يوخنا دانيال

 
سيرةكــتـــابـــةبانوراما الأفلام
 
 
 

كـــتـــابة

 
 

سيد الخواتم

على شاشات التلفزيون

 
 

عرضت قناة  One TV الاماراتية وعلى مدى ثلاثة أسابيع متتالية، سلسلة أفلام "سيد الخواتم" بأجزائها الثلاثة؛ ونقصد أفلام : "أتباع الخاتم" و"البرجان" و "عودة الملك"، محققة بذلك سبقاً مهماً بين المحطات التلفزيونية المختلفة. وبالرغم من توفر نسخ من هذه الأفلام على أقراص VCD أو DVD في الأسواق المحلية في العراق وغيره من البلدان العربية .... إلا أنها ليست بالجودة المطلوبة صورةً وصوتاً، كما لا تتوفر لها الترجمة العربية الجيدة. هذه المشاكل التي تمنع المشاهدين من الاستمتاع التام بهذه الأفلام، والإمساك بتفاصيلها السردية والبصرية المذهلة ... تغلّبت عليها كلياً عروض قناة One TV في خدمتها الرائعة للمشاهدين، وخصوصا ان عرض الأفلام كان يسبقه أفلام وبرامج إخبارية ووثائقية عن كيفية صناعة الأجزاء الثلاثة، ولقاءات مع الفنانين والفنيين المساهمين في هذا العمل الرائع. نتمنى على القناة ان تقوم مستقبلاً  بعرض ثلاثية أفلام "الـ ماتريكس" للمشاهدين في العالم العربي،  لما تحمل من قيمة ومتعة فكرية وبصرية ومغامرات مذهلة، في أجواء وبيئات حداثوية مختلفة تماما عن سلسلة سيد الخواتم.

وفيما يلي مقدمة عن الفنتازيا او عنصر الفنتاستيك في الأدب والفن، واستعراض سريع لأفلام سيد الخواتم والروايات التي أخذت منها  هذه الأفلام، وتأثيرها في المنتج الثقافي والفني الشعبي  Pop Culture في السينما والتلفزيون وألعاب الفديو منذ حقبة الستينيات في القرن الماضي ... مما يشكل دليلا بسيطا للقاريء عن كل ما يحتاج الى معرفته عن سيد الخواتم روايةً وأفلاماً.   

الحكاية الفنتازية

يُعرِّف (فرويد) الأدب الفنتازي او الفنتاستيكي بأنه :"الحميمي الذي يعلو على السطح ويُقلق". فهو رؤية مغايرة للأشياء، لا يمكن أن تتركنا في نفس الحالة التي كُنا عليها قبل أن نقرأه. وعلى قول الأستاذ (محمد برادة) فان الفنتاستيك؛ يحطِّم الرؤية التبسيطية الفاصلة بين الواقع واللاواقع، بين المرئي واللامرئي. وبهذا تكون الكتابة المتشبِّعة بروح الفنتاستيك مغامرةً واستجلاءً للبقايا والهوامش والمُقصّى من كينونتنا المحاصَرة بضغط القوانين والمحرّمات وشتى أنواع الرقابة. وحسب (تزفيتان تودورف)، فانّ العجائبي او الفنتاستيك يُفضي الى التردُّد الذي يحسُّه كائن لا يعرف غير القوانين الطبيعية، فيما هو يواجه حدثاً فوق طبيعي حسب الظاهر. فهناك الواقعي والمتخيَّل معاً. وهناك زمن التردُّد المرتبط بزمن القراءة (الحاضر)، حيث يتماهى القارئ مع شخصية (متردِّدة) في العمل، او يتماهى مع العمل ككل، عندما يُقرأ النص حرفياً، واقعياً، بإقصاء التأويل المجازي والتأويل الشعري. وإن كان القرن العشرين قد شهد دخول (الفنتاستيك) الى الادب الحديث، فأصبح القاعدة وليس الاستثناء، إذ كُسِرَ التمايز بين الواقع واللاواقع – دائماً – على أيدي كتّاب مثل كافكا، فان تودوروف يعتبر هذه الكتابات (الكافكاوية) مغايرة كلياً للجنس او النوع الفنتاستيكي الذي ساد في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر او في قصص وأساطير الشعوب، ومن ضمنها (الليالي العربية). نسوق هذه المقدمة البسيطة عن الأدب العجائبي كمدخل للتعريف بالكاتب البريطاني (جَيْ. آر. آر. تولكين) وثلاثيته المعروفة باسم (سيد الخواتم) باعتبارها نموذجاً مثالياً للأدب العجائبي الحديث. انّ ما أثار الانتباه راهناً الى هذا العمل والى الكاتب، هو تحويل العمل الأدبي الى السينما بنجاح غير مسبوق على مختلف الأصعدة والمستويات. فإلى جانب مداخيل تجاوزت المليار دولار في شباك التذاكر الأمريكي وحول العالم، حصلت سلسلة الأفلام هذه على ما يقارب 20 من جوائز الأوسكار خلال الأعوام  2002، 2003، و2004. كما اصبح اسم الكاتب تولكين وعالمه الفنتازي المتخيَّل، على واجهة مختلف وسائط الميديا في العالم.  إنّ النجاح الساحق لسلاسل أفلام مثل "حرب النجوم" و"هاري بوتر" و"سيد الخواتم"، يُثبت أنّ هناك حاجة عميقة للفنتازيا في أذهان وقلوب الجماهير التي قد لا تستطيع قراءة هذه الأعمال لمختلف الأسباب، ولكنها بالتأكيد تستطيع مشاهدتها والتمتع بها وبعوالمها (الغريبة المُقلِقة).

الكاتب الفنتازي المعاصر

والكاتب تولكين من مواليد 1892، شارك في الحرب العالمية الأولى، وفقد الكثير من أصدقائه، تزوج في السادسة عشر من حبيبة عمره (إيديث) وتخصص في علم اللغة (الفيلولوجيا) وتاريخ الأدب واللغات الشمالية. ويوصف بأنه كان إنساناً هادئاً، مؤدباً، مهتماً بالروتين والتكرار، كاثوليكياً ملتزماً، بروفسوراً نموذجياً لمدة 34 عاما، يدخن الغليون ويقود دراجة هوائية في أوكسفورد. وحتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يمتلك سيارة، ولم يزر أمريكا مطلقاً. ويُقال انّه اندمج تماماً في الحياة اليومية الاعتيادية المحافظة. ولكن، كان هناك حُبّان متقدان في حياته؛ إيديث والكلمات!. وقد كرّس كل حياته فعلياً لهما. ويقول تولكين في مذكراته: "العديد من الأطفال يبتدعون لغات خيالية. وأنا كنتُ منغمساً في هذا منذ إن تعلمتُ او استطعتُ الكتابة". فالكلمات هي التي قادته الى محراب العلم. والكلمات نفسها أخذته الى معبد الخيال. فقد كان مسحوراً بالأساطير والملاحم القديمة للشعوب الاسكندنافية والأيسلندية والفنلندية والجرمانية Teutonic. وفي عمله اللغوي اندفع لبناء او خلق لغات جديدة، وهذا ما اضطره لاحقاً لخلق تأريخ لهذه اللغات. وعلى قول أحد تلاميذه، انّ تولكين اندفع لكتابة ما يشبه (سفر تكوين) شخصي : اللغات تقود الى الأسماء، الأسماء إلى الأماكن، والأماكن الى كوسمولوجيا هائلة – خرائط، تواريخ، قصص حروب، شجرات أنساب، أبجديات قديمة، مدن وحضارات مندثرة، أجناس او أنواع species منسيّة. لقد أدرك أنه لن تكون هناك لغات ما لم نعرف من يتحدّث بها، ومن يتحدّث بهذه اللغات يجب أن يعيش في عالم تصفه هذه اللغات. وفي صيف عام 1930، كان أول انبثاق لمجرة تولكين السحرية المغلقة. وعلى ورقة فارغة كتب أول جملة :"في حفرة في الأرض هناك عاش Hobbit (قزم أشعر القدمين)". لقد كتب تولكين كتابه (The Hobbit) لأطفاله أساساً. ولكن الكتاب وجد طريقه للنشر بمحض الصدفة. وبناءً على نصيحة صبي في العاشرة طُبع الكتاب ونُشر في عام 1937. والكتاب يحكي قصة القزم (بيلبوباغنز) ومغامراته الطريفة. وبسبب نجاح الكتاب ألحّ الناشرون في طلب أجزاء وقصص أخرى لاحقة، لكن بطء تولكين في العمل، ورغبته في الوصول الى الكمال، حيث كان يصقل نتاجاته بشكل دائم، أصاب الناشرين باليأس. فالأطفال الذين استمتعوا بمغامرات (بيلبوباغنز) لم يعودوا أطفالاً، كما إن الأزمنة تغيرت عندما أخبر تولكين الناشرين (أللين وأنوين): "بأن العمل قد فلت من سيطرته"، في مطلع الخمسينات من القرن العشرين.

الأرض- الوسطى

قضى تولكين 12 عاماً او أكثر في تشييد عالمه الروائي المسمى (الأرض-الوسطى Middle-Earth)، مهتماً بتفاصيل كل منخفض، كل مرتفع، كل غابة، كل نهر، كما لو كان يبني قصراً او كاتدرائية عالية. كتب أغاني وتراتيل تشبه التراتيل الغريغورية للأباء البنديكتان، لكنها ليست باللاتينية او بأي لغة اخرى معروفة، إنها بلغة الإيلفز او ما يسمى Elvish، وهؤلاء أقوام مُتخيَّلة تتميز بقواها السحرية وآذانها المدبّبة elves، وهناك مقاطع كلامية طويلة بهذه اللغة (المتخيَّلة) في العمل. لقد انتفخت رؤياه عن الأرض-الوسطى الى حجوم هائلة. ولم يعرف تولكين ماذا يفعل بعمله العملاقي الضخم، إذ يقول: "لقد أنتجت وحشاً؛ حكاية رومانسية طويلة جداً، معقدّة، مُرّة، مخيفة، غير ملائمة تماماً للأطفال …". وفي النهاية فانّ القصة الأسطورية الثقيلة تجزّأت إلى ثلاثة أقسام. وقد نُظر اليها منذ البداية كعمل فني خالص، نخبوي. وعلى حد قول الشاعر أودن "يبدو أنّ لا أحد لديه رؤية معتدلة او متوسطة لهذا العمل؛ فأمّا هم مثلي، يعتبرون (سيد الخواتم) قطعة أدبية نادرة، او لا يحتملونه بشكل مطلق". وبين عامي 1954 – 1965 لم تتجاوز مبيعات النسخة المحترمة (Hard cover) في امريكا حاجز الـ 15000 نسخة. لكنّ دار نشر Ace Books قررت السطو على الكتاب وإصداره في طبعة شعبية (Paper back) في اواسط الستينات بالنظر لتزايد الاهتمام بمواضيع الخيال العلمي والفنتازي. لقد كان وقت إزداد فيه الاهتمام بالماورائيات وعقارات الهلوسة وحركات الهيبيز والبحث عن عوالم اخرى بعيداً عن حروب فيتنام وطابع الحياة الرأسمالية الحديثة. وبالطبع، فان الكاتب شنّ حرباً شعواء على دار النشر هذه، وأحدث جلبة إعلامية كبيرة ساعدت في ترويج الكتاب وإدخاله الى الثقافة الشعبية والتيار العام. وقد قامت دار نشر Ballantine بإصدار الطبعة الشعبية الموقعة من الكاتب، وقد لاقت رواجاً خيالياً. لقد تجاوز عدد النسخ المُباعة من ثلاثية (سيد الخواتم) المائة مليون نسخة في مختلف اللغات. وحسب مجلة (فوربس)، في إحصائية عن ثروات المشاهير الذين غادرونا؛ فإن (تولكين) أغنى حتى من (فرانك سيناترا).

وهكذا اصبح الكتاب والكاتب معروفين جداً. وبعد وفاة الكاتب في عام 1973 ظهر العديد من الدارسين والمولعين بالكتاب وبعوالمه الخاصة التي استوحيت في السينما والموسيقى والرسم وأفلام الكارتون والكوميكس والعاب الفيديو لاحقاً. وبطريقةٍ ما، كان عمل تولكين أساساً لنتاجات فانتازية مهمة من امثال المسلسل Star trek، ومسلسل أفلام حرب النجوم، والعاب الفيديو Final Fantasy من الشرق الاقصى وغيرها. لقد إنغمس تولكين في عالمه تماماً، وأخذه بجدية عالية وملأه بالعواطف الرومانسية التي تختلط بالصراع بين الخير والشر. وفي الكتاب تُحكى حكاية عن أميرة من الايلفز اسمها (لوثيين) تتخلّى عن خلودها بسبب الحب، لتتزوج إنساناً عادياً اسمه (بيرين). إن حكاية لوثيين وبيرين هي محل التقاء كل ما وهب تولكين عمره له – زوجته والكلمات. وعندما ماتت زوجته قبله بسنتين، خطط لشاهد قبر يضمه وزوجته، وقد نقش تحت اسميهما اسمي لوثيين وبيرين. وبالنسبة له، ولمحبيه وقارئي أدبه، فانّ كلمتي لوثيين وبيرين تختصر مئات الكلمات والعديد من الأفكار عن قصة الحب العظيمة بين تولكين وزوجته. وبمعنى من المعاني، فانّ (الأرض-الوسطى) او ثلاثية (سيد الخواتم) لم تكن فانتازيا، بالنسبة للكاتب وقراءه، بل أكثر واقعية من الواقع.

المخرج بيتر جاكسون

لم يكن من السهل أبداً، نقل ثلاثية (سيد الخواتم) الى السينما. لقد استدعى الأمر الكثير من الإعداد والتخطيط والتفكير. لقد قامت شركة New Line المُنتجة بمناقشة الموضوع عبر شبكة الإنترنت مع دارسي أدب (تولكين) وكبار المعجبين بأعماله من أجل ان ترى الثلاثية النور على شاشات السينما. وأحد هؤلاء المعجبين الكبار، هو المخرج النيوزيلندي (بيتر جاكسون) مخرج أفلام مثل (ذوق سيئ، المخيفون، كائنات سماوية) وغيرها. ومنذ سنوات كان جاكسون يفكر بشكل عملي في ثلاثية (سيد الخواتم) وكيفية تحويلها الى السينما. ولأن عمل تولكين هو كلٌّ متكامل، تجزأ الى ثلاثة أقسام لأسباب تتعلق بحجم العمل أولآً وأخيراً، فانّ المخرج قرر إن يحوِّل (الثلاثية) الى السينما في نفس الوقت، بتوظيف نفس طاقم الممثلين والفنيين وباستخدام نفس الديكورات والمواقع لإضفاء طابع الوحدة والتجانس على العمل، ثم يُقطَّع الفلم الى ثلاثة أقسام او ثلاثة أفلام تُعرض على مدى ثلاث سنوات 2001، 2002، 2003. وقد حاول المخرج إن يشحن فلمه – او أفلامه – بأكبر قدر ممكن من رؤى تولكين وروحه. وفي نفس الوقت كان على الفلم أن يحمل العمق والنوعية التي تتميز بها الأعمال السينمائية المأخوذة من آثار أدبية. وقد اُختيرت إحدى الجزر الجميلة في نيوزيلندة لتكون مسرحاً للأحداث وتجسيد عالم (الأرض-الوسطى) التي تجري فيها أحداث ثلاثية سيد الخواتم. وقد استغرق التصوير حوالي خمسة عشر شهراً، حيث أُحتجز الممثلين والفنيين معاً لأوقات طويلة في هذه الجزيرة النيوزيلندية. لقد كان من الطبيعي أن تتصاعد تكاليف الإنتاج وهو بهذه الضخامة والحجم، حيث تجاوزت تكاليف العمل من 270 مليون دولار، لذا تضامنت جهات أخرى مع شركة New Line في تسويق الفلم وتوزيعه وحملات الدعاية، مثل شركة (Burger King) للوجبات السريعة، وكذلك العملاق الإلكتروني (JVC electronics). ويبقى الفضل (الإبداعي) الأكبر في رؤية الفلم النور، للمخرج جاكسون؛ الذي ساهم أيضاً في كتابة النص السينمائي والتصوير واختيار المواقع وتصميم المؤثرات والخدع. ويقول الممثلون عنه؛ انّه كان بمثابة شارح او مفسِّر للعمل، مدركاً للدقائق والتفاصيل المختلفة. ولأن الجميع كانوا يعملون – فعلياً – في ثلاثة أفلام ضخمة، فقد كان من الصعب على الممثلين متابعة التصوير وكيفية نقل الأحداث الى الشاشة. لقد وصل جو الغموض والتساؤلات الى الصحافة والإعلام عن حقيقة ما يجري في نيوزيلندا، لذلك استغل المخرج والشركة المنتجة مهرجان (كان) أواسط عام 2001 للقيام بحملة إعلامية مركزة تضمنت فلماً تمهيدياً Preview  بطول 25 دقيقة تقريباً. وعند ذاك أدرك النقّاد والمشاهدون انهم أمام عمل كبير سيكون مفاجأة على المستوى الفني والجماهيري.

القصة السينمائية

وبقدر أهمية الأجواء والمواقع في حكاية (سيد الخواتم)، فان التمثيل والأداء لا يقل أهمية، لأن العمل يقوم أساساً على الصراع بين الشخصيات المختلفة وتطورها. في الحلقة الاولى من العمل المسمّاة (أتباع الخاتم)، كان على المخرج إن يبني هذا العالم العجائبي الغارق في حقبة تاريخية منسية، كما كان عليه إن يبدأ الحكاية ويرسم معالم شخصياتها وأبطالها، ليكملها لاحقا في الحلقتين التاليتين ( البرجان ) و( عودة الملك ). والقصة ببساطة تتحدث عن محاولة ساحر كبير (غاندالف) إعادة خاتم ذهبي قديم تتركز فيه كل قوى الشر والظلام … الى محل صياغته قرب جبل بركاني بعيد والتخلّص منه في نيران تلك البراكين. لكنّ الخاتم يحاول التحكّم او السيطرة على كل من يحمله من سحرة وملوك وأبطال وأقزام. ولأن غاندالف يخاف شخصياً من قوى الخاتم، التي ستتضاعف بانبعاث صائغه الملك الشرير (سيد الظلمات)، يقرّر تسليم الخاتم الى القزم الأشعر Hobbit (فرودو باغنز) الطيب القلب، الضعيف البنية والقدرات، الاّ انه الشخص الوحيد الذي ينجح في مقاومة إغراءات وضغوطات الخاتم – يسوع الأرض الوسطى الأسطورية. ويتطوّع ثلاثة من أصدقائه الـ Hobbits لمرافقته في مهمته، ثم ينضم الى فريقهم اثنان من الأبطال البشريين، وقزم جبّار، وكائن سحري من الايلفز Elves من ذوي الآذان المستدِّقة. وتعبر المجموعة أراضي ومواقع مختلفة وممالك سحرية لكي يوصلوا بطلهم الضعيف، الرقيق، في الوقت المناسب الى مملكة الشر او الجبل البركاني الذي صُيغَ الخاتم فيه منذ عقود. وفي طريقها او بحثها quest، تلتقي المجموعة بسحرة وملوك وتخوض معارك وتكشف أسراراً وعوالمَ خفية في أجواء غريبة، مُقلقة، كما يتعرّض معظم افراد الجماعة الى إغراءات الخاتم وتجاربه. انّ روح البحث والاكتشاف في الفلم أهم من المغامرات والمعارك، فالأخيرة مُكمِّلة (للمهمة) التي أخذها أتباع الخاتم على عاتقهم؛ انها مهمة خلاصيّة، ملِّحة، من أجل حماية هذه الأرض-الوسطى، من نهوض وانبعاث قوى الشر والظلام. وتقريباً تجتمع كل الكائنات والأجناس المختلفة من اجل إنجاح هذه المهمة (المقدّسة). تفاصيل كثيرة، وحكايات غريبة ومغامرات، تتداخل مع بعضها البعض، في قالب أسطوري وأخلاقي على مدى ساعات من العمل السينمائي المذهل والمتقن على كل المستويات.

الممثلون والشخصيات

لكن كيف يتوصل المخرج الى إقناع مشاهديه، او بالأحرى كيف ينقل أجواء الغرابة المُقلقة المرتبطة بالعوالم الفنتازية؟ … هل ينجح فعلاً في دمج المشاهدين بالعمل وإدخالهم الى هذا العالم الرومانسي الضخم، المعقّد، المخيف، السوداوي؟ … نعم، وبامتياز! وبشهادة عشاق الرواية وقرّائها الملايين في العالم أجمع، انه ينجح الى الحد الذي يجعل العمل مفهوماً ومهضوماً من قبل كل الناس، حتى من لم يقرءوا العمل او يسمعوا باسم تولكين. وربما سيكون هذا العمل – بأجزائه الثلاثة – من أهم الأفلام الفنتازية في تاريخ السينما العالمية.

ولأن الفلم يدور أساسا  حول الصراع بين الخير والشر القابع خلف شخصيات Personae بعينها؛ شخصيات تمثل أجناساً وأنواعاً مختلفة تتعاون لدحر قوى الظلام، لذا كان تجسيد هذه الشخصيات المركزية من اهم عناصر الفلم، التي تعطيه درجات عالية من الإقناع والمصداقية، بالإضافة للخدع الفنية والمؤثرات الخاصة المطلوبة في مثل هذه الأعمال. في مقدمة الفنانين الكبار في الفلم، الممثل البريطاني (ايان ماكيلّين) الذي يلعب دور الساحر (غاندالف الرمادي) قائد مجموعة اتباع الخاتم. ونقيض غاندالف، هناك الساحر (سارومان الأبيض) الذي يتحالف مع ملك الظلمات ويهيئ لمجيئه، ويلعب الدور الممثل البريطاني المخضرم (كريستوفرلي) بطل أفلام الرعب الشهيرة. إنّ مجرد مشاهدتهما بلحاهما الطويلة وملامح شخصيتيهما الحكيمة، وأداءهما (الكلاسيكي) المذهل … يُرجعنا آلاف السنين، الى حقبة نائمة في اللاوعي البشري. إنّ سحرهما ومعاركهما واختلاف موقفيهما، يبعث فينا شعوراً بالخوف والقلق … حتى لتًصبح أيام العالم الفنتازي الذي نعيشه معدودة نتيجة لميل سارومان نحو معسكر الأشرار الغامض. وبجانب هذين العملاقين، هناك الممثل الشاب (ايليجا وود) بوسامته البريئة، ورقته، ومرحه الطفولي الذي يصبُه في دور القزم المرح (فرودو باغنز) حامل الخاتم الشرير بكل حزم، والذي لا يدري ماذا تخبئ له الأقدار. ومن بين العشرات من الممثلين اُختير (وود) لأداء الدور المركزي في الفلم، وبرهن بأدائه وفهمه للدور انّه لا يقل حضوراً عن الساحرين (ماكيلّين) و (لي). وبالطبع هناك البطل الإنساني (اراغورن) الذي يلعب دوره الممثل (فيغو مورتينسون)، ورامي السهام المتفوّق ليغولاس من الإيلفز (الممثل أورلاندو بلوم)، وملك الأقزام غيملي (الممثل جون ريس – دافيس) ... وآخرين يشكِّلون مجموعة اتباع الخاتم. ومن الجنس الآخر، هناك الممثلتان الرائعتان (ليف تايلر) التي تلعب دور جنية من الايلفز اسمها (أروين) تقع في حب اراغورن وتنقذ (فرودو) من زبانية الأشرار، واخيراً الممثلة (كيت بلانشيت) التي تلعب دور ملكة الايلفز؛ الساحرة (غالادرييل) التي تستقبل اتباع الخاتم في المرحلة الأخيرة من رحلتهم، وتكشف للبطل (فرودو) مصير الأرض-الوسطى إذ فشل في إنجاز مهمته.

الحكاية الفنتازية في السينما

والحقيقة التي يجب إن تُقال، انّ معظم الأفلام الفنتازية تعاني من مشاكل عديدة، تؤدي في النهاية الى انفصال المشاهدين عنها وقت المشاهدة، أي انها لا تحقِّق ما يسعى اليه عنصر الفنتاستيك، ونقصد الغرابة والتردّد والقلق الراهنْ. ومن أهم الأفلام الفنتازية التي حققت شروطها ومتطلباتها في رأي النقاد هي؛ فلم (ايكسكاليبور Excalibur) للمخرج البريطاني (جون بورمان) عام 1981، الذي أدخلنا كلياً الى حكاية الملك آرثر والساحر (مرلين) وأساطير الأرض الخراب والبحث عن الكأس المقدسة، الأثيرة على قلوب محبي الشعر والفكر الأسطوري. إن أجواء السحر والحزن والكوارث والمآسي التي تسود الفلم تصيب المشاهدين بالصدمة، بفضل التمثيل المتفوق لطاقم الممثلين ورؤيا المخرج الكارثية. وعلى العكس من هذه الرؤيا الكارثية، فان فلم المخرج روب راينر (الأميرة العروس) عام 1987، يحفل بالمواقف الطريفة الساخرة في جو من المغامرات الفنتازية وقصص الحب الرومانسية، التي يسردها جدٌّ معاصر لحفيده الصغير. وهكذا فان الفلم يوجِّه رسائلاً للصغار والكبار، وبفضل المغامرات والمفاجآت التي تملأ الفلم، فانه ينجح في نقل المشاهدين الى عالم فنتازي، خفيف الظل، متوازن الى حدٍ ما. وأمام هذا الانحسار الفنتازي في السينما، او اختلاط (الجنس) الفنتاستيكي بالخيال العلمي والمغامرات، فانّ المصدر الأهم للحكايات والمغامرات الفنتازية المرئية يقتصر على العاب الفيديو القصصية المسماة RPG (Role Playing Game) من أمثال سلاسل العاب Final Fantasy، Ocean Star، Fantasy Star وغيرها. وبفضل اهتمام صنّاعها بالسرد والحكي وبناء الشخصيات، وإطلاق العنان للخيالات الأسطورية والآلهة التقليدية، فان هذه الألعاب تنقل الى المشاهدين – او اللاعبين – تجربة فنتازية ملحمية طويلة. وعندما حاول صنّاع لعبة Final Fantasy الانتقال الى السينما وصنع فلم فنتازي (الأرواح الداخلية) لاقوا فشلاً ذريعاً، لأن الفلم خرج من الفنتازيا وسقط في فخ الخيال العلمي والأكشن والمحاضرات الفلسفية (الخاصة). وأمام كل هذا، تبدو تجربة بيتر جاكسون في فلم سيد الخواتم هي الانجح والأبرز والأكثر جدية وإقناعاً، في تصوير الأجواء والعوالم والشخصيات الفنتازية وتحويلها الى واقع راهن، مُقلق، خطر، يتعلق مصيرنا – ومصير العالم بأكمله – بمصير أبطال الفنتازيا. وهكذا تصبح المغامرة الفنتازية رسالة او مغامرة (خلاصيّة) للإنسانية.

سينماتك/ خاص في

20.11.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)