امرأة تدفع الثمن
بعرض فيلم «أحلام الشباب» للمخرج كمال سليم، تأكد للجميع أن تحية
كاريوكا تجيد التمثيل بقدر إجادتها الرقص فلم تعد تكتفي بالرقص في السينما،
وأكدت اسمها في دنيا الإبداع كممثلة.
بدأت نجومية تحية كاريوكا في الصعود بشكل سريع، سواء في الرقص معتمدة
على إعادة إنتاج هارمونية الرقص الشرقي، أو في السينما معتمدة على
تلقائيتها وطبيعتها، غير أنها وجدت بذكائها ضرورة استمرارها في الطريق الذي
وضعها عليه الفنان سليمان نجيب، فقد تعلمت الحياة الأرستقراطية والموسيقى
والباليه، وكل ما يلزم الفنانة من أدوات، لكن ينقصها شيء مهم: الثقافة
العامة، ليس في عالم السينما والرقص والمسرح، ولا في السياسة التي تفرض
نفسها عليها كما تفرضها على غيرها، بل ثقافة الأدب والرواية، ثقافة الأدباء
والكتاب والمفكرين.
قررت تحية إنشاء مكتبة ضخمة في بيتها، ليس كديكور أو استكمالاً
للواجهة الاجتماعية، بل لتملأها بالكتب والروايات والاتجاهات المختلفة من
الثقافة العامة والأدبية، واستعانت بالفنان سليمان نجيب ليشير عليها ماذا
تقرأ ولمن؟
راحت تقرأ من الأدب العالمي روايات شكسبير وموليير وديستوفسكي، ومن
الأدب العربي لتوفيق الحكيم وطه حسين ومحمد تيمور، وغيرهم.
أول نقيب
انتهزت تحية فرصة تدهور حالة المسرح والملاهي والسينما بسبب سوء
الأحوال الاقتصادية التي فرضتها الحرب، وراحت تهتم بالقراءة والثقافة، بل
وتنخرط في الحياة الأدبية، تجالس المفكرين والأدباء والمثقفين، وتطرح
الكثير من الآراء السديدة للنهوض بالثقافة المصرية والسينما، ودور فناني
مصر في هذا المجال، وكيفية الاهتمام بهم وحفظ حقوقهم، ما ولد إحساساً عاماً
في الوسط الفني بضرورة إنشاء كيان يحفظ للفنانين حقوقهم وينظم عملهم،
فاجتمع أهل السينما والتمثيل وقرروا إنشاء أول كيان تنظيمي يضم العاملين في
السينما، واتفق الجميع على إنشاء «نقابة التمثيل والسينما».
تقدم للترشح عدد من السينمائيين، من مخرجين وممثلين ومؤلفين، ففاز
المخرج محمد كريم وأصبح أول نقيب للممثلين والسينمائيين المصريين في يونيو
عام 1943، بعدما ساندته كاريوكا وراحت تدعمه بقوة على رغم أنه لم يسبق لها
العمل معه، فقد لمست فيه الثقافة الفنية والسينمائية، وإمكان تقديم الدعم
الفني للسينما المصرية.
شعرت كاريوكا بمسؤولية كبيرة تجاه الفن والفنانين، وأنها لا بد من أن
تركز في السينما التي تعشقها، كذلك شعرت بقيمة دروس سليمان نجيب، ففكرت في
تقديم نفسها للسينما بشكل جديد، خصوصاً بعدما لمست حذراً من الملاهي الليلة
في التعاقد معها منذ أن أحرجت الملك وجعلته يخرج مطأطأ الرأس من أحد ملاهي
الدرجة الثانية، وكأن ثمة اتفاقاً غير معلن، بالحذر (وليس المنع النهائي)
في التعامل معها خشية أن تجلب عليهم المشاكل.
على رغم ذلك لم يتزعزع يقين تحية بحريتها واستقلالها وعدم تقديم أي
تنازل، حتى لو اضطرت إلى الجلوس في بيتها بلا عمل، غير أنها أرادت أن تتأكد
من تلك الشكوك، ففكرت أن تفاتح سليمان نجيب بما له من صداقات من باشاوات
ووزراء مقربين من القصر، ربما استطاع أحد أن يؤكد أو ينفي له ما تفكر فيه،
لكن الأقدار كانت أسرع منها.
القدر يضع حلا
في عصر يوم 15 نوفمبر1943 ، راح الملك فاروق يقود السيارة التي أهداها
له الزعيم النازي أدولف هتلر بسرعة كبيرة بجوار ترعة الإسماعيلية عائدًا من
رحلة صيد، ففوجئ «بمقطورة» عسكرية إنكليزية قادمة من بنغازي تنحرف يسارًا
فجأة وتسد الطريق أمامه كي تدخل أحد معسكرات الإنكليز، فانحرف لتفادي
السقوط في ترعة الإسماعيلية، واصطدمت مقدمة المقطورة بسيارته التي طارت
عجلتاها الأماميتان، وتحطم الباب الأمامي ووقع في وسط الطريق.
كاد الحادث أن يودي بحياة الملك فاروق، ونُقل فوراً إلى داخل المعسكر
لإسعافه، ثم حضرت سيارة ملكية حملته إلى المستشفى العسكري القريب في منطقة
«القصاصين»، وتفقدت طبيبة إنكليزية الصدر والبطن وأشارت إلى موضع الألم في
عظمة الحوض أسفل البطن، في الوقت الذي أحاط فيه جنود مصريون بالمستشفى بعد
الحادث من تلقاء أنفسهم، وتم إبلاغ القصر الملكي ليحضر الجراح علي باشا
إبراهيم بالطائرة من القاهرة لإجراء الجراحة.
انتشر الخبر في أرجاء مصر، فزحف جمع غفير من الجماهير وأحاطوا بمستشفى
القصاصين طوال إقامته فيه بعد الجراحة، ليس حباً في الملك بل دفاعاً عن مصر
وكرهاً في الإنكليز، إذ سرت شائعات بأن الحادث مدبر للتخلص من ملك مصر بسبب
تفاقم الخلاف الحاد بينه وبين السفير البريطاني مايلز لامبسون بعد حادث 4
فبراير 1942.
شعرت تحية بأن القدر أرسل لها هذا الحدث ليزيل أي خلاف بينها وبين
الملك، إذ زارته ضمن مجموعة من السينمائيين والفنانين، ووفد من نقابة
التمثيل والسينما للاطمئنان عليه.
لم تمر أيام على زيارتها الملك حتى فوجئت بالمطرب محمد الكحلاوي
يزورها في الفندق الذي ترقص فيه:
* معقولة محمد الكحلاوي مشرفني النهارده! أنا بختي من السما.
= دا أنا يا ست تحية اللي وقعت من السما وعايزك تستلقيني.
* أنا ممكن استلقاك بس على المسرح.
= مش فاهم؟
* يعني مش هسيبك النهارده قبل ما أرقص على أغنية لك.
أصرت تحية على أن ترقص هذه الليلة على أغنية للمطرب عماد الدين الشهير
محمد الكحلاوي، ورحبت إدارة الفندق به بشكل كبير واستقبلهما الجمهور معاً
بشكل غير مسبوق، لدرجة أن الإدارة قررت التعاقد مع الكحلاوي ليؤدي أغنية
يومية مصاحباً كاريوكا، وعندما جلسا معاً في نهاية راح يفاتحها في ما جاء
من أجله:
= بقى أنا جاي أعرض عليك شغل. تقومي انت اللي تجيبيلي شغل.
* انا أجيبلك شغل… أنت تجيبلي شغل… مش مهم. المهم كلنا نشتغل.
= طب أنا مش هاضيع وقتك أكتر من كدا أنا عايزك معايا.
* أنا مش هاقدر أشتغل دلوقتي في مكانين في ليلة واحدة.
= لا أنا عايزك في فيلم سينما أنا البطل بتاعه.
* كدهه.. دا خبر حلو أوي.
= بيني وبينك… أنا لقيت كل المخرجين بيتعاملوا معايا في السينما على
أني مغني وبس فقلت أنتج علشان أقدم نفسي كممثل بجد. يمكن يختشوا على دمهم
شوية ويعرفوا إني ممثل كويس.
* سبحان الله.
= إيه أنا قلت حاجة غلط؟
* أبداً أنت صح يا محمد لأنك فكرت بالظبط زي ما أنا فكرت من سنتين لما
عملت شركة الإنتاج مع حسين صدقي وحسين فوزي وعملنا «أحب الغلط». بعدها بس
صدقوا وأمنوا بأني ممثلة كويسة مش بس رقاصة كويسة. ودا يخليني أقولك إنك إن
شاء الله هاتنجح.
= من بقك لباب السما يا توحة. وجودك معايا هايفرق كتير وهايطمني.
* هاتشتغل مع مين؟ يعني مين المخرج والمؤلف؟
= تعرفي نيازي مصطفى؟
* سمعت عنه كلام حلو أوي… لكن ماعرفوش شخصياً.
= دا مخرج فنان بجد، لسه مخلص معاه فيلم «حسن وحسن» بس عنده أفكار
حلوة أوي… شاطر ومتعلم في بلاد بره. قعدت معاه مرتين تلاته على موضوع
الفيلم دا. قلب مخي بحكاية الخدع اللي بيستخدموها في الأفلام الأميركية
والأوروبية. وأننا لازم نقدم الحاجات دي هنا في السينما المصرية.
* دا كلام حلو… بس هتجيب القصة اللي تنفع على الموضوع دا منين؟
= موجودة. قعدت أنا وهو وعباس كامل وطلع بحدوتة ملهاش مثيل. أتاري
احنا العرب أصل الخدع وشغل الجنان دا وإحنا مش واخدين بالنا. سمعتي قبل كدا
عن «طاقية الإخفا»؟
= طاقية الإخفا وخاتم سليمان والبساط السحري… حواديت ألف ليلة ليلة
دي؟
* الله ينور عليك… أهو إحنا بقى هنعمل حاجة زي كدا… بس اليومين دول مش
في زمن ألف ليلة وليلة.
أدت كاريوكا دور البطولة أمام الكحلاوي في فيلم «طاقية الإخفاء»،
وشاركهما فيه بشارة واكيم ومحمود إسماعيل وفردوس محمد وأمينة شريف، وأظهر
فيه المخرج نيازي مصطفى براعته في استخدام الحيل والخدع السينمائية التي لم
تكن معروفة ومتداولة آنذاك، وعلى بساطة الحدوتة التي كتبها عباس كامل إلا
أن الفيلم بعرضه في منتصف فبراير 1944 لاقى نجاحاً كبيراً مع الجمهور الذي
لم يعتد هذه النوعية من الأعمال السينمائية.
لقاء الماضي
جاءت فكرة ظهور كاريوكا كممثلة وراقصة مع محمد الكحلاوي كمطرب، لافتة،
خصوصاً بعد الإقبال الجماهيري الكبير على الفيلم، ما جعل المنتجين يفكرون
في هذه التوليفة الناجحة، فعرض المنتج جبرائيل تلحمي على تحية تكرار
التجربة مع مطرب آخر في فيلم جديد.
كتب المخرج كمال سليم قصة وسيناريو وحوار فيلمه الرابع بعنوان «حنان»
وأسند بطولته لتحية كاريوكا، التي كانت من نصيبها ثلاثة أفلام من الأربعة
التي قدمها سليم حتى ذلك الوقت، وحاول الاعتماد فيه على الشكل الكوميدي
الغنائي الاستعراضي في قالب رومانسي، فأسند البطولة الرجالية أمامها للمطرب
إبراهيم حمودة، وشاركهما كل من المطربة فتحية أحمد وأميرة أمير وبشارة
واكيم وعبد الفتاح القصري، وسراج منير.
وسط سعادة تحية باستعادة نشاطها وعملها في السينما، ونسيان ما اعتبرته
ماضياً، حتى وإن كان قريباً، أبى الماضي أن يتركها بل راح يذكرها بأنه لا
يزال موجوداً.
استيقظت تحية من نومها ذات صباح على خبر يتصدر الصفحات الأولى في
الصحف المصرية: «رحيل المطربة أسمهان غرقاً في النيل بالقرب من المنصورة».
ماتت غريمتها الأميرة آمال الأطرش… أجمل أميرات جبل الدروز… أجمل
مطربات عصرها، وغريمتها التي تزوجت زوجها وهو لا يزال على ذمتها… ماتت
غرقاً في النيل!
لم تتردد تحية في تقديم واجب العزاء إلى صديقها فريد الأطرش، بل
وساهمت بشكل كبير في إنهاء الإجراءات:
= انت يا تحية اللي بتعملي كل دا مع آمال بعد موتها؟
* وإيه الغريب في كدا يا فريد؟ الخلاف اللي حصل قبل كدا حاجة والظروف
دي حاجة تانية.
= فعلا مابقاش فيه حاجة غريبة… بعد اللي حصل.
* دا قضاء ربنا يا فريد.
= ونعم بالله… لكن الحادث مدبر. قتلوها… قتلوها يا تحية.
* إيه الكلام اللي بتقوله دا يا فريد؟ هم مين دول اللي قتلوها؟
وقتلوها ليه؟
شعرت تحية بأن موت أسمهان رسالة مهمة، رسالة من أطراف بعينها، هي
نفسها الأطراف التي تقف في مواجهتها، غير أن الرسالة وإن كانت قد وصلتها،
كما وصلت غيرها ممن هم معنيون بالأمر، إلا أنها لم تثنها عن مواصلة مشوارها
في مواجهة هذه الأطراف.
نجمة الاستعراض
لم تكن تحية انتهت بعد من تصوير فيلم «حنان» حتى جاءها المخرج حسين
فوزي شريكها وحسين صدقي في «شركة أفلام الشباب» بفكرة فيلم جديدة:
= حتة فكرة فيلم مفيش بعد كدا.
* فيلم إيه يا حسين؟
= «نادوجا» فكرة جديدة ومافيش حد يعمل الدور دا إلا تحية كاريوكا.
* أيوه بس الشركة بتاعتنا ماشاء الله مفلسة وأنا شخصياً لسه ما أخدتش
بقيت فلوسي من جبريل تلحمي… لأن الفيلم اللي بنصوره لسه ماخلصش. إلا إذا
كنت انت وحسين صدقي اللي هاتدفعوا الميزانية كلها؟
= لا أنا ولا انت ولا حسين… إحنا هاناخد مش هاندفع.
* مش فاهمه؟
= الفيلم هاتنتجه شركة «نحاس» ومجهزين كل حاجة لأن تكلفته كبيرة وفيه
سفر للسودان.
* والبطل اللي معايا حسين صدقي برضه؟
= لا بقى دا مفاجأة… البطل هيكون محمد البكار المطرب اللبناني.
* حلو أوي… خلاص أنا قدامي أسبوع بالكتير وأخلص فيلم كمال سليم وأبقى
جاهزة.
انتهت تحية من تصوير فيلم «حنان» وسافرت إلى السودان مع فريق العمل
لتصوير عدد من المشاهد الخارجية، ففوجئت بالمخرج حسين فوزي يطلب منها أن
تتعلق «بالحبال» وتقفز من شجرة إلى أخرى، وهي تؤدي الاستعراض الرئيس في
الفيلم الذي وضع ألحانه المطرب الأوبرالي اللبناني محمد البكار، وتؤديه وسط
الغابات، ثم استكماله في الأستوديوهات في القاهرة، وغنت أغنية الفيلم
«نادوجا»:
نادوجا جمورة وشباب
نادوجا طمبورا وربابا
نادوجا وردة في جلب غابا
الأرض أما والنخل ابا
نادوجا.. نادوجا.. نادوجا
راحت ترقص وتغني وتمثل، وعلى رغم أنها لم تقدم عدداً كبيراً من
الأفلام، إلا أن خبرتها نمت بسرعة كبيرة في السينما كصناعة، فراحت تعترض
على الإضاءة التي يضعها مدير التصوير فرانسوا فركاش في الفيلم:
= يا تحية دا مدير تصوير هايل.
* يا سيدي هايل وعالمي كمان… بس أنا حاسه أن الإضاءة مضلمة ودا
استعراض مش مشاهد حب وغرام.
= بالعكس دا منور كويس أوي.
* دا أنت اللي منور يا أستاذ.
= أنا بس عايزك تستني لما نرجع وهافرجك في الأستوديو ع الصورة.
* أنا لسه هاستنى.
= تحية انت بتثقي فيا؟
* طبعا… ومن غير حدود.
= يبقى سبيني أقدمك صح في الفيلم دا.
شعرت تحية بأن حسين فوزي قدمها في هذا الفيلم بشكل مختلف، حيث قدمت
رقصة «الكاريوكا» الشهيرة بطريقة لافتة إلى جانب الاستعراضات الأخرى، وغنت
مع محمد البكار الذي وضع لها ألحاناً ولنفسه، ولإسماعيل ياسين الذي شاركهما
في بطولة الفيلم، فتأكدت من نظرة مدير التصوير ومن رؤية حسين فوزي، فلم
تخجل من أن تعترف بذلك لهما علانية أمام كل من في الأستوديو.
على رغم أن تصوير «نادوجا» انتهى بعد «حنان» إلا أنها تدخلت ليعرض
قبله، فقد حرصت على معرفة رأي الجمهور في ما قدمته في هذا الفيلم، وما إن
عرض في 5 أكتوبر 1944 حتى لاقى نجاحاً لم تتوقعه.
عندما عادت تحية من السودان بعد تصوير «نادوجا» لاحظت أن اسم الراقصة
ببا عز الدين يتردد في كل مكان، ليس بسبب فنها بل مشاكلها، بعد استيلائها
على كازينو «بديعة» عن طريق ابن شقيقتها أنطوان عيسى، أول أزواج تحية، الذي
تزوج من ببا ونقل ملكية الكازينو إليها.
أصبحت ببا عز الدين تمتلك «كازينو» في عماد الدين يحمل اسمها، وهو ما
لم يشغل بال تحية على رغم سنوات عملها الطويلة، بل فكرت بشكل مختلف، فقد
قررت أن تدعم شركة الأفلام السينمائية التي دخلت فيها شريكة مع حسين فوزي
وحسين صدقي لتقديم المزيد من الأفلام السينمائية.
(البقية في الحلقة المقبلة )
مصرع أسمهان
ماتت أسمهان هي وصديقتها ماري قلادة في ضحى يوم (الجمعة) 14 يوليو
1944، وقد أثارت نجاة سائقها الخاص تساؤلات وتكهنات عدة حول الحادث، وزعم
كثر أن ثمة من خطط ودبر لقتل أسمهان.
رحلت أسمهان وبقيت أصابع الاتهام في تدبير مصرعها تشير إلى أجهزة
المخابرات التي لعبت معها ولحسابها أسمهان، ثم انقلبت عليها ولعبت ضدها…
وليس كما أشيع أن وراء تدبير هذا الحادث هو السيدة أم كلثوم، خوفاً من أن
تهز أسمهان عرش نجوميتها وتألقها، فوجد الإنكليز مجالاً خصباً لتصديق هذه
الشائعة فأطلقوها، خصوصاً بعدما اكتشفوا دورها الثلاثي في التعاون معهم إلى
جانب تعاونها مع الفرنسيين والألمان، فأجهزة المخابرات الثلاثة عملت بشراسة
في الحرب العالمية الثانية، وكان لكل منها من الدوافع ما يجعلها تدبر مصرع
أسمهان!
لم تقف أصابع الاتهام عند أجهزة المخابرات الثلاثة المذكورة، فثمة
جهات أخرى لديها من الدوافع ما يجعلها تفكر في قتل أسمهان، أبرزها الملك
فاروق الذي كان يدرك أن أسمهان تعرف الكثير عن فضائح أمه الملكة نازلي
وأفعالها مع الضباط البريطانيين الشبان في فندق «الملك داود» في القدس، وقد
سجلت هذه الفضائح بالصور وأرسلتها إلى القصر مكايدة منها للملكة التي كانت
تنافسها في حب أحمد حسنين باشا. حتى عندما عادت أسمهان إلى مصر، لم تبتعد
عن حسنين وعادت علاقتها به على رغم أنه كان قد تزوج من الملكة نازلي،
وتزوجت أسمهان أحمد سالم.
ثمة أيضاً الأمير حسن الأطرش، زوج أسمهان السابق الذي ضاق بنزواتها
لدرجة إقدامها على الانتحار للطلاق منه. ومعه أيضاً شقيقها فؤاد الأطرش
بعدما اتهمها بالإساءة إلى سمعة العائلة، والشجرة الأصيلة شجرة الدروز.
كذلك زوجها أحمد سالم الذي أطلق عليها الرصاص في شجار بينهما قبل أيام من
مصرعها، وإن كانت هذه الاتهامات، التي تشير إلى الملك وإلى الأمير حسن وإلى
فؤاد الأطرش وأحمد سالم، لا ترقى إلى مستوى الخطر الذي يشكله اللعب مع
الكبار في عالم المخابرات… خصوصاً في زمن الحرب!
الجريدة الكويتية في
29/07/2012 |