ماذا في الدورة السادسة والستين لمهرجان البندقية التي افتتحت مساء
أمس بفيلم
الايطالي جيوسيبي تورناتوري؟ كثيراً ما قرأنا في أماكن متفرقة، لدى النقاد
الغربيين
وأيضاً في ما كتبه بعض الأقلام العربية المحترمة والمطلعة، أن التشكيلة
الرسمية
والاختيارات على قدر عال من الجودة. مما يعني ان مهرجان
البندقية ربما يتجاوز هذه
السنة، وهو أكثر المهرجانات رومنطيقية وعراقة في العالم، الدورة الأخيرة من
زميله
كانّ، من حيث تنوع أفلامه المتشكل من هذا الخليط الذي جاء به المدير ماركو
موللر من
سينماتوغرافات (نعود الى هذه الكلمة التي فضلها بروسون على كلمة سينمات)،
والذي لا
يملك حظوظاً أن يلتقي بعض عناوينه بالبعض الآخر الاّ في جزيرة
السينما الأهم "ليدو"،
أو على تلك المدينة الساحلية المتوسطية الحارة في كانّ، أو في معبد التاريخ
الأوروبي الحديث في برلين.
لا أحد شاهد الى الآن أياً من اختيارات موللر،
باستثناء بعض الزملاء المحظوظين الذين تمكنوا من الوصول الى
هنا في مطلع الاسبوع
الجاري، اي قبل التاريخ الرسمي لبداية المهرجان. لكن على رغم الحماسة التي
يمكن
المرء أن يشعر بها حيال البرنامج، الا ان الغموض يلف الكثير من العناوين،
وهي لا
تنتظر الا "عيون" المهتمين والمتابعين، محترفين وهواة، لتنطلق
من هذه المنصة
المهيبة الى عالم أكثر وسعاً.
نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ان نخرج في
ختام الايام الأحد عشر التي تستغرقها هذه الموسترا بإيجابيات
كثيرة ترفع من شأنها
قليلاً بعد دورة العام الماضي الباهتة، وإما أن تخيّب الدورة ظنون
الكثيرين. وقد
تأتي الأفلام الأهم من المسابقة الرسمية كما يمكن أن تأتي ايضاً من خارج
المسابقة،
كما هي الحال في الكثير من المهرجانات. فهناك على الاقل اربعة
أفلام عرضت في تظاهرة "نظرة
ما" في كان، تتجاوز بضعة أفلام المسابقة أهميةً وشأناً اخراجياً. فلعبة
الاقسام محكومة بحسابات ادارية يصعب فهمها لأنها تتبدل من مهرجان الى آخر،
ولا
ينبغي أخذها معياراً للجودة. وفي البندقية أيضاً هذا التناحر
بين الأقسام المختلفة.
فهناك الأفلام المعروضة في المسابقة وخارجها، قسم "آفاق" (أوريزونتي)،
القسم المخصص
للأفلام الايطالية. هذه الأقسام كلها تشبه أقسام كانّ الى حدّ كبير. هناك
ايضاً
قسمان خارج التشكيلة الرسمية وهما: "أيام المؤلفين" و"اسبوع النقاد
العالميين".
جميع هذه الأفلام تتداخل وتلتقي، أحياناً في أهوائها وميولها، وغالباً في
قدرتها
على جذب انتباه المنظمين الذين يشاهدون كمية هائلة من الأعمال
على مدار الاشهر
الـ12 التي تسبق تاريخ انعقاد المهرجان. ثم يوزعونها على الأقسام المختلفة
بمنطق
غير تبريري يتعذر تشريحه أو فهمه. وهل يهمّ الى هذا الحدّ تشريح عقول
الادارة وفي
مقدمها عقل ماركو موللر الذي قال في حديث لي معه عام 2007 ان
مؤخرته هي المعيار
الحاسم لاختياره فيلما أو عدم اختياره؟ ويعني بذلك أن كل فيلم لا يحمسه على
البقاء
جالساً، في النصف الساعة الأول منه، فإن مصيره أن لا يُعرض في
المهرجان...
•••
23
هو عدد الأفلام المتسابقة على الأسد الذهبي. عشرة بلدان أنتجت
هذه الأفلام.
كل من النمسا وسري لانكا ومصر واسرائيل واليابان يتمثل بفيلم واحد. حصة
المانيا
والصين كلٌّ منهما فيلمان. أما ايطاليا وفرنسا فتهيمنان على
البرنامج بأربعة أفلام
لكل بلد. لكن الولايات المتحدة هي التي تبقى نجمة هذه السنة مع ستة أفلام
في
المسابقة. ولا شيء أكثر طبيعية من أن يكون نحو ربع الأفلام بتوقيع أميركيين
بعدما
تراجع التمثيل الأميركي لهذه السينما في كانّ في الدورة
الفائتة على نحو يبعث على
تساؤلات. حتى المشارك الأميركي الأبرز، كوانتن تارانتينو، كان جاء بفيلم
ناطق بلغات
عدة ويعود الى حقبة من التاريخ الأوروبي. لكن في هذه الدورة، فإن الحضور
الاميركي
المتميز، الذي من الطبيعي أن يأتي بنجومه واسمائه على البساط
الأحمر، يكاد يكون له
تبريراته أيضاً. نتذكر كم تحولت الجزيرة في العام الماضي الى صحراء قاحلة
لعدم وجود
الأسماء البراقة والجذابة التي يراهن عليها المهرجان لجلب الجمهور العريض!
فأضعف
الايمان أن لا يتكرر الخطأ نفسه هذه السنة.
ثمة ممثلون يختارون أدوارهم بعد
قراءة السيناريو. وهذه حال معظمهم. البعض تخيب النتيجة آماله.
على الورق كل شيء
يكون جميلاً ومثمراً. لكن عند انتقاله الى الشاشة يشحّ الالق ويتبخر الطعم
والرائحة. هذه هي حال الصحافيين والنقاد الذين يشاركون في المهرجانات.
الأسماء
الجميلة والواعدة تبرق أمامهم على الورق، لكن كثيراً ما تسقط
الهالة العظيمة عند
انتقالها الى هذه المساحة البيضاء. ترى مَن مِن جهابذة الاخراج سيخذلنا في
الأيام
المقبلة؟
في دورة تنهض تشكيلتها الرسمية على 75 فيلماً، 17 منها هي أفلام أولى،
هناك على الاقل عشرة من اصل 23 فيلماً في المسابقة هي لسينمائيين لهم
مكانتهم في
كوكب الفنّ السابع. من شيرو الى هيرتزوغ، مروراً بسولوندز، فنحن أمام دورة
تهيمن
فيها طائفة من السينمائيين يتبعون ايقاعاً معيناً في عملهم،
وثمة مسافة زمنية تفصل
فيلماً لهم عن ثانٍ. الأجدر بنا أن نبدأ مع هؤلاء المقلّين: هناك أولاً
مخرج الكآبة
والغرائبيات، الأميركي تود سولوندز بفيلمه الجديد "الحياة في زمن الحرب".
عودة
محببة لصاحب "سعادة"، بعد اربع سنوات على "بالاندروم"، مع ما يمكن اعتباره
تنويعة
لفيلمه الأشهر، صحبة شخصيات "سولوندزية" غريبة تصارع من أجل أن يكون لها
وجود في
عالم يصعب توقع ما سيؤول اليه. بين السخرية الجافة والحزن المستديم، يواكب
سولوندز
شخوصه وهم اسرى الحب والحياة في أصعب الأزمنة، واضعاً ممثلة من
خامة شارلوت
رامبلينغ وجهاً لوجه أمام سيدة أعمال لعوب هي باريس هيلتون (!) التي لا شك
ان
المخرج اسند اليها هذا الدور لوظيفة معينة.
مثل سولوندز، تطلّب باتريس شيرو
مسافة اربع سنوات كي يعود الينا بـ"اضطهاد". رجل وحدوي في
الخامسة والثلاثين على
علاقة بفتاة يكرهها ويحبها في آن واحد، لكن لا يستطيع التوصل الى قرار
التخلي عنها،
الى اليوم الذي يدخل فيه غريب حياته. يجسد دور الثنائي رومان دوري وشارلوت
غينسبور،
التي نأمل أن يكون دورها بأهمية ما جسدته في "المسيح الدجال"
للارس فون ترير.
البلجيكي جاكو فان دورماييل هو الآخر يعود الى احضان السينما،
بـ"السيد لا أحد"،
بعد 13 عاماً على رائعته "اليوم الثامن". الى الآن لا نعرف
شيئاً عن الفيلم
باستثناء المعلومات القليلة الواردة على الموقع الرسمي للمهرجان. القلة
التي
شاهدته، قالت إن جانباً منه يذكر بـ"الحالة الغريبة لبنجامين باتون". الملف
الصحافي
للفيلم يلخصه على هذا النحو: ولد يقف على حافة الرصيف في محطة. القطار على
وشك أن
يغادر. هل عليه أن يرافق أمه أم أن يبقى مع والده؟ احتمالات
حياتية كبيرة تتفرع من
قراره هذا. وما دام لم يختر بعد، فكل شيء يبقى ممكناً. وكل الحيوات تستحق
أن تعاش.
كاستينغ دولي وظّفه فان دورماييل في هذا
الفيلم: الألمانية ديان كروغير، الأميركي
جاريد ليتو، الكندية سارة بولي. أما هوية الفيلم فهي فرنسية.
من العائدين الى
السينما بعد غياب، هناك الايطالي ميكيلي بلاتشيدو. آخر فيلم أخراجاً لهذا
الممثل
الذي مرّ بنجاح كبير خلف الكاميرا كان قبل ثلاث سنوات واسمه "رواية جريمة".
ها انه
يعود في "ايل غراندي سونيو" مع توزيع أدوار لمجموعة ممثلين ايطاليين جدد،
في مقدمهم
ريكاردو سكارماتشيو الذي اكتشفناه في الشتاء الماضي مع "عدن في الغرب"
لكوستانتين
غافراس. بعد سبعينات المافيا الايطالية في "رواية جريمة"، يعود بلاتشيدو
بضع سنوات
قليلة الى الوراء، وتحديداً الى عام 1968، في اللحظة التاريخية العظمى التي
اعتقد
فيها الشباب الممتلئون بأفكار الثورة والنضال انه في امكانهم تغيير العالم.
انطلاقاً من نيكولاس، الشاب الشرطي الذي يحلم بأن يكون ممثلاً، بنى
المخرج لقاءات
بين أشخاص ما كانوا ليلتقوا لولا هذه الأفكار التي هزّت حياة كثر قبل أن
تتناثر
هباء.
لم يطل غياب جاك ريفيت مثل سائر السينمائيين العائدين. فبالكاد مرّت
سنتان على "لا تلمس السيف" قبل أن ينجز أحدث أعماله، "36 طلة مشهدية على
البيك سان
لو". ريفيت، وهو أحد آخر اسياد السينما الفرنسية الكبيرة، يمنح البطولة هنا
الى
سيرجيو كاستيلليتو في شريط تدور حوادثه على فرقة سيرك جوالة. يموت صاحب
السيرك
فتضطر ابنته الى أن تتسلم الدفة على رغم انها اعتزلت المهنة
منذ 15 عاماً. من طريق
المصادفة تلتقي ذات يوم ايطالياً شغوفاً يريد معرفة ما الذي جعل الوارثة
تبتعد عن
السيرك وما الذي جعلها تعود اليه.
غائب آخر يعود، وكنا قد اشتقنا الى اعماله،
علماً ان محاولته الاخراجية الأخيرة، "المجهولة"، كانت ناقصة.
نحن نتحدث عن جيوسيبي
تورناتوري وفيلمه "باريا، باب الرياح" الذي يصور بورتريهاً لثلاثة أجيال في
مكان ما
من صقلية. مآسٍ، آمال وأحلام كبرى في هذه الملحمة الاسرية التي تعيد الى
الاذهان
الكثير من الأفلام الايطالية ولا سيما "أفضل سنواتنا"
لجيوردانا. أما آخر الكبار من
الرعيل السابق الذي ستطأ قدماه المهرجان في الأيام المقبلة فهو
فيرنير هيرتزوغ الذي
يأتينا بنسخة جديدة لفيلم شهير أنجزه ابيل فيرارا باسم "ضابط سيئ"، علماً
ان
الحوادث نقلت من أحياء نيويورك القذرة الى نيو اورليانز، بتوزيع أدوار
هوليوودي
(نيكولاس
كايج، ايفا مينديس، فال كيلمر). يتضمن الفيلم كل التيمات الأثيرة لدى
أمراء فيلم الجريمة، مثل التوبة والعزلة والضغينة. بعد الفشل الذريع لفيلمه
السابق،
هل يتمكن هيرتزوغ من اجتياز النفق المظلم ويعود الى أصله؟
علماً ان في جعبته اليوم
ما لا يقل عن خمسة مشاريع سينمائية.
•••
بعدما نال جائزة "الكاميرا الذهبية" عام 2005 عن فيلمه "الأرض
المتروكة"، يدخل
فيموختي جاياسوندارا، ابن الـ32، المسابقة الرسمية للبندقية، مع "بين
عالمين". هذا
المخرج هو أحد آمال السينما العالمية، وفي جعبته معاناة طويلة من الاضطهاد
مع
الحركات الوطنية في بلاده سري لانكا التي قادت ضده حملة عنيفة
عبر وسائل الاعلام،
بعدما تبين لها ان "الأرض المتروكة" لا يقدم "صورة ايجابية" عن العسكر
والمواطن
السري لانكيين، ويرصد حوادثه في خلفية اجتماعية لا تزال تعاني مخلفات الحرب
الاهلية. وكانت النتيجة سحب الفيلم من الشاشات، ونفي جاياسوندارا الى
العاصمة
الفرنسية، علماً ان "المنشقين" في بلاده يعتبرونه الامل الجديد
لسينما قائمة، حتى
اشعار آخر، على الترفيه واقصاء المواضيع الجادة والقضايا الشائكة...
البندقية
هي ايضاً ارض مفتوحة أمام المشاغبين الوافدين من خلف البحار. ترى ماذا تقول
هذه
الكتلة المركبة من التخريب والنقّ التي تحمل اسم مايكل مور في جديده
"الرأسمالية:
قصة حبّ"، بعدما كان جعل من الرئيس
الأميركي السابق جورج بوش شغله الشاغل في
السنوات الأخيرة. ملصق الفيلم معبّر عن مضمونه: رجل يدير ظهره
الينا ويمسك في يده
كيسا من المال رسمت عليه علامة الدولار، فيما يقف أمامه مايكل مور. اللقطة
تذكّر
بأفلام الوسترن الأميركية، وفيها ايضاً شيء من الرسوم المتحركة للأطفال.
لكن، من
باب الانصاف، فإن تاريخ مور في كشف خفايا الرأسمالية ليس ابن اليوم، بل
يعود الى
عشرين سنة خلت، يوم قرر انجاز فيلم "روجر وأنا". اليوم، بعد
عقدين، لا يزال مور
يسأل ما الثمن الذي يدفعه الأميركيون من كثرة تعلقهم بالرأسمالية وحبهم
الجمّ لها؟
بين الهزء والغضب، يسلك مور دربه السينمائي المعتاد، طارحاً في زحمة
انشغالاته
الفضائحية قضايا مهمة من مثل فقدان 14 ألف مواطن وظيفتهم في
أميركا كل يوم.
أيضاً: هناك فيلم جديد لجورج روميرو اسمه "نجاة الأموات" دخل
المنافسة، دائماً
عن موضوع الأموات - الأحياء الذين يخرجون من القبور ويهددون سلامة البشر
وحياتهم.
على رغم انتماء سينما روميرو الى
الـ"جانر"، فهذا لم يشكل عائقاً أمام دخوله
المسابقة. الى جانبه هناك فيلم الايرانية شيرين نزهت التي تأتي
بفيلم يمثل ألمانيا،
اسمه "امرأة بلا رجل"، وهو عن حياة أربع نساء من طبقات اجتماعية مختلفة،
ينتهي بهن
الأمر الى الالتقاء في حديقة عامة. نحن في إيران عام 1953 أثناء ثورة مصدق.
هذا أول
فيلم لنزهت المنشغلة الى الآن بـ"الفيديو آرت"، وفيه تصور تسلسل الحوادث
التي أدت
الى تحول ايران، بعد الثورة الاسلامية، الى البلد التي هي عليه اليوم.
لم نعد
نذكر متى دخل آخر فيلم مصري مسابقة واحد من المهرجانات الثلاثة الأهم. فإذا
استثنينا "هي فوضى" ليوسف شاهين عام 2007، فالسينما المصرية، نتيجة التوجه
الذي
ذهبت فيه، لم تدخل الحداثة التي تتغنى بها لجان الاختيار في المهرجانات
الكبرى،
فظلت مستبعدة عن البرامج. لذا، كان لا بدّ أن يمثل دخول
"المسافر" لأحمد ماهر الى
المنافسة حدثاً كبيراً بالغت في تقويمه الصحافة المصرية وبعض أبواق وزارة
الثقافة
المصرية التي انتجته بالكامل. ففي العام الماضي، شارك فيلم جزائري كبير في
المسابقة ("غابلا"
لطارق طقية) ولم يجر التطبيل والتزمير له كما هي الحال مع فيلم "المسافر"،
حتى قبل أن تُرى منه لقطة واحدة! الجديد في الفيلم الذي يلعب بطولته عمر
الشريف، هو
انه اول انتاج مباشر لوزارة الثقافة المصرية بعد سنوات طويلة من توقف
القطاعات
الرسمية المصرية عن الانخراط في الهمّ الانتاجي. يتفرع النصّ
من ثلاث محطات تاريخية
ظلت ماثلة في الوجدان العربي: نكبة فلسطين عام 1948، حرب تشرين عام 1973
والاعتداء
الارهابي على برجي "مركز التجارة العالمي" عام 2001.
مهرجان البندقية لا ينسى
ايضاً السينمائيات الوفية لتاريخه. هناك أولاً فرانشيسكا
كومنتشيني، ابنة لويجي، في
عملها الجديد. هي قصة أمرأة تضع مولوداً قبل اوانه، أي بعد ستة أشهر من
تاريخ بدء
الحمل. فيوضع الرضيع، وهو فتاة، في المستشفى، بغية مراقبته في العناية
المركزة.
طوال الاشهر الثلاثة لاكتمال الجنين، لا حيلة في يد ماريا الا مراقبة
ابنتها من
خلال الزجاج، متأملة ان لا يحدث لها مكروه. هناك أيضاً كلير دوني، سينمائية
عزيزة
على قلب ماركو موللر، وهي كانت هنا العام الماضي، مع فيلم لم
يبق عالقاً في
الذاكرة. دوني، المخضرمة، وهي واحدة من أهم سينمائيات فرنسا، تقدم في
البندقية "مادة
بيضاء"، تمثيل ايزابيل أوبير وايساك دو بانكوليه ونيكولا دوفوشيل وكريستوف
لامبير.
تبقى الثلاثية المهرجانية التي منها قد تولد المفاجأة، وهي على كل حال
منتظرة وضرورية. هذه المفاجأة هي مثل التشويق في أفلام هيتشكوك، نعرف انها
ستحصل
لكن لا نعرف كيف وأين. أولاً، هناك جديد "وندر بوي" السينما
الأوروبية، الألماني
التركي الأصل فاتح أكين، الذي، بعد سنتين على "حافة الجنة"، يأتينا بقصة
حبّ معقدة
بين صاحب مطعم يوناني ولاعب كرة سلة صربي، على أمل أن تجتمع فيه اللقيات
الدرامية
لفيلمه السابق. العمل الثاني الذي قد يكون على قدر من القيمة هو اقتباس جون
هالكوت
لرواية كورمان ماكارثي. بنبرة أبوكالبتية صارمة، يروي
"الطريق"، الذي يجمع فيغو
مورتنسن وتشارليز ثيرون وغاي برس، قصة أب يحاول أن يحمي ابنه من انفجار
نووي واضعاً
اياه بمنأى عن المعركة الدائرة بين الكانيباليين والناجين من الكارثة. أما
الفيلم
الذي قد يشكل احدى "الصدمات" (الايجابية أو السلبية) لهذا
المهرجان، فهو "ليبانون"
لصمويل معاز، الناطق باللغتين العربية والعبرية. تجري حوادث الفيلم خلال
الاجتياح
الاسرائيلي الهمجي لبيروت عام 1982. دبابة اسرائيلية يُنصب لها كمين.
الأحوال خارج
آلة الحرب، نار ورصاص. والجنود هذه المرة ليسوا ابطالاً، بل لديهم خوف مرعب
من
الموت! بعد آري فولمان، ترى ما النظرة التي ستكون لمعاز،
وخصوصاً انه هو الآخر كان
جندياً في الجيش الاسرائيلي؟
أسئلة كثيرة غداة الافتتاح، ولا تأكيد سوى واحد:
يختلف مهرجان البندقية عن سائر المهرجانات في كونه معرضاً وليس مهرجاناً
بالمفهوم
التقليدي. "المعرض الدولي للفن السينمائي"، هذه هي العبارة الدقيقة التي
يندرج
تحتها هذا اللقاء السنوي الذي يتجدد اليوم للمرة السادسة والستين. وهناك
جملة
التزامات، على الفريق الحاكم مراعاتها كي تبقى "جزيرة السينما"
مؤتمنة على عراقتها.
والباقي رهن الاكتشاف...
الــمـــســــــابــقــــة
-
"الحياة في زمن الحرب" لتود سولوندز.
-
* "اضطهاد"
لباتريس شيرو.
-
* "السيد
لا أحد" لجاكو فان دورماييل.
-
* "الحلم
الكبير" لميكيلي بلاتشيدو.
-
* "36
طلة
مشهدية على البيك سان لو" لجاك ريفيت.
-
* "باريا،
باب الرياح" لجيوسيبي
تورناتوري.
-
* "ملازم
سيىء" لفيرنير هيرتزوغ.
-
* "بين
عالمين" لفيموختي
جاياسوندارا.
-
* "الرأسمالية:
قصة حبّ" لمايكل مور.
-
* "نساء
بلا رجال" لشيرين
نزهت.
-
* "المسافر"
لأحمد ماهر.
-
* "مادة
بيضاء" لكلير دوني.
-
* "الطريق"
لجون هالكوت.
-
* "مطبخ
الروح" لفاتح أكين.
-
* "ليبانون"
لسامويل معاز.
-
* "نجاة
الأموات" لجورج روميرو.
-
* "الوقت
المزدوج" لجيوسيبي كابوتوندي.
-
* "حادث"
لبو - سوي تشيانغ.
-
* "المسافة
البيضاء" لفرانشيسكا كومينتشيني.
-
* "رجل
أعزب" لطوم فورد.
-
* "لورد"
لجيسيكا هاوزنر.
-
* "تيتسيو
الرجل الرصاص"
لشينيا تسوكاموتو.
-
* "أمير
الدموع" ليونفان لي فانغزي.
خارج المسابقة
تعرض أفلام لكل من: خوم بالواغيرو، جو دانتي، أبيل فيرارا، هنا مخملباف،
يسري
نصرالله، ستيفن سادربرغ، سيلفستر ستالون، أوليفر ستون، نيكولاس ويندينغ
ريفن،
الخ...
في قسم "آفاق" (أوريزونتي)، تعرض آخر أعمال السينمائيين: كاملة أبو
زكري، رجاء العماري، هيكتور غالفيز، بيتر غرانواي، فيليب هاس، فيرنير
هيرتزوغ،
فريديريك وايزمان، وآخرين.
(
hauvick.habechian@annahar.com)
النهار اللبنانية في
04/09/2009
خارج الكادر
استعمار؟ [2]
بعد المشرق والبلدان
الاوروبية التي كانت أشبه بمنفى للمخرجين العرب، حطت طائرتنا في مطار
مراكش. من
هناك كانت رحلة أخرى للبحث عن سينما عربية بين حاجتها الى الاستقلال
والتبعية
المفروضة عليها جراء الانتاج المشترك. كان المغرب المنصة
المثلى للانطلاق منها،
لكونه مزيجاً من الثقافات المتداخلة، وذا هوية مركبة بين أوروبا وأفريقيا.
كان
فيلم "الحال" لأحمد المعنوني أحد النماذج المهمة للانتاج المشترك بين
المغرب
وأوروبا في اوائل الثمانينات. وعلى رغم الدعم المادي الذي اتاح لهذا الفيلم
أن
ينجز، فإن المعنوني استطاع من خلاله أن يحافظ على الخصوصية
المغربية في التقاط الحس
الموسيقي ونقل الواقع المغربي في أفضل حالاته.
في الرباط كان لا بد من لقاء
نبيل عيوش. سينمائي لا تزال رغبته في الحديث عن جذوره قوية،
على رغم انه بات
محسوباً على الغرب من حيث التمويل وأيضاً لكونه متهماً بإنجاز أعمال
اكزوتيكية ترضي
الذوق الغربي العام. أما فيلمه "لولا"، فاتهم بمسايرة الغرب، بعيداً من كل
أمانة
للحقيقة. لكن ما يراه الآخرون تواطؤاً، يراه عيوش تبادلاً ثقافياً من أجل
تطوير
السينما العربية.
بعيداً من منطق الانغلاق، كثيرة هي الافلام المغربية جاءت
نتيجة انتاج مشترك مع أوروبا. أهمها فيلم "ماروك" للمخرجة ليلى مراكشي، وهو
قصة
فتاة مغربية مسلمة تغرم بشاب يهودي. التمويل الاجنبي للفيلم أتاح للمخرجة
أن تطرح
بجرأة ما كان يصعب عليها معالجته في فيلم من إنتاج مغربي 100
في المئة. كانت جرأة
الفيلم وراء اتهام البعض له بأنه يقوم على منطق استعماري.
مدير المركز
السينمائي المغربي نور الدين الصايل ساهم في انتاج الكثير من الافلام
المغربية حين
كان يعمل في فرنسا، وأبدى دائماً انفتاحاً على
مسألة الانتاج المشترك، خلافاً
لآخرين. لكن مخرجين كثراً في المغرب، أظهروا استقلالية تامة في العمل بعدما
أسسوا
لهوية خاصة لأنفسهم ومشوا بخطوات ثابتة نحو سينما تشبه محيطهم وتطرح
قضاياهم بلا
مواربة. أفراد هذا الجيل كانوا حرصاء على صورة المغرب في
الافلام التي طُلب منهم
صنعها. من هؤلاء، حميد باسكيت، صاحب الفيلم القصير، "آخر صرخة"، الذي ينتمي
الى جيل
لا يروي الانتاج المشترك غليله، وإن خضع له فإنه يبقى هو المتحكم الاكبر في
هذه
اللعبة.
هناك أيضاً فئة من المخرجين بين فكرين. الفكر المؤيد للانتاج المشترك
والفكر والمعارض له. ينتمي لطيف لحلو الى الذين يعززون الشرخ الثقافي
والانتمائي
للمغرب العربي، ويساهمون في جعل المغرب حالة خاصة بتناقضاته.
أما سؤال الهوية
والانتماء فيُطرح بقوة في هذه الافلام. الى من تنتمي هذه الافلام؟ الى
البلد الذي
يصنعها أم الى البلد الذي تصوَّر فيه؟ وأيّ هوية تحملها، وهل للسياسة دخل
فيها؟
أضفى الانتاج المشترك في حال المغرب طابعاً جمالياً معيناً على
الافلام
التي خرجت من هذا التعاون الشمالي الجنوبي. وهذه حال الفيلم المغربي
www
لفوزي بن
سعيدي الذي نعثر فيه على تأثيرات من السينما الاوروبية، ولا سيما في الجانب
البصري
والشخوص التي تتحرك في الكادر. هذا الفيلم بات بسرعة قياسية نموذجاً يحتذى
به،
وفاتحاً لآفاق جديدة أمام كل من يريد صناعة فيلم في المغرب بين
الحداثة والتمسك
بالتقاليد.
بعد المغرب كان ينبغي لنا الذهاب الى الجزائر بغية تبيان ظاهرة
الانتاج المشترك. منذ ستينات القرن الماضي، كانت الجزائر اكثر البلدان
العربية
تعاوناً مع فرنسا لانجاز الافلام، وفي طليعتها رائد السينما
الجزائرية محمد لخضر
حمينا الذي قدّم مع "وقائع سنوات الجمر" نموذجاً رائعاً للفيلم الذي يتضمن
تمويلاً
أجنبياً، لكن من دون أن يزعزع ذلك كيان الفيلم وهويته.
بلقاسم حجاج هو مخرج
جزائري آخر، لجأ الى الغرب لتمويل مشاريع سينمائية تظهر فيها المعاناة
الجزائرية.
وحجاج من المخرجين الذين يرفضون أن يتهموا
بالتعامل مع الغرب لأغراض سياسية.
كانت محطتنا الاخيرة في تونس، هذا البلد الافريقي القريب من أوروبا،
والذي تأثر
بالثقافة الغربية نتيجة تبادل الكفاءات بين ضفتي البحر المتوسط. هناك
التقينا
مخرجين كثراً لهم باع طويل في السينما التونسية التي على رغم عدد أفلامها
القليلة
طغى عليها الانتاج المشترك، منذ ستينات القرن الماضي. وكانت
الاراء متضاربة حول هذا
التمويل بين من يرفض التدخل ومن يعالجه على طريقته، مواربة.
لم يكن ممكناً
المرور بتونس من دون القاء التحية على فريد بو غدير، وهو أقرب المخرجين الى
الانتاج
المشترك، كونه أنجز افلاماً تختلط فيها اللغتان الفرنسية والعربية،
وتتعايشان من
دون أن تلغي إحداهما الاخرى. بالنسبة الى بو غدير ساهم هذا
الانتاج في فتح ابواب
كانت موصدة الى الآن.
مما لا شك فيه أن من كان يتهم الانتاج المشترك بالاستعمار
الجديد، كان يصرف النظر عن أوضاع الانتاج والتوزيع والعرض المتردية للسينما
التونسية، مما أتاح للمخرجين اللجوء الى سلطات غير سلطاتهم.
لكن تغير السياسات
الاوروبية وانفتاحها على ثقافات كانت لا تزال حتى الامس القريب منغلقة
عليها، جعل
الينبوع الذي تتدفق منه المكاسب المادية، يتوقف حتى اشعار آخر. فأي مصير
ينتظر
اليوم السينما العربية بعد هذا التغير؟
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
04/09/2009 |