يلعب التلفزيون دوراً في تصعيد حدة الأزمات بين الدول، ويساهم إلى حد
في تعكير
صفو العلاقات بين الفرقاء السياسيين في الدولة الواحدة. ولكن في المقابل،
وهذا ما
يُغفل غالباً، فإن التلفزيون يعد لاعباً رئيساً في إعادة الدفء إلى
العلاقات
الفاترة، أو المتوترة، وفي تحقيق الانفراج على أكثر من صعيد،
وفي أكثر من ملف معقد
وشائك هنا وهناك.
وإذا كان «الأرشيف الفضائي»، على صغره، حافلاً بأخبار حول احتجاج طرف
ما على
أداء هذه الفضائية أو تلك، وحافلاً، كذلك، بأنباء حول إغلاق مكتب هذه
الفضائية أو
تلك، أو منع هذا المراسل أو ذاك من العمل في عاصمة ما، وقد تسوء الأمور
لتصل إلى حد
الاعتقال، بل قد تصل إلى حد التصفيات الجسدية المؤسفة التي
تطاول الإعلاميين، فإن
هذا «الأرشيف» يشهد، كذلك، على دور حاسم أدته الفضائيات في سبيل نزع فتيل
الأزمات.
وإذا تجاوزنا، في هذا السياق، الملف اللبناني الملتبس، والعراقي
الشائك، فإن
المثال التركي يقدم خير دليل على ما ورد، إذ سعت الحكومات التركية
المتعاقبة لدى
أطراف أوروبية بغرض دفعها إلى إغلاق استوديوات محطات فضائية كردية موالية
لحزب
العمال الكردستاني كانت تبث من عواصم أوروبية، وها هي هذه
السلطات التركية ذاتها قد
سلكت، أخيراً، طريقاً معاكساً، إذ استبدلت لغة التهديد والاحتجاج بلغة
الهدوء
والاستيعاب، إذ سمحت هذه السلطات، قبل أشهر، بإطلاق فضائية كردية (تي آر تي
6)
تابعة للتلفزيون الرسمي التركي. وقد قوبلت الخطوة التركية، آنذاك، بترحيب
أوساط
كردية مختلفة رأت في تأسيس هذه الفضائية انقلاباً في مفهوم التعاطي التركي
مع
القضية الكردية.
ويبدو أن نجاح التجربة في امتصاص نقمة الأكراد الأتراك، دفع الحكومة
التركية إلى
تعزيز تلك الخطوة بخطوة مماثلة، إذ تقول الأنباء ان مركز تلفزيون «سامان
يولو»
التركي في مدينة عنتاب يستعد لإطلاق بث
تلفزيوني خاص باللغة الكُردية، بهدف تسليط
الضوء على معاناة قاطني منطقة جنوب شرقي تركيا ذات الغالبية
الكردية وهمومهم.
من ذلك، يتضح أن التلفزيون الذي يتهم بأنه يثير الفتن، ويعمق
الخلافات، يصلح، في
الآن عينه، لأن يكون أداة طيعة؛ مناسبة لتعزيز التفاهم بين الشعوب، وتوجيه
رسائل
إيجابية تفضي إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة. وسنضطر، هنا،
إلى تكرار
القول إن هذا الجهاز سلاح بحدين. ولعل العبرة تكمن في كيفية
استخدامه وتوظيفه، على
أن وظيفة التلفزيون، كما قد يفهم من هذا الكلام، لا تقتصر على «التهدئة
والتصعيد«
فحسب، لأنه سيتحول، آنذاك، إلى مجرد بوق
أيديولوجي فج، ثمة مواد منوعة أخرى كثيرة
يمكن أن ترفد ذلك «المنحى السياسي السلمي» للتلفزيون الذي
كثيراً ما تشوه صورته تلك
العصبيات والعقليات المتطرفة التي تجيّره خدمة لمشاريعها «القاتلة».
الحياة اللندنية في
03/09/2009 |