حين تنطلق الدورة السادسة والستون من مهرجان فانيسيا السينمائي الدولي،
وذلك في الثاني من أيلول - سبتمبر المقبل، ستتبدّى للسينمائيين والإعلاميين
حول العالم الإجابة على السؤال المطروح أمام هذه الدورة: هل يستطيع مهرجان
(فانيسيا) التغلّب على البرمجة التي كان حشدها مهرجان (كان) في الربيع
الماضي ببرمجة أقوى؟
كما هو معروف فإن مهرجان (كان) السينمائي الأخير حشد مجموعة كبيرة من
المخرجين المعروفين ما نتج عنه وصف تلك الدورة بتسميات مثل (دورة المخرجين)
و(دورة عمالقة الإخراج)، وكما ذهبت إحدى الصحف البريطانية (الدورة التي
اشترك فيها كل مخرج قيّم) وهو ادعاء غير صحيح أساساً، لكنه يفي بالهالة
التي نجح (كان) في رسمها حوله.
لكن الأفلام ذاتها لم تكن بمستوى الأسماء التي قدّمتها. كثير منها كان
عنيفاً مسلّحاً بالهالة الكبيرة ذاتها التي تحيط بمخرجيها إلى حد أن مجلة
(ذ هوليوود ريبورتر) كتبت في عنوانها العريض: (السجاد الدموي الأحمر)،
بينما كتبت صحيفة بريطانية تقول: (هذه دورة ملطّخة بدماء غزيرة لا معنى
لها).
إلى ذلك، فإن لجنة التحكيم لم تكن أفضل لجنة التحكيم شهدها المهرجان
الفرنسي، إذ ترأستها ممثلة وشملت أربع ممثلات أخريات ورجلين. ليس أن هذا
الناقد لديه شيء ضد المرأة أو الممثلات، لكن التوازن غاب وبرهنت رئيسة لجنة
التحكيم الممثلة ايزابيل أوبيرت بأنها أقل من ديمقراطية حين منح الجوائز
خصوصاً حين نالت الممثلة شارلووت غينسبرغ جائزة أفضل ممثلة عن دور لعبت
مثله (من حيث احتوائه مشهداً دموياً لامرأة تؤذي نفسها قصداً) أوبيرت
نفسها.
اهتمام عربي
لكن مهرجان فانيسيا الذي يستفيد كونه يأتي متأخراً بضعة أشهر بعد (كان) ما
يجعله قادراً على استيعاب الأفلام التي لم تلحق بالمهرجان الآخر، دائماً ما
بدأ أوسع وأشمل من المهرجان الفرنسي وبل أقل شروطاً. وهو تحت إدارة رئيسه
ماركو مولر، نجح في الثبات لا أمام (كان) فحسب، بل أمام منافسه الجديد (والأثرى
مادياً إلى الآن) ألا وهو مهرجان روما السينمائي الذي يبعد عنه أمتاراً
قليلة وأسابيع أقل.
حسب مصدر قريب الصلة من رئيس المهرجان مولر، فإن المدير شاهد، قبل إطلاق
قائمة الأفلام المشتركة رسمياً هذا العام أكثر من 1500 فيلم. ربما لو كان
هذا الناقد مكانه لألّف كتاباً سنوياً حول كل هذه الأفلام من وحي مشاهداته.
ومولر بدأ هذا (الماراثون) مباشرة بعد (كان) في شهر أيار - مايو على نحو
مخفف، ثم واصل الليل بالنهار منذ مطلع شهر حزيران - ينونيو وحتى صدور
قائمته في مطلع شهر آب - أغسطس الذي سينتهي يوم الاثنين.
وما إن تم الإعلان عن تلك القائمة في منتصف الأسبوع الثاني من الشهر
الحالي، حتى تلقّفها المجتمع السينمائي باهتمام شديد يعود إلى بضعة مسببات
يتقدّمها أهمية هذا المهرجان من ناحية، وحقيقة أن الدورة الماضية كانت من
بين أسوأ دوراته، بل - حسب نقاد غربيين - كانت أسوأ دورة بالمقارنة مع
دورات العام نفسه في برلين وكان وسان سابستيان.
هذا ما جعل الأعين مفتوحة على مسألة ما إذا كان يمكن لرئيس المهرجان
التغلّب على الوضع واختيار الأفضل فعلاً وليس الأعمال التي عليها أن تكون
هناك لأنها مرتبطة بتظاهرات واحتفالات جانبية كما كتب أكثر من معلّق
إيطالي.
عربياً، تلقّف الوسط الإعلامي أخبار فنيسيا هذه السنة بدهشة تحوّلت سريعاً
إلى اهتمام شديد: ثلاثة أفلام مصرية في دورة واحدة مختارة رسمياً، وهذا لم
يحدث من قبل في أي من دورات هذا المهرجان السابقة ولا في أي مهرجان آخر،
علاوة على وجود فيلمين عربيين آخرين في الجوار واحد تونسي والآخر جزائري.
ومع أن هذا كله يدعو إلى احتفال كبير في الأوساط السينمائية العربية كلها،
إلا أن علينا أن لا ننسى أنه ما زال على هذه الأفلام أن تثبت جدارتها أمام
نحو ألف ومئتي ناقد سينمائي يؤمّون الدورة هذه السنة.
أعمال مرتقبة
البداية ستكون لفيلم جديد للمخرج الإيطالي النيّر جوزيبي تورناتوري بعنوان
(باريا، باب الريح): إنه دراما تستعير من ذكريات المخرج الذي سبق أن اعتمد
على ذكرياته أيضاً حين قدّم قبل عشرين سنة كاملة فيلمه السابق (سينما
باراديسو).
والسينما الإيطالية غزيرة الإنتاج هذه الأيام ومنها اختار المهرجان ثلاثة
أفلام أخرى في المسابقة الرسمية الأول للمخرجة فرنشيسكا (الفضاء الأبيض)
والثاني (الساعة المزدوجة) لجيسبي كابوتوندي. أما الفيلم الثالث فهو للممثل
السابق ميشيل بلاسيدو الذي امتهن الإخراج قبل عدّة سنوات والذي يعود الآن
بفيلم عنوانه (الحلم الكبير).
وتشترك فرنسا بأربعة أفلام داخل المسابقة الرئيسية أيضاً هي (مادة بيضاء)
لكلير دنيس و(السيد لا أحد) للبلجيكي جاكو فان دورميل و(36 منظر لسان لوب)
الذي يتناول فيه المخرج المخضرم جاك ريفيت تاريخ حياة الفنان ريمون روسيل
الذي عاش ما بين 1877 و1933 وكان روائياً وموسيقاراً وكاتب مسرحيات،
وشاعراً ومدمن شطرنج.
أما الفيلم الفرنسي الرابع فهو (ضغط) للمخرج باتريس شيرو، الذي اعتاد
سابقاً الاشتراك في مهرجان كان بأعماله، لكنه يتحوّل إلى مهرجان فنيسيا هذه
السنة مقدّماً هذا الفيلم العاطفي الخاص.
وبينما أوروبا الغربية تتولّى تزيين البرنامج الرسمي بمعظم الأفلام
المشتركة ومن بينها ما مجموعة اثنا عشر فيلماً في المسابقة الرسمية من أصل
الـ 23 فيلم في المسابقة الرسمية.
أما باقي الاشتراك فتأتي من الدول الجنوب آسيوية (كوريا واليابان والصين)
ما يجعل الاشتراك الأميركي هذه المرّة محدوداً جداً قياساً بما كان عليه في
السنوات السابقة وقوامه هذه المرّة ثلاثة أفلام بينها واحد من إخراج
الألماني فرنر هرتزوغ وعنوانه (الضابط السيئ: ميناء نيو أورليانز).
الفيلمان الآخران هما (الطريق) وهو تشويقي صارم حول عائلة تحاول البقاء
حيّة بعدما دُمّرت الأرض وقد أخرجه جون هيلكوت، والثاني من إخراج مايكل
مور، وهو فيلم وثائقي بعنوان (الرأسمالية: قصة حب).
ضمن هذه الأجواء المفعمة بالأعمال المرتقبة، والأسماء اللامعة، يأتي دور
الفيلم المصري (المسافر) لأحمد ماهر ليشارك الجميع أفراحهم. والأعين عليه
واسعة لسبب بسيط. هو والفيلم الإسرائيلي (لبنان) الوحيدان القادمان من
منطقة الشرق الأوسط، وثانياً، كلاهما يعكسان جانباً مختلفاً. فمن ناحية
فيلم (المسافر) يعلن الفيلم باختياره رسمياً (وتفضيله بذلك على عشرات
الأفلام التي استبعدت) أنه أول فيلم جدير بدخول المسابقات الرسمية الدولية
بعد رحيل يوسف شاهين. بذلك، مخرجه أحمد ماهر يقف أمام فرصة ثمينة عليه
انتهازها، هو والسينما المصرية بأسرها فهذا الضوء المركّز عليها الآن يجب
أن لا ينحسر سريعاً والقرار في ذلك يعود إلى السينمائيين المصريين أنفسهم.
أما ما يعنيه اشتراك الفيلم الإسرائيلي (لبنان) لمخرجه سامويل معوز فهو
استمرار ظاهرة قيام السينما الإسرائيلية بتقديم أفلام لها علاقة بالأوضاع
العربية - الإسرائيلية والتي شاهدنا منها إلى الآن خمسة آخرها (الرقص مع
بشير) الذي تم عرضه في إطار مهرجان كان السينمائي في العام الماضي.
شاشة عالمية
The Final
Destination
تشويق ورعب يتبع سلسلة بدأت في مطلع هذا العقد
خلال وجود مجموعة الأصدقاء في سباق للسيارات يشعر أحدهم أن كارثة ستقع
فيطلب من أصدقائه مغادرة الملعب سريعاً وبالفعل تقع كارثة، لكن الموت
سيتربّص بهم بعد ذلك. هذه هي الحبكة التي يقوم عليها الفيلم وهي ليست
جديدة، بل تشبه حبكات الأفلام السابقة. لكن الفيلم لديه فرصة أن يختلف
فنياً كون الفيلم أصبح تحت إدارة أفضل من ديفيد إيليس مخرج (ثعابين في
الطائرة) ما يمنح السلسلة فرصة جيّدة لإعادة الأمور إلى نطاقها الصحيح.
* * *
Halloween II
رعب شديد يتبع سلسلة معروفة وناجحة
هذا ثاني فيلم (هالووين) بعد رحيل المنتج الأصلي له المرحوم مصطفى العقاد،
وهو تحت إشراف ابنه مالك الذي يبدو أنه سينتج المزيد من هذه السلسلة قبل أن
يجد سلسلة أخرى تشدّه. القصّة هنا تنطلق إثر نهاية أحداث الفيلم السابق قبل
عامين، فبعد أن ساد الاعتقاد أن القاتل المقنّع والمخيف مايكل مايرز قد
مات، ها هو يظهر من جديد مثيراً الرعب والكثير جدّاً من العنف.
* * *
World Greatest Dad
كوميديا اجتماعية ساخرة
تتمحور قصّة هذا الفيلم حول رجل يتعلّم أن الشيء الذي كان يسعى طوال حياته
للتحقيقه قد لا يكون هو الشيء الذي كان يريده وأن العيش وحيداً ليس بالأمر
السيئ على أي حال.
المخرج هو بوب غولدبلات الذي انتقل من التهريج الكوميدي في أفلام مثل
(أكاديمية البوليس) (حيث لعب شخصية الشاب الذي يزعق لكنه لا يتكلّم!!) إلى
مخرج هي رحلة تدعو للاهتمام لكن على الفيلم أن يؤكد جدواها.
يحدث الان
مغامرات عصرية
المخرجة كاثرين هاردويك واحدة من أكثر المخرجات انشغالاً في هوليوود في
الوقت الحاضر. بعد (توايلايت) و(13)، فيلميها الأخيرين، تقف قريباً وراء
الكاميرا من جديد لتحقيق فيلم بعنوان (روبين هود الأحمر). لا معلومات كثيرة
عن الفيلم لكن المصادر القريبة تقول إن إميل هيرش سيتولّى بطولته (هو الذي
ظهر في بطولة فيلم شون بن (إلى البرية) وأنه سوف يكون ترجمة عصرية لمغامرات
روبين هود التاريخية.
* * *
مارتن سكورسيزي على الرف
من دون سبب واضح تم إرجاء عرض فيلم مارتن سكورسيزي الجديد (جزيرة مغلقة) من
شهر تشرين الأول - أكتوبر من هذا العام إلى شباط - فبراير. الفيلم الذي
يقود ليوناردو دي كابريو بطولته يدور حول محقق ينتقل إلى مستشفى للأعصاب
(غير ذاك الذي سنرى فيه إميلي براونينغ) ليحقق في أخبار تفيد بأن هناك
أخباراً عن مداولات غير مشروعة تتم فيه، فجأة ليكتشف التحري دي كابريو أن
دخول المستشفى سهل والخروج منه هو أمر صعب وربما كان مستحيلاً.
* * *
تومي وراء الكاميرا
الممثل تومي لي جونز سيعود للوقوف أمام الكاميرا وخلفها في فيلمه المقبل
تحت عنوان (Sunset
Limited) الممثل الذي سبق له وأن أخرج (المدافن الثلاثة لملكيداس إسترادا)
والذي شوهد في (لا وطن للمسنين) استحوذ على حقوق رواية جديدة للكاتب كورماك
مكارثي. وكان اسم لي جونز تردد قبل أسابيع قليلة على أساس أنه سيضطلع
ببطولة (جزر في الأنهر) عن رواية أرنست همنغواي، لكن يبدو أن هذا المشروع
تأجل أو ربما توقّف تماماً.
أفلام الاسبوع
أخيراً فيلم كونتين تارانتينو الجديد على الشاشات الأميركية وفي المركز
الأول أيضاً رغم خصوصيته
1- (-)
Inglourious Basterds ****
$38.054.676 دراما في زمن الحرب حول مجموعة صغيرة من المجنّدين اليهود تحت
إدارة براد بت مهمّتها قتل الجنود النازيين انتقاماً. لكن الفيلم ليس عن
اليهود ولا المحرقة، بل سرعان ما يتبلور عن دراما خيالية حول صراع عقول في
محاولة لقتل هتلر خلال حضوره عرضاً سينمائياً.
2- (1)
District 9***
$18.213.546خيالي علمي حول مخلوقات فضائية حطّت فوق مدينة جوهانسبرغ، في
جنوب إفريقيا، وبعد عشرين سنة من العيش في عشوائيات المدينة يتعرّضون لحملة
اقتلاعهم من أماكنهم. موضوع جديد يكفل تمرير الملاحظات الاجتماعية من دون
التخلّي عن عناصر التشويق.
3- (2)
G.I. Joe: The Rise of Cobra
**
$12.204.927أكشن مع مواقف مستحيلة مصاغة بمعالجة مخرج (المومياء) ستيفن
سومرز الوهّاجة من دون عمق، منسوجة من شخصيات متوفّرة في ألعاب إلكترونية
وبلاستيكية مختلفة. القصّة هي مجرد مبرر للأحداث السريعة والفيلم من الهوان
بحيث تم حذف عرض خاص للنقاد كما جرت العادة.
4- (3)
The Time Travellerصs Wife
**
$9.742.427 دراما عاطفية جادّة إنما بخيط فانتازي: إريك بانا في دور رحّالة
بين الأزمنة، حيث يستطيع الانتقال من الحاضر إلى الماضي تبعاً لموهبة
نادرة. لكن أحداً لا يعرف هذه الحقيقة حتى زوجته التي تتساءل عن سر غيابه.
الفيلم مأخوذ عن رواية ناجحة، وفيه تمثيل مقبول وجاد، المشاهد يعرف سلفاً
ما لا تعرفه الزوجة.
5- (4)
Julie AND Julia**
$12.055.918دراما مأخوذة عن قصة حياة حقيقية لامرأة قرَّرت السفر عبر
أميركا لثلاثة أيام تمارس فيها هوايتها المفضّلة: الطبخ. فيلم نسائي من دون
ريب لكن المرء يتساءل عما إذا كانت النساء تود تطبيق تعليمات الشخصية التي
تؤديها ميريل ستريب بعدما تقف على الجانب الداكن من تلك الشخصية.
6- (-)
Shorts **
$6.410.449فيلم خفيف من روبرت رودريغيز صاحب سلسلة (فتيان جواسيس). هذه
المرّة أبطاله من الأولاد يتنافسون على الحصول على حجر وجده أحدهم (جيمي
بانت) من شأن هذا الحجر تحقيق كل رغباته. الأحداث تصوّر كيف أن الحياة في
بلدة صغيرة تتغيّر رأساً على عقب تبعاً لذلك.
7- (5)
G-
Force*
$4.114.661أنيماشن من صنع ديزني تتوجّه به إلى مدمني النوع مهما ضعف
مستواه: قصّة ثلاثة حيوانات قارضة تجيد القتال تسند إليها مهمّة إنقاذ
الأرض من بليونير لديه خطّة لاستحواذها بمن عليها. الألوان والتقنيات جيّدة
لكن القصّة ليست أكثر من تبرير لفيلم.
8- (7)
Harry Potter and the Half-Blood Prince
**
$3.478.149الرقم ستّة في السلسلة هو الرقم واحد في الرداءة بين كل أفلام
السلسلة: بطيء ومضن والتمثيل فيه من بطله دانيال ردكليف لا يعدو عن إظهار
بعض الفضول والكثير من اللا مبالاة كمن يعلم أنه لم يبق له سوى فيلم أو
فيلمان ويتوقّف.
9- (8)
The Ugly Truth *
$2.774.174كوميديا عاطفية لا جديد فيها تتحدّث عن المرأة التي تبحث عن
الرجل المناسب وحين تجده لا تراه مناسباً إلا قبل نهاية الفيلم. المُشاهد
هنا يسبق الفيلم في معرفته ما سيحدث حتى نهاية الفيلم. بطلته كاثرين هيغل
تحاول الحفاظ على مكانتها لكن هذا الفيلم ليس الجواب.
10- (6)
The Goods *
$2.710.194كوميديا في عالم مبيع السيارات، حيث يحاول أحد التجار بيع 200
سيارة في يوم عيد الاستقلال، ولإتمام المهمّة يستأجر فريقاً من الرجال
بقيادة دون (جيرمي بيفن) الذي سيستخدم كل الحيل الممكنة لتنفيذ المهمّة.
اللقطة الأولى
حكاية مسجد ووطن
على الرغم من أن الحرب الأهلية فيما كان يُعرف بيوغوسلافيا سابقاً دمّرت
مجتمعات وخلفت نحو 90 ألف ضحية، وأكثر من مليون مُهجّر، وخلقت عداوات بين
أبناء شعب كان يعيش جنباً إلى جنب فيما مضى إلا أن الدولة التي خسرت متضررة
أكثر من سواها مصرّة على أن تمضي في سبيلها إلى الأمام بانية عمادها من
البدايات الأولى. كنت في سيّارتي خارجاً من عرض خاص انتهى بعد ظهر يوم شتوي
في مطلع هذه السنة، حينما استمعت إلى تقرير إذاعي حول مسجد له وضع خاص خلال
الحرب التي نشبت بين شعوب الدولة اليوغوسلافية حال تفككها، دمّرت الحرب،
فيما دمّرت، مسجداً في بلدة اسمها
Fehadija
كان العثمانيون بنوه سنة 1572 أو نحوها خلال فتوحاتهم هناك. الصرب دمّروا
المسجد تماماً. بعثروا قوائمه وهدموا مئذنته وتركوه خراباً. بعد الحرب
تداعى مسلمو البلدة لإعادة بنائه ولفعل ذلك، جمعوا كل تلك الزخارف الجميلة
التي كانت تزيّنه والتي تبعثرت وتهدّمت، قطعة قطعة ساعدهم على ذلك مهندس
معماري من خريجي هارفرد الأميركية اسمه أندراس ريدماير. اليوم، يقترب
المسجد من إتمام بنائه ليحكي قصّتين، واحدة عنه وواحدة عن الحرب ذاتها.
كان هذا هو الخبر الذي سمعته. والذي لفّه خبر آخر ثم آخر ومئات الأخبار
والتقارير بعد ذلك، لكنه لا يزال في بالي. كم أتمنّى لو أنني أملك التمويل
اللازم لأحقق فيلماً عن هذا المسجد وتاريخه وحاضره ومرحلتي بناءه وتدميره.
إنه لا يختصر فقط تاريخ للإسلام في أوروبا، بل يختصر ساراييفو بأسرها
ومحاولتها اليوم التبلور إلى دولة حديثة ومتطوّرة من دون التخلّي عن
هويّتها المسلمة.
في هذا المضمار أيضاً يأتي مهرجانها السينمائي الدولي الذي انتهى قبل أيام
وهو المهرجان الذي بدأ طموحاً صغيراً قبل خمس عشرة سنة (أيام ما كانت الحرب
ما زالت ساخنة) واستمر رغم المعوقات المادية والمعنوية المختلفة.
الآن هو مهرجان يؤمّه مسؤولون من شتّى أنحاء العالم همّهم متابعة الحركة
الفنية والثقافية التي تحتضنها ساراييفو، كما مئات الإعلاميين الذين يرون
في هذا المهرجان مناسبة فنيّة أخرى عليها أن تؤازر وتستمر.
م. ر
merci4404@earthlink.net
الجزية السعودية في
28/08/2009 |