إذا صدقنا التنبؤات الأولى فإن فيلم كلينت إيستوود الجديد «إكتيفوس»
(وهو عنوان الفيلم المأخوذ عن شعر كتبه وليام إرنست هنلي سنة 1875 ونشر سنة
1888) لن ينجز الأوسكارات الكبيرة التي عادة ما يتلقفها فيلم من إخراج
إيستوود وإنتاجه. لكن هناك جائزة واحدة منها تتراءى للبعض من الآن هي
أوسكار أفضل ممثل ويتراءى أيضا الممثل الذي سيفوز بها: مورغان فريمان.
إنه البطل الأول في فيلم «إكتيفوس»، لاعبا شخصية الزعيم الجنوب أفريقي
نيلسون مانديلا ومؤديا دورا من السهل القبول به كأحد أفضل خمسة أدوار مثلها
في حياته، وربما أفضل ما مثله على الإطلاق. الفيلم مأخوذ عن كتاب بعنوان
«اللعب مع العدو» كتبه جون كارلين قبل بضع سنوات لا ليحكي فيه سيرة حياة
مانديلا، ولو أن جزءا من هذه الحياة مرتسم بما يكفي على الشاشة، بل ليقدم
ذلك الرئيس الأول لجنوب أفريقيا الخارجة حديثا من سنوات الاضطهاد العنصري
منذ استلامه الحكم إلى حين احتفل بنصر فريقه الرياضي على فريق نيوزيلاندا
سنة 1994.
على ذلك هو ليس فيلما رياضيا. بل يكشف كيف أن الرئيس الذي فاز
بالانتخابات والبلد على شفير حرب محتمل بين الأفريقيين (المواطنين
الأصليين) والأفريكانوز (البيض الذين استوطنوا) نظر إلى المباراة المقبلة
كفرصة لتحقيق الوحدة بين الناس. ونرى مانديلا مدركا أنه محاط بمن يتوقع له
الفشل وللبلد السقوط في فوضى كبيرة. في ذلك الحين يسترعي انتباهه أن فريق
كرة القدم المحلي يواجه محنته الخاصة. إنه لا يلعب الدور السياسي
والاجتماعي الذي من شأنه جمع المواطنين جميعا حوله. ضعيف الأداء وليس أهلا
لكسب المباريات الدولية.
وهكذا، وسط مشاغله واهتماماته وصعوبة المرحلة التي يمر بها والبلاد،
يجد الوقت اللازم للاهتمام بهذه الناحية ويوعز لرئيس الفريق (مات دامون)
بذل الجهد للفوز.
مورغان فريمان في ثالث لقاء له مع كلينت إيستوود بعد «غير المسامَح»
و«مليون دولار بايبي» ليس بدوره بحاجة إلى تعريف. إنه في السن المناسبة
للعب شخصية مانديلا (72 سنة) وبدأ التمثيل حين كان لا يزال في السابعة
والعشرين في سلسلة من الأفلام التي ضنت عليه بذكر اسمه نظرا لصغر أدواره.
في مطلع الثمانينات ترك تأثيرا في ثلاثة أفلام هي «بروباكر» بطولة روبرت
ردفورد، «شاهد عيان» بطولة هاريسون فورد و«هاري وابنه» بطولة بول نيومان.
وبعد أن لعب دور الشرير في «ستريت سمارت» أمام الراحل كريستوفر ريفز لم يعد
يمكن تجاهله. خطفه المخرج وولتر هِل لدور رئيسي في «جوني هاندسوم» أمام
مايكل رورك سنة 1989 ثم قاد البطولة الرجالية في «قيادة الآنسة دايزي» (في
العام ذاته). حين التقينا نظر إليّ متفحصا. لم أمهله بل ذكرته بأننا
التقينا حين كنت رئيس مسابقة مهرجان دبي السينمائي الدولي حيث حضر لعامين
متواليين. صافح بحرارة وسألني إذا ما كنت تركت وظيفة كبيرة كهذه لأتحول إلى
صحافي سينمائي، فقلت له إنني كنت كذلك قبل استلامي ذلك العمل وليس بعده
فقط. ضحك وبدأنا.
·
من أول من قال لك إنك تشبه
نيلسون مانديلا؟
- لا أذكر تماما. هذا القول شائع منذ سنوات. لكن الحقيقة أنني لم
ألاحظ هذا التشابه إلى أن تم لفت نظري إلى ذلك، لكني لا أستطيع أن أتذكر من
أخبرني أولا.
·
كيف تم إنتاج هذا الفيلم بينك
وبين كلينت إيستوود؟
- تريد أن تثير المتاعب بيني وبين كلينت. قبل نحو ثلاث سنوات استلمت
المشروع وأعتقد أننا بعد ذلك بفترة قصيرة اشترينا حقوق الكتاب ثم تعرفت على
المنتج مايس نيوفلد الذي كان مهتما بإنتاج هذا العمل أيضا وعرفني على كاتب
السيناريو توني بكهام.
·
كم نسخة من السيناريو تمت كتابته
من قبل أن يحوز رضاكما؟
- أول نسخة أرسلت لي. قرأتها ووضعت بعض الملاحظات، وكتبت نسخة ثانية
أعجبتني وأرسلتها إلى كلينت الذي أعجبته أيضا.. وهكذا بدأنا.
·
في أي مرحلة من العمل قابلت
نيلسون مانديلا؟
- في مرحلة مبكرة. قابلته قبل نحو خمس سنوات لأول مرة.
·
هل لك أن تخبرني ماذا تم قوله
وطرحه في اللقاء الأول؟
- أتمنى لو كنت أستطيع. هناك أناس يستطيعون حفظ الحوارات فيخبرونك:
قلت له وقال لي، قلت له وقال لي، لكني لا أستطيع. لم أحفظ أي حوارات لكني
أحفظ هذا: كنت مع زوجتي. وكنا في منزله. كان الوقت صباحا وتذكرت أن علينا
أن نتناول إفطار الصباح معه. دخلنا الغرفة وجلسنا وجاء من أحضر الشاي.
وتناولنا الفطور. لكن هذا كل ما أتذكره. كنا هادئين كما لو لم يكن هناك ما
نتحدث عنه، وبالتأكيد لم يكن لدي ما أقوله، لكني ذكرت له أنه إذا ما كنت
سأقوم بتمثيل شخصيته، فأنا بحاجة إلى مدخل إليه. قال نعم.
·
كان هذا على عتبة فيلم آخر على
ما أعتقد. فيلم تلفزيوني عنوانه «مسيرة طويلة نحو الحرية». أليس كذلك؟
- معك حق في هذا السؤال وهذا صحيح لكنك سألت عن اللقاء الأول الذي تم
بخصوص ذلك الفيلم، أما بالنسبة للفيلم الحالي، فمعظم لقائي معه كان عبر
مشاهداتي له في أفلام تسجيلية. قابلته طبعا لكننا لم نلتق كثيرا. عمدت إلى
الأفلام التسجيلية أدرسها وأراقبه فيها.
·
ماذا لاحظت في تلك الأفلام..
ماذا أفادك في عملية تقمص شخصيته؟
- الكثير. لاحظت مثلا أنه قلما يستخدم يده اليسرى، فعودت نفسي على
ذلك. لاحظت أنه يحرك شفتيه بطريقة معينة غالبا حين يكون صامتا. نقلت ذلك
إلى تصرفاتي بعض الشيء. في مجمل الأمر كانت هناك طبيعة الحركة المتأنية
التي نقلتها عنه أيضا.
·
ماذا عن الحوار واللهجة؟ كيف
تعاملت معهما في هذا الفيلم؟
- عادة لست من الممثلين الذين ينشغلون بمسألة اللهجة التي تتحدث بها
الشخصيات التي أمثلها. لكن هنا أمر استثنائي تطلب مني تدريبا طويلا.
·
أعتقد أن معظم الممثلين في
الفيلم كانوا من جنوب أفريقيا مما يجعلني أتساءل عن رأيك الحرفي بهم.
- نعم معظمهم كانوا من جنوب أفريقيا وكانوا رائعين. لقد أخرجت فيلما
سنة 1992 عن جنوب أفريقيا في زيمبابوي وتعاملت مع ممثلين من جنوب أفريقيا
آنذاك واكتشفت كم هم محترفون وموهوبون.
·
هل داهمك شعور بأنك قد لا تنجح
في تأدية الدور نسبة لأنك تمثل شخصية معروفة جدا والجميع سيصدر أحكاما
سريعة حول نجاحك أو إخفاقك؟
- أعتقد أن كل ممثل يحاول تقمص شخصية معروفة، مثل جيمي فوكس في شخصية
راي تشارلز أو روبرت دي نيرو في شخصية جايك لا موتا (في فيلم «ثور هائج»
سنة 1980). أحيانا ما ينجم عن ذلك تحد لا طاقة للممثل به. يسقط في عملية
التشابه وكما تقول يدفع بالمشاهد لإصدار حكم سريع يقضي على تجربته.
·
هذا ثالث فيلم لك مع كلينت
إيستوود بعد «غير المسامَح» و«مليون دولار بايبي».. كيف تجد العمل معه؟
- نتفاهم. هو فنان كبير في مجاله وكلما عملنا معا زادت روابطنا
وتفاهمنا. الآن العلاقة سلسة لدرجة أنها خالية من الحكايات التي أستطيع أن
أحكيها لك.
·
هل لك أن تصف يوما في حياتكما
خلال التصوير؟
- حسنا. اليوم يبدأ بوصولي إلى مكان التصوير. كيف حالك؟ جيد. كيف حالك
أنت؟ جيد. يسألني: هل تعرف أين ستقف؟ نعم. حسنا، يقول لي، أنا مستعد إذا ما
كنت مستعدا. أهز برأسي مستوعبا ثم أبدأ التمثيل. إلى أن يقول «ستوب. اطبع
اللقطة». هذا كل ما يدور بيننا.
·
هل كان الأمر كذلك دائما؟
- غالبا. من بعد فيلمنا الأول معا. نعمل بسهولة معا وتزداد هذه
السهولة من فيلم إلى آخر. في هذا الفيلم كنت مرتاحا جدا للعمل معه.
·
هل لديك أحلام بخصوص هذا العالم
الذي نعيش فيه؟ أحلام غير مهنية... بعيدا عن «البزنس»؟
- نعم. نعم (ساخرا) أريد من كل الناس أن تحب بعضها البعض. أتمنى نشر
السلام في أرجاء العالم (يضحك). اسمع.. لو كان هناك سلام في هذا العالم
سيكون العالم مملا. إلى جانب أنه أمر لا يمكن أن يقع. يكفي لو أننا نتعلم
أن نعيش وندع غيرنا يعيش أيضا. لا أريد أن أغير تفكير شخص أو منهج حياته
وكيف ينظر إلى الحياة أو إلى العالم. ولا أريد أن يُحاول أحد تغييري. هذا
لأنني أعيش في أميركا. لو كنت أعيش في دارفور مثلا، كنت سأنظر إلى العالم
ناشدا أن يتغير من أجلي، وهذا طبيعي. لكن المرء يتعامل مع الحياة حسب ظروفه
الخاصة وأنا لا أرى أن الحياة عادلة للجميع. لا أستطيع أن أعتقد ذلك.
·
هناك الكثير من الغطرسة في هذا
العالم وأقصد على صعيد شخصي. مانديلا فهم ذلك وعالجه وكان بدوره نموذجا.
- نعم. صحيح. لكن هل يمكن أن نعالج الغطرسة في كل مكان؟ هل نستطيع
كبشر أن نصبح أكثر تواضعا؟ لا أعتقد.
·
هل هناك تمنيات شخصية بمناسبة
العام الجديد؟
- لا أمارس لعبة التمنيات.
·
لماذا؟
- لأنني لا أريد أن أكون رهينة أني وعدت أن أفعل ذلك ولا أستطيع
فسأكسر وعدي. أعتقد أنه من الحرية بمكان كبير أن يختار المرء ما يريد فعله
على راحته وفي أي وقت من السنة.
الشرق الأوسط في
25/12/2009 |