العشق شفاعة ونعمة، وللرغبة جبروت. مَنْ يقع في الغرام
عليه أن يضبط شعائره الجنسية وفق ثنائية مُحرَّم غليظ
وشياطينه، ومقابله من نشوة حُرّة بشبقيتها ولذاتها.
هذه الثنائية، موضع خصام عقائدي وإجتماعي وأخلاقي
وعُرفي أزليّ، بيد أن تلك الشعائر، في نهاية المطاف،
قانون فطريّ وإنسانيّ لا مراء فيه أو راد له. هي في
صلب أجسادنا وشهواتنا، ونزعاتنا الى البقاء ونثر
خِلْفَتنا وتثبيت سلالاتنا وذُرّيَّاتنا.
وعت التونسية ليلى بوزيد هذه الثنائية بفطنة فوضعتها
في عنوان شريطها الروائي الثاني "حكاية حب ورغبة"،
الذي عُرض في ختام برنامج "أسبوع النقّاد"، في الدورة
الـ74 (6 ـ 17 يوليو/ تموز 2021) لمهرجان "كانّ"
السينمائي. لكل من طرفيها كيان إستعاري، ذكوري للأول
وأنثوي للثاني. ما يقع بين الشابين أحمد (سامي
عوطالبالي) وفرح (زبيدة بلحاج عمر) حب من أول نظرة،
إلا إنه في سيرورته السينمائية، يتشكَّل كتصوَّر
مفهوميّ الى قطف الهيام وصباباته. الأول، محكوم
بحَيْرَة شخصية في ما يخصّ المحرّم والمذموم وحشمتهما،
هو القاطن مع عائلته الجزائرية المهاجرة في أطراف
باريس. هل قدره بلا ظفر، أم هو تقعيد مُلْزَم لسلوكه؟
. فيما تعيش الشابة الحيوية، كما هو أسمها، بوعي
وحماسة لافتين ضمن حالات مسرَّات، هي الوافدة من تونس
لدراسة الأدب العربي في جامعة السوربون المرموقة،
وتعيش يومها بمفردها من دون حسيب. هل تصرفاتها خطأ أم
خطر؟.
تحاصر أحمد أعراف فضيلة، ورثها عن مجتمع لا يساوم
بشأن حصانتها وتشدُّدها ضد العيب. شاب بطلّة ذكورية
طاغية، غير انه يعاني من وحدته وجبنه وسرّه المخجل.
فهو أسير جغرافية عرقيّة تلوذ بفقهها الإجتماعي الخاص
والمعزول. لن تخشى بوزيد في وضع مقاربتها الشجاعة، وإن
شابها نفس إستشراقي مهادن وإختزاليّ، حول هذه البؤر/
الغيتوات التي تنتج تزمَّتاً وعيشاً هامشياً وشخصيات
عُنفية وفراغاً ثقافياً. تضع بطلها ضمن روتين عمل وضيع
لنقل الأثاث، مع صحبة من حيه، لتمكنه من المقارنة بين
شقق فارهة وماليكها الفرنسيين المتعالين، ونظيراتها في
محيطه وجغرافيته وخليطه الأثني الغارق في مخاوفه
وإنزوائه. هذه المقاطع السريعة والحركية، تبين معضلة
أحمد الذاتية في مسايرة مناسك يومية، تشترط عِفَّة
لسان وإحترام أصول ولياقة عامة والقليل من العزلة.
تُرغم فتوة البطل الى ممارسته "الشائن" من أجل تفريغ
حمولته الجنسية: إنه يستنمي أمام أشرطة بورنوغرافية،
يتابع تأوهاتها على شاشة كمبيوتره المحمول. هذا فعل
سرّي ناجع لعبوره الشُقَّة بين رجولته ومطالبها
الطبيعية، والحجر الأخلاقي وتشدَّده. لاحقا، على هذا
الشاب أن يجد شجاعته في إجتياز إختبار عاطفي حاسم، حين
تتقاطع عيناه مع حُسن الشابة فرح، وهما يتهيأن الى أول
محاضراتهما في الجامعة الباريسية.
*****
تعاود بوزيد تأهيل بطلها برَّويَّة دراميّة، وضمن بناء
بصريّ مُشعّ، قائم في عموم الفيلم على خيار اللقطة
المتوسطة، متجاوزة تنميطه كـ"ضحية أجواء"، وتُنصبه
بدلاً من ذلك كقيمة إعتباريّة مخترقة، تأخذ بتديَّن
لكنها لا تتحدث لغته، تؤمن بكهنوت من دون أن تعرف
نواصيه، تقتدي بسلف مستحكم بالشؤون غير إنها تعيش
يوميات تفرض عليها إنفتاحاً وبرغماتية. ظهور فرح في
حياته هو كسر لسطوة متستَّرة ثنائية الأبعاد. الأولى،
مكانية حين تطلب منه "الحبيبة" تعريفها على المدينة،
وتكشف للمشاهد عار شاب لم يسبق له إختراق عاصمته، ولن
يجد سوى محرك غوغل كي يحدد له مساراته السياحية، بمعنى
أخر ان "أوروبيته" ذات إفتراء. شخص يعيش في بلد متمدن،
ولا يستطيع تحقيق إندماجه بشكل طبيعي ومتوازن.
الثانية، عُرْفه الشخصي الذي يهتزَّ بعنف مع "عجالات"
فرح في قطف ثمار حريتها وحبّها للحياة, ففي زمن القبلة
الأولى، يقول لها بجزع: "ليس علينا التسرع"، فتردّ
بثقة: "إذا كان الأمر جديداً عليك، فلنأخذ وقتاً
إضافياً"، أي أن تردُّد غريزته ليس علته بل ولاءه الى
طهارة مراهقته المتأخرة، ووجله الداخلي من القيام بفعل
خادش، يقوده الى كفر عائلي. |