يمثل شهر رمضان
موسما فنيا ساخنا للدراما التليفزيونية وسباقا يتبارى فيه النجوم الكبار
ممن
تجاوزهم زمن السينما فباتوا يتعلقون بالفيديو كآخر أمل لهم على
القمة، وهي الظاهرة
التي نشأت منذ عدة سنوات ولم تقتصر فقط على الممثلين وانما شملت ايضا
المخرجين
وكتاب السيناريو، ذلك ان نسبة المشاهدة على الشاشة الصغيرة تساوي اضعاف
المشاهدة
السينمائية، فضلا عن ان الاجر يشكل حافزا قويا مما يحقق
المعادلة الصعبة في التوازن
بين الانتشار والكفاية المالية وهو ما يصعب رفضه او تجاهله فغاية اي فنان
هي النجاح
والثراء وبعدهما تأتي القيمة، هذا اذا كان يوجد من النجوم من يضع القيمة
شرطا في
عقد الاتفاق .. قبل حلول الشهر الكريم يتم التنويه عن
المسلسلات المقرر عرضها خلال
الثلاثين يوما الاستثنائية من السنة والتي يبرز من بينها مسلسلان للنجم
الكبير نور
الشريف هما 'ماتخافوش' و'الرحايا' فالبطل لا يزال يملك مقومات الجذب
الجماهيري
والرصيد الذي يجعل المنتجين في مأمن من اي خسارة محتملة، خاصة
ان تجاربه في الاعوام
الماضية أكدت صعود مؤشره بالفضائيات العربية التي يقاس النجاح فيها بزيادة
نسبة
الاعلانات قبل واثناء وبعد عرض المسلسل، وربما ما تحقق لمسلسل 'الدالي' كان
دليلا
على ذلك، اذ احتل موقعا متميزا جدا في الاستفتاء الجماهيري
وعائد الايرادات، ينافس
نور الشريف العام الحالي يحيى الفخراني الذي يلعب بطولة مسلسل 'ابن
الارندلي'
معتمدا في رهانه على ما تركه من انطباع جيد
في رمضان الماضي إبان عرض مسلسله 'شرف
فتح الباب'، فبرغم عدم نجاح العمل نجاحا ساحقا الا ان النتائج
كانت ايجابية فلم
يهبط معدل الدخل بالشكل المخيف وظل الفخراني عند حد الأمان مما شجع على
تكرار
التجربة دون خوف او حذر فلم يعد هناك ما يثير القلق ويهدد بالفشل سوى ما
يعرض من
الابداع الدرامي السوري واللبناني والخليجي الذي اتسعت دائرته
وفرض نفسه بقانون
العرض والطلب بعدما كان محاصرا ومحظورا، فجمال سليمان النجم السوري الشهير
لم يعد
وحده المنافس القوي فقد ظهر نظراء كثيرون له بوسعهم تحقيق نفس النجومية
والتأثير
فهناك عباس نوري وأيمن زيدان وأسعد فضة وغيرهم.
ولو عدنا الى السوق المحلية
المصرية وطرحنا المنافسين مجددا سنرى ان نبيلة عبيد واحدة من النجمات
اللاتي يمثلن
ضلعا اساسيا في العملية الفنية فهي بطلة واحد من المسلسلات السياسية
'البوابة
الثانية' للمخرج علي عبد الخالق، اذ تدور الأحداث حول القضية
الفلسطينية والصراع
العربي الصهيوني وما يعتريه من متغيرات تتمثل في استمرار مشروع بناء
المستوطنات وما
يقابله على الجانب الاخر من صمت عربي مزري وصراع دامي بين القوتين
الاساسيتين، فتح
وحماس، ولعلها المرة الأولى التي تتطرق فيها الدراما المصرية
التليفزيونية الى رصد
الواقع الفلسطيني من الداخل، وهو ما يتشابه فيه المسلسل مع ما يطرحه مسلسل
نور
الشريف 'ماتخافوش' الذي يتعرض لذات القضايا الساخنة وفي القلب منها القضية
الفلسطينية مع الاختلاف في التفاصيل والرؤى ووجهات النظر
بالطبع، حيث يصعب ان يكون
أحد المسلسلين تكرارا للآخر، وبعيدا عن التشابه والاختلاف فإن نبيلة عبيد
تراهن
بقوة على دورها في هذا العمل فهو الذي سوف يحدد استمرارها من عدمه كنجمة صف
أول على
الساحة الفنية التي زخمت بالوجوه الجديدة والقديمة وامتلأت
بالنجوم، خاصة ان أمامها
نجمة كبيرة هي إلهام شاهين تنافسها بمسلسل ضخم هو 'علشان ماليش غيرك' يمكن
ان يقلب
المقاييس في بورصة المشاهدة بالقنوات الفضائية، لا سيما ان أسهم الهام
ارتفعت بشكل
ملحوظ بعد فوزها بعدة جوائز عن دورها في فيلم 'خلطة فوزية'، الأمر الذي
يعزز بالطبع
حضورها التليفزيوني وينشط عملية التوزيع ويصعب لا شك من مهمة المنافسين
أمثال سمية
الخشاب، البطلة المطلقة في مسلسل 'حدف البحر'، ذلك انها حصلت على امتيازات
عديدة في
أفلام سينمائية كان آخرها 'حين ميسرة' وأحدثت صدى واسعا بدورها
الجريء الذي وضعها
على القمة بجانب نجمات الشباك الأوائل، سمية هي العنصر الخطر بالفعل على
النجمات
الاخريات لكونها وجها لا يزال له بريقه ولمعانه فلم يتم استهلاكه ولم تتبدد
طاقته،
لذا فالفرصة سانحة أمامها تماما للفوز وإحراز عدة أهداف في
مرمى الغير، واعتقد ان
حدف بحر تجربة لها خصوصيتها بالنسبة للبطلة لأنه لا يوجد من يزاحمها فـــي
المساحـــة ويسـرق منها الأضواء، وهي قادرة على ان تحتفظ لنفسها بكل
المكاسب لتتكرر
الفرصة في أعمال كثيرة قادمة.
خالد صالح يدخل كذلك السباق الرمضاني بمسلسل 'تاجر
السعادة' في تجربة هي الأولى من نوعها بالنسبة له فلأول مرة يجسد خالد صالح
شخصية
رجل كفيف وان كانت الشخصية نفسها قد قدمت من قبل في كثير من الأعمال ربما
بشكل نمطي
فهي تتصل بمهارات ملحن أعمى حاد الذكاء نشيط الحركة يميل للفكاهة والمرح
كطبيعة
المكفوفين الفنانين، وتلك سمات الشخصية التي طرحت في فيلم
الكيت كات وقدمها محمود
عبد العزيز بمهارة فائقة، غير انها قدمت تليفزيونيا في عشرات الأعمال
الدرامية أذكر
منها الفيلم الذي قام ببطولته حسين فهمي 'عنبر والألوان' وكانت المرة
الأولى
والأخيرة التي جسد فيها شخصية رجل كفيف، وتشكل حساسية الدور
تحديا صعبا أمام خالد
صالح الذي يمتاز اداؤه بالرصانة أكثر ما يتميز بالخفة، فالكاركتر الخاص
بشخصية
الضرير الفنان ربما يكون غريبا عليه بعض الشيء وليس هذا تشكيكا في قدرات
صالح ولكن
فقط هو نوع من القراءة تحتمل الصواب والخطأ .. نأتي الى زاوية
أخرى لها نفس الأهمية
من حيث الإقبال الجماهيري تتصل بما يعلن عنه من برامج التسلية والتوك شو
التي صارت
موضـــة المرحلة تتجمع فيها كل ألوان الطيف، فمن أشرف عبد الباقي بطل السيت
كوم الى
أحمد الفيــــشاوي، وصولا الى الكوميــــديان الجديد سامح حسين
ونهاية بعمرو رمزي
مقدم البرنامج الأشهر حيلهم بينهم تتعدد الأفكار والألوان ويعاد انتاج
الافيهات
بشكل مختلف لاستثمـــار ما حققته تلك البرامج من نجاح في العام الماضي
فمثلا سامح
حسين الذي كان سنيدا لأشرف عبد الباقي صار الآن من أصحاب
البرامج المستقلة يتم
تسويقه على الفضائيات بوصفه بطلا وضلعا اساسيا من أضلاع الكوميديا المبنية
على
المفارقات والمواقف، وفي هذا الاطار تدشن له الدعاية وتنفق عليه الملايين
ليحقق
أضعافا في الأرباح الرمضانية المنتظرة، وفي تقديري ان سامح
حسين موهبة يمكن الرهان
عليها في مثل هذه النوعية من الفكاهات الخفيفة لأن في ادائه الفني كثير من
العفوية
الطفولية التي تتسق مع روح وطبيعة ما يقدم من طرائف وفواصل مضحكة
..
عمرو رمزي
له خصوصية مختلفة فبرنامجه حيلهم بينهم يعتمد على المقالب والمفاجآت وما
يترتب
عليها من ردود أفعال النجوم والتي من خلالها تتولد الكوميديا
ويتم التعرف على خصال
الفنان الحقيقية بعيدا عن السيناريو المكتوب، وهذه الجزئية بالتحديد تستهوي
الكثير
من المشاهدين الذين يرغبون في رؤية الفنان على طبيعته ليكونوا انطباعا
مغايرا
للانطباع المكون من خلال الادوار، ولعل ذلك ما ساهم في نجاح
البرنامج وشجع على
تكراره او استنساخه بنفس المذيع والابطال او بغيرهم، وهو ما حدث من قبل مع
برنامج
الكاميرا الخفية الذي قدمه الفنان ابراهيم نصر والمخرج رائد لبيب ثم شاهدنا
منه
فيما بعد عشرات البرامج المشابهة والممسوخة!
أيضا البرامج الحوارية بدأت منذ
سنوات ببرنامج الاعلامي الكبير طارق حبيب استضاف من خلاله مجموعة من
الشخصيات
العامة، كتاب وفنانين ورجال سياسة واقتصاد، واستمر طوال شهر رمضان ثم توقف
لنشاهد
بعده برامج اخرى كان أهمها برنامج منى الحسيني 'حوار صريح جدا'
تلاه برنامج لميس
الحديدي 'اتكلم'، وهكذا دواليك انفتح الهويس التليفزيوني لتنهمر شلالات
البرامج من
كل القنوات ويصبح شهر رمضان هو موسم الاستثمار الرئيسي للكلام والثرثرة
واختلاق
القضايا لملء المساحات واستهلاك الوقت والطاقة والأموال فمعظم
الحلقات متشابهة
والضيوف هم انفسهم يتحدثون في كل شيء ويدلون بدلوهم فيما يحيطون علما او لا
يحيطون!!
القدس العربي في
18/08/2009 |