مكتبة سينماتك

 
 

               

 

 
 

جديد الكتاب

 
 
 

اللغة السينمائية في الأدب

دراسة مقارنة بين تاركوفسكي وشريف حتاتة

بقلم:

د. أمل الجمل

إصدار دائرة الثقافة والإعلام

الشارقة 2020

 

 

اللغة السينمائية في الأدب

د. أمل الجمل

 
 
 
 
 

عن الكتاب

     
     
 

اللغة السينمائية في الأدب

دراسة مقارنة بين تاركوفسكي وشريف حتاتة *

بقلم: عدنان حسين أحمد

 

يُشكِّل كتاب “اللغة السينمائية في الأدب… دراسة مقارنة بين تاركوفسكي وشريف حتاتة” الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة للناقدة أمل الجمل انعطافة مهمة في مسيرتها الثقافية التي تزاوج فيها بين متطلبات البحث من جهة، واشتراطات النقد من جهة أخرى لكن صوت الناقدة الحصيفة يعلو في هذا الكتاب ليتغلّب على صوت الباحثة الذي يترجّح بين آراء الدارسين والمُنقِّبين في بطون الكتب. وهذه أولى الثمرات الناضجة التي نقلت د. أمل الجمل من مفازات البحث إلى القِمم النقدية التي تُشرف على النتاجات السردية والبصرية، وتتأملها بعمق العارفة والخبيرة، وتغوص في ثيماتها الرئيسية والفرعية، وتفحص أبنيتها الفنية التي تُسهم في إرساء الأفكار والنفحات الإبداعية في ذاكرة القرّاء الجمعية.

الأدب المُمنتَج

يتسم هذا الكتاب بالسعة والإحاطة والعمق ، فقد ناقشت “الباحثة” في رسالتها بعين نقدية مُرهفة عددًا من الموضوعات المهمة أبرزها “مفهوم اللغة في السينما والأدب”، و “النحت في الزمن”، و “العناصر السينمائية” آخذين بنظر الاعتبار أن البحث برمّته يقوم على المقارنة بين أفلام تاركوفسكي وروايات شريف حتاتة وسيرته الذاتية، وأوجه التشابه والاختلاف بينهما. وبما أنّ المادة البحثية طويلة جدًا فسوف ننتقي منها أبرز المحطات السردية والبصرية التي تروي ظمأ القارئ وتسدّ حاجته المعرفية. وربما يكون كتاب “النحت في الزمن” لتاركوفسكي هو أهم المصادر التي اعتمدتها الباحثة، وناقشت مضامينها من أوجه وزوايا متعددة حيث يقول تاركوفسكي بيقين راسخ: “بأنّ الإيقاع، وليس المونتاج، كما يعتقد البعض، هو العنصر المكوّن الرئيسي للسينما “(ص،9). ويرى تاركوفسكي أيضًا: “أن السينما قد اعتمدت على الأدب في كثير من الأمور مثل المونتاج وأحجام اللقطات”(ص،10). كما في روايات تشارلز ديكنز، وقصائد الهايكو، والفردوس المفقود. لا ريب في أنّ السينما قد تركت بصماتها على الأدب حيث تأثر بعض الأدباء بالمونتاج السينمائي، وتفتيت الزمن، وتقنيتيّ الاسترجاع والاستشراف أمثال مارغريت دورا وألان روب-غرييه، وشريف حتاتة وما سواهم من رموز الرواية الجديدة عالميًا وعربيًا. وبما أن موضوع البحث منصبٌ في جانب منه على الروائي شريف حتاتة المتحدّر من أب مصري وأم إنكَليزية فلاغرابة أن تسارع الباحثة إلى الاقتباس منه، وتسلّط الضوء على محمولاته التنظيرية التي يقول فيها: “مهمتي هي أن أجعلك تسمع، أن أجعلك تشعر، والأهم من ذلك كله أن أجعلك “ترى”. هذا كل ما في الأمر، وأهمُّ ما فيه”(ص،11).ما يميز أمل الجمل بشخصيتها الفكرية القوية أنها تعترض كباحثة على كبار الكُتّاب والمفكِّرين وتقف بمنزلتهم حينما تجترح آرائها الخاصة بها. وها هي تعترض على فرضية العالِم اللغوي الألماني لاوسبيرغ التي يقول فيها إنّ “اللغة بدون كلام تصبح ميتة، والكلام بدون لغة يصبح لا إنسانيًا”(ص،24). وتفنّد رأيه حينما تتحدث عن لغة الصُمّ والبُكم، والبانتومايم، وشيفرات الطريق، ولغة الألوان والأزياء وتُعدّها جميعًا أبلغ من الكلام المنطوق.

الوقوع في فخّ المبالغة

قبل أن تلج الباحثة إلى بابيّ الرسالة وفصولها الخمسة تتحدث بإسهاب عن الكاتب والروائي شريف حتاتة والمخرج والمنظّر أندريه تاركوفسكي. ما يهمنا في هذه المراجعة النقدية أنّ شريف حتاتة وُلِد في 13 سبتمبر 1923 في حيّ “ستوك نيوينغتون”، شمالي لندن. وحينما عاد إلى القاهرة ضحّى بمهنته ومستقبله الطبي من أجل أن يصبح ثوريًا وهو في ذروة شبابه. دخل السجن من أجل مبادئه اليسارية وأمضى فيه قرابة 15 سنة. أنجز حتاتة خلال مشواره الأدبي الطويل 9 روايات من بينها “العين ذات الجفن المعدني، الشبكة، نبض الاشياء الضائعة، عطر البرتقال الأخضر، ابنة القومندان”، وسيرة ذاتية بثلاثة أجزاء تحمل عنوان “النوافذ المفتوحة”، إضافة إلى كتاباته الأخرى. وعلى الرغم من أهمية حتاتة الأدبية إلاّ أنّ الباحثة قد بالغت في إطرائه حينما وصفت رواية “الشبكة” بأنها “أهمّ ما كُتب في الأدب العربي والعالمي” وأنّ “النوافذ المفتوحة” هي “أجرأ وأجمل ما كتب في تاريخ السير الذاتية . . . خلال عقد التسعينات من القرن العشرين”(ص،38) من دون أن تقدّم الحجج والأسانيد التي تبرهن على هذه المنزلة الأدبية الرفيعة. وبالمقابل تحدثت الباحثة عن المخرج تاركوفسكي المولود في 4 أبريل 1932 في شمال شرقي موسكو. درس الموسيقى والرسم لكنه سرعان ما تخلى عنهما لمصلحة الفن السابع حيث أنجز 7 أفلام روائية وهي “طفولة إيفان، أندريه روبليوف، سولاريس، مرآة، ستالكر، حنين، وقربان” إضافة إلى فيلم التخرّج “القتلة”. وإذا كان حتاتة قد دخل السجن فإن تاركوفسكي قد تسممت حياته بالمعنى المجازي، إذ تركوه بلا عمل، ومنعوه من الحصول على أي جائزة في مهرجان “كان” أو غيره من المحافل السينمائية.

النحت في الزمن

تمهّد الباحثة في الباب الأول الذي عنوّنتهُ بـ “الزمن” لتتحدث عن أنواع الأزمنة وهي “الزمن الموضوعي، والنفسي، والذهني، والآلي”. كما أشارت إلى آينشتاين الذي “توصل أولاً إلى أنّ الزمن هو البُعد الرابع، الذي يتحد اتحادًا لا انفصام فيه مع أبعاد المكان الثلاثة الطول، والعرض، والارتفاع”(ص،66). وقد انتهت الباحثة إلى ما تسمّيه بـ “الزمن المطبوع” عند تاركوفسكي و “الزمن المُتخيَّل” عند حتاتة.

تدرس أمل الجمل في الفصل الأول “النحت في الزمن عند تاركوفسكي” وتؤكد بأنّ الزمن السينمائي هو زمنان: زمن الحكاية؛ وزمن الشريط السينمائي. وترى بأنّ زمن الحكايات في السينما لا يخضع فيها لهذه الحتميّة “الخطيّة” التي يسير فيها الزمن الواقعي بخط مستقيم من دون تعرّجات أو التواءات في مساره. كما تُبيّن الباحثة بأنّ الناس لا يذهبون إلى السينما من أجل الترفيه، وتزجية الوقت فقط وإنما لتكثيف تجاربهم الشخصية، ومعرفة العالم وفهمه بشكل عميق. لا تطلق أمل الجمل على الزمن السينمائي بالزمن الواقعي وإنما الزمن المرئي أو الزمن المطبوع، وهذه واحدة من أفكارها المُجترَحة أيضًا.

غابة لا نهائية من المشاعر

تتعمّق الباحثة في دراسة ثلاثة أفلام بالتفصيل وهي “طفولة إيفان” 1962 ومدته الزمنية أربعة أيام لكن تاركوفسكي صنع منه مشهد يوم كامل بـ 3 دقائق و 18 ثانية فقط على الشريط السينمائي مستعملاً الضغط والتكثيف والاختزال.

كما توقفت الباحثة عند “مرآة”، الفيلم الذي حيّر الكثيرين فهو سيرة ذاتية للمخرج نفسه، وأكثر أفلامه تعقيدًا لما ينطوي عليه من تكنيك سردي عويص يستدعي من المُشاهد اليقظة والانتباه للإمساك بجوهر الفيلم الذي يدور في غابة لا نهائية من الأفكار والمشاعر والأحاسيس.

وهذا الأمر ينسحب على فيلم “أندريه روبليوف” الذي رصد فيه شخصية رسّام الأيقونات العبقري “روبليوف” التي لم يخنها تاركوفسكي أبدًا. ورغم أنّ مدة الفيلم 2,54 دقيقة لكنه يتناول 23 عامًا من حياة هذا الرسّام المبدع. تخلص أمل الجمل إلى أنّ الأفلام الثلاثة تتشابه في مزج الزمن التاريخي بالزمن الوجودي. وثمة إطلالات سريعة على أفلام ستالكر، وسولاريس، والقتلة” تؤكد فيه الباحثة صحة ما قاله توركوفسكي بأنّ الفيلم ما هو إلاّ نحت في الزمن مثله مثل الصوت في الموسيقى، واللون في الرسم، والشخصية في الدراما. تُرى، هل يمتلك أسلوب حتاتة تلك الخاصية، وهل يمكن الإمساك بها في ثنايا نصوصه الروائية؟

تتناول أمل الجمل في الفصل الثاني “النحت في الزمن في كتابات شريف حتاتة” ومثلما لا يُقدّم تاركوفسكي زمن الحكاية في أفلامه بخط كرونولوجي مستقيم كذلك يفعل حتاتة في رواياته وسيرته الذاتية حيث يجمع بين الماضي والحاضر بواسطة تقنيتي الاسترجاع والاستباق وينجح في بناء زمن متكسر كما في روايتي “الشبكة” و “عطر البرتقال الأخضر”. وتُشيد الباحثة بأسلوب حتاتة المطواع، ولغته السهلة، السلسة، وعذوبة تراكيبه الوصفية، وجمالية وقعها الموسيقي الذي يخلق حالة شعورية مكثّفة. تنتبه الباحثة إلى غياب الأب في سيرة حتاتة مقارنة بغياب الأب في فيلم “مرآة”. ثم تمضي في دراسة تمديد الزمن وتتخذ من مشهد اغتصاب الفلاحة الشابة أنموذجًا لهذا التمديد الذي يستعمل فيه الروائي لقطات مقرّبة عديدة. أمّا ضغط الزمن فيتجسّد في “ابنة القومندان” وهو أصعب من تمديد الزمن لأنه يعني الاختزال والحذف والتكثيف الذي يشدّ الإيقاع، ويترك أثرًا نفسيًا لدى المتلقّي. ثم تمضي الباحثة في دراسة “نحت الشخصيات، والتفاصيل عبر الزمن”، ثم تتوقف أخيرًا عند “الزمن في الروابط الشعرية” على اعتبار أنّ الشاعر يفكّر بواسطة الصور، ويعبِّر من خلالها عن رؤيته للعالم. تركز الباحثة على توظيف رمزية المطر في رواية “الشبكة” وهيمنته في معظم أفلام تاركوفسكي. وتخلص إلى القول بأنّ كلا المُبدِعين يستعملان تقنية النحت في الزمن لكن الفارق الوحيد بينهما أن السينما تعتمد على النحت في الزمن المرئي أو المطبوع، بينما تعتمد روايات حتاتة على الزمن المُتخيَّل.

التشكيل الحركي

تتناول الباحثة في الباب الثاني المُؤلَّف من ثلاثة فصول العناصر السينمائية حيث تقف عند مصطلح الميزانسين أو “التشكيل الحركي” الذي يشمل الديكور والأزياء وسلوك الشخصيات داخل الكادر. ثم تمضي إلى التفريق بين أسلوب تاركوفسكي السينمائي الذي يركِّز على  اللقطات الواسعة الممتدة زمنيًا التي تحتوي على كثير من التفاصيل والشخوص بينما يعتمد حتاتة على اللقطات القصيرة والمتوسطة الطول بسبب ولعه بسرد التفاصيل. وتتوصل في النهاية إلى أنّ أحد الفروق الجوهرية للأسلوب السردي بين الرواية والسينما أنّ السرد الروائي لا يمتلك خاصية تحريك الكادر بنفس القوة والمرونة التي يتمتع بها الشريط السينمائي. كما أنّ دخول الشخصيات إلى الكادر يتكرر كثيرًا عند تاركوفسكي وينعدم عند حتاتة، وهذا فرق جوهري آخر بين السينما والرواية.

تُكرّس الباحثة الفصل الثاني للموسيقى والمؤثرات الصوتية وتُعِّدُ الموسيقى عنصرًا أساسيًا من عناصر الصورة البصرية التي تولّد شحنة انفعالية في عالم الشخصيات. والغريب أن تاركوفسكي لا يقرّ بأهمية الموسيقى في الأفلام مع أن جميع أفلامه حافلة بالموسيقى باستثناء فيلم “القتلة” 1956. ولو تأملنا مشهد إعدام إيفان لوجدنا أنّ الموسيقى تقوم بما هو أكثر من تكثيف الانطباع بالصورة البصرية. أما في روايات حتاتة فإن كريمة ابنة القومندان هي عازفة كمان، وسحر العمري في “عطر البرتقال الأخضر” هي عازفة عود. كما يُعنى الاثنان بالمؤثرات الصوتية لقدرتها على تحديد الزمان، وهي علامة أيقونية وإشارية ورمزية تمنح النص البصري أو المتخيل مزيدًا من الثراء الجمالي والدلالي على حدّ قول الباحثة.

يتمحور الفصل الثالث والأخير على مصطلحي المونتاج والإيقاع، وإذا كان الإيقاع وليس المونتاج هو العنصر المكوّن الرئيسي للسينما كما يذهب تاركوفسكي فهل يعني هذا أنّ الشعر والرواية والمسرح يخلو من الإيقاع؟ تتأسس غالبية كتابات حتاتة على النقلات المونتاجية التي تتراوح ما بين القطع السلس والحادّ، وأحيانًا يلجأ إلى الإعتام التدريجي أو الخروج المتواني من الظلام كما ترى أمل الجمل.

تخلص الباحثة إلى القول بأنّ الإيقاع في السينما هو “تطوّر نمو الفكرة في الفيلم”وأنّ الإيقاع عند حتاتة “محسوس عبر الزمن الدائر في الصور المتخيلة، بينما الإيقاع عند تاركوفسكي محسوس عبر الزمن الدائر في الصور المرئية”(ص،359). كتاب “اللغة السينمائية في الأدب” لا غنى عنه للمتخصص أو القارئ العادي، لمحبّي السينما وللشغوفين بالأدب.

 

 
     
  *نشر في رأي اليوم اللندنية بتاريخ 03 يناير 2021  
     
 

سينماتك في

04.01.2021

 
     
     
     
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004