في نهاية شّريطه السابق "المخطوطات لا تحترق"(2013)
صوّر المخرج رسول أف، الذي تعرض الى الإعتقال بتهمة
التواطؤ ضد الأمن القومي خلال أحداث العام 2009،
القتلة الحكوميين وهم يتوارون بين المارة، في إشارة
الى أن أيّ نظام ثيوقراطي لن يتوانى عن دسّ أزلامه
ووحوشه وإخفائهم بين مواطنيه إنتظاراً مهمات قذرة
مستقبلية. في جديده "رجل نزيه" يعود هؤلاء القتلة
علنا، لكنهم يتحركون ككتلة سلطوية محميّة وعدائية.
ولئن أراد مجرمو الفيلم الأول الحصول على مخطوطة تثبت
إدانة مسؤوليين نافذين خططوا سراً لإغتيال أكاديميين
مناوئين لحكم الملالي، فأن عصابة العمل الثاني تسعى
الى تدمير مسعى الشاب رضا في إختيار إنكفائه مع عائلته
الصغيرة. هدفها الأساسي كسر إختراقه لـ"مستعمرتها"
عبرمصادرة منزله وأرضه والإستيلاء على تجارته في تربية
أسماك زينة أعياد "النوروز".
وسط طبيعة ريفية وأجواء شتائية قاتمة وتقشف موسيقى،
صور رسول أف الذي ولد في شيراز عام 1972. وبدأ نشاطه
الفني في سن التاسعة ممثلاً في مسارح المدينة. درس
العلوم الاجتماعية، وأصبحت العلاقات بين الفرد
والمجتمع موضوع معظم أفلامه. أنجز باكورته الوثائقية
"الشفق" عام 2002، وتبعه بشريطه الروائي الأول "جزيرة
الحديد" (2005) الذي عُرض في خانة "نصف شهر المخرجين"
في مهرجان كانّ السينمائي. ثم حقق عمله الثاني "السهول
البيضاء"(2009). فاز نصّه الثالث "وداعا" بجائزة أفضل
مخرج في خانة "نظرة ما" بـ"كانّ"(2011). وحصد
"المخطوطات لا تحترق"(2013) جائزة الـ"فبريسي" للنقاد
السينمائيين الدوليين في المهرجان ذاته، عناد بطله
كتورية عن حالة سيزيفية فردية تخشى تراجعها وإعلان
هزيمتها أمام "مؤسسة" يتداخل فيها بطش القوة والمال
والسياسة. هذه معادلة غير متكافئة بين نزاهة أب يؤمن
ان القانون لا بد ان ينتصر للمظلوم، وسفالة مافيوية
النزعة قادرة بسهولة على تعميم تبريرات عسفها
ودمويتها، محمية بتداخل علاقاتها مع مسؤوليين محليين
ورجال دين فاسدين.
ان غضب رضا، الذي تُقطع المياه عن مزرعته ويَنفَق
سمكه، ويرمى في المعتقل، ويرغم على بيع مشروعه
والمغادرة، يواجه بمرارات زوجته الشابة التي عُينت
حديثا مديرة للمدرسة المحلية وهاجسها ان التهديد
الحقيقي زُرع الآن بين جدران بيتهما، لن يجد الشاب
البالغ من العمر الخامسة والثلاثين مهرباً منه سوى
الإعتكاف في كهف، يتشبّه برحم ربانيّ منعزل، يخطط فيه
الى إنتقام نزاهته المغيّبة. ينعى رسول أف في عمله
المحكم الصنع الفائز بـ"جائزة خانة نظرة ما" في الدورة
الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"
السينمائيّ، خيارات أخلاقية تندحر أمام هجمة نقائص
وضلال وبغي.