لقد ساهم إنشاء التلفزيون المصري سنة 1961 في ظهور العديد من المواهب، وكانت الأعمال الدرامية التي قُدمت وقتها في شكل سهرات درامية، في ظهور نجوم عدة في السيناريو، والإخراج والتمثيل، حيث كان التلفزيون مجالا جديدا ونافذة تستوعب كل ماهو جديد. وقد ساهم المبدعون الجدد وقتها في إثراء الحركة السينمائية فيما بعد، ونذكر من هؤلاء المبدعون السيناريست الكبير "عاصم توفيق".

عاصم توفيق صاحب الموهبة الكبيرة والأعمال الفنية الناجحة، والتي تشكل أعماله علامات سواء في تاريخ السينما أو الدراما التليفزيونية يعتبر من المنسيين، والمعلومات المتاحة عنه شحيحة للغاية، على الرغم من وجود فيلمان له في قائمة أهم مئة فيلم مصري.

يتشابه مع أبطاله، فهو مثلهم بسيط ولكنه مهموم بما حوله من أحداث، لا يمتلكون القدرة على تغيير العالم، فتكون المحاولة في تغيير الواقع المحيط بهم، حتى لو لم تنجج هذه المحاولات.

هو من مواليد عام 1931، وتخرج من كلية الحقوق وعمل في في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، كانت بدايته مع بدايات التلفزيون المصري، قدم أعمال مثل "كالمرجيحة"، "شرخ في جدار الخوف"، "الشعب يصنع الديكتاتور" عن قصة لمحمد صدقي، وقد تعاون مع المخرج الكبير محمد فاضل، والذي سألته عن عاصم توفيق باعتباره عمل معه ويملك معلومات حوله وعن تاريخه، قال: (عاصم توفيق لم يدرس السيناريو أو يقرأ فيه كتابا واحدا، ولكن المناخ الثقافي المصري وقتها كان يساعد على ظهور المبدعين في كافة التخصصات بدون الدراسة بالشكل التقليدي، فقراءة الأعمال الأدبية كالرواية والمسرح تتيح لكاتب السيناريو أن يعرف الصراع والحبكة وغيرها من التفاصيل الخاصة بكتابة السيناريو)*.

تعاون السيناريست عاصم توفيق مع الخرج محمد فاضل في أشهر مسلسل مصري آنذاك وهو "القاهرة والناس"، وهو عبارة عن حلقات منفصلة تقدم صورة للحياة الاجتماعية في الأسرة المصرية آنذاك، والذي اشترك في كتابته مع الكاتب مصطفى كامل حيث كان عدد حلقات المسلسل 84 حلقة كتب منها إثنان وأربعين حلقة.

سافر إلى دولة قطر وظل بها مدة طويلة وكتب هناك العديد من الأعمال التلفزيونية بالإضافة إلى أنه كان مشرفا على الإنتاج الدرامي هناك.

تلك الفترة التي أقام فيها في قطر هي ما أوحت له بكتابة فيلم "عودة مواطن" حيث هناك تشابه بين البطل العائد من الغربة وشخصية المؤلف، فكلاهما كان يعيش في قطر وحققا نجاحا كبيرا هناك.

شكل مع المخرج محمد خان ثنائيا ناجحا في ثلاثيتهما "عودة مواطن"، "خرج ولم يعد"، والفيلمان في قائمة أهم مئة فيلم مصري، وفيلم "سوبر ماركت"، يظهر التناغم بينه وبين محمد خان في خروجهما  للشارع واستعراض حياة الشخصيات من خلال المحيطين بهما بعيدا عن الأماكن المغلقة.

ويرى المخرج داوود عبد السيد أن ذلك التعاون بين محمد خان وعاصم توفيق، هو واحدا من أهم محطات المخرج محمد خان السينمائية.

فيلم "خرج ولم يعد" هو درة أعمال عاصم توفيق في رأيي، هو وإن كان مأخوذ عن رواية "براعم الربيع" للكاتب هـ. أ. بيتش، إلا أنه تم تمصير القصة ببراعة وتحويلها إلى أجواء مصرية خالصة، وتقديم الصراع بين القبح والجمال في صورة شديدة الشاعرية بعيدة عن الفذلكات والخطب الرنانة.

فيلم "سوبر ماركت" أيضا هو نتاج ما أصاب الكاتب من صدمة بسبب إنهيار الدول الشيوعية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، فكان الفيلم هو ردة فعل عنيفة تجاه إنهيار تلك الأحلام التي عاش عليها جيل المؤلف، وإن لم يتخلى أيضا عن الشاعرية والبساطة في تقديم فكرته.

وفي كتاب "كما تحب" تتحدث المؤلفة عن عاصم توفيق فتقول، كان معلمها هو السيناريست الكبير عاصم توفيق والذي قال لي: (قبل أن تكتبي يجب أت تعرفي وتتعرفي إلى شخصياتك، سجلي الاسم والطول والصفات والوظيفة والهوايات وكل ما يتعلق بها، تحدثي عنها وهي ستتحدث عن نفسها فيما بعد، وقبل أت تكتبي حرفا، يجب أن تتبلور الفكرة في رأسك المهم هو البداية والنهاية، أما ما بينهما فيكستب نفسه بنفسه، عيشي مع شخصياتك، ثم دعيها تعش)**. تلخص تلك الفقرة في هذا الكتاب مدرسته في الكتابة وكيف كان يتعامل مع أعماله السينمائية والتلفزيونه. أيضا قدم للسينما أعمال أخرى منها "أنف وثلاث عيون" وفيلم "النداهة".

يبدو أن عدم وجوده في دائرة الضوء بشكل كبير وتركيزه في العمل فقط بعيدا عن فكرة الشللية في الفن، مما جعله الغائب الحاضر في أعماله، لكن دون أن يحصل على التقدير اللازم كالكثير من المبدعين البعيدين عن دائرة الضوء إلا بأعمالهم.

توفي في 29 مارس سنة 2001، وهذا المقال تحية في ذكرى روحه المبدعة.

مصادر:

* - محمد فاضل – حوار شخصي ـ بتاريخ: 19 مارس 2019

** - كتاب "كما تحب" – وداد الكواري – دار هماليك - 2019

* صحفية من مصر

سينماتك في 07 أبريل 2019