من منّا لا يعرف الفنانة الراحلة، سناء جميل، ومن منّا لا يعرف قيمتها
كممثلة وما أضافته للفن، إنها «نفيسة» السينما المصرية في فيلم «بداية
ونهاية» التي أعطت درساً حياً في فن التمثيل، وهي
الفلاحة زوجة العمدة القوية التي تحرك المشهد من الخلفية وتتخير له الزوجة
الثانية لأجل الولد المرجو في «الزوجة الثانية»، والمرأة المقهورة التي
تدفعها ظروفها الصعبة إلى أن تسلك طريقًا يودي بحياة إبنها في «المجهول»،
إنها بالفعل علامه بارزه في تاريخ السينما العربية، تركت بلا شك أعمالا
سينمائية لا تُنسى.
وصفها زوجها الكاتب الصحفي لويس جريس بـ«الملكة»، ووصفها المؤرخ الشهير
شكرى غالى بـ«الإمبراطورة»، وقال عنها عميد الأدب العربى طه حسين «صاحبة
الأداء المتميز».. وشبهها الناقد السينمائي رفيق الصبان بالنار، حيث قال:
«نجومية سناء جميل وإبداعها لا يختلف عليه أحد فعلى الرغم من قلة ظهورها
السينمائى مقارنة بغيرها من النجمات، إلا أنها عند ظهورها كانت تغطى على كل
المواهب والنجوم الذين يظهرون معها».
صادف يوم أمس27 أبريل 2016، ذكرى ميلاد سناء جميل، بعد أن رحلت عن عالمنا
منذ 14 عاما، ورأينا في «سينماتوغراف» أن نؤجل نشر هذا الموضوع من أمس إلي
اليوم لنشارك به احتفال زوجها لويس جريس في مركز الإبداع بالأوبرا المصرية،
حيث يتم في المساء عرض فيلم خاص عنها يحمل عنوان «حكاية سناء»، للمخرجه
روجينا بسالى، والذي يحكي قصة حياة الفنانة القديرة فى 70 دقيقة، ومع صحبة
العديد من أصدقاء سناء جميل ولويس جريس، يأتي الفيلم وهذا العرض عن أدوارها
السينمائية، ليرصدان إنسانة وفنانة قد لا تتكرر.
عندما نتأمل أفلام سناء جميل لا شك أن «بداية ونهاية» سوف يبرق أمامنا
ليحتل الذاكرة دور «نفيسة» فيه، والذى صار عنوانا لها فى السينما، رغم أن
لها عديدا من العناوين الجذابة الأخرى، وقبل ان نتوقف أمامه، نشير الي
بدايات سناء جميل في عالم السينما من خلال أدوار بسيطة وليست رئيسية، حيث
قدمت عام 1951 فيلم «طيش الشباب»، وعام 1952 شاركت في «آدم وحواء» و«بشرة
خير» و«حرام عليك»، ثم في عام 1953 قدمت «بلال مؤذن الرسول» و«شريك حياتي»
و«إسماعيل يس في متحف الشمع»، وقبل أن نتوقف أمام أهم الأدوار والشخصيات
التي كانت علامه بارزة، نشير الي أنها في سنواتها الأخيرة نجحت في تجسيد
بعض الأدوار وكان من أهمها «حكمتك يارب» و«توحيده» و«امرأة قتلها الحب»
و«سواق الهانم»، وكان اخرها «اضحك الصورة تطلع حلوة».
وما بين البدايات والنهايات، نتوقف عند أهم محطات سناء جميل مع المخرج
العملاق صلاح أبو سيف، أولا شخصية «نفيسة» في فيلم «بداية ونهاية» عام 1960
المأخوذ عن رواية لأديب نوبل نجيب محفوظ، برعت سناء جميل في تجسيد هذا
الدور، الذي أُسند في البداية لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ولكنها
اعتذرت، خوفا من تأديتها دور فتاة عاهرة تنتحر في النهاية، وتقمصت سناء دور
الفتاة الضائعة بسبب ظروف العائلة المضطربة، من شدة أم، وتمرد أخ، وتطلع
ثاني، وخضوع ثالث، وقسوة مجتمع وشدته على تلك الفتاة التي كبرت في السن ولم
تتزوج، فكانت النتيجة موت مأسوي في نهاية الفيلم، وضعف سمع لازمها طوال
حياتها بسبب صفعة عمر الشريف الحقيقية لها في مشهد داخل الفيلم.
ويعد بالفعل دور «نفيسة» من أهم الأدوار التى لعبتها سناء جميل في فيلم
رائع من كلاسيكيات السينما المصرية، هو السابع ضمن قائمة 100 فيلم في
تاريخها وقد نجحت «سناء» بهذا الدور في الصعود إلى القمة، فحصلت على
الجائزة الثانية بوصفها أفضل ممثلة في مهرجان موسكو الدولي في العام 1961.
ويأتي ثانيا مع المخرج نفسه، شخصية «حفيظة» في فيلم «الزوجة الثانية» عام
1967 والذي يعد أيضا من أهم المحطات التي تعتز بها سناء جميل، وكانت قد
جسدت في الفيلم الذى يعد بدوره من أهم كلاسيكيات السينما المصرية دور
الزوجة الأولى التي تدافع عن زوجها العمدة المنفلت – صلاح منصور- والراغب
في جسد الزوجة الشابة – سعاد حسني- متحججا بالوريث الذي سيحمل اسمه، وعلى
رغم اختيار حفيظة للزوجة الثانية فإنها تشتاط غيرة وحقدا وتبدأ في مباراة
معها من «كيد النسا» المستلهم من واقع الحياة في ريف مصر، وفي هذا الفيلم
برعت سناء جميل وتألقت وأشاد بأدائها النقاد، لتحقق قفزة إبداعية أخرى.
وما
بين فيلمي «بداية ونهاية» و«الزوجة الثانية»، قدمت سناء جميل شخصية «نايلة»،
في «فجر يوم جديد» عام 1965، وكان هذا الفيلم هو اللقاء الوحيد بينها
والمخرج يوسف شاهين، حيث جسدت فيه دور سيدة من الطبقة البرجوازية تعاني من
الظروف السياسية حينذاك، تقع في حب شاب صغير «طارق» من طبقة بسيطة، لكن
حنينها لفقدانها منذ سنوات إبنها الصغير، يدفعا لتغليب غريزة الأمومة في
نهاية الفيلم، فتدفع طارق على الرحيل.
وفي فيلم «الرسالة» عام 1976 مع المخرج السوري مصطفى العقاد، لعبت سناء
جميل شخصية «سمية» أول شهيدة في الإسلام، ولم تخشَ أن يؤثر كونها مسيحية
على حب الجمهور لها، أو تقبلهم لها في هذا الدور، ولم تفكر أبدا في الفروق،
أو الطائفية، ولعبت الشخصية بنفس الكفاءة والفاعلية، ليصبح أحد أهم علامات
مشوارها السينمائي.
كما يأتي فيلم «المجهول» 1984 للمخرج أشرف فهمي، والمستوحى عن مسرحية «سوء
تفاهم» للفيلسوف الفرنسي ألبير كامي، وهو الفيلم الذى أشاد به الكثير من
النقاد، حيث اعتمد أشرف فهمي على الاقتصاد الشديد في التعبير لتظهر «سناء
جميل» على القمة مع عادل أدهم ونجلاء فتحي وعزت العلايلي، وهي تؤدي دور
الأم التي تتسبب في التخلص من ابنها، وعندما يتم تخديره ويأخذه الخادم
ليلقى به فى البحيرة تكتشف عند فحص حافظة نقوده أنه ابنها فتصرخ وتجرى
للحاق به، إلا أنها تصل بعد فوات الأوان فتلقى بنفسها وراءه.
ثم تقدم سناء جميل شخصية «أم الخير» مع المخرج عاطف الطيب في فيلم
«البدروم» عام 1987، حيث تنتقل من واقعية «صلاح أبو سيف» إلى الواقعية
السحرية التي يتقنها تلميذه النجيب «عاطف الطيب».. فتقدم دور الأرملة
الفقيرة التى تقوم بحراسة احدى العقارات، لتربى أولادها، ولا تتواني عن
جريمة القتل للدفاع عن شرف ابنتها.
وفي عام 1994 تبدع سناء جميل في شخصية «لطيفة هانم» ضمن أحداث فيلم «سواق
الهانم» للمخرج حسن إبراهيم.. لتكون بحق الهانم التي تقرر أن تستعين
بالسائق الشهم الشاب الجامعي «أحمد زكي» ولكنها تعامله بقدر كبير من الصلف
والغرور، وتقدم مع زكي درساً في الكوميديا الراقية القائمة على الموقف وسوء
الفهم، الناتج عن صراع شريحتين اجتماعيتين واختلاف مفاهيمهما وقيمهما.
ويقال أن هذا الفيلم كان بمثابة حلم يتحول للحقيقة لسناء جميل، لأنها حلمت
بالتمثيل أمام فتى الشاشة الأسمر أحمد زكي، فطلبت منه ذلك، فوافق وعرض
عليها التمثيل في هذا الفيلم، الذي يبدو وكأنه ثوب صنع خصيصا لها، يلائمها
هي بمفردها، ولن يليق بأي ممثلة سواها.
وكان فيلمها الثاني مع أحمد زكي والأخير هو «أضحك الصورة تطلع حلوة» عام
1996 من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، وكانت طريقة أدائها الجادة جداً
مفجرة للكوميديا حتى وان كانت مختلطة بالألم، وأصبحت بعض جملها في هذا
الفيلم أيقونات حوارية، مثل جملتها التي قالتها لابنها سيد عندما واجهت فجر
الثورة والقوة خلال محاولتها مقابلة والد حبيب حفيدتها: «إحنا صغيرين قوى
يا سيد».
رحم الله سناء جميل، كانت موهبة استثنائية، وغول تمثيل، وأجمع النقاد الذين
عاصروا صعودها السينمائي أنها موهبة كبيرة وذات عشق واخلاص للفن، فلا يتصور
أحد ان تكون شيئا آخر غير كونها ممثلة ومن ظراز خاص جدا. |