إذن، الدورة الـ73 هي رهان بقاء جماهيريّ أكثر منه
إستقطاباً لسينمات تملك المال والوجاهات وقوَّة
التنافس، وسيكون من المثير متابعة سوق الأفلام
الأوروبية وصفقاته، والذي رفع هذا العام شعاراً
حماسياً هو "لنجتمع معاً"، على أن تكون سينمات دول
البلقان (أستونيا ولاتفيا وليتوانيا) هي مركز تحيته
الخاصة. يشيّع المدير الجديد لـ "إي أف أم" دينيس روث
في أحاديثه الصحافيّة تفاؤلاً بشأن المشاركات التي
يورد بعض أرقامها الى مجلة "ديدلاين" الأميركية (26
يناير 2023) على النحو التالي: "منذ 23 يناير، حجز 519
عارضاً من 59 دولة منصاتهم مسبقاً، منهم 128 للمرة
الأولى، وسجل 6636 مشاركاً بشكل فردي قدموا من 128
دولة، فيما سجل 1143 أخرون أنفسهم كمشترين. ومن المقرر
تقديم ما مجموعه 691 فيلماً، منها 524 كعروض عالمية
أولى، ستستقبلها شاشات 1000 عرض سينمائي داخل قاعات
السوق، بينما سيكون 442 منها متصلاً بالإنترنت، و307
أخرى متاحة للمشاهدة عبر خدمات الفيديو بالطلب". تبشّر
هذه الأرقام بخير، لكن السؤال يبقى ملحاً: هل ستنتهي
هذه الباقات الى دور العرض أم الى منصات المشاهدة التي
اكتسحت كل شيء، وهدّدت بلا هوادة قوّة الصالات،
و"خطفت" أعداداً تتضاعف يومياً من "مشاهدي البيوت"،
كما هو الحال مع "نيتفلكس" المزهوَّة بـ 231 مليون
مشارك في الكون الإفتراضي!.
******
على صعيد المسابقة الرسميّة، قال تشاتريان إن
اختياراته قامت على سياسة تمزج بين "سينما مخضرمين
أمثال الألمانيّين مارغريت فون تروتا (وفيلمها الجديد
"أنغبور باخمان")، وكريستيان بيتزلود (وجديده "نار" أو
"سماء حمراء")، والفرنسي فيليب غاريل (وأخر أعماله
"المحراث")، والأسترالي رولف دي هير (وشريطه "البقاء
للرأفة")، الى جنب أشرطة من صانعيّ أفلام شباب أو
أفلام أبطالها من الشباب. لقد حاولنا أيضاً أن نكون
انتقائيين قدر الإمكان، حيث دعونا أفلاماً لا تجد
عادةً مكاناً في المسابقات الرسمية مثل الرسوم
المتحركة أو النصّ الوثائقي. السينما هي شكل فنيّ خاص
يعكس حالات مجتمعاتنا، وبعد عامين من الاضطراب اعتقدنا
أنه سيكون من الرائع أن نبدأ من جديد، ونتبنّى
الخطابات التي يمكن أن تقدمها السينما".
فيلما الأنيميشن التي قصدهما هما "سوزومي" (122 د)
للياباني ماكوتو شينكاي، وهو فيلم مغامرات فانتازيا،
يصوّر فتاة في المدرسة الثانوية وشاب غامض يحاولان منع
سلسلة من الكوارث في جميع أنحاء البلاد. أما " كلية
الفنون 1994" (118 د) للصيني ليو جيان، فتجري أحداثه
"في حرم الأكاديمية الصينية الجنوبية للفنون في أوائل
التسعينيات، والذي يضم مجموعة من الطلاب العالقين بين
التقاليد والحداثة، حيث يتشابك الحب والصداقات مع
مساعيهم الفنيّة ومثلهم العليا وطموحاتهم".
وعلى منوال الفيلم الوثائقيّ للألمانية ماريا سبيث
"السيد باخمان وصفه الدراسي" (الدبّ الفضي وجائزة
الجمهور ،2021)، يعرض هذه المرَّة شريط الفرنسي نيكولا
فيليبر "عن أدمانت" (109 د) حول مركز رعاية فريد من
نوعه، مكوَّن من مبنى عائم. يقع على نهر السين في قلب
باريس، ويستقبل البالغين الذين يعانون من اضطرابات
عقليّة، ويقدم لهم الرعاية، ويساعدهم على التّعافي أو
الحفاظ على معنوياتهم. في وقت يجتهد الفريق الذي يديره
في مقاومة تدهور الطب النَّفسي ومحاولات تجريده من
إنسانيَّته قدر الإمكان. يقابل صانعو الفيلم طاقم
المركز ومرضاه الذين يتشاركون في اختراع حيواتهم يوماً
بعد يوم".
من أفلام الشباب، هناك حشد من المخرجات النساء في
المسابقة، إذ تتنافس كل من الكاتبة المسرحيَّة
الكنديّة الكوريّة الأصل سيلين سونغ وباكورتها "حياة
ماضية" (105 د) التي نالت إشادات نقديَّة بعد عرضها في
مهرجان "صَندانس" الأميركي حول علاقة ودّ منذ الطفولة
بين شابة وزميلها، تقطع أقدار مريرة أواصرها، قبل أن
يلتقيا ثانية بعد 12 عاماً ولبضعة أيام مصيريَّة خلال
زيارة الأخير الى نيويورك. ليكتشفا أنَّهما مازالا
مقيَّدين بعلاقة حزينة ماضية، رغم أنَّ حياتهما
تغيَّرتا بشكل حاسم". وزميلتها المكسيكيَّة ليلى
أفيليز التي تحتفي في عملها الروائيّ الثاني "طوطم"
(95 د) بالحياة بنفس سينمائيّ كوراليّ. تقضي "البطلة
سول البالغة من العمر سبع سنوات يومها في منزل جدها،
مشاركة عمَّتيها نوريا وأليخاندرا في الاستعدادات لحفل
مفاجئ تقيَّمانه على شرف توناتيو والد الطفلة. مع
تلاشي ضوء النَّهار، يسيطر جوّ غريب وفوضويّ، محطَّماً
الرَّوابط التي تجَّمع الأسرة معاً. ستفهم سول أنَّ
عالمها على وشك أن يتغيَّر بشكل كبير، وتعتنق جوهر
التّخلي عن الأنانيّة والاعتزاز بعنفوان الحياة".
على مدى ساعتين، تصوَّر الإسبانيّة إستيباليث أوريسولا
سولاغورين في باكورتها "20 ألف نوع من النّحل" محنة
طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات مع "إصرار الناس على
مخاطبتها بطرق مربكة أو تسميتها بـ"كوكو"!. خلال فصل
الصيف في إقليم الباسك وبين مستعمرات النّحل، تستكشف
هويّتها جنباً إلى جنب مع نساء عائلتها، اللائي يفكرن
في نفس الوقت في حياتهنّ ورغباتهنّ وهويتهن الجنسيّة".
أما مخرجة "كنت في المنزل ولكن..." (البرلينالة 2019)
الألمانية أنجيلا شانيليك فتبني فيلمها الثاني
"موسيقى" (108 د) بشكل حرّ على أسطورة أوديب. حكاية
معاصرة لصبي نشأ مع والدّين بالتَّبني في اليونان، بعد
أن عثرا عليه بعد ولادته عند سفح جبل في إحدى الليالي
العاصفة. في سن العشرين ، يتعرَّض الى هجوم ويقتل
والده قسراً من دون أنَّ يتعرف عليه. أثناء قضاء عقوبة
السّجن، يقع في حب ضابطة تدعى آيرو وينجب منها طفلاً،
قبل أن يتبيَّن له أنها والدته. بعد عشرين عاماً، يعيش
البطل في لندن مع ابنته ويبدأ في فقدان بصره. رغم
معاناته من الخسارة، إلا أنَّه يكتسب شيئاً في
المقابل... رؤية عمياء!".
صاحبة "طريق مولي" (2005) و"اقتلني" (2012) و"ثلاثة
أيام في كيبرو" (2018) الفرنسية الألمانية أميلي عاطف
تشارك بعملها الخامس "في يوم ما سنُخبر بعضنا كل شيء"
(129 د) المقتبس عن رواية الكاتبة دانييلا كرين حول
ماريا (18عاماً) وهي فتاة حساسة وحالمة. تقرأ
دويستويفسكي وتتجوّل في المروج، منشغلة في البحث عن
معاني الحياة. في صيف 1990، بعد سقوط الجدار وإعلان
توحيد ألمانيا، تتعرَّف صدفة على الجار هينر الأكبر
سناً. رجل وحيد ذو طبيعة قاسية، تجعل من تواصله
الاجتماعيّ أمراً عصيّاً. لمسة واحدة تكفي لبدء حب
مأساويّ في بلد متغير". يصف كاتالوغ المهرجان هذا
النصّ بأنَّه "فيلم عن الجاذبيّة والأجساد العارية
ونقص الإرادة والرّغبة. عمل نقيّ وصريح وخال من
العجالة، يقدم جرعة غير متوقّعة من الرومانسية
الألمانيّة". |