المشاكس يوسف شاهين (14-15)
الهزيمة والاختيار
هبة الله يوسف
من نجاح إلى ارتباك وتخبط، وفشل وراء فشل إلى نجاح آخر ساحق مدوٍ، ثم ضغوط
وحصار وصدام يدفعه إلى «الفرار»، ثم مزيد من التخبط والارتباك... و»يا
للهول» على طريقة يوسف وهبي، دراما «حياتية» رهيبة ربما يستنكرها البعض إذا
رآها مجسدة أمامه على الشاشة، ولكن شاهين عاشها بكل ما فيها من فرح وقسوة
ومرارة والأهم أنه لم ينكسر وظل صامداً، واقفاً «كما النخل باصص للسما». عن
السيرة الشاهينية نواصل.
اغترب شاهين عن بلده مضطراً، خرج محتجاً وغاضباً، لكنه لم يكن سعيداً بقرار
الخروج، وفي الغربة طرح على نفسه مزيداً من الاسئلة حول الوطن والفن
والانتماء.
يقول شاهين: «لم أكن سعيداً، كنت دائماً أتساءل بيني وبين نفسي: ماذا أفعل
هنا؟ وإلي أي شيء انتمي؟، وكان جوابي القاطع: «أنا ابن مصر» ولا حياة لي
ولا إبداع إلا في مصر»، ولكن كان دوماً يتوقف عند «لكن»، لم يعرف كيف، فقط
كان مدفوعاً بالحنين.
مرة أخرى تتدخل «العناية الإلهية» لترسم «سيناريو العودة»، فقد وصله اتصال
من صديقه الكاتب السياسي والمسرحي لطفي الخولي يطلب منه العودة بناء على
رغبة الرئيس عبد الناصر، يقول: «طبعاً اعتبرت الرسالة مجرد مجاملة من صديق،
وتجاهلت الأمر حتى سافرت إلى باريس، وهناك التقيت مصادفة بوزير الثقافة
والإرشاد القومي الدكتور عبد القادر حاتم، كنت مدعواً في حفل أقيم على شرف
الوزير، وما إن لمحني بين الموجودين، حتى بادرني بالتحية ونقل لي نفس
الرسالة من الرئيس عبد الناصر مشدداً على ضرورة عودتي قبل احتفالات الثورة
في شهر يوليو».
يضيف: «لم أصدق أن عبدالناصر شخصياً يسأل عني، أو يلاحظ غيابي أصلا، لكن
الوزير أكد لي ما حدث، وقال: سأل عنك وقال: فين المجنون بتاعكم؟ لماذا لا
يعمل ويقدم أفلاماً جديدة؟، فقالوا له إنك «طفشت»، بتطفشوه ليه؟ صالحوه
وقولوا له يرجع.. ده فنان مبدع، وعمل صلاح الدين وكان كويس، معلش هاتوه
واعطوه الفلوس اللي يطلبها لإنتاج أفلام جديدة، فقالوا له: عرضنا عليه 3
أفلام لكنه رفض، فتعجب ناصر قائلا: يبقي مش بتاع فلوس بقى زي ما بتقولوا،
أنا معرفش الكلام ده، شاهين لازم يكون هنا قبل يوليو القادم.. اتصرفوا«.
أنهى شاهين كل ارتباطاته في الخارج واستقل الطائرة وعاد إلى القاهرة،
ليستأنف العمل في فيلم «غداً تبدأ الحياة» الذي تحول اسمه بعد ذلك إلى
«النيل والحياة»، ثم أعيدت صياغته في فيلم ثالث بعنوان «الناس والنيل»،
ولكن سرعان ما عادت ريما إلى سوابقها القديمة، وتجددت المشاكل وظهر التعنت
وتضارب الآراء بين الجانب المصري والجانب الروسي في انتاج الفيلم الذي
يتناول قصة بناء السد العالي، لكل جانب طلبات ورغبات واعتراضات، ما أنتج في
النهاية فيلماً مفككاً.
يقول: « تلك الفتره من حياتي لم تكن سهلة، كانت عبارة عن اجتماعات ومناورات
وفي النهاية يأس كبير وقبول بالأمر الواقع، ولم يحقق الفيلم أي نجاح يذكر،
وفي الشكل الذي قدم به لم يكن ليستحق أكثر من ذلك. كنت أريد أن أصور يوميات
العمل والحياة حول السد العالي، لتوثيق هذه المرحلة، لكنهم أرادوه فيلما
عادياً، لكن سيبقى في النسخة المحفوظة لدى السينماتيك الفرنسي أفضل مشاهد
صورت عن تحويل مجرى النيل«.
ما إن بدأ شاهين يستعيد قدرته على الصبر ورغبته في العمل رغم كل العقبات
حتى حدثت أكبر كارثة أربكت كل حساباته، هزيمة يونيو 1967، هزت كيان شاهين
قبل أن تفتح أمامه أفاقاً جديدة لإعادة قراءة الواقع.
يقول شاهين: «صُعقت، واعتزلت لفترة في غم شديد، ثم قلت لنفسي: «أنا حمار
عظيم جداً».. الأحلام مش بتاعة الرؤساء.. دي بتاعتنا إحنا، وبما أننا
صادقون في أحلامنا يبقى لازم نكمل بصدق، ونصارح أنفسنا ونصارح الناس ولا
نقبل بالخداع».
يوضح شاهين: «هزيمة يونيو أدت دوراً كبيراً في إدراكي وزيادة وعيي، وصممت
أفهم ما حدث حتى يمكن تجاوزه، المؤكد أنني لم أندم على انحيازاتي، فعندما
كان علي أن أختار لم اقف متفرجاً واخترت الالتحام، واشتبكت بصدق مع الواقع
وعبرت عما أؤمن به وأصدقه، لهذا وجعتني الهزيمة«.
في هذه الفترة حقق شاهين أول أفلامه القصيرة «عيد الميرون» (1967 ) من
إنتاج الكنيسة المصرية، وهو يرصد اسبوع رحلة الآلام وطقوس التعميد عند
الكنيسة المصرية منذ مرقص الرسول إلى الإمبراطور أثناسيوس وحتى الأنبا
كيرلس السادس، والفيلم مزيج بين الروائي والتسجيلي، ولا يوجد تفسير لتقديم
هذا الفيلم، إلا أن شاهين كان يحتاج إلى لحظة سلام مع النفس لتصفية الذهن،
واستيعاب ما يحدث حوله، فخاض التجربة، ثم فكر بعدها في مشروع قديم كان
يشغله منذ سنوات، وهو تحويل رواية «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي إلى فيلم
سينمائي.
يقول: «انتظرت سنوات طويلة حتى أتجرأ على تحقيق هذا العمل، فعندما قدمت
«ابن النيل» كان عمري 24 سنة، وكان السؤال فيه «ليه بتشتموا الفلاح؟»، لكن
في «الأرض 1969» بعدما وصلت إلى سن النضج (41 عاماً) واكتسبت خبرة ووعياً
وإدراكاً «كنت عارف ليه بيشتموا الفلاح وبيستغلوه إزاي».
كان شاهين قد سبق وتعاون مع الشرقاوي في فيلمي «جميلة» و«صلاح الدين» ومع
حسن فؤاد في «الناس والنيل»، وعندما عرض شاهين تحويل الرواية إلى فيلم تحمس
الشرقاوي، وارتفعت حماسته أكثر عندما عهد شاهين إلى الفنان حسن فؤاد بكتابة
السيناريو والحوار، والطريف أن شاهين ووفقاً لاعترافاته تخلى بإرادته الحرة
المستقلة عن «نزعته العاطفية»، مشيراً إلى أنه كان عليه أن يحترم واقعية
الشرقاوي، ولأن السيناريو وصل إلى 600 صفحة، لذا كان على شاهين وفؤاد
الاختصار وتكثيف الأحداث وبما لا يخل برسالة الفيلم أو يعوق رسم شخصياته.
في البداية رشح سعاد حسني لدور «صفية» ابنة أبو سويلم، لكنها رفضت لصغر
الدور، وبعد سنوات أعلنت ندمها على عدم قبول الدور الذي قامت به المذيعة
نجوى إبراهيم، وتصدرت صورتها ملصق الفيلم.
يقول شاهين: «لم نضع صورة صفية طمعاً في نجومية نجوى ابراهيم، لكن لتوضيح
رمزية الشخصية وارتباطها بمعنى الأرض بشكل ما، فإذا كانت صفية يتمناها كل
رجال القرية، فالأرض أيضا كانت مطمعاً ولا تقدر بثمن عند أبو سويلم».
حرب الجوائز وعنصرية دوغلاس
رغم النجاح الكبير الذي حققه فيلم «الأرض» جماهيرياً ونقدياً، إلا أنه ظلم
على مستوى الجوائز، سواء عالمياً أو محلياً. فعندما شارك الفيلم في
المسابقة الرسمية لمهرجان كان عام 1970 حقق ردود فعل جيدة وتوقع الحاضرون
حصوله على جائزة، إلا أن لجنة التحكيم في هذه الدورة كان يترأسها الممثل
الأميركي كيرك دوغلاس، الذي صرح حينها بألا مجال أن يفوز فيلم شاهين أو أي
من نجومه بجائزة، وانتقد السينما المصرية واتهمها بالتخلف والبدائية، ما
دفع شاهين إلى التهكم على دوغلاس قائلا: «حرر العبيد في «سبارتكوس» وأذل
العرب في «كان»، لأنه عنصري صهيوني».
وفي مصر واجه الفيلم نفس الظلم، فقد رفض يوسف السباعي رئيس المجلس الأعلى
لرعاية الفنون والآداب اعتماد نتيجة المهرجان القومي للسينما المصرية في
أولى دوراته عام 1972 التي أقيمت بمصيف بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، ورفض منح
شاهين الجائزة بحجة أنه «شيوعي»!
صعوبة الاختيار
واصل شاهين «مراجعات الهزيمة»، ومحاولة فهم ما حدث، وقال عن ذلك: «في مرحلة
ما بعد النكسة، كنا واقفين في منطقة وسط، لا حرب ولا سلم، عندنا شيزوفرنيا،
لذلك فكرت في شخصية مثقف عنده انفصام وازدواجية».
في ذلك الوقت توطدت علاقة شاهين بالفنان عزت العلايلي بعد فيلم «الأرض»
واشتركا في مناقشات طويلة عن أزمة المثقفين والوعي الكاذب، واقترح العلايلي
عرض الفكرة على الأديب نجيب محفوظ، فتحمس شاهين وتم الاتصال بمحفوظ الذي
طلب أسبوعاً يكتب فيه معالجة فنية لمأزق المثقف، وبعد أسبوع قدم لهما
الملخص المطلوب، ويومها فاجأ العلايلي شاهين برغبته في تبادل الأدوار،
بمعنى أن يخرج هو الفيلم، على أن يجسد شاهين شخصية التوأم سيد ومحمود.
وافق شاهين في البداية ثم تراجع فاعتذر العلايلي عن عدم الإخراج لأن
التجربة كانت مرتبطة بموافقة شاهين على التمثيل، لتبدأ مجدداً رحلة البحث
عن ممثل يتحمس للدور، وعليه رشح شاهين الفنان رشدي أباظة، وذهب إليه في
منطقة العلمين حيث كان يصور فيلماً، لكن اللقاء انتهى بخلاف وقطيعة.
رشح العلايلي الوجه الجديد محمود ياسين، واصطحب شاهين إلى المسرح ليشاهده
في أحد العروض، وافق شاهين وقابل ياسين لكنه لم يلتزم بالتفرغ لارتباطه
بفيلم «نحن لا نزرع الشوك» مع حسين كمال تلميذ يوسف شاهين، وتم ترشيح عبد
الحليم حافظ لكنه رفض، وأخيرا ذهب الدور إلى العلايلي وشاركت سعاد حسني
لأول مرة في أفلام شاهين، ونال الفيلم جائزة «التانيت الذهبي» من مهرجان
قرطاج السينمائي 1970، وتواصلت أفلام النكسة من «الاختيار» إلى «العصفور».
يقول شاهين: «كان فيلم «الأرض» هو ردي السينمائي على هزيمة يونيو بضرورة
التمسك بالأرض، وكان «الاختيار» هو عريضة الاتهام للمثقف الانتهازي وحالة
الفصام التي يعيشها وأدت إلى التضليل والهزيمة، والتي في تصوري لم تكن
عسكرية فقط، لكن رؤيتي كانت ناقصة وكان لدي المزيد من الكلام الذي أريد أن
اقوله عن الهزيمة واسبابها، ورغبتنا في الخروج منها، لهذا فكرت في
«العصفور»:
«عصفور محندق يزقزق/ كلام موزون وله معنى/ عن أرض سمرا، وقمرا، وضفة ونهر
ومراكب/ ورفاق مسيرة عسيرة، وصورة حشد ومواكب/ في عيون صبية بهية، عليها
الكلمة والمعنى».
وفي تقديمه للفيلم يقول: «في شوارع القاهرة والجزائر وتونس وكل العواصم
العربية، وفي أقصى القرى يستوقفني الشباب ويسألونني: قل لنا يا يوسف ما
الذي حدث في يونيو 67؟ من أين جاءت الهزيمة؟ ولماذا؟.. لقد كنا مستعدين
للمعركة، كل هؤلاء الناس الطيبين الجدعان، هؤلاء «العصافير» التي أحب،
والذين لم يتوانوا لحظة في التاسع من يونيو في الخروج للشارع رفضاً للهزيمة
ومواجهة العدو، لأجل هؤلاء جميعا نحاول التوضيح عبر «العصفور».
فاتحة السينما الشاهينية
امتلك شاهين أدواته، وحقق قدراً كبيراً من الاستقلال والانتصار على شروط
السوق، وكان «العصفور» أول إنتاج لشركة أفلام مصر العالمية التي أسسها لهذا
السبب، والفيلم إنتاج مشترك مع المؤسسة الجزائرية للسينما في تجربة كانت
تبشر بخير عربي لم يستمر، خصوصاً أن الفيلم الذي اكتمل عام 1972 ظل ممنوعاً
من العرض في مصر حتى عام 1974 بعد انتصارات أكتوبر التي بشر بها الفيلم عبر
صرخة «بهية» «حنحارب.. حنحارب»، وكانت أجهزة الأمن تلغي عروض الفيلم في
الجامعات وفي كل مكان، وتتهم المخرج بالترويج للانهزامية لأنه يتحدث عن
الفساد كسبب للهزيمة، ويعرض مشاهد لشاحنات تحمل مسروقات من مصانع القطاع
العام لحساب طبقة اللصوص الكبار في السلطة. وتربص للفيلم يوسف السباعي الذي
أصبح وزيراً للثقافة ولمخرجه أيضاً، وكان يتحايل للحصول على نيغاتيف الفيلم
لكي يحرقه، لولا أن «النيغاتيف» كان بالفعل في الجزائر (الجهة المشاركة في
الإنتاج) لذلك اكتفوا بمصادرة كل النسخ المطبوعة.
يحكي شاهين عن هذه الفترة قائلا: «عندما حاول يوسف السباعي أن يمنع
«العصفور» في البداية لم أفهم لماذا؟، ولكني أدركت بعدها أنه أحد الذين
يوجه لهم الفيلم أصابع الإدانة. موقفه أكد لي أن هناك أناساً كثيرين ممن
قلدهم عبد الناصر مناصب مهمة كانوا فعلا ضد الثورة وأساؤوا لها، فعندما
شاهد الفيلم قال لي «مين عمل الفيلم ده؟»، رددت مستنكرا» يعني مين؟ أنا
اللي عامله طبعا، فرد قائلا « لا ده ميطلعش في السينما خالص»، فقلت له تقدر
ما تطلعوش عندك بس مش حتقدر تمنعه بره، لأن النتيغاتف موجود بره. وبالفعل
شاركت بالفيلم في مهرجان كان عام 1973 في قسم نصف شهر المخرجين، وعرضته في
مهرجان «بيت ميري» في لبنان سبتمبر 1973، قبل حرب أكتوبر بأيام، وأصدر
السينمائيون في المهرجان بيانا يؤازرون فيه الفيلم، ويطالبون السلطات
المصرية بالرجوع عن قرار المنع، وأكبر انتصار للفيلم أن «رايات النصر» من
ألحان علي اسماعيل في الفيلم كانت أول أغنية تذاع للتعبير عن نصر أكتوبر
العظيم».
يضيف شاهين: «للأسف معارك العصفور لم تكن مع الرقابة فقط، لكن مع المثقفين
الذين فضحتهم في «الاختيار»، فقد اختلف معي الكاتب لطفي الخولي، ووصل
الخلاف لحد تهديده بالتقاضي، واتهمني بسرقة شخصية «بهية» رغم أنها موجودة
في «الاختيار» وملامحها في كل بطلات أفلامي السابقة، والحكاية بدأت لما
التقيت الخولي مصادفة في أحد الأندية الرياضية، وتطرق بنا الحوار فسألته إن
كان يرغب في مشاركتي بكتابة فيلم، فلم يمانع، وبالفعل بدأنا العمل سوياً،
ومع الوقت بدأ يتعامل بوصفه مخترع شخصية «بهية». صحيح هو اشترك في كتابة
أشياء بالفيلم، لكن غير التي يذكرها وبالأخص «بهية»، وعندما بدأنا نحضر
ملصقات الفيلم اكتشفت أنه أناني جداً، حيث طلب أن يوضع اسمه قبل الجميع
وخاصة البطلة (محسنة توفيق)، وهدد بأنه سيرفع قضية ضدي، الأمر الذي صدمني
وأحزنني جدا، وفي النهاية «ريحت دماغي من المشاكل» ووضعت اسمه بالطريقة
التي ترضي غروره، والغريب لما تم منع الفيلم لم يبذل الخولي أي جهد في
الدفاع عنه، ولم يكتب حرفاً ينتصر لحرية الإبداع ويواجه السلطة، فقررت أن
أقف ضد القمع لوحدي برغم شراسة المعركة التي استمرت طويلاً..
في الحلقة المقبلة نواصل التعرف إلى تفاصيل معارك شاهين مع أجهزة القمع
وخفافيش الظلام..
السباعي
أثناء أكتوبر 1973 تغاضيت عن خلافاتي مع يوسف السباعي وكان قد أصبح وزيراً
للثقافة، وذهبت إليه في مكتبه، وقلت له: أنا تحت أمر البلد.. عاوز أعمل
حاجة لأني مش هقدر أنتظر لتقديم أفلام، السينما تحتاج لوقت طويل، أريد ان
أذهب إلى الجبهة لدعم جنودنا، ولتوثيق بطولاتهم.. عاوز أروح أصور على
الجبهة، اعطوني تصريح، أرجو أن تتصرف لازم أكون على الجبهة»، وبعد يومين
(كنت أتصل به 7 مرات في اليوم) أخبرني أنه اتصل بالمخابرات الحربية، وانهم
رفضوا.
سألته: يرفضوا ليه؟
فقال بقلة ذوق: لأنك «أطرش» وممكن تقع على دماغك قنبلة من غير ما تسمعها.
قلت له: عندهم حق، هبعت لهم ناس بيسمعوا كويس، وبمجرد أن وضعت سماعة
التليفون جمعت عدداً من أبرز تلاميذي وكان في مقدمهم المخرج علي بدرخان،
وطلبت منهم أن يذهبوا للجبهة ويصوروا كل شيء بالتفاصيل الدقيقة، واستلمت
المواد المصورة وصنعت فيلم «الانطلاق» مدته 15 دقيقة عن العبور وانهيار خط
بارليف ورفع العلم المصري على سينا، واستخدمت أغنية «رايات النصر» من فيلم
«العصفور» التي تقول كلماتها: «رايحين شايلين في إيدنا سلاح/ راجعين رافعين
رايات النصر/ سالمين.. حالفين بعهد الله/ نادرين.. واهبين حياتنا لمصر/
شرفك يا بلدي.. وعزة كرامتي/ يا غالية ده حقك.. أمانة فى رقبتي».
الخولي
لا يهرب يوسف شاهين من معركة، ولا يترك خصومة بغير إدانة وفضيحة، لذلك حكى
كثيراً عن سلبيات يوسف السباعي ومسؤولي الرقابة على الحريات، لكنه في هذه
الشهادة يفضح مثقفاً فصامياً (حسب رأيه) هو الكاتب اليساري لطفي الخولي
الذي كان شاهين يكن له كل التقدير والاحترام ثم حدث شرخ كبير بينهما.
يقول شاهين: وأنا أعمل في فيلم «بونابرت» اتصل بي لطفي الخولي محتداً
وسألني: «انت حتعمل فيلم عن بونابرت؟
قلت: أيوه بشتغل والأخبار في كل الصحف.
قال: بونابرت ده بتاعي.
قلت له: مش فاهم، لأني فعلا ما كنتش فاهم يقصد إيه.
رد قائلا: «أنا اللي كتبت «حدوتة زينب» اللي هو حبها، وأهلها بهدلوها.
قلت له: ماعنديش زينب في فيلمي.
فانفعل وبدأ يهدد ويتوعد، وكأن «بونابرت» بتاعه فعلاً، صحيح الخولي كاتب
سياسي كبير، وتعلمت منه أشياء كثيرة، لكنه لم يكن بنقاء عبد الرحمن
الشرقاوي مثلا، كان مثل السباعي، من المثقفين الانتهازيين الذين يريدون
مكاسب شخصية بأي طريقة.
البقية في الحلقة المقبلة
·
عبدالناصر استدعاني من المنفى
·
بعد هزيمة 1967 اكتشفت «أني حمار عظيم جداً»
·
كيرك دوغلاس «العنصري» منع جائزة كان عن »الأرض« ويوسف السباعي حاربه في
مصر |