لا يكترث الناقد السينمائي محمد رضا بجوائز المهرجانات، يعتبرها
«تحصيل حاصل»، السينما لديه أفلام يكتب عنها، لكن ذلك لا يعني أنه يتخذ
موقفاً محايداً من أعمال الشباب الخليجي السينمائية، فهو في واقع الأمر
يراقب بعين ناقدة فاحصة هذه الأعمال ويتابع تطور مهارات ومعارف صانعيها،
على الأخص أولئك الذين لفتت موهبتهم نظره منذ البدايات. يذكر منهم المخرج
السعودي عبدالله آل عياف، الإماراتيين نواف الجناحي، خالد المحمود ونائلة
الخاجة والبحريني محمد بوعلي. «الوسط» التقته أثناء انعقاد فعاليات الدورة
الخامسة من مهرجان الخليج السينمائي التي نظمت في الفترة 10- 16 أبريل/
نيسان الماضي، وحاورته حول رأيه في مستوى الأفلام المشاركة، الخليجية منها
بشكل عام، والبحرينية بوجه خاص، وحول تقييمه لأداء مهرجان الخليج السينمائي
على مدى خمسة أعوام.
·
هل تشعر أن
نتائج دورة هذا العام من المهرجان أنصفت الأفلام، على الأخص جوائز الفيلم
الروائي الطويل؟
-
أنا آخر شخص يهتم بالنتائج لأنني أعرف أن لجان التحكيم إما تقع تحت
سلطة ما من داخلها، بحيث يكون أحد أعضائها له صوت أفضل أو سلطة أقوى أو
طريقة إقناع أفضل، وحتى لو تم اتخاذ القرار بالتساوي فإنه لن يرضي الجميع
ليست هناك جائزة ترضي الجميع.
لا أهتم بالجوائز ومن يربح ومن لا يربح، بالنسبة لي السينما أفلام أكتب
عنها. لكن بشكل عام يبدو أن الفيلم الرابح «تورا بورا» لم ينل شعبية كافية
ليرضي عنه الجميع كما أن النقد كان ضده، ويمكن القول إن 3 من أصل 5 نقاد
كانوا ضده. كونه ربح أم لم يربح لن يغير من وضعه شيئاً ولكن بالعملة
الدارجة رضيت أن يأخذ الفيلم الجائزة أم لا فهناك مستويان من الإجابة أولاً
أن الجهد البشري الموجود في هذا الفيلم كإنتاج لم أجده في أفلام أخرى
ثانياً النتيجة سيئة وهكذا يوجد عندك تضاد ولكن رغم ذلك ربح الفيلم.
·
كيف تجد مستوى الأفلام الخليجية المشاركة وهل تلمس
أي تطور في مستوى المخرجين الخليجيين الشباب أم إنهم لايزالون يراوحون
مكانهم؟
-
هناك تطور ولكنه التطور الذي لابد منه حين يعمل المخرج فيلم بعد آخر
ولديه طموح فلابد أن يتطور ولكنه ليس التطور النهائي وليس التطور الذي يقود
إلى نتيجة. لا تنسَ أن معظم الأفلام القصيرة مرتبطة بشرط وبموقع وهو أنها
أفلام فكرة وقليلا ما تجدين فيلماً قصيراً تشعرين معه أن المخرج يمكنه أن
يقدم فيلماً طويلاً لأن الفيلم الطويل يحتاج دراما. هناك أفلام لا يوجد
فيها دراما مثل أفلام المخرج عبدالله آل عياف الذي لم يشارك هذا العام
بفيلم لكن تشعرين أنه يمتلك فعلا الرؤية البصرية التي تجعله قادرا على
تكوين فيلم روائي طويل إذا وجد القصة المناسبة. بعض المخرجين لا يفعلون سوى
أن يعرضوا فكرة خطرت على بالهم، لا يمكن استيحاء هدف من ورائها، هناك أفلام
لم يلتفت إليها أحد لبساطتها مثل فيلم «لمحة» لنايلة الخاجة وهو مصنوع بشكل
تقني جميل ومصور بشكل جميل على الرغم من أن فكرته ليست عظيمة. في المقابل
هناك بعض الأفلام التي فازت بجوائز تم تصويرها بشكل سيئ.
·
هل تجد تمايزا بين مستوى الأفلام المقدمة من مختلف
الدول الخليجية بما في ذلك العراق واليمن، إذ يبدو وكأن الأفلام العراقية
والإماراتية أكثر حرفنة من باقي الأفلام الخليجية المشاركة في دورة هذا
العام؟
-
لا أشعر أن هناك تميزاً تقنياً بين الأفلام لكني أشعر بأن هناك
اهتماماً بالسينما العراقية، من دون تصنيف سياسي للسينما الكردية، ما أريد
قوله هو إن هناك اهتماماً كبيراً بالسينما العراقية لكن مرة أخرى كيف يمكن
عدم الموافقة على أفلام تتقدم إليك من بلد ما سواء كان العراق أو غيرها،
ليس هناك قانون يمنع كل مخرج عراقي من ان يقدم أفلامه، ولذا فمن الصعب الحد
من هذا الأمر ولكن يبدو أن هناك تعاطفاً مهرجاناتياً مع السينما العراقية.
·
لكن أيضا يبدو في المقابل بأن المخرجين العراقيين
والأكراد متمكنين من الفيلم الروائي الطويل أكثر من الخليجيين، ألا يمكن أن
يكون ذلك سبب هذه الحظوة المهرجانية التي ينعمون بها؟
-
لا أعرف ولكن فيلم الدائرة لنواف جناحي أفضل من أحلام لمحمد الدرادجي،
لا أعرف إذا كان هذا صحيحاً أم لا، لكن أفلام محمد الدرادجي «أحلام» و»ابن
بابل» لم تعجبني. العراقيون متمكنون بمعنى أنهم يفهمون الصناعة، يمكنني
القول عموما نعم لكنني أعود لأقول هؤلاء لم يكونوا موجودين حين كانت مؤسسة
السينما العراقية موجودة وبالتالي من أين جاءتهم المعرفة لا أعتقد أن هذا
تمايزاً كبيراً، ليس تميزاً يمكنني أن أبني عليه مقالاً أو دراسة.
·
بشكل عام كيف تقيم أداء المخرجين الخليجيين هذا
العام، هل هناك أي مخرج تابعت عمله ولفت نظرك على مدى الدورات الخمس من عمر
المهرجان؟
-
هناك بعض المخرجين الذين لفتوا نظري في العام الماضي لكن لم يقدموا
شيئا في هذا العام مثل خالد المحمود. أعجبني فيلم نجوم الغانم كثيرا، نواف
الجناحي حين قدم الدائرة كان الفيلم ممسوكاً بشكل أكثر من الفيلم الآخر.
عموما لا يوجد مخرج يستطيع الخروج من الصندوق الخاص به، مشكلة المخرجين أن
كلاً منهم يعيشون في صندوق خاص به، يوسف شاهين حين كسر الصندوق جاءت أفلامه
غير مصرية، صلاح أبوسيف وسع الصندوق فجاءت أفلامه جميلة وهناك كثير من
المخرجين يعيشون في هذا الصندوق وعموما لا تنسَ بأن تجارب المخرجين الذين
يشاركون في المهرجان لاتزال صغيرة حين نتحدث عن نواف وخالد المحمود وغيرهم.
وليد العوضي من الكويت مثلا لديه جرأة في عمل مشروعه لكن ماذا قدم في هذا
المشروع. قد نتفق على أنه كان خطأ لكن فيلمه انتاجياً كان يمكن أن يكون
حدثاً عربياً فعلا مثل فيلم رضا الباهي كان لديه فكرة حلوة وقدم فيلماً عن
براندو «ديما براندو» لكن الفيلم لم ينجح. ملخص كلامي هو أن التجارب لاتزال
ترتفع وتنزل حسب قدرة كل مخرج على أن يطور أو لا يطور ما هو موجود لديه
وأيضا حسب كتابة السيناريو. أحد العيوب الموجودة لدى المخرجين الخليجيين هو
اعتدادهم بأعمالهم أكثر مما يجب.
·
ماذا عن المخرجين البحرينيين، كيف تجد أداءهم هذا
العام خصوصا مع ارتفاع عدد الأفلام البحرينية المشاركة وجودتها، هل هناك من
لفت نظرك من بينهم؟
-
محمد بوعلي الذي فاز بالجائزة الثالثة لديه ما يبني عليه الآن، لديه الأرضية
يبني عليها وسوف يكون له شأن. لم تعجبني بعض أجزاء فيلمه كثيراً لأن الحوار
والمواقف فيه متكررة وهذا يقتل الفيلم، لديه حالة انسانية جعلها تمر بفلتر
حواري غير دقيق فجاء الحوار دراما تلفزيونية أما الموضوع فكان جميلاً.
·
هل ترى أن
مهرجان الخليج السينمائي يسير بشكل صحيح لحد الآن في أن يؤسس لوعي سينمائي
ولحركة سينمائية؟
نعود لنقول ليس هناك صناعة لكن هناك سينما، هناك أفلام إذن هناك سينما وقد
سئلت قبل يومين السؤال الذي يتكرر بشكل مقرف حول رأيي فيمن يقول إنه لا
يمكن لبلد لا يملك صناعة سينما أن يقيم مهرجان سينما وقد أجبت بكلمة واحدة
وهي أن وجود مهرجان سينمائي في بلد لا توجد فيه صناعة سينمائية أفضل من عدم
وجود مهرجان سينمائي في بلد توجد به صناعة سينمائية مثل مصر.
بالنسبة لمهرجان الخليج، أعتقد أنه يسير في طريق صحيح والمهرجان يتوسع
بأفضل ما يمكن له أن يتوسع والشيء الوحيد الذي لا يمكن له أن يفعله هو أن
يخلق سوقاً واهتماماً. مشكلة السينما الخليجية الروائية أو التسجيلية أو
القصيرة بمهرجانات دبي أو أبوظبي أو غيره هو أن الموزعين وأصحاب الصالات
وأصحاب التلفزيونات لا يأبهون بها بأي شكل من الأشكال خصوصا بالأفلام
الجادة. فكيف يمكن لهذا المخرج أو المنتج أن يخاطر إذا لم يكن لديه سوق.
تعرفين أن معظم الممولين إن لم يكن جميعهم يعملون بدافع الربح أو على الأقل
استرجاع رأس مالهم الذي دفعوه. فكيف يتم استرجاعه هنا، لا يمكن، فالفيلم
البحريني لا يعرض في الكويت، والفيلم الكويتي لا يعرض في الإمارات، ليس
هناك تسويق وليس هناك سوق مشتركة وليس هناك فرض على أصحاب الصالات لعرض هذه
الأفلام ولا يوجد موزع عربي يمكن له بدافع الوطنية أن يعرض فيلماً
إماراتياً أو سعودياً أو غيرها في السينما لأنه يخسر، هؤلاء لا يفكرون بأن
يفيدوا البلد التي يعيشون فيها، من باب الولاء والوطنية يمكن لهم أن يبذلوا
قليلاً من الجهد ويعرضوا الأفلام الخليجية. هذه ثقافة غير موجودة لدى هذا
الجيل الديناصوري الذي يجد الثقافة أول ما يجب التضحية به في حال الأزمات
والحروب.
الوسط البحرينية في
10/05/2012
وليد العوضي يلعب بالنار ويحرق أصابعه
أبو طارق في تورا بورا، جبال الظلامية.
هوفيك حبشيان
بين ان ندين التطرف شفهياً، ببلاغة لغوية مقنعة، وأن نبعث في الجسد
الميت لهذه الادانة روحاً وصوراً فيها مقدار عالٍ من الصدقية، هناك فرقٌ
كبير، يشبه ربما الفرق بين صخب الموقف وصمت الابداع. المخرج الكويتي وليد
العوضي، الذي اطلعنا على سرّ كبير من أسرار الوجود عندما قال ان "الحبّ شيء
جميل والكراهية شيء بغيض"، لدى عرض "تورا بورا" في افتتاح مهرجان الخليج
الخامس، أخرج باكورته الروائية هذه وفق هذا المنطق. لكن لسوء حظه وحظنا،
النفَس التلقيني يتعرض للهلاك، وهو أحياناً ينتهي بلحظات طويلة قبل انتهاء
الفيلم. مَن منا يجهل قصة الأخرق الذي لا يعرف كيفية استخدام المسدس،
فيغتال نفسه، في لحظة حماسة زائدة. يطلق الرصاصة في الاتجاه الخطأ: وها
اننا متورطون بجثة اضافية!
نحن في مواجهة محطات من تاريخنا، من شأن استعادتها أن الأبدان تقشعر
والضمائر تستنفر: "طالبان"، بزنس الدين، سفك دماء في سبيل الله، الخ. اذاً،
نحن أمام كل تلك الأشياء التي صنعت سنوات الألفين ولا تزال تصنع أيامنا
هذه، سواء بالمهزلة أم بالمأساة. لكن طرحها من جانب العوضي بدلاً من أن
يثير فينا القلق، يخدّره، فشعورنا ازاءها ينتقل بلا استئذان من اللامبالاة
في ابسط الأحوال، الى السخرية في اقصاها.
خيوط القصة المحبوكة على نحو لا يسهل التعاطف معها، هي طامة الفيلم
الكبرى: رجل كويتي (سعد الفرج) وزوجته (أسمهان توفيق) يصلان الى مدينة في
افغانستان، على أمل المغادرة من هناك الى الحدود الأفغانية ــ الباكستانية،
حيث الجبال التي تؤوي ابنهما أحمد الذي انضم الى صفوف المجاهدين الأفغان.
سنرافق رحلة الوالدين الى المحطة الأخيرة، حتى خروجهما من تورا بورا
بالطوافة، اذ يبدو أن الحلّ الوحيد في هذه المنطقة المنكوبة افقيّ وليس
عموديّاً: الهرب صعوداً الى السماء. وطبعاً، كما في كلّ أفلام المغامرات،
لن يسلم مسارهما من الأخطار والسجن والتعذيب.
على امتداد هذا كله، ينقل الفيلم واقعين: سعي الوالدين الى انقاذ
الابن من براثن الاصولية القمعية والمجرمة، وعملية غسل الدماغ التي يتعرض
لها الأخير على يد جماعة الجهاد التي لا تتوانى عن ترهيب الناس واهانتهم
والتنكيل بهم. بغض النظر عن الكيفية التي تُنقل فيها هذه المغامرة عبر
الجبال والوديان، هناك امران نافران في الفيلم، لا يرتقيان الى مستوى العقل
السليم: فأحمد الذي يستعد للقيام بعملية انتحارية ضد القوات الأميركية،
يكتشف فجأة ان رؤساءه (يُختصران بمغربيين "يعلِكان" بضع كلمات بعربية ثقيلة
حول خطر "الأمريكان والصهاينة")، يريدون ارساله الى عملية تفجير تستهدف
مدرسة وليس قاعدة عسكرية. لا نعرف كيف صار أحمد مدركاً لهذه المعلومة وهو
حبيس جدران اربعة. ولا شيء يؤكد ايضاً أن ارهابياً يتلقى تعليماً مثل الذي
تلقاه ليصبح مدججاً بإيديولوجيا الشهادة ومشبعاً بها حتى في أصغر خلية من
خلايا عقله، يهمّه كثيراً معرفة ما اذا كان الذين سيستهدفهم من المدنيين أم
الجنود!
كلما اقترب الفيلم من مثواه الأخير، تداخل الحابل بالنابل، والملتحي
بالحليق، والقبائل البشتونية بالـ"طالبان" وبأولئك "العرب الأفغان"
المشبعين بالفكر الجهادي، والى ما هنالك من شخصيات لا يعود الواحد منا يميز
أحدهم عن الآخر، الا من خلال اللكنة العربية المغايرة: هذا كويتي، هذا
فلسطيني، هذا مغربي. الممثل يسرق الدور. العوضي لا يخشى أن يتحول مادة
تهكم، وهذا يُحسب لمصلحته، ولا يخاف من رمينا في المعمعة، بقدر ما يحرص على
فرض كاراكتير المصور الفلسطيني (قيس ناشف)، الذي يتسكع في ديكورات ورززات
المغربية حيث التُقطت مشاهد الفيلم، من دون أن يعرف الكثير عما يفعله.
شخصية المصور هذه، المُقحمة إقحاماً في صلب الحوادث، هي القشة التي تقصم
ظهر البعير. لا يكفي أن قيس ناشف ابرة قاتلة لكل نصّ، فكيف الحال اذا كان
وجوده مخرباً. لم يكن المطلوب من العوضي، صاحب أفلام وثائقية منها واحد عن
11 أيلول، أن تكون له رؤية اخراجية، انما ان ينتشل الحكاية من مفاهيمها
الاخلاقية والسياسية المبسطة، فلا مهرب من هذه الحقيقة: اللعب بالنار يحرق
الأصابع.
النهار اللبنانية في
03/05/2012 |