لا يخلو عام واحد من أفلام تتعرّض الى موضوع النازية و”الهولوكوست”:
وجها العملة المستخدم منذ الأربعينات من القرن العشرين لوصف وضع عكست فيه
النازية مطلق الشر وضحاياها مطلق الخير . ومع أنه لا مجال مطلقاً لتبرير
الفعل النازي ذاك حيال العنصر غير الآري (من يهود وغجر وأقوام أوروبيين
آخرين) الا أنه لا سبيل أيضاً لقبول عملية ابتزاز للضحايا اليهود دون سواهم
وتحويل الحرب التي قررت مصير مئات ملايين البشر حول العالم، الى حديث فئوي
محدود .
هذا ما كان في البال حين وردت الأنباء قبل نحو عام عن أن المخرج
كونتين تارانتينو في سبيل تحقيق فيلم عن مجموعة من الجنود الأمريكيين
اليهود الذين يتم انتخابهم لقتل الجنود النازيين . الخشية كانت أن ينضم
الفيلم الى عدد لا يكاد يحصى من الأفلام المشابهة . لكن ما أن عُرض الفيلم،
وعنوانه “أولاد زنا بلا مجد” حتى تبيّن أن المسألة ليست مطلقاً على هذا
النحو وأن المخرج استبدل كل الواقع بقدر كبير من الخيال من دون أن يدّعى،
كشأن العديد من الأفلام الأخرى عن الفترة، أنه لا يزال يتعامل مع الحقيقة
والواقع .
من مطلع هذا العام والفترة النازية وما حوته مطروح في عدد من الأفلام
المتلاحقة: “تحدٍ” حول ثلاثة أخوة يهود فيما كان يعرف خلال الحرب العالمية
الثانية ببروسيا، يشكلون فريقاً من المحاربين يحتمون في غابات الريف ويشنون
عمليات قتل ضد الجنود الألمان . “انبعاث آدم” حول ممثل مسرحي يهودي يعيش في
“إسرائيل” مطلع الستينات لا يزال يحمل عبء الذنب الذي يشعر به كونه لم
يحرّك ساكناً حين كان أترابه يُقادون الى الموت بينما سُمح له بالحياة
شريطة أن يعيش ويتصرّف ككلب . وفي “طيّب” نرى مفكّراً ألمانياً شابّاً يبيع
نفسه للآلة الإعلامية النازية متخلّياً عن صداقاته مع اليهود وهو مدرك
مغبّة ما سيحدث لهم . كذلك شاهدنا “الصبي ذو البيجاما المخططة” حول تلك
عائلة الجنرال الألماني التي تنتقل قريباً من معسكر يهودي حيث يتسنى لابنها
الصغير، من دون علم والديه، التسلل الى المعسكر وتبادل الحديث مع ولد في
مثل عمره يرتدي تلك البيجاما الشهيرة مع نهاية وخيمة (نوع من التمنّي)
مفادها أن الصبي الآري يتم حشره الى الموت في غرف الغاز من دون إدراك
لهويّته الحقيقية .
لخمسين سنة، اي حتى الأمس القريب، كانت معظم أفلام “الهولوكوست”
متساوية في دعاياتها حتى بدا الأمر كما لو كان استنزافاً وابتزازاً للعالم
بأسره خصوصاً مع توالي الأزمات في المنطقة العربية بسبب الكيان الذي أقيم
باسم “إسرائيل” .
لكن شيئاً مختلفاً أخذ يتوالى منفرداً في مطلع الأمر ثم متزايداً:
تقديم شخصيات ألمانية طيّبة ومحاولة لقراءة مختلفة لهول ما حدث . صحيح أن
فيلم ستيفن سبيلبرغ “قائمة شيندلر” كان بدوره استهلاكياً، الا أن فيلم
رومان بولانسكي ابتعد عن التنميط أكثر وعالج الموضوع على نحو إنساني، وذلك
في فيلمه “عازف البيانو” .
الآن، ها هو فيلم كونتين تارانتينو الذي لا يهمّه من كل هذا التاريخ
سوى رصف القصّة التي يمكن صنع فيلم ترفيهي جيّد يوزّع فيه التحيّات على
شخصيات سينمائية كثيرة: من سيرجيو ليوني الى ليني رايفنشتول ومن الممثل
إميل جنينغز الى شخصية ناقد سينمائي انضم للجيش البريطاني، ولو أن هذه
الشخصية خيالية بالكامل .
تارنتينو يلوي التاريخ (وليس ذراعه فقط) لكن بطريقة مكشوفة وليست
مخادعة . فيلمه الجديد “فانتازيا” راقصة على إيقاع الخيال تستوحي من الواقع
أقل ما يمكن ربط الحكاية به ولا تتحدّث عن فواجع يهودية ولا معسكرات تعذيب
. وفيلمه لا يدور مطلقاً عن الهولوكوست . واليهود هم عنصر رئيسي، لكن ليس
للحديث عنهم، بل لتلبية رغبته في صنع السينما التي يحب .
المجنّدون اليهود ينقلبون وحوشاً بشرية تحطم جماجم الأحياء الألمان
وتسلخ فروات رؤوسهم . رئيسهم راين (كما يؤديه براد بت) شخصية خالية من أي
قيمة . أمريكا ليست موجودة كفاعل بطولي ولا الفيلم عن بطولة هذا الفريق او
ذاك أساساً .
من ناحية مقابلة ليس كل الألمان بشعين . هناك ضابط ألماني فخور لا
يخاف الموت يرفض التعاون مع الأمريكيين مدركاً أنه بذلك يعرّض نفسه للقتل .
والضابط لاندا (كريستوف وولتز) شخصية حذقة، مثقّفة ومحترفة . هو والممثل
الذي قام بأدائه يسرقان الفيلم كله لحسابهما .
كذلك، كل شخصية في الفيلم (باستثناء الشخصيات الأمريكية ولدى تارنتينو
يكمن السبب) لها عمقها ودلالاتها ومؤدّاة بقدر كبير من الإلمام القابل
للصدق بينما يمر الفيلم في بضعة مناخات فهو دراما في زمن الحرب مع لمسة
جاسوسية وقصّة عاطفية (ولو من طرف واحد) والكثير من الخيال الطلق والحرية
في تصريف التاريخ كما يريد . حريّة لا تقيّد المخرج ولا المشاهد فكلاهما
يعرف أن الفيلم المعروض هو “فانتازيا” بالكامل باستثناء مسألة بالغة
الأهمية ولا يمكن التغاضي عنه وهو الحوار . إذ أبقاه المخرج بلغاته الأصلية
(ألمانية، فرنسية، إيطالية، إنجليزية) كلما دعت الحاجة وهو الذي يمنح في كل
أفلامه قيمة كبيرة للحوار لا تجدها الا عند بعض مخرجي اليوم والأمس .
شاشة البيت
حلقة المؤامرة
State of Play (2009)
لم يحظ فيلم “حالة لعبة” بنجاح جيد حين حط على الشاشات الكبيرة في
مطلع هذا العام . الفيلم ينتمي الى فرع سينمائي يؤمن تشويقاً مصدر البحث في
مؤامرة تتشكّل أمامنا لكن لا أحد في الفيلم يصدّقها باستثناء الفرد الذي
يحاول إثباتها . نوع سينمائي ظهر بنجاح في الستينات والسبعينات من القرن
الماضي حين بدا أن البيت الأبيض يستخدم نفوذه وسلطاته للتجسس على الحكومة
(فضيحة ووترغيت) .
أفلام القمّة
ساندرا بولوك مرتين
أسابيع غير كثيرة تفصل بين فيلمين قامت الممثلة ساندرا بولوك
بتمثيلهما وعرضهما متلاحقين . ففي منتصف الصيف ظهرت في “العرض”، ومؤخراً
ظهرت في الفيلم الجديد الذي هبط الأسواق مطلع هذا الأسبوع تحت عنوان “كل
شيء عن ستيف” وتؤدي فيه دور امرأة تلاحق مصوّراً تلفزيونياً تحبّه . ربما
لهذا السبب حط هذا الفيلم الثاني في المركز الثالث بإيراد متواضع (14 مليون
دولار) في حين أن المنافسة لا زالت شديدة بين “أولاد زنا بلا مجد” و”الجهة
الأخيرة” .
قبل العرض
ساركوزي ملهم وكارلا ممثلة
كما هي عادته، يمتنع المخرج- الممثل وودي ألن عن التصريح بعنوان أي
فيلم له الى أن ينتهي من تصويره، فما البال إذا ما كان الفيلم لن يدخل
التصوير قبل نحو ستة أشهر من الآن؟ هذه هي حال الفيلم المقبل للكوميدي
المعروف الذي بدأ ألن بتسمية الممثلين الذين تم اختيارهم للآن وآخرهم عارضة
الأزياء الفرنسية كارلا بروني .
ألن قال لأحد الصحف الأسبانية إن فكرة الفيلم المقبل راودته وهو يقوم
بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي، لكنه لم يزد على ذلك بحرف .
"9"
نهاية مبهرة للأرض
ينطلق بعد أيام قليلة فيلم جديد للمخرج والمنتج تيم بيرتون بعنوان “9”
وهو بالطبع غير “الحي 9” الذي عرضناه قبل أسابيع قليلة وغير عدد حديث
متلاحق من الأفلام التي تحمل الرقم المذكور في العنوان . هذا ال “9” هو
فيلم متحرك حول مخلوق غير آدمي يحمل الرقم اسماً له ويعيش على الأرض بعد
موتها، ولو أن بمقدوره إعادة الحياة والأمل إليها إذا ما قام برحلة لتحقيق
هذه الغاية .
المخرج هو شاين آكر الذي، ككل مرّة ينجز فيها تيم بيرتون فيلم
“أنيماشن”، يعمل بمقتضى خطّة يضع تصميمها العام بيرتون وتحمل طابعه هو من
هذه الأفلام . فأعماله التي من النوع المذكور، مثل “هالووين قبل الكريسماس”
و”جيمس والدراقة العملاقة” و”الزوجة الجثّة”، تحيي عالماً داكناً في خياله
وفي واقعه لا يصلح للأولاد وهو في الأساس غير مصنوع لهم رغم أن المنتج
بيرتون يستخدم الوسيط التقليدي الذي ابتدعته السينما لهم، وحكايات بعضها
متجذّرة في أدب الأولاد .
والحقيقة أن كل أفلام بيرتون، أكانت “أنيماشن” ام لم تكن، تنتمي الى
عالم خيالي جانح ومصنوعة بقدر كبير من الأجواء “الفانتازية” الداكنة من دون
أن تخسر قيمها الفنية بسبب ذلك الاختيار . من فيلمه الأول سنة 1985 “مغامرة
بي وي الكبيرة”، أطلق بيرتونز العنان لخيال ذي صبغة خاصّة تعتمد على
الحكاية ذات الجذور المنتمية شكلياً الى هذا العالم والخارجة عنه فيما عدا
ذلك . الحال نفسه مع أفلامه الأخرى مثل “إدوارد سيزرهاند” (تعاونه الأول مع
الممثل جوني دب وذلك سنة 1990) و”إد وود” و”سليبي هولو” ثم “السمكة
الكبيرة” و”تشارلي ومصنع الشوكولا” .
حتى فيلمه الخيالي- العلمي حول غزو المريخ للأرض، وعنوانه “المريخ
يهجم” (1996) جاء مختلفاً عن أترابه من ذات الأفلام حاملاً جهد الباحث عن
منطقة ثالثة من الاهتمام خارج مجال تصدّي أهل الأرض للغزو الفضائي الذي
اعتادت عليه السينما في أفلامها العديدة السابقة في هذا المضمار .
وحين أتيح له إخراج فيلمين من سلسلة “باتمان” (الأول سنة 1989والثاني
سنة 1992) انصرف لصنع منواله الخاص من هذه السلسلة التي كانت، الى حين
إسناد مهمة الإخراج الى كرستوفر نولان في الفيلمين الأخيرين من السلسلة)
أفضل ما ظهر من أفلام الشخصية المعروفة .
افلام بيرتون من الرسوم المتحركة تعطيه القدرة على خيال أكثر جنوحاً
لا يستطيع إنجازه عبر السينما الحيّة الا إذا ما اعتمد على نحو غالب على
المؤثرات الخاصّة، وهي ليست لعبته . حتى أفلامه “الأنيماشن” الأربعة
المذكورة، بدءاً من
The Nightmare Before Christmas
سنة 1991 لا تحمل الشكل الديزني (تبعاً للاستديو الأمريكي الأنشط والأعرق
في سينما “الأنيماشن” وهو ستديو وولت ديزني) ولا أي شكل مستوحى آخر منه .
الجامع بين أفلامه الأربعة الى الآن من هذه الأفلام هو بصمته ورؤيته ما
يبلور عالماً مختلفاً في القصّة كما في النسيج المرسوم من الحركة والخلفية
على حد سواء .
فيلم “9” يحتوي على ما يبهر العين أكثر، ربما، ما يشغل البال .
التفضيل هنا للفن والديكور المرسوم والتصوير العام في حين ان القصّة ذاتها
ليست بالضرورة جديدة وفيها بعض ما يذكّر بأفلام خيال-علمية سابقة بدءاً من
“ستار وورز” ووصولاً الى “ترميناتور” من حيث فكرة الحياة على الأرض بعد
دمارها الشامل وما يحتويه ذلك من إبحار في مخاطر تلك الحياة والمغامرات
التي تنضوي عليها والآمال الكبيرة التي تحملها .
بيرتون لا يتوقّف عن العمل وبعد أشهر قليلة، سنرى له أيضاً فيلما
فانتازياً آخر هو “أليس في بلاد العجائب” . ليس “أنيماشن” بل واقعي التمثيل
مع جوني دب وآن هاذاواي ومايكل شين وهيلينا بونهام كارتر، لكن استخدام
العناصر البشرية في فيلم غير كرتوني هو الناحية الواقعية الوحيدة في ذلك
الفيلم كما الحال مع معظم أفلامه السابقة ما يجعله السينمائي الأول بين
اولئك العاملين اليوم في هذا الإطار من حيث قوّة التزامه بالعالم الذي
يصيغه وينقله معه من فيلم لآخر .
أوراق ناقد
مسلسلات وأفلام
خلال شهر رمضان وكما يعرف الجميع، تنهض همم المحطات التلفزيونية فتكشف
عن مسلسلاتها الكبيرة من أعمال تاريخية الى أخري دينية ومن دراميات وسيرة
شخصية الى روائيات هزلية . والسائد هو أن يتم الاحتفاء على ثلاثة مستويات
بهذه البرامج: المحطّات التي تبثّها والتي تقوم قبل الشهر المبارك بدعايات
وإعلانات واسعة النطاق لكي تجذب الجمهور . ثم المجلات والجرائد التي تصدر
صفحات خاصّة وترفع من الجهد المبذول للمتابعة التلفزيونية لأجل تغطية كل
البرامج الجديدة . ثم على مستوى الجمهور نفسه حيث يرتفع الإقبال لمشاهدة
التلفزيون وتلك المسلسلات بعينها على أساس أن المرء يحتاج الى الترفيه بعد
الصيام وما تلك المسلسلات، على اختلاف أنواعها، سوى خير وسيلة للترفيه
المذكور .
لكن الحقيقة هي أن تلك البرامج الدرامية المسلسلة ليست مصنوعة خصيصاً
لشهر رمضان الا من حيث رغبتها في الاستفادة من الشهر الفضيل وجذب المعلنين
وتسجيل أرباح . بالتالي الجمهور المقبل على تلك المسلسلات هو رقم مُباع او
رقم كاسد حسب نسبة إقباله على هذا المسلسل او ذاك .
في الأعياد، يتم تحويل دفّة الاهتمام الى الأفلام السينمائية .
سابقاً ما كان فيلم العيد فيلماً مميّزاً بعناصره الفنية والإنتاجية:
عليه أن يكون كبير الإنتاج . مزدحم الشخصيات والممثلين، ومن هؤلاء الممثلين
بعض كبار نجوم السينما . لكن أفلام العيد هذه الأيام هو أي فيلم يعتقده
المنتج/ الموزّع جديراً بالمنافسة والسلام . في كل الحالات، فيلم العيد
فرصة أخرى لتوظيف الأعياد لصالح الشركات المنتجة .
لكن الفارق بين الفيلم السينمائي وبين المسلسل التلفزيوني هو أن الأول
لا يبيعك إعلانات داخله . لكي يتم إنتاجه لا يقوم المنتج باللف على شركات
الإعلان والمعلنين في نوع من الاستكتابات التجارية وفكرة الشركات الضامنة
ليست واردة .
نعم، مسلسلات التلفزيون في رمضان من الأفضل أن تكون مميّزة، لكن هل
هذا يعني أن تكون مسلسلات خارج رمضان هزيلة؟ وهل يعني أن تكون أفلام
المواسم غير المرتبطة بأعياد عادية؟
أشير في المناسبة الى أنه رغم المسلسلات الكبيرة فإن ما يبيعه العالم
العربي الى العالم غير العربي من برامج هو في نطاق 8 ملايين دولار في
السنة، والمحطة التي تبيع أكثر من غيرها الى الخارج هي الجزيرة (بنسبة
مليوني دولار في السنة) . لكن مشتريات المحطّات العربية يفوق البليون دولار
في السنة .
وما أريد قوله هنا هو إن هناك مشاكل كثيرة تعيشها المحطّات
التلفزيونية ولا تعلن عنها لأنه ليس هناك منهج ولأن بناء المحطّات قائم على
مبدأ الربح وحده في غالبيّتها الساحقة . هذا المبدأ يمنع المحطّات من
التقدم في كل المجالات بلا استثناء .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
13/09/2009 |