ولادة مخرج جديد يشكل بالنسبة للسينما المصرية، على الخصوص، تحدي سافر على
الاستمرارية بالرغم من تلك الأزمات المتعددة التي تعيشها هذه السينما. ولكن
أن تفقد مخرجاً، فهذه هي الطامة الكبرى. فالفقد، يعنى أنك قد خسرت إنساناً
تعودت عليه، بل وربما لن يكون من السهل تعويضه، خصوصاً لو أن هذا الإنسان
فناناً متميزاً شكل كياناً في داخلك.
ورضوان الكاشف، الذي وافته المنية منذ ثلاثة أشهر، والذي أبكانا فيلمه
الأخير (الساحر)، كان واحداً من فرسان السينما المصرية الجديدة، الذين
حاولوا الخروج على القوالب الجامدة هذه، وتقديم سينما مختلفة بموضوعات
جريئة، وتجارب سينمائية مغايرة وقليلة جداً، لم تعهدها السينما المصرية من
قبل.. تجارب متمردة على ما هو سائد، استطاع الكاشف من خلالها إحداث بعض
التغيير ووضع أسس لسينما مختلفة والتصدي لذلك التيار التقليدي المسيطر
والثورة عليه.
وفقدان فنان كالكاشف، لا يعنى خسارة للسينما المصرية فحسب، وإنما لكافة من
استمتع بفنه وأسره ذلك الصدق الساحر الذي ينبع من ثنايا أفلامه وكادارتها
الجميلة.
حقاً، بأن الكاشف أبكانا في فيلمه الأخير (الساحر)، فالصدق الغامر
والواقعية الشاعرية الذي تحلى بها الفيلم، جعلت من المتفرج واحداً من شخوص
الفيلم، يتفاعل مع أحداثه وقضاياه. هذا إضافة إلى أن الذي أبكانا حقاً،
كانت تلك اللحظة التي شعرنا فيها بأننا لن نشاهد فيلماً آخراً للكاشف،
فيلماً آخر يمتاز بالصورة الحلوة الذكية.
أتذكر جيداً.. الزيارة الأولى للكاشف للبحرين، للمشاركة بفيلمه الأول (ليه
يا بنفسج) في أيام السينما المصرية الجديدة عام 1993. كان خجولاً متواضعاً،
باعتباره جديداً على السينما المصرية، وضيفاً جديداً على البحرين. ثم كانت
مشاركته الأخرى بفيلمه (عرق البلح) في مهرجان السينما العربية الذي أقيم
منذ عامين في البحرين. هذه المرة رأيته أكثر إصرار على صنع المستحيل،
ومواجهة التقليد في أي شيء ليس في السينما فقط، كان أكثر ثقة من أنه قد
اختار الأسلوب والطريق الأصح. خصوصاً بعد الحفاوة التي حضي بها فيلمه هذا
في المهرجان، من النقاد والمتفرجين على السواء. |