد مع أشباههم، كما لو كانوا
يشكلون رابطة، باستثناء الجدة بالطبع، التي تستمر في إلقاء كل شيء على
الأرض والصراخ بأنهم يجعلون الدمية التي رسموها أو قدموها «مشوهة»!
تقنية المخرجة في استخدام الدمى تخلق تأثيرًا متحركًا ينقل
المشاهد. خارج العالم التمثيلي، ينتقل الفيلم إلى عالم الرؤية لذكريات
العائلة. يعمل هذا جيدًا بشكل خاص لأنه لا توجد صور أرشيفية أو لقطات، ولا
يوجد شاهد حقيقي أو خبراء للتحدث عما حدث مع عائلة المخرجة.
يكشف الفيلم ببطء عن الحدث الذي يعتبر محوريًا للقضايا في
الفيلم، ونقطة البداية لجميع الأسرار والصدمات التي تعمل في جوهرها. في
يونيو 1981، قبل ولادتها، شاركت عائلة المخرجة وجيرانها في إضراب يُعرف
باسم أعمال شغب الخبز، احتجاجًا على ارتفاع أسعار الطعام، وتمت مقاومة ذلك
بعنف.
من خلال استراتيجيتها المركزة، تستطيع المخرجة فتح الفيلم
في دراسة أكبر لنقطة التحول هذه في حياتهم، ودراسة الصدمة التي لا يمكن
إصلاحها. تستخدم كاميرتها لربط المشاهد بحركة الفيلم، وتتجول عبر المساحات
المختلفة التي يبدو أنها تدمجها في بعض الأحيان حيث يتفاعل المشاركون مع
النماذج. هناك زوايا عكسية عندما يضع كل فرد دميته داخل إحدى غرف النموذج
وتتجول الكاميرا عبر أجسادهم وداخل تلك المساحة المغلقة.
مثل هذا النهج يضيء لحظات من الصداقة الحميمة، والمشاركة
الجماعية، وحتى الضحك، ولكن أهم من ذلك أنه يجلب لحظات من الصدق الثاقب،
ويبدو الأمر كما لو أن المخرجة قد خلقت مساحة لجلسة علاجية في مكان آمن
مخفيّ عن العالم الحقيقي من خلال دمى تشبههم كثيرًا.
هناك مشهد لا ينسى بشكل خاص عندما يشارك أحد أصدقاء
العائلة، وهو جار سابق قصته الشخصية لما حدث له ولعائلته خلال الأوقات
الصعبة باستخدام الدمى، ويقوم بتمثيل أحداث اليوم، ويروي كل التفاصيل
الوحشية بينما تظل الكاميرا مثبتة على جسده ويسجل كل إيماءة، وكل صرخة حتى
ينهار من الإرهاق العاطفي، إنها تجربة محطمة للمشاهدة.
في حين أن هناك جانبًا أدائيًا في استخدام هذه الدمى، فإن
استراتيجية المخرجة تبدد أي مخاوف من التدريج، لقد خلقت الظروف لحدوث عاطفة
حقيقية. نتيجة لذلك، تقديم فيلم كامل الأضلاع وسط نجاح كبير.
تمكن «كذب أبيض» من الكشف عن حقائق مختلفة، ووجهات نظر
مختلفة تنبع من حدث واحد تم قمعه منذ فترة طويلة، ولكن لم ينسَ أبدًا
كمشاهدين، أن نصبح شهودًا مع الأحداث مع بحث المخرجة الناجح في أسرار
الماضي يتيح فهمًا أفضل للحاضر، ما يبدأ كتحقيق شخصي للغاية يتطور إلى
تاريخ من كل ما تم صده. |