جاءت ثورة 23 يوليو وجاء معها الخير للشعب العربي كله، وليس
مصر فقط، قامت لإنصاف الفقراء المطحونين، ما جعل اليقين يستقر في وجدان
زينات بأن الثورة قامت لإنصافها تحديداً.
شعرت زينات بأن أبواب المجد فتحت لها، والتاريخ يلعب معها
دوراً مهماً، وأن الدنيا فتحت لها ذراعيها، فلم يكن في مصر فنان مطلوب بهذه
الدرجة سوى هي وإسماعيل ياسين، وكأنهما دخلا سباقاً معاً، سباق لم يقررا أن
يدخلاه بنفسيهما، لكنه فرض عليهما، فرضه المنتجون الذين تكالبوا عليهما،
فتم التعاقد خلال عام 1953 مع إسماعيل ياسين على 17 فيلماً، ومع زينات على
18 فيلماً لتتفوق عليه بفيلم، وهو ما لم يحدث في تاريخ السينما المصرية.
حتى إنها اضطرت إلى رفض نصف ما يعرض عليها من سيناريوهات تقريباً، ليس
تمنعاً ولكن لضيق الوقت، فقد راحت تعمل غالبية ساعات اليوم، ولا تنال حقها
من الراحة إلا من خلال سويعات قليلة قد لا تزيد على ثلاث ساعات في اليوم
الواحد، لتستطيع أن تفي بالتزاماتها بالعقود التي أبرمتها. حتى أصبح اسمها
على كل لسان، سواء من العاملين في صناعة السينما أو من الجمهور الذي أحبها
وتعلق بها بشكل غير طبيعي، فلم تكن دار عرض في القاهرة أو الإسكندرية
وبورسعيد والمنصورة، أو في أي من بقية محافظات مصر، إلا وكانت واجهتها تحمل
ملصقاً لفيلم عليه اسم وصورة زينات صدقي.
مساعدة الأصدقاء
وجد الفنان حسن فايق أن إسماعيل ياسين وزينات صدقي أصبحا
الورقة الرابحة التي يلعب عليها المنتجون، ففكر أن يشارك في الرهان ويلعب
على هذه الورقة، ويخوض تجربة الإنتاج لهما بالمشاركة مع مهندس المناظر عباس
حلمي.
باعتبار أن فايق أحد تلامذة مدرسة نجيب الريحاني، اختار
رواية سبق أن قدمتها هذه المدرسة وهي «الدنيا لما تضحك» التي كتبها
الريحاني وبديع خيري، وأعدّ السيناريو والحوار والإعداد السينمائي لها بديع
خيري، وأخرجها عبد الجواد.
شارك إسماعيل ياسين في بطولة الفيلم كل من شكري سرحان ونجاح
سلام وعبد الفتاح القصري ومحمد الديب واستيفان روستي وسميحة توفيق.
دارت أحداث الفيلم حول فكرة الثري الذي يعاني الملل في
حياته، فيقرر الدخول في رهان مع الشاب «أفلاطون» الذي يعمل ملاحظاً لعمال
بناء، على أن السعادة ليست في المال، فيما يعتبر أفلاطون أن المال هو كل
شيء. فيتفق الشاب المليونير مع أفلاطون أنه إذا استطاع أن ينفق مبلغ ستة
آلاف جنيه شهريًّا، سيعطيه المزيد فيقبل أفلاطون الرهان وهو على يقين أنه
قادر على ذلك. في الوقت نفسه يقع المليونير في حب شقيقة أفلاطون، غير أنه
لا يكشف عن حقيقة شخصيته لها، ويوهمها بأنه مجرد موظف بسيط في شركة
المليونير نفسه، تحبه وتخلص له من دون أن تعرف أن هذا المليونير هو الذي
غمر عائلتها بالمال، فهي لا تقيم وزنًا للمال، خصوصاً بعد أن تنتقل الأسرة
إلى حي راق، بل تفضل أن تستمر بمفردها في العيش في الحي الشعبي، وينتهي
الموقف بأن يخسر أفلاطون الرهان، وتعرف شقيقته حقيقة الشاب الذي أحبته
وتتزوجه، ويتزوج سكرتير المليونير الشقيقة الأخرى للملاحظ التي تجسد
شخصيتها زينات صدقي.
فيما كانت زينات تصور فيلم «الدنيا لما تضحك» استعان بها
المخرج يوسف شاهين في تجربته السينمائية الخامسة في فيلم «نساء بلا رجال»
الذي كتب له القصة والسيناريو وشارك فيه بالتمثيل، وكتب له الحوار نيروز
عبد الملك، وتولى البطولة كل من ماري كوين وهدى سلطان وعماد حمدي وعلوية
جميل وكمال الشناوي وعادل مأمون وعبد الفتاح القصري وووداد حمدي، ثم طلبها
الفنان يوسف وهبي للعمل معه في فيلم «بنت الهوى» تأليف وإخراج يوسف وهبي
وبطولته، ومعه فاتن حمامة وتحية كاريوكا وماري منيب وكمال حسين وشفيق نور
الدين.
وصل الأمر إلى أن زينات أصبحت تصور أربعة أفلام في اليوم
الواحد، تخرج من بلاتوه لتدخل آخر، تخرج من شخصية لتدخل أخرى، تعمل بين 16
إلى 18 ساعة في اليوم، وتنام بين أربع إلى خمس ساعات يومياً، حتى سقطت من
شدة الإعياء والتعب، وتم نقلها إلى المستشفى حيث ظلت فيه خمسة أيام استردت
فيها عافيتها، غير أن الأطباء حذروها من إهمال صحتها.
شعرت زينات بأن ما حدث لها هو بفعل «الحسد» وأن زملاءها
الفنانين هم أكثر من يحسدونها لكثرة عملها والإقبال عليها، خصوصاً منافسها
التقليدي إسماعيل ياسين الذي يعمل في الأعمال نفسها تقريباً، والعدد ذاته،
لكن لأنه كان دائماً يحب أن يطمئن إلى أن زينات لا تعمل أكثر منه، فكان
دائم السؤال لها:
=
مضيتي عقود كام فيلم النهارده يا زينات؟
* (بسخرية)
ولا عقد... بس فيه منتجين مكلميني على خمسة عقود إن شاء الله... في عين
العدو.
= (ضاحكاً)
انت فاكره أني هحسدك... أنا بسأل بس علشان خايف على صحتك.
*
أنصح نفسك يا أبو السباع. أنا سامعه أنك بتصور أربعة وخمسة
أفلام في اليوم.
=
يا ريت... دا الواحد بيصور فيلمين بالعافية.
البسمة الوحيدة
على رغم براعة زينات صدقي في أي دور كان يسند إليها
وتوافقها مع أي أحداث حتى لو كانت تراجيدية، بحيث تكون البسمة وسط المأساة،
وعلى رغم أنها كانت تضمن في هذه النوعية من الأفلام أنها ستكون بعيداً عن
أعين إسماعيل ياسين، فإنها كانت تشتاق إلى الكوميديا، فما إن عرض عليها
المخرج عباس كامل فيلم «لسانك حصانك»، حتى قبلته فوراً.
الفيلم سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، بطولة كل من
شادية وكارم محمود وفريد شوقي عزيز عثمان ومحمد التابعي والراقصة كيتي
والسيد بدير وعمر الجيزاوي وسعاد مكاوي.
فتحت الدنيا ذراعيها لإسماعيل ياسين، مثلما فتحت ذراعيها
لزينات صدقي. قرر الأول أن ينتقل ليعيش في فيللا جديدة في منطقة «مصر
الجديدة»، فعرض على صديقة عمره وشريكة أفلامه زينات صديقي أن تحذو حذوه
وتتجه معه إلى حيث الدنيا الأرحب والأوسع في مصر الجديدة:
=
اسمعي كلامي خديلك حتة أرض ولا تشوفي عمارة جديدة حاجة مفيش
بعد كدا
*
وأنا إيه اللي يوديني آخر الدنيا.
=
مصر الجديدة آخر الدنيا؟
*
أيوا... أنا قاعدة هنا في وسط البلد. لو عندي مسرح أهو شارع
عماد الدين ورايا... ولو أي بلاتوه سينما خمس دقايق أبقى في شارع الأهرامات.
رفضت زينات كل العروض للانتقال من شقتها، وأصرت على البقاء
فيها، خصوصاً أن عدداً من الفنانين يسكنون معها في المبنى نفسه، ثريا حلمي
وعبد السلام النابلسي وزوزو حمدي الحكيم... فالمهم بالنسبة إليها كان أن
إسماعيل ياسين غادر المبنى، كي لا يراها كل يوم ويضطر إلى أن يسألها عن عدد
الأفلام التي تصورها أو التي تعاقدت عليها.
أراد المخرج حسين فوزي أن يقدم زينات صدقي في شكل مختلف،
فاختار لها دور سيدة من الطبقة الأرستقراطية تهوى «سباق الخيل» وترث ثروة
ضخمة ضمن مجموعة من الأقارب.
الفيلم بعنوان «مليون جنيه»، بطولة كل من نعيمة عاكف وشكري
سرحان ومحمود شكوكو وسميرة أحمد وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي ومحمود
المليجي وزوزو شكيب، قصة حسين فوزي وإخراجه، سيناريو أبو السعود الإبياري
وحواره.
يترك «زمرد أغا» إرثاً يقدر بمليون جنيه والورثة هم «مختار»
(محمود المليجي) و{الست عيشة» (زينات صدقي) و{مرزوق» (عبد الفتاح القصري)
و{وفاء» (سميرة أحمد)، ويشترط أن يكون الشخص الأقرب له هو الوصي على
بقية الورثة وهذا الشخص هو فتاة تدعى «فلافل» (نعيمة عاكف)، فتاة تتسول في
الشوارع برفقة متسول يدعى «البرنس» (محمود شكوكو). يتم العثور على «فلافل»
وإبلاغها بالإرث وأنها الوصية على بقية الورثة، وتقرر «فلافل» منح كل وريث
حقه، بمن فيهم هي نفسها، لكن كل وريث ينفق ما ورثه خلال وقت قصير جداً،
فتقرر «فلافل» التنازل عن إرثها للجمعيات الخيرية، خوفاً من مصير أقاربها.
ما إن دخلت زينات باب شقتها حتى وجدت جرس الهاتف يرن، فجرت
نادرة لترد:
*
لو إسماعيل ياسين قوليله نايمة.
=
لا دا مش عمو إسماعيل... دا عمو أنور وجدي.
*
أنور. طب هاتي... ألو... أيوا حبيبي يا أبو الأنوار. بس
كدا... انت تأمر... لا مش عايزه أعرف. كفاية أني هاقف معاك أنت ولولا
حبيبتي. وكمان سليمان بيه... لا... أنا صحيح مع الثورة وبحبها. بس الراجل
دا أفضاله عليا ما تتعدش... علشان كدا هفضل أقول له سليمان لحد آخر يوم في
حياتي. وكمان الأستاذ زكي رستم. الله حلو أوي يا أنور... بس هو دا اللي كنت
مستنية اسمع اسمه... أبو السباع. إسماعيل ياسين... كدا كملت.
قدمت فيلم «ليلى بنت الأكابر» قصة أنور وجدي وإخراجه،
سيناريو وحوار أنور وجدي وأبو السعود الإبياري، ومساعد المخرج حسن الصيفي،
مع ليلى مراد وأنور وجدي وزكي رستم وإسماعيل ياسين وسليمان نجيب والمطرب
الشعبي محمد عبد المطلب.
دارت أحداث الفيلم حول ليلى، الفتاة الجميلة رقيقة المشاعر
التي تعيش مع جدها بالقصر الكبير مانعاً إياها من الخروج أو مقابلة الأغراب
لعدم تكرار قصة والدها الذي تزوج من والدتها الفقيرة.
اختبار جماهيري
يسافر الباشا إلى الحج تاركاً ليلى مع خالها للحفاظ عليها،
فيأتي الأسطى أنور وزميله شفشق لإصلاح الهاتف المعطل في القصر ويقع أنور في
حب ليلى معتقداً أنها خادمة في المنزل، ويتفقان على الزواج. في الوقت نفسه
يقع خال ليلى (سليمان نجيب) في حب «حلويات» شقيقة أنور، التي تجسد دورها
زينات صدقي. يأتي الجد من السفر ويحاول تفريق الزوجين ولكن بعد مجادلات
طويلة يتمسك الزوجان بحبهما وينتصران ضد التقاليد البالية.
انتهى تصوير الفيلم ولم يكن يعلم جميع العاملين فيه أنه آخر
فيلم يخرجه أنور وجدي لزوجته ليلى مراد، فقبل أن يعرض الفيلم في دور العرض
تم انفصالهما، وكان الانفصال الأخير بينهما، ليفترقا إلى الأبد بعد حياة
زوجية ليست طويلة، أخرج خلالها أنور وجدي سبعة أفلام من بطولة ليلى مراد
وشاركها فيها كممثل، وتعد من أنجح وأفضل الأفلام الغنائية والاستعراضية في
تاريخ السينما المصرية.
اختار المخرج عاطف سالم زينات لتقدم دور «لطيفة» في فيلم
«الحرمان» تأليف نيروز عبد الملك، وبطولة كل من الطفلة المعجزة فيروز وعماد
حمدي وزوز ماضي وعدلي كاسب ونجمة إبراهيم وعبد السلام النابلسي.
بعده شاركت شادية ومنير مراد ومحمد التابعي بطولة فيلم «أنا
وحبيبي» ومعهم كل من عبد السلام النابلسي وتوفيق الدقن وسناء جميل ومي
مدور. ثم فيلم «اللقاء الأخير» تأليف السيد زيادة وإخراجه، بطولة كل من
محسن سرحان ومحمود المليجي وعماد حمدي وهند رستم وزينات علوي وفردوس محمد
وبدرية رأفت وجلال صادق.
عادت زينات تلتقي مع أنور وجدي، لكن هذه المرة لم تكن معهما
ليلى مراد، بل الطفلة المعجزة «فيروز» من خلال فيلم «دهب» عن قصة وتمثيل
وجدي وإخراجه، سيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، إلى جانب ماجدة
وإسماعيل ياسين وسراج منير وميمي شكيب وصفا الجيمل وعدلي كاسب وعزيزة حلمي.
قدمت زينات فيلم «المرأة كل شيء» قصة فريد شوقي، سيناريو
حلمي رفلة وإخراجه، إلى جانب كل من فريد شوقي وتحية كاريوكا ومحسن سرحان
وليلى فوزي وعبد الغني السيد وحسين رياض وعزيز عثمان ومنسي فهمي. ثم فيلم
«مليش حد» تأليف مصطفى سامي سيناريو إبراهيم عمارة وإخراجه، بطولة كل من
شادية ماجدة وشكري سرحان وشكوكو سميحة توفيق. بعد ذلك، شاركت في فيلم
«ظلموني الحبايب» قصة يوسف عيسى وسيناريو بديع خيري وحواره، وبطولة كل من
فريد شوقي وعماد حمدي ودولت أبيض وصباح والزرقاني وحسين رياض وشريفة ماهر.
انتهت
زينات من تصوير آخر مشهد لها في الفيلم، وكادت تسقط من شدة الإعياء،
فاستقلت سيارة الأستوديو عائدة إلى بيتها، وما إن جلست في السيارة حتى راحت
في نوم عميق، لم يوقظها منه سوى صوت آلات تنبيه السيارات المختلفة التي
توقفت لأن سيارة وقفت بعرض الشارع في حي المنيرة القريب من مسجد وحي السيدة
زينب، وعلى بعد خطوات من قصر عابدين، وجدت رجلاً بملابس رثة وقد أمسك بطفل
لا يتعدى عمره 12 عاماً، وراح يضربه ضرباً مبرحاً.
أفاقت زينات، نظرت إلى هذا المشهد، وفجأة تحولت السيدة
المنهكة المتعبة التي نامت داخل السيارة من شدة الإرهاق إلى وحش كاسر،
انطلقت كالسهم من داخل السيارة، وأمسكت بالرجل وأوسعته ضرباً. تجمع حولها
المارة وقد تعرفوا إليها وظنوا أن ما يشاهدونه جزءاً من فيلم من أفلامها
يتم تصويره، فراحوا يصفقون بحرارة مرددين: بص شوف زينات بتعمل إيه... بص
شوف زينات بتعمل إيه.
فجأة أفلت الرجل منها وجرى ليجلس على الرصيف المقابل وظل
يبكي، نظرت إليه زينات ورق قلبها له، فذهبت إليه وأخذته من يده وأجلسته على
كرسي في المقهى المجاور والجمهور يلاحقها:
*
لما انت غلبان وحالك عدم كدا... بتضربه الضرب دا كله ليه؟
=
يا ست زينات أنا سيد دنجل الميكانيكي... ودا الصبي بتاعي.
غلط غلطة كان هيضيع عربية الناس... يبقى لازم أعلمه ولا غلطان.
*
ما قلناش حاجة بس العلام بالأصول. ومهما كان دا برضه عيل...
عموماً حقك عليا لو كان الضرب وجعك.
=
الضرب ما وجعنيش... اللي وجعني الإهانة قدام الحتة كلها.
وأنا أجدعها راجل ما يقدرش يرفع عينه فيا... ولولا أنك واحدة ست كنت عرفت
أتصرف معاكِ... بس دلوقت ارفع عيني إزاي في وش أهل الحتة؟
*
عموماً أنا بعتذرلك قدام كل أهل الحتة. وعزامكم كلكم يوم
الحد اللي جاي على الفيلم بتاعي الجديد مع كمال الشناوي وهدى شمس الدين
ومحمد عبد المطلب ومحمد أمين وعبد الغني السيد وعمر الجيزاوي ومحمد التابعي
«كبير الرحمية قبلي»، والفيلم اسمه «بينى وبينك» وخللي اللي حصل دا بيني
وبينك بس.
ضج أهالي الشارع بالضحك، وراحوا جميعاً يمتدحون أعمالها
ويعدون أفلامها الأخيرة وأدوارها فيها، بأسماء الشخصيات، ثم راحوا يودعونها
بالتصفيق والزغاريد والهتافات.
على رغم أن الحادث جاء صدفة ولم تكن تتوقعه ولا تعرف عاقبة
ما فعلته، وكيف أن الحادث انتهى بكل هذا الترحيب لها، وتظاهرة الحب التي
شيعها بها الجمهور، فإن ذلك نبهها إلى شيء مهم جداً، هو رد فعل الجمهور حول
أعمالها، وأنها لم تعد تلمس هذا الرد منذ أن ابتعدت عن المسرح في الفترة
الأخيرة، فخطر لها أن تعيد التفكير في أمر المسرح من جديد.
لم تسر السيارة أكثر من مئة متر، حتى صرخت زينات في وجه
السائق: استنَّ عندك يا إبراهيم. استنَّ... ارجع ورا تاني.
طالبته بالوقوف فوراً... فلم تصدق عيناها ما شاهدته.
البقية في الحلقة المقبلة
عين الحسود
كانت زينات ترد السخرية بالسخرية، غير أنها في الوقت نفسه
كانت تخشى أن يعرف أحد عدد الأفلام التي تعمل فيها، إلا بعد الانتهاء من
تصويرها، لدرجة أنها كانت تنكر وجودها في بيتها، عندما يرن جرس الهاتف،
وترد ابنة شقيقتها «نادرة»:
=
دا عمو إسماعيل ياسين.
*
قوليله نايمة.
ما إن كانت نادرة تغلق الهاتف، حتى جري زينات بسرعة لتقوم
بعمل طقوس مستمدة من الثقافة الشعبية المصرية، لها امتداد من الحضارة
الفرعونية، ما يسمى بـ «تعويذة الحسد»، حيث تحضر ورقة بيضاء تقصها على شكل
عروس، وتغرز «إبراً» فيها عدة مرات متتالية، ومع كل غرزة تسمى واحدا من
الذين تخاف من عينيه: من عين إسماعيل ياسين، ومن عين حسن فايق، ومن عين
فريد شوقي... ومن عين ميمي شكيب.. وكمان مرة من عين إسماعيل ياسين.
كانت زينات تظل تسمي اسماً مع كل غرزة، وما إن تنتهي تحرق
العروس، ثم تطلق البخور درءا للحسد، فهي كانت تخشى الحسد فعلاً، تحديدا من
عين ياسين، وعلى رغم ذلك كانت تسعد بشكل كبير عندما يأتي فيلم يجمعهما
معاً، فمن ناحية هي كانت تحب العمل معه لأنها تقدره كفنان وتعرف قيمته، ومن
ناحية أخرى كانت تضمن أنه لن يسألها عما تصور لأنهما يعملان في فيلم واحد
معاً.
في مقابل ذلك كانت تخفي عنه الأفلام التي تشارك فيها بعيداً
عنه، مثل فيلم «بيني وبينك» مع: كمال الشناوي، هدى شمس الدين، عبد المطلب،
محمد أمين، عبد الغني السيد، عمر الجيزاوي، محمد التابعي، محمد الديب،
وتأليف حسن رضا وإخراجه. كذلك فيلم «موعد مع الحياة»، بطولة كل من فاتن
حمامة وشادية وشكري سرحان وعمر الحريري ونور الدمرداش وحسين رياض وعبد
الوارث عسر وسعيد أبو بكر، تأليف عز الدين ذو الفقار وإخراجه، الذي ما إن
انتهى من التصوير حتى اتفق مع زينات على أن تشارك معه في تصوير فيلمه
الجديد «أقوى من الحب» مع شادية وعماد حمدي ومديحة يسري، وحسن البارودي.
الجريدة الكويتية في
05/08/2013 |