الحكاية المتوارثة من فيلم الى فيلم تقول أن رجلاً عضّه الذئب فتحوّل الى
رجل
ذئب. في النهار رجل وفي الليل ذئب. ليس في كل ليلة من ليالي
السنة، بل في تلك
الليالي الظلماء الأخرى التي يُفتقد فيها البدر ويستطيع السهران أن يقضي
الوقت
ليلاً في الحديقة إذا شاء. هذا الذئب ذي روزنامة قمرية.
أول فيلم حكى هذه
القصّة ورد سنة 1915 ولا نعرف عنه الكثير. كان صامتاً ما يعني أن الذئب
فيه لم
يكن قادراً على العواء. كذلك الحال في الفيلم الصامت الآخر "الرجل الذئب"
الذي قام
جون غيلبرت ببطولته سنة 1924. لكن في العام 1941 انطلق عواء الذئب مسموعاً
ومدوّيا: لون تشايني جونيور عضّّ الذئب بينما كان يبحث عنه وها
هو يطلب من الفتاة
التي يحب أن تربطه بالسلاسل الضخمة لأنه يعرف أنها إذا لم تفعل سوف ينطلق
الى
الغابة القريبة ليفتك بالبشر.
كانت هناك نسخاً أخرى عديدة من هذه الحكاية وبعض
الأفلام جمعته بدراكولا وأخرى بفرنكنشتين لكن الفيلم الجديد "الرجل الذئب"
يعود
الى الحكاية الأصلية التي انتجتها شركة يونيفرسال سنة 1941 تحت إدارة
المخرج جورج
واغنر، ويعالجها معالجة جديدة هي أكثر حنكة ودراية بمتطلّبات
فيلم رعب عن شخصية
كلاسيكية، لكن من دون أن تبدع في هذا الشأن او تصل حنكتها ودرايتها الى
مستوى يُدخل
هذا الفيلم الى عرين الكلاسيكيات.
تحت إدارة المخرج جو جونستون (صاحب "جوماني"
و"جوراسيك بارك 3" و"هيدالغو") نتعرّف على لورنس تالبوت (بينيسيو دل
تورو) الممثل
الشكسبيري على مسارح لندن في العقد التاسع من القرن التاسع عشر. هو كان
وُلد في
بريطانيا وانتقل الى اميركا معظم حياته فيما بعد وهذا ما يفسّر لكنته
الأميركية.
لورنس يتلقّى خطاباً تم إرساله من القرية التي يعيش فيها والده سير جون
تالبوت (أنطوني هوبكنز) تفيد بأن شقيقه بن (سيمون
ميريلز) مات نتيجة ظروف غامضة. وكنا
شاهدنا في مطلع الفيلم كنه هذه الظروف الغامضة: بن يحاول النجاة بحياته
بعدما
اكتشفه وحش مجهول. لكن الوحش يطبق عليه ويفتك به.
لورنس ليس لديه وقت يضيّعه. إنه يريد معرفة من القاتل وحين وصوله القرية
يستبعد الشائعات التي تتردد من أن هناك وحش يعيش فيها مهاجماً كل من يجرؤ
على
الخروج من بيته حين يكتمل القمر. بعض أهالي القرية يلومون
الغجر القريبين لكن ابنة
تشارلي تشابلن، جيرالدين تشابلن (دور محدود تمثّل فيه بعيني والدها
المميّزتين)
تعلم ما لا يعلمه الآخرون وسرعان ما تصدق
تأويلاتها: الوحش يهاجم من جديد وبسرعة
خاطفة ويزهق حياة عديدين وهاهو لورنس يتصدّى له ويكاد يفقد
حياته تبعاً لذلك، في
قصر والده السير تالبوت الذي لا يشغل منه الا صالوناً صغيراً وغرفة نوم
وقبو تحت
أدراج البيت.
لم أستطع إلا أن أتساءل ما الذي يحدث في باقي تلك الغرف. من يشغلها. كان من
الممكن للفيلم أن يختار من بين تلك الغرف الكثيرة واحدة رحبة
تعكس الجو بأسره، لكن
حين يكون لديك قصر بهذه المساحة وتختزن الأحداث في غرفتين صغيرتين وغرفة
واحدة تحت
الأرض لابد أن هناك عدم تقدير صحيح للكيفية الأصح للتعبير.
لكن هذا ليس كل شيء.
سؤال آخر أهم يلوح من البداية: لماذا يمثّل
كل المشخّصين في هذا العمل كما لو كانوا
نسخة واحدة؟ لورنس/ دل تورو يبدو كما لو أن الذئب عضّه منذ أن
كان صغيراً. وأنطوني
هوبكنز يستعرض كل مشاعره من اللحظات الأولى ويمضي دوره من دون مفاجآت.
إنها
علاقة الأب بابنه التي يتمحور الفيلم حولها وهي علاقة باردة وحذرة. لورنس
سعيد بأن
يكون في المكان لأنه مزمع على المضي في تحقيقاته حتى النهاية،
ووالده يقول له أنه
سعيد أيضاً بوجوده هنا ولو أنه لا يُظهر هذه السعادة مطلقاً. هناك أيضاً
غوينيث (إميلي بْلَنت) التي كانت خطيبة شقيقه
وتواصل الانتقال من القرية الى المدينة
وبالعكس وتنزلق الى حب لورنس. المشكلة هي أن لورنس، بعد
مواجهته الذئب في الغابة،
أصبح يُعاني من بوادر تحوّل الى حيوان مفترس، ثم يُصبح فعلاً ذلك الحيوان
الفتّاك
وهو يريد سلامتها لذلك يطلب منها أن تترك القصر لأنه يخاف عليها "عليك أن
تتركي
القصر الآن لأنني سوف أعاني مدى الحياة إذا ما حصل لك شيء". تركب العربة
ذات الخيول
وتنطلق، لكن لورنس سيلحق بها، بشكله الآدمي فيما بعد والأحداث تتوالى صوب
مواجهة مع
الوحش الأول حتى الموت ... او ربما حتى الجزء الثاني الذي
ربما دار في مخيّلة
صانعي الفيلم قبل أن تدحضها الأرقام إذ لم يحقق الفيلم ما يكفي من نجاح لكي
تباشر
هوليوود وضع الأسس لجزء ثان.
لكن كما أن هناك تلك الملاحظات السلبية التي
أوردتها، هناك أيضاً ما هو مقبول ولو بغض النظر عن ضعفه. مثلاً يؤدي
بينيسيو دور
الرجل المتحوّل الى وحش على نحو غير دراماتيكي مقصود (ولو أن كتابة أفضل
للدور
وإدارة أفضل للشخصية كان يمكن لهما تحويل تمثيله الى احتفاء
بحالة أكثر مدعاة
للخوف، هذا من دون أن يفقد دل تورو طريقته الخاصة بتأدية الدور تعامل
الممثل
مع شخصيته المتبدّلة إلى ذئب تعامل إنساني بقرار. إنه غير مفتعل وغير
استعراضي.
وهذا التعامل جعل الممثل حذراً من التعبير بالوجه او الحركات بل يكتفي
بالتعبير
عبر الشخصية ذاتها، وهذا يلتقي مع أداء أنطوني هوبكنز الذي
يقول أنه استلهم من
معاملة أبيه الباردة له ملامح دوره هنا. على صعيد التنفيذ كل شيء يسير حسب
المنهج
المنشود باستثناء أن القصّة كما كُتبت لا تحمل الكثير من المفاجآت. هذا
التنفيذ
جيّد، لكنها الجودة التي لا تكفي وحدها لدفع الفيلم صوب مكانة
عالية
الجزيرة الوثائقية في
11/03/2010 |