ما هو الامل والحلم الذي ترتجيه الام من تربية
أولادها والاعتناء بأسرتها ، ما الذي تتوقعه بعد ذهاب الجمال والنشاط
وتحولها الى آلة تعمل في خدمة العائلة ، ماذا يمكن ان تفعل أزاء تجاهل
واهمال الجميع لها ، هذه الأسئلة تطرحها المخرجة الشابة انا اوروشادزه في
فلمها الطويل الأول الحائز على الجائزة الكبرى لمهرجان سرايفيو السينمائي
وجائزة العمل الأول في مهرجان لوكارنو .
العنوان
الام المخيفة ، عنوان مثير ، مغاير وصادم ، كون الفكرة العامة عن الام أي
أم ، انها عطوفة وحنونة ومضحية ، فكيف يمكن ان تكون مخيفة ، العنوان اذن
مدخل مهم لاكتشاف ثيمة الفلم وتفكيك محتواه
.
الحكاية
مانانا أم من الطبقة الجورجية المتوسطة ، تثابر من اجل تربية أولادها
والاعتناء بأسرتها بأفضل ما تستطيع ، هذه المثابرة تصطدم بالتجاهل
واللامبالاة من قبل افراد اسرتها ، ولا تمتلك ردا ، او تستطيع عتباً ، فهي
شخصية هادئة، تبدو كمن تعودت السكوت والخنوع، لكن الى متى يمكن ان يستمر
ذلك ، خصوصاً وان لكل شخص طاقة تحمل تنفد في وقت ما
.
تعود مانانا الى موهبة وهواية قديمة تملكها وهي
الكتابة ، لكنها تكتب تحت تأثير الوضع النفسي الذي تعيش ، تكتب ما يشبه
الكوابيس ، وهي الكوابيس الحقيقية التي تعيشها، محولة خوفها وارتيابها الى
رواية اباحية تفضح الكثير من اسرار العائلة وتصورتها عنهم ، الامر الذي
يسبب للعائلة صدمة كبيرة ، يحرقون على اثرها ما كتبته ، بعد ان تقرأ لهم
بعضاً من روايتها ، ولتبدأ هي مرحلة جديدة من حياتها ، مرحلة صادمة للجميع
بما فيهم ابيها الذي دائما ما كان معجبا بكتابتها
.
الاشتغال
كتابة سيناريو لمثل هكذا فلم يتطلب اطلاعاً ومعرفة بعلم النفس ومكنونات
النفس البشرية ، والتفاوت الحاصل بين شخص وشخص اخر فيما لو مر بمثل هكذا
ظرف ، ويخضع لإسقاطات وعوامل كثيرة ،منها الجانب الاجتماعي ، والثقافي ،
والديني والأيديولوجي لهذا الشخص او ذاك ، وبالتالي نشاهد ان الكثير من
النساء اللواتي يمرن بهذا الظرف ، يخضعن له ولا يدافعن عن انفسهن ، تبعاً
لهذه العوامل ، فيما يقف البعض منهن بقوة ، خصوصاً النساء اللواتي يتوفرن
على استقلال اقتصادي ، ويبدو ان أنا اور شادزه قد توفرت على المعرفة في هذا
الجانب لذلك كتبت سيناريو يتماشى والحالة التي تناولتها ، وتبعاً لسوداوية
الحكاية ، تشتغل أنا اور شادزه، على رسم مشاهد يطغى عليها اللون الرمادي ،
وتعزز ذلك بزوايا وكوادر ضيقة ، تعمق إحساس المشاهد بالحالة النفسية التي
تعيشها الام مانانا ، معظم الوقت الذي اختارته للتصوير هو شتاء جورجيا
البارد ، العمارة السكنية التي تسكن فيها مانانا ، قديمة ويتطلب الوصول
اليها اجتياز جسر حديدي ، يعبر عن طول المسافة وبعدها بين حلم مانانا
وواقعها
.
صاحبة المكتبة الذي ينتصر ل مانانا وضع ليكون حلقة
وصل غير متماسكة بينها وبين عائلتها وهو الحالم بأن يمتلك دار نشر خاصة به
، فتجد مانانا فيه الملاذ الامن للهرب من واقعها ، فشخص مثله لا يستطيع
مقاومة الرفض الذي تواجه.
ماذا يحدث لو
هذا السؤال المهم الذي يمكن ان يطبق على معظم
الأفلام السينمائية ، يطرحه الفلم هنا ، ماذا يحدث لو ان أم وربة بيت افنت
شبابها في خدمة عائلتها والنتيجة اهمال وتجاهل ، ماذا يحدث لو ان هذه الام
تمردت على واقعها ، هل ستتسبب بتفكك عائلتها ، ماذا يحدث لو ان هذه الام
وبسبب كل ذلك وصلت الى حالة من الجنون لا يمكن معالجتها ، ماذا يحدث لو ان
دور النشر تبنت الرواية التي كتبتها والناتجة عن معاناتها وفضحت الكثير من
اسرار عائلتها والمحيطين بها ؟
هذه الأسئلة طرحها الفلم ضمن تسلسل خطه الدرامي ،
تاركاً المشاهد يفكر فيها ويجيب عنها ، من خلال تأويل النص المرئي للفلم ،
ولكل تفسيره وتأويله الخاضع للأسقاط لثقافي والنفسي والمجتمعي الخاص به
.
الام المخيفة فلم احتجاج نسوي على السائد من
العلاقات والرتابة الناتجة عنها ، لا يمتلك المشاهد الا ان يتعاطف مع بطلته
، مفكراً في حال العديد من الأمهات اللواتي يعانين من المشكلة نفسها.
واحد من محاسن المهرجانات السينمائية انها توفر
الفرصة لمشاهدة سينما مختلفة ، سينما اوروبا الشرقية وافريقيا واسيا ، حيث
التجارب السينمائية الرائعة ، هذه الأفلام قد لا تتاح الفرصة لمشاهدتها
ثانية الا ما ندر.
الام المخيفة
سيناريو وإخراج انا اوروشاوزة
تمثيل – ناتا مورفانيدزه ، ديمتري تايشفيلي ، راماز
ازسيلياني
انتاج – لاشا خالفاشي
تصوير – منديا اسادزه
موسيقى – نيكا باسوري |