لم يكن النقّاد وحدهم من انقسموا بشأن «إبراهيم الأبيض»، بل الجمهور أيضاً.
هكذا، احتلّ الفيلم المركز الخامس في شباك تذاكر الموسم الصيفي في القاهرة
بإيرادات لم تتجاوز 14 مليون جنيه (2.5 مليون دولار). وهي إيرادات لم تسعد
المنتج «غود نيوز»، لأنّ الشريط كلّف أكثر من 20 مليون جنيه. لكن الخسارة
لم تكن الأكبر للشركة التي أنتجت «ليلة البيبي دول» وغيره من الأفلام ذات
الميزانيّات ــــ والخسائر ــــ الكبيرة.
إنّه العمل الثاني للمخرج مروان حامد بعد «عمارة يعقوبيان»، وقد استوحيت
بعض أحداثه وعناصره وشخصياته ــــ بطل الفيلم على نحو أساسي ــــ من
الواقع. ورغم أنّ أحداث «إبراهيم الأبيض» تدور في بيئة فقيرة عشوائية، إلا
أن الفيلم لا يمكن اعتباره واقعياً، بل أراد أصحابه تقديم أسطورة شعبية عن
الحب و«الوعد» والمصائر. ملحمة تتخطى العلاقات المنطقية والصورة النمطية
للعشوائيات، وقد نجحوا في ذلك إلى حد مقبول، لكن طموحهم سبّب تجاوز بعض
أصول السيناريو، ما جلب عليهم سخط النقاد. لكن هذا الفيلم الطموح يبقى
مميزاً على مستوى العناصر البصرية، كالإضاءة والتصوير والديكور. وفيما أخذ
كثيرون عليه «مغالاته» في العنف، فإن مشاهد العنف تحديداً كانت أفضل أجزاء
الفيلم تنفيذاً، بل بين أفضل ما قدّمته السينما المصرية.
مشاهد العنف تُعَدّ بين الأفضل في السينما المصرية
إبراهيم الأبيض (أحمد
السّقّا) كان طفلاً عندما اعتدى على جاره المتخلّف عقلياً. وحين
أراد أهل الطفل المضروب تأديب عائلة السقا، قتلوا أباه، ثم أسكتوا العائلة
المفجوعة بتبنّي الطفل عاملاً لدى القتلة. أحبّ الطفل حورية التي تكبر
فتصير هند صبري، وهي ابنة قاتل أبيه، فعاقبه أبوها بالضرب. عندها، سحب
الطفل المضروب سكيناً وقتل والد حبيبته، ثم هرب لسنوات أصبح فيها البلطجي
الذي يخشاه الجميع... إلى أن يلتقي بحورية مجدداً، ويعيشان قصّة حبّ.
لكنّها ترفضه عندما تكتشف أنّه قاتل أبيها، وتأبى حتى أن ينقذها من المعلم
زرزور (محمود عبد العزيز) وهو ملك الحيّ العشوائي وزعيم عصاباته. زرزور
يحبّ حوريّة وترفضه، فيعاقبها بمنعها من الزواج، ويضمّ إلى عصابته اثنين من
أشد خصومها: إبراهيم الأبيض نفسه، وصديقه الأقرب عشري (عمرو واكد). تتقاطع
تلك الخطوط لتقود مصائر أشخاصها إلى نهاية مأساوية. محمود عبد العزيز يلفت
النظر في الفيلم، في شخصيّة المعلم زرزور. فقد تميّز هنا بدور غير مألوف في
السينما المصرية. كذلك أمسك عمرو واكد بالشخصية، ولم يكتف بتأدية دور
البلطجي الشرس، بل برع في إيصال مشاعر الندم التي اجتاحته بعدما خان
صديقه... فكان بأدائه بطل الثلث الأخير من الفيلم.
الأخبار اللبنانية في
17/08/2009
«... نما في بيروت»: للفيلم اللبناني فقط
زينب مرعي
من لقاء سينمائي عابر في 2001 إلى تظاهرة محترفة تقدّم في بيروت أعمالاً لا
تتسع لها المهرجانات الأخرى. إنّه مهرجان
né à Beyrouth
الذي يقدّم برامجه اليوم للإعلام، تحت اسم «مهرجان الفيلم اللّبناني»،
مانحاً للمرة الأولى «جائزة بنك عودة لأفضل فيلم» (2000 دولار) التشجيعيّة،
وتشاركه «مؤسسة سينما لبنان» بعرضٍ لأفلام من أرشيف «تلفزيون لبنان».
المشروع بدأه المنتجان بيار صرّاف ووديع صفي الدين، والمخرجان نديم تابت
ودانيال عربيد، بهدف خلق موعد ثابت للسينما اللّبنانيّة والأفلام القصيرة
التي تضيق بها الصالات التجاريّة. لكن الإلتزامات المهنيّة ــ الشخصيّة
للمؤسّسين بعد إنشائهم «مؤسسة
né à Beyrouth للإنتاج»، حالت دون متابعتهم هذا الموعد السنوي وحدهم، يقول مديره
بيار صرّاف. هكذا عمدا إلى فصل اسم المهرجان عن اسم المؤسسة، كمقدّمة
لتشكيل لجنة جديدة تضمن لهذا الحدث السينمائي الإستمراريّة، ويبقى للمؤسسة
الأم دور فاعل فيها.
يؤكّد نديم تابت المدير الفنّي للمهرجان أنّ مستوى الأفلام يتطوَّر من سنة
إلى سنة مع انتشار ثقافة السينما رغم غياب العديد من الأفلام الجيدة عن
الصالات، وذلك بفضل الإنترنت والـ «دي. في. دي». كما يشير تابت إلى دور
التطور التقني في تحسين نوعيّة الفيلم اللّبناني «إذ أصبح ممكناً صناعة
أفلام قصيرة بجودة الأفلام العالميّة بسبب تقنيّة
HD». لكنّ المهرجان الذي سيتيح رؤية الإنتاجات السينمائيّة اللّبنانيّة
الجديدة في خمسة أيام، بين 20 و 24 آب (أغسطس) في «سينما أمبير» (صوفيل ـ
أشرفيّة)، ينبّهنا إلى أنّنا أمام نمط واحد من الأفلام تقريباً، خصوصاً أنّ
الإنتاجات المحليّة تحيل على الواقع السياسي والإجتماعي المحيط، والحروب
التي مرّت دائماً بطريقة أو بأخرى... كما هي الحال مع فيلم «دارسون في
التاريخ» لهادي زّكاك المشارك في المهرجان...
يرى تابت أنّ «المهتمين بالسينما في الخارج يعتبرون الفيلم الفولكلوري
اللّبناني فيلم حرب، والأفلام الأخرى لا تهمّهم... مع ذلك يجب علينا أن
ننتقل إلى سينما القصّة التي لا تحمل أعباء الوضع اللّبناني بالضرورة...
فالسينما اللبنانيّة ما زالت أقرب إلى الوثائقي أو الأرشيف».
المهرجان في دورته الثامنة، حجز مكانه في الحياة السينمائيّة اللّبنانيّة
برأي منظميه، فهو يشجّع أي مخرج على تقديم عمله بميزانيّة ضئيلة (200 دولار
مثلاً). ويسهم «نما في بيروت» في تعريف الجمهور بأفلام لم تعرض تجارياً
كشريط دانيال عربيد «رجل ضائع» الذي لفت الاهتمام في «مهرجان كان» قبل
عامين، لكنّ الصالات اللبنانيّة لم تستقبله بسبب جرأته في الشكل والمضمون.
سيعرض أيضاً
Un Instant Mon Glamour لشيرين أبو شقرا، وFalling
from earth
وهو عمل تجريبي لشادي زين الدين.
إضافةً إلى ذلك، يتضمّن برنامج المهرجان 38 فيلماً متنوّعاً بين أعمال
قصيرة وتجريبيّة ووثائقية وأفلام تحريك... إضافةً إلى خمسة أفلام من نوع
الفيديو كليب (تشارك هذه الفئة للمرة الأولى وهي لا تشبه ما نراه على
الشاشات بل تقترب من الأعمال التجريبيّة)، ومن بينها «أهواك» لزيد حمدان وP like paranoia
لرامي قديح... هذه الخطوة أتت تيمّناً بـ «مهرجان أوبرهوسن» الألماني
الدوليّ للأفلام القصيرة ــ ضيف «...نما في بيروت» لهذه الدورة مع عرض
لكليبات وأفلام قصيرة ــ ومديره لارس غاس.
يخبرنا بيار صرّاف أنّ المهرجان لا يصبو إلى العالميّة، إلا أنّه عبر دعوة
المهرجانات الأجنبيّة يطمح إلى إيصال الفيلم اللبناني للخارج: «منذ ثلاث
سنوات، دعونا مهرجان
Pantin الفرنسي. وفي السنة التالية عرضوا بعض الأفلام اللبنانية المأخوذة من
مهرجاننا».
الأخبار اللبنانية في
17/08/2009
ساشا بارون كوهين الاستفزاز السهل
أحمد الزعتري
هل تذكرون
«بورات» (٢٠٠٦) الصحافي الكازاخستاني
الساذج الذي سافر إلى أميركا، لنكتشف عبره ما تقوم عليه الدولة العظمى من
عنصرية ولاساميّة وأوموفوبيا؟ يومها، حار الجمهور الذي لا يعرف ساشا بارون
كوهين، بين ما هو حقيقي وما هو متخيّل. ضاع بين الممثل البريطانيّ وشخصيّته
الغريبة التي اخترعها في برنامجه التلفزيوني
Da
Ali G show. وها هو كوهين يعود في شخصيّة «برونو» (إخراج لاري تشارلز أيضاً)
صحافي الموضة النمساوي المثليّ الذي يسافر إلى أميركا بحثاً عن الشهرة،
وسيفعل أي شيء لتحقيق ذلك. سيعرض شريطاً ترويجيّاً لنفسه، لا يخلو من
البذاءة والهبل، أمام نقّاد! ثم يقابل المغنية باولا عبدول، ويحوّل العمّال
إلى أثاث لتجلس على ظهر أحدهم... ويتبنّى طفلاً أفريقياً أسوةً بأنجلينا
جولي، ثمّ يعلن أنّه حصل على الطفل بعدما قارعه بجهاز
i Pod.
هل الفيلم باطل أريد به حقّ؟ يأخذ برونو الكليشيهات التي تحدد نظرة أميركا
إلى العالم إلى حدودها الكاريكاتورية الصادمة. لن يسلم أحد من استفزازه
الذي يعرّي سطحيّة المجتمع الاستعراضي.
حين وصل «برونو» إلى فلسطين، أثار جدلاً كبيراً، وهددت كتائب شهداء الأقصى
بقتل كوهين. اكتشف صديقنا أنّ الشهرة تمرّ بالانخراط
يلعب فيلم
Brüno على الكليشيهات، ليأخذها إلى حدودها الكاريكاتورية الصادمة...
في القضايا الإنسانيّة، فانبرى لحلّ القضية الفلسطينيّة! نراه يجمع غسان
الخطيب الناطق باسم الحكومة الفلسطينيّة مع يوسي ألفر ضابط سابق في
الموساد. ثم يسأل ألفر: «لماذا لا تحبّون الهومّوس (الحمّص)؟» فيبدأ
الطرفان بتوضيح الفرق بين الحمّص و«حماس». هنا يعلن برونو حلّ الصراع، ما
دام الطرفان متفقين على... الحمّص! وتنتهي الحلقة بأغنية عن السلام فيما
تتشابك أيدي الخطيب وألفر وبرونو.
ومن أجل الشهرة أيضاً، يقرّر «برونو» أن يُختطف على يد «إرهابيين»، فيقابل
الفلسطينيّ أيمن أبو عيطة، مدّعياً أن موضوع اللقاء هو الشباب الفلسطينيّ.
ثمّ يحاول استفزاز عيطة حتى يختطفه. وعندما يفشل، يعلّق «الملك أسامة بن
لادن يبدو كأنه ساحرٌ قذر أو سانتا كلوز متشرّد». فوجئ أبو عيطة، بعد خروج
الفيلم بتقديمه كـ«قائد مجموعة إرهابيّة في مخيّم عين الحلوة»، فرفع دعوى
على كوهين. وتركنا نتساءل: أين ينتهي، في الفيلم، الاستفزاز النقدي
الذكي... ليبدأ التزوير، والاستسهال الذي يكاد يخرج عن إطار الفنّ والأخلاق
معاً؟
الأخبار اللبنانية في
17/08/2009 |