لماذا استطاعت أسمهان أن تأسرنا العام الماضي وتأخذنا إلى عالمها
وماضيها لنكتشف حياتها والزمن الذي عاشت فيه وكلنا لهفة الى المزيد من
الحلقات التي انتهت عند الثلاثين ولم نكتف، بينما عجزت ليلى مراد هذا العام
عن جذبنا اليها وهي التي عرفناها أكثر من أسمهان من خلال أغنيات كثيرة
نرددها وأفلام جميلة ما زلنا نشاهدها حتى الآن، وأحببنا خفة ظلها
وابتسامتها ورقيِها في الكلام والأداء؟ أهي سلاف فواخرجي التي جعلتنا نحب
أسمهان أم هو المخرج شوقي الماجري أم سيرة حياة هذه الأميرة التي أسرتها
السياسة فذهبت ضحيتها في سن مبكرة؟ لا أعتقد أن أي من هؤلاء تسبب وحده في
نجاح مسلسل “أسمهان” الذي عرض في رمضان الماضي، بل هي مجموعة عوامل أوصلت
الجمهور الى التعلق بالمسلسل ووضعه على قائمة أفضل الأعمال الدرامية الى
جانب مسلسلات أخرى تناولت سير المشاهير مثل “الأيام” و”أم كلثوم” و”الملك
فاروق”.. ويبدو أن هذه المميزات لم تلتق في مسلسلات أخرى مما تسبب في فشلها
رغم أنها تناولت سير نجوم أحببناهم ونالوا من الشهرة والجماهيرية ما يفوق
الخيال، أمثال “العندليب” عبد الحليم حافظ و”السندريللا” سعاد حسني، وها هو
ينضم اليهما هذا العام “أبو ضحكة جنان” اسماعيل ياسين و”أنا قلبي دليلي”
ليلى مراد اللذين يعرضان على الشاشات.
من يشاهد مسلسلي “اسماعيل يس” و”قلبي دليلي”، يلاحظ أن بينهما نقطة
ضعف واحدة، وهي “التقليد”، اذ يسعى أشرف عبد الباقي جاهدا الى انتحال شخصية
الفنان الراحل اسماعيل ياسين، وهو كما قال في حوار له، أمضى أشهر طويلة في
محاولة للتعايش مع الشخصية كي يؤديها بروحه ولا يقلدها، الا أنه لم ينتبه
على ما يبدو الى أنه وضع نصب عينيه اسماعيل ياسين الفنان الكوميدي بكل
حركاته المعروفة ومشيته وطريقة كلامه، فحفظه عن ظهر قلب ودخل الاستديو
ليقدم أمام الكاميرا أحد أدوار اسماعيل ياسين الكوميدية المتقولبة في نص
درامي عن سيرة حياته، دون أن ينجح في الوصول الى رسم صورة ذاتية عن هذا
الفنان ويضيف اليها بعضا من روحه الخاصة. لم ينتبه أشرف عبد الباقي ومعه
المخرج محمد عبد العزيز إلى أن إسماعيل ياسين الإنسان العادي غير الفنان،
وأنه من المفترض أن يكون صاحب شخصية تختلف عن تلك التي عرفناه بها في
الأفلام، خصوصا وأنه عاش مجموعة مآسٍ في حياته وذاق من مرارة الحياة ما ترك
أثرا كبيرا عليه وعلى مهنته.
كذلك وقعت صفاء سلطان في نفس الفخ وحاولت اقتباس شخصية ليلى مراد من
خلال الصوت الناعم الذي زاد عن الحد المقبول وتحول الى مط في الكلام وبرودة
غير طبيعية بل مزعجة ولا تتلاءم مع كثير من المواقف استلزمت حدة الأداء
والصوت معا. ومثلها وقع أحمد فلوكس في فخ “أنور وجدي” الذي يظهر في نفس
المسلسل، حيث بالغ فلوكس في حركات الرأس وطريقة الكلام العصبية التي اشتهر
بها وجدي في أفلامه، فبدا وكأنه صورة كاريكاتورية عن أنور وجدي الفنان.
كان على المخرج السوري محمد زهير رجب توجيه الممثلين في “قلبي دليلي”
الى الأداء بروح ليلى مراد وأنور وجدي لا بجسديهما وصوتيهما، مثلما فعل
شوقي الماجري مع سلاف فواخرجي بدور أسمهان وأحمد شاكر عبد اللطيف بدور
شقيقها فريد الأطرش وغيرهم من الممثلين في مسلسل “أسمهان”، حيث شعرنا أن
أسمهان هي سلاف فواخرجي رغم الفارق الكبير بينهما من حيث الشكل والصوت، الا
أن سلاف منحت أسمهان بعضا من روحها وجمالها فأحببناها وصدقناها، تماما كما
كان الحال مع أحمد شاكر الذي رأينا فيه فريد الأطرش الانسان والفنان معا،
وهو ما حصل من قبل مع الملك فاروق وأم كلثوم.. أما الذين قلدوا النجوم فقد
سقطوا وأسقطوا الأعمال معهم.
اللافت في مسلسل “قلبي دليلي”، أن الطفلة المجهولة والمبتدئة في عالم
التمثيل، أجادت دور ليلى مراد في صغرها وجعلتنا نستبشر خيرا بالمسلسل حتى
حرصنا على متابعته من أجلها، وقد صدقنا فعلا أن ليلى مراد كانت هذه الفتاة
ببراءتها وطيبتها وبراعتها في الأداء وصوتها. تلك الطفلة آية رمضان نجحت في
ما أخفقت به الممثلة المعروفة صفاء سلطان، فقسمت المسلسل الى جزأين، الأول
جيد وممتع والثاني ضعيف وباهت. آية طبعت في أذهاننا صورة جميلة عن ليلى
الطفلة التي كانت تعمل في حياكة الملابس لتعيل أهلها والابتسامة تمتزج في
وجهها مع الحزن، وهي نفس مسحة الحزن التي نراها في وجه ليلى مراد والتي
حاولت دائما اخفاءها وراء الابتسامة العريضة. وببساطة الفتاة الرقيقة، غنت
آية أو ليلى وارتعشت أمام محمد عبد الوهاب في حلقة من المسلسل كانت مليئة
بالمشاعر والفن الأصيل.
لم يفلح السيناريست مجدي صابر في سد الفراغ الكبير الذي يشعر به
المشاهد عند متابعة الأحداث التي تخلو من الاثارة في أحيان كثيرة، رغم ثراء
تلك المرحلة بالأحداث السياسية والشخصيات المهمة والبارزة. وقد جاء مسلسل
“قلبي دليلي” ليؤكد مرة أخرى أن شهرة النجوم ومحبة الناس لهم ليست ذخيرة
كافية لاتقاء الفشل، ولا يمكن التسلح بها لضمان نجاح أي عمل، فالجمهور قادر
على التمييز بين الأصل والتقليد، وهو استثنى آية رمضان هذا العام ورفعها من
وسط مسلسل سقط دراميا ليقدم لها تحية النجاح الأولى في مسيرتها الفنية.
smarlyn@hotmail.com
الخليج الإماراتية في
09/09/2009 |