كيف
تأمّلت
السينما
الوجود
البشري
وأسئلته على
هذه
الأرض،
وكيف
استطاعت
التعبير
عن
أزمات
هذا
الوجود وهي
تفتح
أفقاً
جديداً
وواسعاً
يؤاخي
بين
شرعية
السؤال
وحيرة الإجابة؟.
قبل
قرون
كثيرة
ولِد
الأدب،
لكن
فنّ
السينما الفتيّ
الذي
تجاوز
عمره
المائة
عام
الآن،
استطاع
أن
يحتضن، مدعوماً
بكل
ما
توفّره
التكنولوجيا
له،
أسئلة
الأدب،
وأن يجسدها
أمام
أعيننا
بعبقرية
فذّة
وهو
يخرجها
من
الكلمات
ومن الخيال
هازماً
خيالنا
في
أحيان
كثيرة؛
كما
لو
أن
سيرة التطوّر
التكنولوجي
هي
سيرة
هذا
الفن
الجديد.
وقد
استطاع
هذا الفن
أن
يمضي
بعيداً
طارحاً
رؤاه
بفنية
عالية
وقدرة
استثنائية على
الاستحواذ
على
قلوبنا
وعقولنا
وقد
اتسعت
أعيننا
أمامه
دهشة لا
تفوقها
دهشة
أخرى.
ليس
ثمة
انقطاع
هنا
بين
مشروع السينما
ومشروع
الأدب
في
تأمّلهما
لقضايا
الحياة
والموت،
الوجود والعدم،
الجريمة
والعقاب،
الحب
والكراهية،
الحرية
والعبودية، الحقيقة
والخيال،
العدالة
والظّلم،
وكل
تلك
الثنائيات
التي
طحنت القلب
البشري
وأشقت
الوعي
وهي
تمضي
به
في
دهاليز
لا
نهاية لها،
وكلما
أدرك
هذا
الوعي
ضوءاً
انطفأ،
وكلما
لاحت
له
واحة تبدّدت
كالسراب
الذي
كان
يحتضنها.
جاءت
السينما
لتفكِّر وترينا
كيف
تفكِّر،
وتسأل
وترينا
مدى
السؤال،
وتجيب
وترينا
دم الإجابة
وعبثيتها.
لكنها
وهي
تفعل
ذلك
ظلّت
تتكئ
في
كثير
من مشاريعها
الكبيرة
على
الأدب
الذي
لم
يتوقّف
تجدّد
كثير
من أهم
أعماله
رغم
مرور
قرون
وقرون
على
كتابتها،
وقد
بقيت مغامرة
العقل
الأولى)
كمغامرته
الثانية
والثالثة
والرابعة
وإلى ما
لا
نهاية،
حقلاً
خصباً
لتوالد
التأملات،
في
كلّ
هذه الثنائيات،
التي
بقدر
ما
تبدو
ذات
خطوط
واضحة
ونحن
ندعوها باسمها،
بقدر
ما
تكمن
كينونتها
في
هشاشة
الحدود
الفاصلة
بينها، كما
لو
أنّ
فكرة
الحدّ،
أو
الخطّ
الفاصل،
ما
هي
إلا
معضلةُ وهزيمةُ
أولئك
الذين
تصوّروا
ذات
يوم
أنهم
حين
وضعوها
قد ختموا
كلَّ
قول
وبدَّدوا
كلَّ
التباس.
في
هذه
المنطقة التي
يذوب
فيها
الخطَّان
الفاصلان
ويندمجان،
أو
يذوب
الخط الفاصل،
نعيش،
ويتسرب
طرفا
هذه
الثنائيات،
الواحد
إلى
الآخر، لتخلق
مساحة
أخرى،
هي
المساحة
الإنسانية
التي
يختبر
فيها
البشر روحهم
ويتأكّدون
من
أرضيَّتهم
ويعثرون
فيها
على
أخطائهم
ومساحات تمرّدهم؛
علاقاتهم
بأنفسهم
وعلاقاتهم
بالآخرين،
وعلاقاتهم
مع الواضح
الذي
كلّما
اتّضح
أصبح
مجهولاً
أكثر،
ومع
المجهول
الذي كلّما
أوغل
في
غموضه
لإثبات
حقيقة
حضوره
أوجد
مساحة
أكثر اتساعاً
تتصارع
فيها
هذه
الثنائيات،
وأدواتها
البشر
هنا،
كما تتصارع
سكاكين
بورخيس
التي
لم
تستطع
حسم
معركة
قديمة
ذات
يوم بعيد،
فعادت
لتتقاتل
ثانية
وتحسم
ما
ظلّ
مُعلّقا
منذ
سنوات طويلة،
ووسيلتها
بشر
جدد،
ظنَّ
كلّ
واحد
منهم
أنه
يريد
أن ينتصر
على
خصمه،
جاهلاً
أن
ثمة
سكِّيناً
في
يده
هي
التي تريد
أن
تهزم
السكِّين
أخرى،
وهذا
كلّ
ما
في
الأمر!.
في
هذه
المساحة
تنبت
بذرة
الشقاء
الإنساني،
لكن
البشر
هنا يتسللون
إلى
داخل
أرواحهم
بين
حين
وآخر
متناسين
الدّور
الذي أعدَّته
سكاكين
بورخيس
لهم
وهي
تحوّلهم
إلى
أذرع
مفتولة
لا غير!
يتسللون
ليتأمّلوا
وجودهم
ومعنى
هذا
الوجود
بالفن
والأدب والموسيقى
والسينما
والفلسفة.
ولعلّ
مناطق
الالتباس
التي تبدو
لوهلة
مقتصرةً
على
الوجود
البشري،
ليست
حكراً
على
هذا الوجود
حين
تتصارع
صفات
أخرى
غير
بشرية
في
مناطق
التباس صفاتها،
كما
لو
أن
الإنسان
الذي
يحتل
مركز
الكون
يُضفي
على كل
ما
له
علاقة
به
بعض
ملامحه،
أكان
ذلك
الكائن
أقلّ
شأناً أم
أرفع
بكثير.
***
فيلم
أسطورة
1900
،
بمثابة
مديح مرٍّ
لكلِّ
هذا
التعدّد
الذي
تلقيه
الحياة
أمامنا،
طالبة
منا أن
نختار
من
بين
كل
البلاد
بلداً
واحداً!
ومن
بين
كل النساء
امرأة
واحدة!
ويغدو
المكان
أكثر
اتساعاً
كلّما
ضاق
في هذا
المنظور،
وأكثر
ضيقا
كلما
اتّسع،
وتغدو
الموسيقى
قادرة بمفردها
على
احتضان
كل
العوالم،
كما
لو
أن
الذي
يريد
كلّ شيء
لن
يحصل
على
أي
شيء
فعلاً
في
النهاية،
وكما
لو
أن الذي
اختار
شيئاً
واحداً
قد
فقد
كل
شيء
أيضاً.
في
فيلم منصَّة
الجمال
تبدو
معضلة
الكائن
كبيرة
وهو
يلعب
الأدوار، دوراً
بعد
آخر
في
مسيرة
حياته،
بحيث
يختلط
القناع
بالوجه
أو يتلاشى
الوجه
ويبقى
القناع)
لفرط
ما
التصقَ
المطاط
باللحم، ويمكن
أن
نرى
ذلك
في
أفلام
أخرى
مثل
كاغيموشاط
لكوروساوا
و دوني
براسكو
الذي
قام
ببطولته
آل
باتشينو
وجوني
ديب،
و
أرض الخوف
لداوود
عبد
السيد.
كما
يمكن
أن
نتأمل
المكان المثال
في
الربيع،
الصيف،
الخريف،
الشتاء
والربيع
أيضاً
و
ملقى بعيداً
،
وتلك
المساحة
المُربكة
ما
بين
تلك
الفراديس
وجحيمها، وتلك
المقولة
الملتبسة
المنبثقة
من
لعنة
الوجود
في
المكان الأمثل:
يوم
لعين
في
الفردوس
أم
يوم
جميل
في
الجحيم؟
،
أو بين
اجتماعية
الفرد
وفردية
المجتمع
،
وتلك
القدرة
الفائقة
التي يبديها
المجموع
للتخفّف
بسهولة
من
أيّ
كائن،
بمجرد
أن
يتوارى، لا
تحت
التراب
فقط،
بل
عن
العين
أيضاً،
في
حين
يبدو
ذلك الأمر
عقاباً
استثنائياً
للكائن
إذا
ما
وجد
نفسه
محروماً
من اجتماعيته،
أو
حاضنته
الاجتماعية.
يمكن
أن
نتأمل
العهد الذي
يقطعه
الكائن
على
نفسه
لكي
يصل
بهذه
النّفس
إلى توازنها،
ولكنه
لفرط
اندفاعه
يتحوّل
إلى
نقيض
لذاته
ويغدو العثور
على
نجاته
هو
هلاكه
المُحتَّم.
كما
يمكن
أن
نتأمل المسافة
الملتبسة
بين
الجريمة
والعقاب،
بين
المجرم
والبريء
وعبث القوّة
المُطْلقة
بالمصائر،
وفكرة
العدالة
عن
ذاتها
وتلك
الأسئلة الحارقة
التي
تبزغ
أمامنا
ونحن
نرى
الذين
يستحقون
الحياة يموتون
وأعداءها
يعيشون
لينعموا
بانتصارات
لا
حدود
لها.
يمكن
أن
نتأمل
آليَّة
البشر
أمام
إنسانية
الآلة،
وذلك
الجنون الذي
يقود
إلى
دمار
ينتظر
العالم
على
عتبات
اليوم
التالي.
وتلك
المسافة
الفاصلة
بين
واقعية
الخيال
وخيالية
الواقع،
أو بين
جدوى
الخيال
ولا
جدوى
الحقيقة.
كما
يمكن
أن
نتأمل في
النهاية
تلك
المعضلة
الشائكة:
حيث
لا
بد
من
الجنّة
الآن، بعد
أن
تحوَّلت
الأرض
إلى
جحيم.
*
مقتطفات
من
مقدمة الطبعة
الثانية
من
كتاب
صور
الوجود -
السينما
تتأمل
،
الذي يصدر
قريباً
عن
الدار
العربية
للعلوم
في
بيروت
ومنشورات الاختلاف
في
الجزائر،
ويتناول
نحو
ثلاثين
فيلماً
في
علاقتها بالقضايا
الإنسانية
الكبرى.
الرأي الأردنية في
29/01/2010 |