من السهل أن يوافق أي نجم على المشاركة في أكثر من مسلسل خلال العام
الواحد، وأن يزداد عليه الطلب إذا كان من نجوم الصف الأول والركائز التي
تعتمد عليها دراما بلده. لكن من الصعب أن يراهن النجم على هذه الموافقة
وبأنها سوف تزيده تألقا في رمضان، لأنها في الواقع تجعله رهينة لمجازفة قد
تنعكس عليه بالسلب إذا أخل بشروطها، أو ترفعه مكانة وقدرا إذا أدرك
أبعادها. من أبرز هؤلاء النجوم الذين “يتنقلون” ببراعة بين المسلسلات ونحرص
على مشاهدتهم في أكثر من عمل هذا العام، الفنان أحمد الجسمي الذي عرف كيف
“يتلون” بألوان الدراما التلفزيونية ويقدم لنا 3 شخصيات مختلفة ومتباعدة في
المكان والزمان وطبيعة الأدوار، خصوصا أنها تنتقل من زمن البدايات في
الإمارات وتأسيس إمارة “أبوظبي” في “دروب المطايا”، إلى المشاكل المعاصرة
التي يتعرض لها كل منا في علاقاته بأهله وجيرانه وطبيعة الحياة التي فرقت
بين الناس في “الجيران”، وصولا إلى جرعة الكوميديا في الست كوم “عجيب غريب”
الذي ارتضى الجسمي أن يخوض معه غمار التجربة الإماراتية الأولى من نوعها في
مجال “الست كوم” الذي انتشر في العالم العربي مؤخرا.
قد يذهب البعض مباشرة إلى لوم الفنان على تكرار ظهوره على الشاشة في
شهر واحد وبأكثر من عمل، لكن الواقع أحيانا يفرض نفسه خصوصا في دول الخليج
التي مازالت تسعى إلى التقدم دراميا من حيث الكم والكيف، وفي ظل الأعمال
التي تسعى الجهات الإنتاجية لتوفيرها بينما أعداد الممثلين الجيدين ما زالت
خجولة. لذلك من المهم التدقيق فيما يقدمه الفنان في كل إطلالة لنفهم إذا
كان الهدف من هذه الإطلالات المتعددة حب الظهور والتواجد فقط أم الإجادة
والعطاء الفني بحد ذاته. وكما يطل مرعي الحليان بدورين مختلفين تماما بين
“عباس” جار غريب (أحمد الجسمي) في “عجيب غريب” ويجيد دور الرجل الإيراني
الفضولي والمزعج لجاره، وبين “غدير” الجد العجوز في “دروب المطايا” حيث
يتفوق فيه على الدور الأول براعة وصدقا سواء في الشكل الذي بدا فيه الحليان
عجوزا بحق، أو الأداء المقنع والمتلائم مع الشخصية. كذلك يطل عبد المحسن
النمر بأدوار عدة، وحياة الفهد التي تختار شخصيتين متناقضتين في كل من
مسلسليها “عمر الشقا” و”دمعة يتيم”، وغيرهم من النجوم الذين يمتعوننا
بأدائهم على الشاشة.
أما أحمد الجسمي، فقد تفوق على ذاته وعلى الكثيرين بحرصه على هذا
الانتقال الكبير ما بين 3 شخصيات متباعدة بكل ما فيها، وقد أصاب في رهانه
عليها وأثبت لنا أن الفنان الحقيقي لا بد أن يعطي لكل من أدواره حجمه
وقيمته، وأن ينسى ذاته في موقع التصوير ليصبح إنسانا آخر رسمته كلمات
الكاتب ووجهته رؤية المخرج، مع لمسات للممثل المخضرم وصاحب الخبرة الطويلة
في طيات الأداء وملامح البطل.
من يشاهد الجسمي بدور موسى الرجل البخيل على أهل بيته والعمال لديه في
“الجيران” على قناة “سما دبي”، يرى أمامه رجلا بلا قلب قاس بملامحه وتعابير
وجهه وطريقة كلامه، حتى أنه يدفع المشاهد إلى كرهه خصوصا في المشهد الذي
يعلم فيه أن أحد العمال لديه انتحر بسبب حسم مرتبه، فيتخلى عن ضميره كليا
برفضه مناقشة الأمر مع أي كان واعتبار الجريمة كأنها لم تحصل وبأنه غير
مسؤول عن أي شيء. كذلك في مشهد آخر حين يفاجأ موسى بلجوء أخته سارة وزوجها
راشد وولديهما إليه بعدما طردتهم بشكل غير مباشر زوجة أخ راشد من مسكنها،
فيستفزه الوضع ويوبخ زوجته على استضافتهم بأعلى صوته وبسلاطة لسانه، ما
يحمل أخته على مغادرة بيته ليلا دون أن تتحرك مشاعره أو يشفق على حالها.
مشهد لا ترى فيه أمامك سوى رجل تمقته لشدة بخله وأنانيته ولا إنسانيته،
والفضل في كرهنا له يعود إلى أداء أحمد الجسمي الصادق وبراعته في تقمص هذه
الشخصية بكل ما فيها.
وحين تنتقل إلى قناة “أبوظبي” لتشاهد مسلسل “دروب المطايا”، ترى أمامك
في ذلك النوخذه الشهم النقيض تماما لموسى، وقد أطل فيه الجسمي بملامح الأب
الإماراتي الآتي من عالم البحر والمنتقل مع أسرته إلى “المقطع”، وهو دور
فيه الكثير من “الرزانة” والجدية والأداء الذي اعتدنا رؤية الجسمي فيه.
وفي قفزة أخرى إلى لون مختلف، نصل إلى الكوميديا مع “أبو البنات” غريب
في “عجيب غريب” على قناة “دبي”، حيث يلعب أحمد الجسمي دور أب لأسرة
إماراتية مكونة من الأبوين و3 بنات والجدة، وفي الشقة المقابلة جيرانهم
الإيرانيين إضافة إلى طبيب العائلة المصري. وفي هذا المسلسل تكاد تجزم أن
بطله تفوق في الأداء الكوميدي ورفع من شأن المسلسل الذي لا يخلو من عيوب،
ويمكن القول أنه أضاف لهذا الست كوم الذي جاء ليؤكد على موهبة الجسمي في
الكوميديا التي لا تقل عن التراجيديا، وعلى قدرته على تغيير جلده والإجادة
في كل لون مهما كان صعبا أو غريبا، ومهما كان معقدا أو بسيطا.
وبغض النظر عن جودة المسلسلات الثلاثة ومدى تفاوتها من حيث الكتابة
والإخراج، إلا أن ما يجمع بينها هو احترام هذا الفنان لجمهوره وإخلاصه لفنه
وبذله جهودا لمنح كل عمل حقه وهو ما نلمسه على الشاشة وقت المشاهدة وما
نتمنى أن نشاهده دائما من كبار أمثال أحمد الجسمي وحبيب غلوم الذي نشتاق
لرؤيته بدور كبير نتمنى أن يقدمه العام المقبل.
smarlyn@hotmail.com
الخليج الإماراتية في
03/09/2009
“غشمشم
4” يعيد الحيان إلى
السباق
مصطفى عبد الرحيم
بعد ثلاثة أجزاء انفردت ببثها قناة “دبي” الفضائية، يعود أبطال
المسلسل الكوميدي “غشمشم” في جزئه الرابع من جديد لرسم البسمة على شفاه
المشاهدين، ولكن هذه المرة بمخرج بديل هو مأمون البني، والعديد من النجوم
الخليجيين الذين يشاركون فهد الحيان وهيا الشعيبي للمرة الأولى في هذه
السلسلة، أمثال عبد المحسن النمر، وبشير غنيم، وسعاد علي، وشافي الحارثي.
في الأجزاء السابقة من “غشمشم” تابعنا فهد الحيان في دور “رشيد” وهو
يجتهد بكل إصرار وتحد، باحثاً عن عمل يحسن من دخله، ليضع نفسه في مواقف
ومفارقات طريفة لكي يصل إلى هدفه ودائماً ما يفشل، حتى ولو نجح هذه المرة
في الحصول على الملايين، لكن عدم درايته وقلة خبرته بإدارتها تجعل الحلم
يتهاوى أمامه، ويعود إلى بيته وأهل قريته من جديد.
حصل المسلسل على إعجاب المشاهدين عبر أجزائه السابقة، وطاله بعض النقد
من سطحية تناول بعض المواضيع، وغياب أغلب الحلقات عن المضمون الدرامي،
والرسالة التي تعود الجمهور متابعتها من فهد الحيان المنحدر من مدرسة “طاش
ما طاش” الكوميدية التي تغلف السم بالعسل، وتناقش قضايا بالغة الصعوبة في
إطار كوميدي كاريكاتيري ساخر.
وقبل أن يخرج قطار الكوميديا عن مساره ويخسر ما يحمله من معجبين،
استطاع فهد الحيان ومؤلف العمل صنع توليفة كوميدية مسايرة للقضايا المعاصرة
التي طفت مؤخراً على الساحة، والتي كان آخرها تعلق الجمهور العربي بمتابعة
المسلسلات التركية المدبلجة، ليبني الكاتب مواقفه على أساس متين ويوجد
المبرر الدرامي لحدوثها، حتى وان تكلف العمل السفر إلى مواقع الأحداث،
وتتنقل قافلة المسلسل للتصوير بين السعودية ولبنان وتركيا والبحرين.
لا يجف نبض المواقف الطريفة الساخرة في حياة رشيد وزوجته شيخة طوال
حلقات المسلسل المنفصلة، خاصة مع النهاية المفتوحة والقابلة للاستمرار، حيث
تطرقت أولى حلقات الجزء الرابع والتي حملت عنوان “المحلل”، إلى قضية من
أخطر القضايا الاجتماعية والتي يمر بها بعض الرجال المستهترين، غير
المدركين لمعنى الحياة الزوجية، وندمهم بعد التسرع في طلاق زوجاتهم. فبعد
الطلقة الثالثة ظل رشيد يبحث عن حل ليعيد زوجته شيخة التي قصدت بيت أهلها
بعد أن حرمت عليه. ويقبل الحل السحري الذي اقترحه عليه أحد أصدقاءه، بأن
يزوج زوجته لأحد أصدقائهم كمحلل لليلة واحدة ويطلقها في الصباح. وعلى الرغم
من أنه مشهد مكرر وشاهدناه من قبل في أكثر من عمل، إلا أنه قدم بشكل جديد،
حيث أصرت الزوجة هذه المرة على البقاء مع زوجها الجديد، لتسبب صدمة نفسية
لرشيد، الذي يفيق على سريره ويدرك أن ما مر به كان مجرد حلم، ويبحث عن شيخة
ويناديها بأطيب الأسماء وأرق الكلمات، بعدما كان النهر والزجر هو أسلوبه
المفضل في التعامل معها. ويترك العمل الحياة الزوجية ويتطرق عبر الحلقة
الثانية والثالثة لظاهرة طالما أثارت حفيظة البيوت العربية، وهي المسلسلات
التركية المدبلجة، وتتوجه قافلة العمل إلى تركيا لتنفيذ حلقتين بعنوان
“سنوات الضياع”، ويتحول رشيد وشيخة إلى يحيي ولميس، ويقدمان مواقف ساخرة
انتقدا فيها التطويل والمبالغة التي تشهدها الدراما التركية، إضافة إلى
الحزن والبكاء الذي يخيم على غالبيتها. استطاع مخرج العمل عبر دبلجة الحوار
العربي بأصوات سورية، إضفاء صبغة تركية على المشاهد الكوميدية، ونجح إلى حد
بعيد في إقناع الجمهور في إعادة التفكير في المضمون غير الواقعي لتلك
الدراما المستوردة.
عاد الحيان في الحلقة الرابعة للسعودية ليعمل طباخاً للوزير، ويفجر
كوميديا من نوع جديد بين الحاكم والمحكوم، إذ يقع الوزير هذه المرة تحت
رحمة أكلات رشيد العجيبة التي تتسبب له في وعكة صحية. أجاد عبد المحسن
النمر تجسيد شخصية الوزير لمدة حلقتين متتاليتين، فبعد أن تعودنا مشاهدته
في أدوار اجتماعية يغلب عليها البكاء، أطلق النمر من عرينه ضحكات حازت على
إعجاب الجميع، سيطرت عليها العفوية وكوميديا الموقف، وليست المصنوعة
بالحركات والمبالغات.
جاء ديكور المسلسل في تصويره الخارجي متماشياً مع طبيعة الأحداث
الكوميدية التي تتخلل العمل، بينما اعتمد المخرج في التصوير الداخلي على
الديكور العربي والخليجي المميز، والذي يتبدل من القديم إلى الحديث، كما
يحسب لفهد الحيان أنه للمرة الأولى في تاريخ صناعة الدراما في المملكة
السعودية، قام بتأسيس قرية “غشمشم” وهي عبارة عن مدينة لإنتاج مسلسل
“غشمشم” وضع فيها كل مواقع التصوير اللازمة وبإمكانها أيضاً إنتاج أي عمل
درامي جيد.
الخليج الإماراتية في
03/09/2009 |