جديد الموقع

 
 
 
 
عنوان الصفحة:

«تحية في ذكري ميلاده: يوسف شاهين.. عبقري السينما»

 
 
 
 
   
 

احتفالاً بذكرى ميلاده الذي يصادف اليوم

دراسات ومقالات عن

«يوسف شاهين»

في «سينماتوغراف»

 

«سينماتوغراف»

مجلة عربية متخصصة تصدر من دبي

 
 
 
 
   

صور:

 

 

 

 

 

   
 
 
   

محمود درويش

في يناير 25, 2015

 

 

شاهين.. أخذ من السينما بقدر ما أعطاها

تختلف أو تتفق معه.. هو الأفضل دون منازع

«سينماتوغراف» ـ محمود درويش

قدم يوسف شاهين للسينما المصرية الكثير. قد تتفق معه أو تختلف، إلا أنه ظل الأفضل دون منازع. كان حالة فريدة ظلت متوهجة مثيرة للجدل حتى آخر لحظة في حياته الحافلة بالمعارك والاختلافات والاتهامات المتبادلة وحتى التلاسن مع الكثيرين.

هو المخرج صاحب أكبر عدد من الأفلام المختارة ضمن أفضل 100 فيلم مصري برصيد 12 فيلما. قال عن نفسه:«حين أستعرض مشواري مع السينما المصرية بكل سلبياته وإيجابياته.. وبكل ما قدمت من إضافات وبكل ما حصلت عليه من عذابات.. أستطيع القول إنني أخذت من السينما بقدر ما أعطيتها، وإن رحلتي مع السينما المصرية كانت تستحق كل ما قدمته من أجلها».

لم يقدم يوسف شاهين المولود في يوم، 25 يناير من عام 1926 بالاسكندرية، الكثير من الأفلام مقارنة بغيره من المخرجين رغم أنه قدم فيلمه الأول «بابا أمين» في سن الرابعة والعشرين في عام 1950، وظل يعمل حتى رحيله في 27 يوليو من عام 2008، عن عمر بلغ 82 عاما، أي قضى في البلاتوهات 58عاما وهي فترة ليست بالقصيرة كان يمكن أن ينتج خلالها المزيد من الأعمال، إلا أن أسلوبه في العمل كان يستنزف منه سنوات عدة للتحضير لفيلم جديد.

وقد بلغ مجموع ما قدمه 37 فيلما طويلا وستة أفلام قصيرة نال عنها العديد من الجوائز ورشح لجوائز أخرى، وكان أهم ما ناله من جوائز «جائزة الإنجاز العام» من مهرجان كان السينمائي عن مجمل أعماله عام 1997.

ويعد يوسف شاهين من المخرجين القلائل في العالم الذين قدموا سيرهم الذاتية، وذلك بتقديمه رباعيته السينمائية التي تتناول سيرته الذاتية «إسكندرية… ليه؟»، و«حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان»،  و«اسكندرية – نيويورك».

سينما مشاكسة

لم يحظ مخرج سينمائي عربي بما حظي به المخرج المصري الراحل يوسف شاهين من مواكبة نقدية لتجربته السينمائية التي دامت أكثر من نصف قرن.

فسينما شاهين كانت دائما سينما مشاكسة، متمردة تحاكم الذات والآخر، تسائل الحاضر والماضي، تنسف المسلمات الجاهزة، وتحرض على الأسئلة المريرة، وتأرجحت دائما، عبر مضامين جادة، طموحة، ولغة سينمائية مؤثرة، بين اللين والشدة، بين الرقة والغضب.

وقد حفلت تجربة يوسف شاهين بإخفاقات وانتصارات، بهدوء وضجيج وبانعطافات حادة بدءا من أول فيلم وهو «بابا أمين» 1950 وصولا إلى آخر فيلم وهو «هي فوضى؟» 2007. وبين هذين الفيلمين كان هناك مشوار سينمائي خصب وغني ولافت انتقل خلاله شاهين من مرحلة إلى أخرى، وبدت خلاله كل مرحلة وكأنها تمهد لمرحلة تالية عبر إشارات خفية، ودلائل لا يصعب ملاحظتها.

على أن هذه المحطات السينمائية المختلفة والمتباينة والتنوع الغزير لإنتاجه المتأرجح بين نوعيات سينمائية متباينة من الكوميديا الموسيقية إلى الميلودراما، ومن السيرة الذاتية إلى الأيديولوجيا والقضايا القومية…لا تعبر عن تعثر سينمائي لدى شاهين بقدر ما تعبر عن «موسوعية سينمائية» تجلت عبر المضامين والأساليب معاً.

وكان من الطبيعي أن تشهد تجربة طويلة زمنيا، وغنية سينمائيا، كتجربة شاهين كل هذا القدر من التفاوت السينمائي، كونها تجربة لم تقف عند موضوعات وأساليب ورؤى محددة، بل اقتحمت آفاق السينما بكل رحابتها، وسحرها، وفتنتها، وحاولت أن تترك بصمة نافرة في تاريخ الفن السابع. فالسينما بالنسبة لشاهين لم تكن مجرد تسلية أو هواية أو وسيلة للعيش، بل كانت كل عالمه لا يتقن شيئا سواها، حتى توحد معها، فقد كان هناك ارتباط روحي ووجداني ومعرفي بين شاهين وبين السينما.

فحياة شاهين لا تنفصل عن سينماه، مثلما أن سينماه لا تبتعد كثيرا عن حياته، فهو «لم يعش حياته إلا لكي يكون في قلب السينما وفي قلب الأفلام».

البداية من أمريكا

حصل يوسف شاهين على الشهادة الثانوية من كلية فيكتوريا، وهي إحدى المدارس المرموقة في مصر. وبعد اتمام دراسته في جامعة الإسكندرية، انتقل إلى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في معهد پاسادينا المسرحي «پاسادينا پلاي هاوس Pasadena Play House» يدرس فنون المسرح.

بعد رجوعه، ساعده المصور السينمائي الايطالي الشهير في ذلك الوقت ألڤيزي أورفانيللي على العمل بصناعة الأفلام. وكان أول فيلم يخرجه هو بابا أمين «1950». وبعد عام واحد شارك فيلمه ابن النيل «1951» في مهرجان كان. وفي 1970 حصل على الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاچ. وحصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه إسكندرية ليه؟ 1978، وهو الفيلم الأول من أربعة تروي حياته الشخصية، والأفلام الثلاثة الأخرى هي حدوتة مصرية 1982، إسكندرية كمان وكمان1990 ، وإسكندرية – نيويورك 2004.

وفي هذه الأفلام الأربعة، أراد شاهين مساءلة الذات، وقرر أن يضع روحه وتاريخه عاريين أمام الكاميرا، ومر على حياته الخاصة، وعلى مساره الحياتي والمهني، على رغباته وإخفاقاته، على نظرته إلى السينما والى السياسة والآخر ودائما عبر سبر غور التاريخ الشخصي، تاريخ الرغبات والمشاعر.

أفلام ينتصر فيها الشعب

قبل أن يصل شاهين إلى محطة السيرة الذاتية كانت المنطقة قد شهدت تطورات عاصفة لعل أبرزها نكسة حزيران 1967 وما تلا ذلك من رحيل الزعيم جمال عبد الناصر وحرب أكتوبر 1973 م واتفاقية كامب ديفيد التي ابرمها الرئيس المصري محمد أنور السادات مع إسرائيل، وكان شاهين قد حقق، بدوره، شهرة واسعة على صعيد المهنة، وكان قد طرح كذلك أسئلة مؤلمة عبر سينماه على الواقع العربي.

ففي طفولته في مدينة الإسكندرية، حلم كثيرا بالفن وحقق الفتى حلمه بالدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفور عودته دخل مضمار السينما وهو لم يزل شابا صغيرا، فكانت البداية مع «بابا أمين»، و«ابن النيل»، و«المهرج الكبير»، و«سيدة القطار» وغيرها من الأفلام. وفي منتصف عقد الخمسينيات جاء فيلم «صراع في الوادي» الذي يعتبر أول محاولة جدية ليوسف شاهين في عالم سينما القضايا وسينما النضال، والذي قدم فيه عمر الشرف ممثلا للمرة ألولى بعد اكتشافه، واتبعه بفيلم «شيطان الصحراء» ثم «صراع في المينا»، لتشكل هذه الأفلام ثلاثية عن الصراع ينتصر فيها الشعب دائما ـ حتى وإن كانوا أبطالا فرديين ـ على السلطات الجائرة. وليس بعيدا عن هذا التوجه الأيديولوجي، قدم شاهين فيلما عن المناضلة الجزائرية «جميلة بوحيرد» 1954، وفيلما آخر عن صلاح الدين الأيوبي بعنوان «الناصر صلاح الدين» 1963، الذي لا تخفى دلالاته السياسية وإسقاطاته المعاصرة، وكذلك الفيلم الدعائي «الناس والنيل» 1968، عن بناء السد العالي في أسوان. في هذه الأفلام ساير شاهين ثورة يوليو 1952 عن قناعة إلى اللحظة التي اكتشف فيها أن مرضا تفشى في جسدها. وجاء فيلما شاهين الموسيقيان الخفيفان «ودعت حبك»، و«أنت حبيبي» وكلاهما في عام 1957 ومن إنتاج وبطولة فريد الأطرش، في مرحلة فاصلة بدت كأنها استراحة المحارب الذي سرعان ما قدم في العام 1958 فيلم «باب الحديد» الذي شكل منعطفا في مسيرته الفنية، إذ أثار الفيلم جدلا واسعا واعتبر بعض النقاد أن «يوسف شاهين، السينمائي الحقيقي قد ولد مع هذا الفيلم»، رغم فشل الفيلم على الصعيدين النقدي والجماهيري، فالناقد عجز عن إدراك أبعاده والجمهور ابتعد عن فيلم لانهاية سعيدة له، رغم ما حققه هذا الفيلم بعد ذلك عند عرضه بالفضائيات. بعد ذلك تأتي مرحلة متعثرة حقق فيها شاهين عددا من الأفلام مثل «بياع الخواتم» 1965مع الرحبانية، و«رمال من ذهب» 1966.

وبعد هذه البدايات المضنية، المربكة، عثر شاهين على ضالته، وقدم سينما ذات خصوصية لافتة أوصلته في العام 1997 إلى نيل أرفع جائزة سينمائية، ألا وهي السعفة الذهبية الخاصة بمرور 50 عاما على مهرجان كان السينمائي، ومنح مرتبة ضابط في لجنة الشرف من قبل فرنسا في 2006.

وتضعنا أفلام مثل «فجر يوم جديد» 1964، ثم «الأرض» 1969، و«الاختيار» 1970، و«العصفور» 1973، و«عودة الابن الضال» 1976، في سياق ديناميكية سينمائية تكاد في ترابطها وحركتها تبدو شبيهة بسمفونية متكاملة أظهرت تلك النظرة الشاهينية القاسية، الحادة والجذرية التي ساءلت الأب والغير والقائد والمثقف والحاضر ورجل الدين والفن والإقطاعي والاستعمار والفساد، ولم يبق سوى الذات كي يحاكمها فكانت أفلام السيرة الذاتية، بل ذهب شاهين إلى ابعد من ذلك حين عاد إلى التاريخ ليجادله من منظور سينمائي لا تأريخي، من خلال «وداعا بونابرت» 1985، و«المهاجر» 1994، و«المصير» 1997، ثم جاءت الأفلام الأخيرة وهي «الآخر» 1999، و«سكوت حنصور» 2001، و«هي فوضى؟» 2007، الذي أتم إخراجه بعد رحيل شاهين تلميذه خالد يوسف.

صاحب النصيب الأكبر من أفضل الأفلام

بمناسبة الاحتفال بمئوية السينما المصرية، شكل مركز الفنون التابع لمكتبة الإسكندرية عام 2006 لجنة فنية مؤلفة من النقاد أحمد الحضرى، كمال رمزى وسمير فريد لاختيار أهم 100 فيلم مصري روائي طويل ممن تركوا بصمة واضحة خلال هذه المسيرة الطويلة واختيرت سبعة من أفلامه ضمن هذه القائمة وهي: صراع في الوادى، باب الحديد، الناصر صلاح الدين، الأرض، العصفور، عودة الابن الضال وإسكندرية ليه.

كما اختار النقاد 12 فيلما ليوسف شاهين ضمن أفضل 100 فيلم مصري. وهذه الأفلام هي الأرض 1970، وجاء في المركز الثاني في القائمة، باب الحديد 1965، وجاء في المركز الرابع، والناصر صلاح الدين 1963، وجاء في المركز الحادي عشر، وصراع في الوادي 1954، وجاء في المركز الخامس والعشرين، واسكنرديه ليه؟ 1979، وجاء في المركز الثاني والثلاثين، والعصفور 1974، وجاء في المركز الخامس والأربعين، وعودة الإبن الضال 1976، وجاء في المركز الحادي والخمسين، والمهاجر 1994، وجاء في المركز الثاني والخمسين، الاختيار 1971، وجاء في المركز الثالث والخمسين، وجميلة بوحيرد 1954، وجاء في المركز الرابع والخمسين، وابن النيل 1951، وجاء في المركز الثاني والثمانين، وحدوتة مصرية 1984، وجاء في المركز الرابع والثمانين.

التعقيد في الحكي وقف حاجزا بينه وبين الجمهور

في حديث أجراه معه الكاتب بلال فضل، اعترف يوسف شاهين أنه لم يكن يجيد «الحكي» الذي أجاده في مرحلة متأخرة من حياته. وقال: «مرات كثيرة كان فيلمي «ملعبك» وكنت بأضيّع الجمهور مني، الآن تعلمت تكنيك إني أقول كل اللي أنا عايزه عن تناقضات الشخصية بطريقة تخليها توصل للناس، الوصول للناس مهم، هل أنا بعمل الفيلم عشان ماما؟، ماما ستقول لي إن الفيلم حلو؟، إنت عامل الفيلم للجماهير يبقى لازم يوصل للجماهير، الغلطة زمان عندي كانت إني مش عارف أكتب بأسلوب بسيط يقول كل التناقضات الموجودة في الشخصية، الكتابة هي التي لم تكن مضبوطة، لكن الواحد بيتعلم؛ لما تتفاعل مع الجمهور مش معناه إنك تديهم كل اللي هما عايزينه».

وأكد أن: «التعقيد في الحكي في أفلامه وقف حاجزا بيني وبين الجمهور إلى حد ما، مشكلة كبيرة إنك تبقى مش عارف تحكي، أنا لما أروح أقرأ كتب فلسفة لما تزيد المصطلحات الفلسفية الخاصة زي أنطولوجية وغيرها، ألاقي نفسي بافتح القاموس، وأقطع التسلسل اللي كنت ماشي معاه، ده مش المفروض يحصل في السينما، أنا كمخرج أهم حاجة عندي أخليك قاعد ع الكرسي ومش متضايق من حاجة ومش كل شوية تفوت عليك كلمة وماتفهمهاش».

وكشف يوسف شاهين أنه لم يكن يوما عبقريا في الكتابة، لكن كان لا بد له أن يكتب أفلامه، لأنه لم يكن هناك في الزمن السابق كتاب يعطون وقتا كافيا لكتابة السيناريو، مشيرا إلى أنه في الماضي لم يكن قادرا على أن يبسط الكتابة كي يقول ما يريده، أما الآن، فيشعر أنه أفضل من ناحية القدرة على الكتابة. وقال إنه كان يعتمد على أفلام مكتوبة جاهزة، وكان كل دوره أن يعتمد على سيناريست جيد، ويتأكد أنه لم يفسد الرواية أكثر من اللزوم، أي لا «يخرف». ولذلك بدأ شاهين يتعلم السيناريو بعمق أكثر، وعمل تجارب كثيرة جداً، وكانت أول تجربة تقريباً في فيلم «العصفور» الذي ضم حوالي 13 شخصية، وكانت الأمور بتضيع منه أحياناً بسبب التركيب الشديد، لأنه رغم فكرته عن فن السيناريو، كان يجد نفسه «لايص»، على حد قوله، في كتابة الفيلم.

الموسيقى والغناء في أفلامه

كان يوسف شاهين من المخرجين الذين يمسكون بزمام العمل من الألف إلى الياء رغبة منه في الوصول إلى المستوى الذي يرضيه. ومن ذلك، اختياره الجيد للموسيقى في أفلامه. فمنذ بداية مشواره مع السينما، استخدم الموسيقى والغناء كعنصرين أساسيين في أفلامه من فيلمه الأول «بابا أمين» وحتى آخر أفلامه «هي فوضى». في تلك الأفلام تعامل مع عدد كبير من المؤلفين والملحنين والمطربين وكان يشارك في اختيار الأغاني والموسيقى التي تخدم فكره. تعاون شاهين مع فريد الأطرش وشادية وقدمهما في صورة مختلفة في فيلم «أنت حبيبي» عام 1957.

وحكى يوسف شاهين ذات مرة في حوار تليفزيوني أن لهذا الفيلم قصة أوجزها في أنه بعد الانتهاء من تصوير ومكساج ومونتاج الفيلم وجد المنتج أنه سيكون قصيرا في زمن عرضه وبعدد بكرات فيلم قليلة وهو ما لا يليق بفنان كبير مثل فريد الأطرش. وهنا تفتق ذهن يوسف شاهين عن تصوير أغنية «زينة والله زينة» الشهيرة، التي لم تكن موجودة في السيناريو، وإضافتها إلى الفيلم لزيادة مدة عرضه. وهو ما تم وأرضى منتج الفيلم.

وقدم يوسف شاهين مع فيروز والأخوان رحبانى فيلم «بياع الخواتم» عام 1965 واختار ماجدة الرومى لبطولة فيلم «عودة الابن الضال» عام 1976 ولطيفة فى «سكوت هنصور» عام 2001.

ويمثل المطرب  محمد منير حالة خاصة، لأنه أكثر المطربين مشاركة بصوته وأدائه في أفلام يوسف شاهين، فق قدم معه «حدوتة مصرية» عام ١٩٨٢، وأتبعه بفيلم «اليوم السادس» بعد ذلك  بأربعة أعوام، ثم فيلم «المصير» عام 1997. وخلال تلك المسيرة، لحن شاهين أغنيتين الأولى هي «حدوتة حتتنا» في فيلم «اليوم السادس» وأداها الفنان محسن محيي الدين، والثانية هي «قبل ما» للطيفة في فيلمه «سكوت هانصور» من كلمات كوثر مصطفي وتوزيع الموسيقار عمر خيرت.

حب الظهور في أفلامه

حرص يوسف شاهين، كما كان يفعل المخرج العالمي الكبير هيتشكوك، على الظهور في بعض أفلامه. وفي إطار ذلك ظهر يصرخ في أحد مساعديه «يمين إيه حتخش في الحيط» في فيلم حدوتة مصرية. وقد كان مبرره في الظهور في مشاهد أفلامه، أنه يؤمن بضرورة التعبير عن رأيه. لكنه ظهر في أفلام أخرى كممثل كأدائه الرائع لشخصية «قناوي» في «باب الحديد» ومشاهده القصيرة في «إسماعيل ياسين في الطيران » إخراج فطين عبد الوهاب. كما وظهر في لقطة خاطفة في فيلم «ابن النيل» أثناء نزول محمود المليجي على السلم هاربا من البوليس. وقد اشتهرت عباراته لإسماعيل ياسين في ذلك الفيلم «هايل يا سمعة.. كمان مرة.. عايز ضرب واقعي» لتتحول إلى أحد أشهر افيهات السينما. كما قام شاهين بالتمثيل في أفلام أخرى من إخراجه مثل فيلم فجر يوم جديد، واليوم السادس، وإسكندرية كمان وكمان، وكان آخرها ظهوره في فيلم ويجا مجاملة لتلميذه خالد يوسف.

آراؤه السياسية والاجتماعية

عرف عن شاهين معارضته للرقابة والتطرف وكذلك لجماعات الإسلام السياسي، وكان يقول دائما إنه يعتبر نفسه جزءاً من جيل الليبراليين المصريين وسيظل يكافح ضد الرقابة المحافظة سواء من جانب الدولة أو المجتمع. وكانت له آراء سياسية واجتماعية واضحة. ففي الفترة بين 1964 و 1968 عمل يوسف شاهين خارج مصر بسبب خلافاته مع رموز نظام جمال عبدالناصر. وقد عاد إلى مصر بوساطة من عبد الرحمن الشرقاوي. كما كان شاهين معارضا للرئيس حسني مبارك. وتتضح آراؤه في عدد كبير من أفلامه كفيلم «باب الحديد» الذي صدم الجماهير بتقديمه صورة محببة للمراة العاهرة، وفيلم «العصفور» سنة 1973 الذي كان يشير إلى أن سبب الهزيمة في حرب يونيو 1967 يكمن في الفساد في البلد. كما أثار فيلم «المهاجر» عام 1994 غضب الأصوليين لانه تناول قصة يوسف ابن يعقوب عليهما السلام. كما تنوعت أفلام شاهين في موضوعاتها، فمن أفلام الصراع الطبقي مثل فيلم صراع في الوادي – الأرض – عودة الابن الضال، إلى أفلام الصراع الوطني والاجتماعي مثل جميلة بوحيرد- وداعاً بونابرت، إلى سينما التحليل النفسي المرتبط ببعد اجتماعي مثل – باب الحديد – الاختيار – فجر يوم جديد- هي فوضى.

هناك ما يقارب من 37 فيلما طويلا وخمسة أفلام قصيرة حصيلة حياته المهنية نالت عدة أفلام منها جوائز وترشيحات لمختلف الجوائز في العالم، أهمها جائزة الإنجاز العام من مهرجان كان السينمائي.

وفيما يلي قائمة بالأفلام الروائية الطويلة التي أخرجها يوسف شاهين:

بابا أمين (1950): بطولة فاتن حمامة وحسين رياض وكمال الشناوي وماري منيب وفريد شوقي وهند رستم. وهو أول أفلام يوسف شاهين (أخرجه ولم يكن عمره يتجاوز الـ24 عاما)، وقد اعتمد على الفانتازيا التي كانت غريبة على السينما المصرية، حيث يصور الفيلم حياة شخص بعد الموت.

ابن النيل (1951)

المهرج الكبير (1952)

سيدة القطار (1952)

نساء بلا رجال (1953)

صراع في الوادي (1954)

شيطان الصحراء (1954)

صراع في الميناء (1956)

ودعت حبك (1957)

أنت حبيبي (1957)

جميلة بوحيرد (1958)

باب الحديد (1958)

حب إلى الأبد (1959)

بين يديك (1960)

رجل في حياتي (1961)

نداء العشاق (1961)

الناصر صلاح الدين (1963)

فجر يوم جديد (1964)

بياع الخواتم (1965)

رمال من ذهب (1966)

الناس والنيل (1968)

الأرض (1969)

الاختيار (1970)

العصفور (1972)

عودة الابن الضال (1976)

إسكندرية… ليه؟ (1978)

حدوتة مصرية (1982)

وداعاً بونابارت (1985)

اليوم السادس (1986)

إسكندرية كمان وكمان (1990)

المهاجر (1994)

المصير (1997)

الآخر (1999)

سكوت حنصور (2001)

إسكندرية – نيويورك (2004)

هي فوضى ( (2007

كما أخرج يوسف شاهين ستة أفلام قصيرة هي:

عيد الميرون (1967)

سلوى (1972)

الانطلاق (1974)

القاهرة منورة بأهلها (1991)

11/9/2001 (2002)

لكل سينماه ( (2007.

 

   
 
 
   

صور:

 

 

 

 

 

   
 
 
   

خاص ـ «سينماتوغراف»

في يناير 25, 2015

 

 

رجال يوسف شاهين على الشاشة

نظرات العين هي أكثر ما كان يهتم به في تعبيرات الممثل

خاص ـ «سينماتوغراف»

بعد عرض فيلم «سكوت هنصور» ليوسف شاهين قال أحد النقاد : إن هذا المخرج يختار أبطاله بناء على معايير جسدية وشكلية ولا أعرف ما علاقة هذا بالتمثيل فهو أعاد اكتشاف هشام سليم في عودة الابن الضال ثم محسن محيي الدين في اليوم السادس وهاني سلامة في المصير ثم أخيرا أحمد وفيق في "سكوت هنصور" وكلهم لهم صفات جسدية متشابهة لحد ما، وإن كان الوحيد الذي ظهرت له موهبة حقيقية واستمر هو هشام سليم وكلهم استطاع شاهين أن يلبسهم ثوبه وجعلهم يتقمصون حركاته العصبية وطريقته في خطف الكلام والتلعثم فلا تكاد تفهم شيئا مما ينطقون ولا تعرف سببا لاختيارات شاهين الرجالية ..

نفس هذا الكلام تجدد مع فيلم إسكندرية – نيويورك.. حيث قدم شاهين خلاله الوجه الجديد أحمد يحيى .. ورغم قسوة الكلمات السابقة إلا إنها تنم عن جهل قائلها فيوسف شاهين له وجهة نظر أخرى في علاقته بالممثل لن يلمحها بوضوح إلا من حاول أن يجهد نفسه قليلا بمشاهدة أفلامه بنظرة أكثر عمقا ..

وبنظرة محللة على علاقة جو – كما يحب أن ينادى – بممثليه الرجال بداية من عمر الشريف مرورا بهشام سليم ومحسن محيي الدين وهاني سلامة وأحمد وفيق وليس انتهاء بأحمد يحيى بطل إسكندرية – نيويورك .. فجرأته في تقديم الوجوه الجديدة أوإعادة اكتشاف ممثل قدم من قبل أعمالا لم تكن كفيلة بإظهار موهبته مثل فريد الأطرش ومحمود المليجي وخالد النبوي ومصطفى شعبان لا بد وأن تلفت الانتباه إلى أن هناك مخرجا يحتفظ بعلاقة خاصة جدا مع الممثل.. 

في عام 1986 أجرى الكاتب حسين أحمد أمين حوارا مع يوسف شاهين سأله فيه عن حال التمثيل في مصر بعد عرض فيلمه «اليوم السادس» في مهرجان ريودي جانيرو فقال: «مستوى التمثيل عندنا في اعتقادي أصبح عاليا جداً، وارتقى بشكل ملحوظ خلال السنوات العشرين الاخيرة بالابتعاد عن الميلودرامية والتمسك بواقعية الاداء فإن سألتني عن اعظم الممثلين المصريين أجبت بلا ادنى تردد: محمود المليجي فقد كان الرجل من اجهل الناس بشؤون السياسة .. ضئيل الحظ من الثقافة .. وكثيراً ما كنا نضحك منه اثناء مناقشاتنا ..غير انه كان في التمثيل لا يضاهى .. ملك من السماء .. وكنت احياناً لا املك نفسي من البكاء اثناء تصوير المشاهد التي يظهر فيها خصوصاً في فيلم «الارض» وفيلم «اسكندرية ليه» ونور الشريف ايضاً ممثل ممتاز، بدأ بداية طيبة، ثم اهدر موهبته بقبوله أدواراً هابطة المستوى، ثم تدارك نفسه واصبح اعظم مما كان في اي وقت مضى، أما محمود مرسي فلا بأس به، غير انه محدود القدرة على تنويع ادواره أو تصوير شخصيات شديدة التباين والاختلاف، واحترامي له كأستاذ في معهد السينما أكبر من احترامي له كممثل. واقربهم إلى قلبي جميعاً تلميذي محسن محيي الدين».

هذه الآراء التي فجرها المخرج يوسف شاهين من 29 عاما من اليوم تلخص بإخلاص شديد وجهة نظره في التمثيل وعلاقته بالممثل، كما أنها توضح بالتفصيل مستوى الآداء الذي ينشده، ربما لذلك وخلال مسيرته السينمائية التي تجاوزت أكثر من نصف قرن منذ عام 1950 كان يقدم يوسف شاهين تقريبا ممثلا جديدا في كل عمل اخرجه كي يصل إلى ما يريده في فن التمثيل.. 

دائما كان يجهد «جو» نفسه بالبحث عن المواهب الشابة فيذهب إلى حفلات الأوبرا ويشاهد أفلاما كثيرة ويجول بين مسارح الجامعات بحثا عن وجوه مميزة وقدرات فنية ربما تمكن من خلال أعماله من إخراج طاقاتها إلى مساحات أوسع ونطاقات أشمل .. ولا يكتفي بذلك بل كنت لن تجده يبدأ فيلما جديدا قبل عمل " كاستنج " للشباب ليختار أبطال فيلمه الجديد .. 

ومثلا في فيلمه «إسكندرية نيويورك» ذهب شاهين إلى حفل في الأوبرا ليشاهد باليه زوربا الذي يقوم ببطولته راقص الباليه أحمد يحيى وبمجرد انتهاء عرض الفيلم حدد له موعدا لمقابلته .. وفي اللقاءات الثلاثة الأولى دار الحديث كله عن باليه زوربا وفي المقابلة الرابعة قال شاهين لراقص الباليه أحتمال سيكون لك دور في فيلمي القادم وفي المقابلة الخامسة وقع أحمد يحيى على عقد بطولة الفيلم ..

وبنفس أسلوب المنقب عن الوجوه الشابة شاهد جو أحمد وفيق بطل فيلمه "سكوت هنصور" وهو يمثل في إحدى مسرحيات الهواة فاستدعاه وأعطاه دور الشقيق الإرهابي في فيلم «الآخر»، بعدها قال له : أنت ممثل غير نمطي فإياك أن تستهلك موهبته، وانتهى الفيلم وعرض ليبدأ جو في بروفات فيلم «سكوت هنصور» ووقتها فوجيء أحمد وفيق باتصال يستدعيه للقدوم إلى مكتب الأستاذ فورا ليعطي له سيناريو الفيلم دون أن يعلم أي دور سيجسد حتى قيل له أنه بطل الفيلم ولم يصدق إلا بعد أن قالها له جو بنفسه .. وكانت النصيحة الوحيدة التي وجهها شاهين لوفيق هي أن الطاقة الحقيقية لتقديم أي شخصية ستكون من العينين فهي الأساس وليس تقلصات الوجه .. 

نظرات العين هي أكثر ما يهتم به شاهين في تعبيرات الممثل فقد قال عن محمود المليجي من قبل : «كان محمود المليجي أبرع من يؤدي دوره بتلقائية لم أجدها لدى أي ممثل آخر، كما أنني شـخصياً أخاف من نظرات عينيه أمام الكاميرا» .

دليل آخر على أهمية نظرات العين لدى يوسف شاهين هو رفضه المطلق عمل فيلم عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رغم ولعه الشديد بشخصه حيث قال: «رفضت عمل فيلم عن جمال عبد الناصر لانني لم اجد الممثل الذي يتميز بكاريزما عبد الناصر ولا حتي نظرة من عينيه .. فين الممثل اللي عنده عينا عبد الناصر؟ مفيش في الدنيا كلها .. أنا أقدر علشان أنا ممثل كويس قوي لكن انا قصير .. عبد الناصر حاجة تانية خالص». 

ولعل ولع يوسف شاهين بالتمثيل يأتي في الأساس من رغبته الأولى في العمل كممثل فقد كان ينوي دراسة التمثيل أثناء وجوده في أمريكا فوجد أن شكله وتكوينه الجسماني لا يؤهلانه لنجومية التمثيل فاتجه للإخراج وترك التمثيل، لكن ولعه لم ينته أبدا فقد قال في أحد حوارته مع وليد شميط في كتابه يوسف شاهين حياة للسينما: «صرت أبحث عن ممثلين أمثل من خلالهم، ويا ويل الممثل الذى لا يكون أنا.. فعمر الشريف وغيره من الممثلين تعذبوا معي كثيراً لأن الممثل هو نفسه ولا يمكن أن يكون أنا ولذلك يحدث دائما اصطدام وتناقض وانفجار .. ووصلت إلى فترة شعرت فيها أنني في مأزق كبير طالما أنني لا أجد الممثل الذى يمكن أن يكون أنا. فقيل لي : لا يجب ان تجد نفسك .. انت ترغب في التمثيل فمثّل في فيلم واحد.. وكان «باب الحديد».»، ربما لذلك لن نجد فيلما لشاهين خاليا من ممثل يؤدي بطريقته فهو يصبغ ممثلينه بأدائه وأسلوبه في الكلام والحركة والانفعالات المتوترة والحادة والطفولية ..

عندما ذهب هاني سلامة إلى مكتب يوسف شاهين لعمل «كاستينج» فاجأه يوسف شاهين بطلب غريب فقد طلب منه أن يغني، وغنى هاني سلامة أغنية لعبد الحليم حافظ ثم طلب منه أن يستمر في غناء نفس الأغنية بعدها أختاره لبطولة أول أفلامه «المصير»، وعندما سأله هاني بعد انتهاء تصوير الفيلم عن سبب طلبه غناء نفس الأغنية أكثر من مرة وعن سبب اختياره هو بالتحديد لتجسيد الدور قال له شاهين: «طلبت منك تكرار غناء نفس الأغنية حتى أقيس انفعالاتك ونظرات عينيك في أدائها في كل مرة وأخترتك بالتحديد لأنك أعطيتني في كل مرة إحساسا مختلفا مع تغير نظرات عينيك بصورة أدهشتني» ..

عندما سئل هاني سلامة عن حقيقة أن العمل مع شاهين يقتل أي ممثل لأن من يمثل معه لا ينجح مع سواه قال: «هذه سخافات لايجب ان نرددها كثيرا فشاهين كان له الفضل في نجاح نجوم كثيرين أنا واحد منهم ومن ينكر ذلك فلايستحق الخير، وساظل مديناً له بنجوميتي حتى آخر العمر». 

عندما شاهد يوسف شاهين شابا يقدم دور فاوست في السنة النهائية له بالمعهد العالي للفنون المسرحية قرر من داخله أن يكون هذا الممثل هو بطل فيلمه القادم «المهاجر» فبعد مشاهدته للمسرحية قال: «أنا عايز أشوف الواد ده» وبالفعل أعطاه دور عمره في فيلم المهاجر لينطلق بعدها خالد النبوي في عالم التمثيل، ورغم أنه كان قد قدم من قبل دورين صغيرين جدا في فيلمي «ليلة عسل» و«المواطن مصري» إلا إن شاهين لم يتردد للحظة في إسناد بطولة فيلم بحجم «المهاجر» له ..

وبنفس الطريقة اكتشف شاهين أن لدى مصطفى شعبان قدرات خفية لم تظهر كما ينبغي في فيلم «فتاة من إسرائيل» فأعاد أكتشافه بإعطائه دور كبير في فيلم «سكوت هنصور» وقد أجمع النقاد بعد مشاهدة الفيلم على أن مصطفى هو الممثل الوحيد الذي تمكن من الخروج من عباءة يوسف شاهين في الأداء .

علاقة يوسف شاهين بالممثل الرجل أقوى كثيرا من علاقته بالممثلة المرأة ربما لأن كل أفلامه تناقش هما عاما إما سياسيا أو اجتماعيا أو عقائديا وهي المواضيع التي يجب أن يتصدر الرجل بطولتها لكن لا يمكن أن ننكر اعتماده في أحيان كثيرا على بطلات نساء يقع عليهن العبء الأكبر في حمل مسئولية الفيلم رغم أنه يعلم جيدا أن أي فيلم يحمل توقيعه هو المسئول الأول والأخير عنه، ففيلم «صراع في الوادي» كان الاتفاق المبدئي مع البطلة فاتن حمامة وبدأت بعد ذلك رحلة البحث عن البطل فطرح شاهين عليها اسم شكري سرحان كبطل أمامها لكنها رفضت حتى لا تكرر العمل معه أكثر من مرة وأصر هو على شكري سرحان حتى أنه بدأ في البحث عن ممثلة أخرى لتؤدي الدور فهو يرفض الرضوخ للممثل بأي شكل من الأشكال لكنه اضطر للرضوخ لرغبتها لأنه وجدها الأصلح للدور وبدأ في البحث من جديد عن بطل آخر فقرر أن يستعين بصديق دراسته عمر الشريف والذي كان وجها جديدا وقتها وشاهده وهو يقدم دور هاملت على مسرح كلية فيكتوريا وكان عمر الشريف وقتها قد تخرج في الكلية ويعمل في شركات والده بتجارة الخشب في الإسكندرية فأحضره إلى القاهرة وأجرى له اختبار كاميرا نجح فيه ليصبح بعدها بسنوات نجما عالميا ..

كان يوسف شاهين لا يعرف سوى حقيقة واحدة في العمل وهي أن المخرج هو رب الفيلم ولا يجوز لأي ممثل مهما بلغت نجوميته أن يفرض رأيه عليه وهناك مثال على ذلك من تاريخ جو نفسه عندما أختار فريد الأطرش لبطولة فيلم «إنت حبيبي» مع شادية وكان يحاول قدر الإمكان أن يقدم فيلما مختلفا عما قدمه من قبل وقد واجه صعوبات كثيرة معه لأن فريد الأطرش تعامل معه كنجم وقاوم بعنف محاولات شاهين لتغيير صورته على الشاشة ورغم ذلك نجح شاهين في أن يسيطر عليه وكان فيلم «إنت حبيبي» بالفعل تجربة مختلفة تماما عن كل ما قدمه فريد الأطرش قبل وبعد عمله مع الأستاذ .

كما كانت علاقة يوسف شاهين بالممثل علاقة متشابكة جدا فهو يرغب في أن يرى الممثل من خلال مرآته هو ورغم ذلك – كما أكد عزت العلايلي – الذي عمل في أكثر من فيلم لا يحترم إلا الممثل الذي يبتعد عن محاكاته ولا يعتمد على التقليد لأنه يرغب في أن تكون للممثل شخصيته المستقلة .. وكان يوسف شاهين عندما يتحدث عن أبطاله يتحدث بحب غير عادي. فعن محسن محيي الدين الذي قدمه في أكثر من فيلم قال: «محسن محيي الدين بطل معظم أفلامي الاخيرة ممثل رائع، وموهبة اعتز حقيقة باكتشافها والاسهام في انضاجها.. انه بذل في أفلامي جهداً يعجز عن النهوض به أقوى الرجال وحملته ما قد لا يطيق حتى يأتي اداؤه كاملاً من الوجوه كافة فقد اقتضى مثلا دوره في فيلم «اليوم السادس» - وهو دور القرداتي - ان يقضي الاسابيع في التدريب مع القرد، والشهور في تعلم الرقص الاستعراضي وكنت اضطره احياناً إلى اعادة تمثيل اللقطة الواحدة أكثر من عشر مرات».

أليست هذه الكلمات قريبة جدا من تلك التي قالها عن أحمد يحيى عندما أكد: «شاب خطير بمعني الكلمة فضلا عن انه الراقص الاول في دار الاوبرا المصرية فانه ممثل ضخم الموهبة لدرجة انني افكر ان اقدمه في فيلم عن هاملت خلال معالجة خاصة بي». 
الكلمات نفسها لم تتغير وأسلوبه في التعامل مع ممثلينه لم يتغير منذ بدأ وحتى مات ولذلك كان وما يزال اسم يوسف شاهين اسما ذا وقع خاص في الأذن ننجذب إليه سريعا كلما سمعنا : «فيلم من إخراج يوسف شاهين». 

 

   
 
 
   

صور:

 

 

 

 

 

   
 
 
   

خاص ـ «سينماتوغراف»

في يناير 25, 2015

 

 

جنون يوسف شاهين الإبداعي

انصفته أقلام نقاد أستوعبت ما كان يقدمه من رؤى وأفكار

خاص ـ «سينماتوغراف»

إذا ما فكر دارس أو مهتم أن يتناول تاريخ السينما المصرية وكشف محطاتها، ومفاصلها الأساسية، وإظهار أعمالها الإبداعية بكل المقاييس العلمية والتقنية، فإن يوسف شاهين – المخرج المجنون – كما كان يصف هو نفسه سيحتل الأولوية في عملية بحث التاريخ هذه.. بأعماله وطروحاته وأفكاره ولمساته الإبداعية في السينما وفي المواقف والرؤي على حد سواء.

يوسف شاهين، المولود في 25 يناير من عام 1926 بالاسكندرية، ذلك المبدع الذي قضي من عمره في السينما زهاء ستة عقود من السنين، كان هو الأقدر خلالها، ومنذ فيلمه الأول الذي حمل اسم «بابا أمين» عام 1950، وكان إذ ذاك لم يبلغ الأربعة والعشرين عاماً، على أن يكون مخرجاً متميزاً له سماته وبصماته على فن كان حتى ذلك الحين يعتبر جديداً وطارئاً على الإبداع العربي في مجال المعرفة والتقنيات السينمائية، وعلى الرؤية والثقافة البصرية لغالبية العرب الذين أراد يوسف شاهين أن يكون واحداً من المؤثرين عليهم في تغيير النمطية السائدة في التعامل مع كل أولئك الذين وجدوا في الفن السابع «فن السينما» تقليداً للغرب في محاكاة قصص تخلق عالماً أسطورياً أو خرافياً في ذهن المتفرج وحتى عند محبي السينما. وصعود يوسف شاهين على النحو الذي احتل قمته في السينما العربية والعالمية، ايضا، يعود إلى أنه أعطى ما يريد أن يعطي لهذه السينما وكأنها «أرض» يتعامل معها مزارع ماهر وفلاح مجد آمن بأنه بمقدار ما يعطي من جهده لهذه الأرض، فإنها ستعطيه من مردودها بما يفيض.

والسينما عند يوسف شاهين هي «مهنة جنون» ولكن بالقدر الذي يؤثر فيها ويفكر ويبدع.. وهكذا تحدث يوسف شاهين عن رؤيته التي أعلن عنها بعد انتهائه من فيلمه الشهير «عودة الابن الضال» الذي أخرجه عام 1976 وكان حديثه في مكتبه بالقاهرة للصحافة حين ربط رسالة السينما ومهمتها بالواقع وأحداثه وبضرورة «ألا ننفصل في أعمالنا وكل مناحي تفكيرنا عن هذا الواقع» وأعقب بقوله «أنا مجنون سينما، وإذا كان هناك من مجنون آخر فأنا على استعداد للاتفاق معه أو أشاركه في هذا الجنون الذي لا يتجزأ».

وجنونه كما يُتَصَور مبعثه أنه كان يريد أن يكون خارج إطار كل الضغوطات والمؤثرات التي تسلبه عقله أو جنونه الإبداعي.. يريد أن يظل يغرّد خارج سرب المألوف، ودون الخضوع لإرادات ورؤى وتصورات تفرض عليه التنازل عن جنونه وترجم ذلك بكل وضوح، وبشفافية فنية وإبداعية رائعة في فيلم «العصفور» الذي تناول فيه هزيمة يونيو 1967، وما تلاها أو سبّبها من تداعيات وتحليلات. وتمسك بمقاومته للفساد وللهزيمة بالحرية.. حرية التخلي عن إغلاق قفص العصفور وإطلاق سراحه تعبيراً عن إطلاق حرية الشعب في أن يخطو بسواعدهم وأجسادهم الطريق إلى حريتهم وحرية الوطن، برفض الانحلال وبمواجهة الخناق وكوابيسه على النفوس البريئة الطاهرة بالرد على الهزيمة.

ويبدو أن «جنون يوسف شاهين الإبداعي» ما كان لينضج على النحو الذي واصل طريقه فيه دون فضح كل أولئك الذين وجدوا في تجربته السينمائية «السياسية» أنها لا تتفق ومفاهيم النقاد والمنظرين السينمائيين، فآثروا مهاجمته على اعتبار أنه نقيض «للسائد» وهو ما آلمه.. لكن ذلك فتح أمامه طريق الخلاص لينصف فيما بعد «ولو طال الزمن» باقلام نقاد وسينمائيين استوعبوا ما يطرحه من رؤى «جنونية» تستحق جهد العقل لاستيعابها وإدراكها وتمثُّلها وسط بحر متلاطم من الأفكار والتعاليم والمواقف المضطربة إلى حد التناقض بين ما هو قائم وما سيكون، بين واقع يحتاج إلى تشخيص وآخر مجبول بالسكون والدعة والتراجع عما يحكي عن الجمال والذوق وأفكار الحق والعدل والتسامح والمحبة.

وعبر هذه السلسلة المتكاملة وبإحكام، تعامل يوسف شاهين وبجنونه العبقرى مع الواقع والسينما.. مع الماضي والحاضر، ومع المستقبل وأدواته، وحمل على امتداد رحلته الفنية كلها راية السينما، وفق عادات وتقاليد وتراتبية ونمطية لا تقف أمام العمل الإبداعي و«الجنون» السينمائي حسب تعبيرات «جو» شاهين وبفضاءاته الواسعة والعريضة وآفاقه دون حسيب أو رقيب، حتى ولو تم وصفه بالمجنون.

 

   
 
 
   

صور:

 

 

 

 

 

   
 
 
   
 
 
 
   
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)