حقق فيلم “ميرور ميررو” نجاحاً كبيراً منذ بداية عرضه بدور السينما
العالمية، وكانت مفاجأة كبيرة اختيار المخرج تارسيم سينغ لجوليا روبرتس،
لتقديم شخصية الملكة الشريرة إلى جانب كل من ليلي كولينز، وآرمي هامر، وشون
بين .
الفيلم المعروض حالياً بدور السينما المحلية، بلغت ميزانية إنتاجه 90 مليون
دولار، ويقدم معالجة كوميدية ومبتكرة لقصة “سنو وايت” الشهيرة المقتبسة من
رواية الأخوين غريم، وكان العنوان الأول المقترح للفيلم قبل تغييره إلى
“ميرور ميرور” .
مجلة “فاينتي فير” التقت جوليا روبرتس خلال جلسة إعداد فيلمها الجديد
“أغسطس: مقاطعة أوسيدج” المقتبس عن عمل مسرحي شهير بالثمانينات بالعنوان
نفسه، وكانت بصحبة المخرج مايك نيكولاس أكثر المخرجين الذين تعاونت معهم،
ومن أشهر أعمالهم ميستيك بيتزا ،1988 كلوزر ،2004 وتشارلي ويلسونز وور
،2006 وتحدثت معهما عن “ميرور ميرور”، وتعاونهما المشترك، فكان الحوار
التالي .
·
لماذا تحمست لقبول شخصية الملكة
الشريرة؟
- روبرتس: لأنه جديد تماماً، ولم أقدم شخصية كهده من قبل، وكان للمخرج
سينغ دور كبير في تحمسي للعمل لإعجابي الشديد بفيلمه “ذا فول” 2006 .
·
هل تعلمين أن هناك فيلماً آخر
انتهى المخرج روبرت ساندرز من إعداده بعنوان “سنووايت والصياد”؟
- روبرتس: نعم، والفكرة على قدمها تقبل أكثر من معالجة، وأتشوق لرؤيته
عند بداية عرضه، وأعتقد بأنه سيطلق بدور العرض نهاية العام .
·
هل تخافين مقارنتك بتشارلز ثيرون
التي تلعب دور الملكة الشريرة في “سنووايت والصياد”؟
- روبرتس: لا على الإطلاق، ثيرون ممثلة جيدة وأتمنى النجاح للجميع .
·
أود أن أسألك ونيكولاس عن فكرة
الأسطورة، ليس فيما يخص فيلم “ميرور ميرور” فقط، ولكن لأن كثيراً من أفلام
روبرتس مبنية على الفكرة نفسها؟
- نيكولاس: عندما تعجب بقصة ما، تشعر بارتياح شديد إزاء التعامل معها،
ويمكنك معالجتها في أشكال متنوعة، هذا ما دفعني إلى إخراج سندريلا مرتين،
وكذا فيلمي “آني” في ،1982 و”وركينغ غيرل” في 1988 . والسبب بسيط فالأساطير
تجذبنا دائماً وتثير فضولنا .
·
هل ما يشدنا في كل أسطورة هي قصص
التحول فقط؟
- نيكولاس: بالطبع لا، فأنا أرى أن ما يشدنا فيها طموح الإنسان لأن
يصبح أفضل، وأكثر سعادة، لكن نتفق في النهاية على أنها مجرد خيال .
·
جوليا، هل ترين حياتك كما لو
كانت أشبه بأسطورة؟
- روبرتس: ربما، لكنني أسيطر على زمام الأمور بشكل مختلف، فثقتي هي
التي تدفعني لعمل ما أحب فقط، وما أعتقد بأنني استطيع عمله . ولا أظن أن
ظهور نيكولاس وزوجي مودر في حياتي كان من قبيل المصادفة، وأعتقد أنني
متفائلة جداً، ومفعمة بالأمل، والصفتان هما حجر الزاوية في الأساطير التي
أحبها وأحب قراءتها لأطفالي .
·
وماذا عن حياتك الفنية، ألا تشبه
الأساطير؟
- روبرتس: نعم لديك كل الحق، وربما وقف الحظ كثيراً إلى جانبي، أما
الممثلون الجدد فللأسف لم يجد أغلبهم مثل هذا الحظ، فلم يعد اكتساب خبرات
رائعة متاحاً كما كان للجيل القديم، فالعمل في السينما اختلف تماماً،
وبالنسبة لي، كان الحظ حليفي عندما عملت في عدد من الأفلام التي تفاعل معها
الناس وأحبوها، لا أعني أنهم تفاعلوا معها بسببي على وجه الخصوص، ولكن
لجودة العمل نفسه .
·
كنا نتحدث منذ قليل عن جاري
مارشال الذي أخرج فيلمك الشهير “بريتي وومن”، فماذا تقولين عنه؟
- روبرتس: أدين بنجاحي ممثلة إلى جاري مارشال، فلم يكن هناك سبب معين
لاختياره لي لأداء الدور، حتى هو نفسه شعر بالحيرة تجاه هذا الاختيار،
وأدين بالفضل أيضاً إلى المخرج آلان باكولا .
·
الذي اخرج لك ذا بيليكان بريف؟
- روبرتس: نعم، فقد كنت آنذاك في الرابعة والعشرين، ولم يمر علي سوى
عامين في مجال التمثيل، وكان لدي حماس شديد لإثبات الذات مثل أي ممثلة
صاعدة، وعندما التقيت باكولا دار بيننا حوار حول الفيلم، واهتممت كثيراً
بفكرته .
- نيكولاس: أعتقد أن الحظ يلعب دوراً كبيراً في حياتنا، وبدا ذلك في
أول فيلم أخرجته، وفي كثير من المسرحيات التي أخرجتها وقدمت على مسارح
برودواي، ولكنني عندما وقعت لإخراج فيلم عن قصتي “ذا بابلك أي” و”ذا
برايفيت إير” لبيتر شافر، أحسست بأن ذلك كان شيئاً مختلفاً، وجيداً .
- روبرتس: من الطريف أن يؤمن الناس بالحظ إلى هذه الدرجة، ولا أنكر
أنني أؤمن بالحظ أيضاً، وبأهمية وجود الأصدقاء الأوفياء من حولنا .
·
هل نشأتك في أسرة فنية كانت
السبب في امتهانك التمثيل؟
- روبرتس: نعم، بكل تأكيد، فوالدي والتر روبرتس، ووالدتي بيتي لو أسسا
شركة “اتلانتا أكتورز” و”رايتز ووركشوب”، وشقيقي الأكبر، إيرك روبرتس، قام
بدور في فيلم “كينغ أوف جيبسيز” واعتاد والدي اصطحابي وشقيقتي إلى المسرح،
عندما كنت في السادسة والسابعة، وشاهدنا مسرحية “هير” في نيويورك، ومسرحية
“ذا كينغ آند آي” في أتلانتا . وأديت دوراً في مسرحية “ثري دايز أوف رين”
على مسرح برودواي . وعلى الرغم من حبي لأجواء السينما، فإنني أشعر بجمال
أجواء المسرح، فهي شيء مختلف .
·
أتساءل هل يشعر الممثل بما يشعر
به كاتب العمل؟
- روبرتس: أعتقد أن المبدعين يتفقون في الشعور بالأشياء .
- نيكولاس: أعتقد بأن العمل بالمسرح صعب جداً، وزادت صعوبته هذه
الأيام، فأغلب المسرحيات طويلة، وصبر الجمهور ينفد بسرعة .
·
في عالم مثالي، وإذا رغبت في وضع
جوليا في أحد الأدوار العظيمة، فما ذلك الدور؟
- نيكولاس: كنت أتحدث أنا وجوليا اليوم عن شكسبير، وعن إمكانية عمل
مسرحية “تيمنغ أوف ذا شرو” أو “متش أدواباوت نثنغ” .
- روبرتس: احلم بالعمل في أي منهما .
·
جوليا، هل سيطرت عليك من قبل
فكرة نجومية الأفلام، وهل ترينها لغزاً تبحثين له عن حل؟
- روبرتس: أعتقد أن تحقيق النجومية يتعلق بعوامل خارجية بعيدة تماماً
عن شخصية النجم، ويختلف الناس في نظرتهم للنجومية، فيرى بعضهم أنها شيء ذو
قيمة، ويرى آخرون بأنه شيء يحصدون الفوائد من ورائه، أما أنا فأراها شيئاً
ثانوياً .
·
هل شعرت بالرضا عن أعمالك
الأولى؟
- روبرتس: نعم، فأنا أحب كثيراً أدواري التي أديتها في بداية حياتي
المهنية .
·
هلا أخبرتماني كيف توطدت الصداقة
بينكما، هل كان ذلك بسبب فيلم “كلوزر”؟
- روبرتس: نعم كان كلوزر نقطة البداية، وأدين بذلك لكيت بلانشيت .
·
هل لك أن توضحي لي بم تدينين
لها؟
- روبرتس: كان من المفترض أن تقوم ببطولة كلوزر، ولكن لم تتمكن من ذلك
لانشغالها بانتظار مولودها، فرشحت للقيام بالدور .
- نيكولاس: بلانشيت أدت من قبل أحد الأدوار وهي حامل، ولكن مع كلوزر
كان الأمر مختلفاً، فلم يكن ليلائمها العمل فيه . وحقيقة، فكنت استبعد
تماماً موافقة جوليا على القيام بالدور بدلاً منها، فتواضعها فاجأني كثيراً
وقتها .
·
كنتم رباعياً مدهش أنت وجود لو،
كليف أوين، ناتالي بورتمان .
- نيكولاس: نعم، وكان الفيلم مفعماً بأجواء الصداقة والتعاون، فالكل
كانوا متقاربين، مبدعين مخلصين في أدائهم، وكانت نتائج تعاونهم مذهلة، لم
تتكرر، كانت أشبه بمقطوعة رباعية يعزف كل من فيها منفرداً، وكلهم كانوا
يعرفون تماماً ما يفعلون .
- روبرتس: نعم أشعر بأن الفيلم كان كذلك بالفعل، كنا متناغمين معاً،
ولكن بشكل مخيف، وأشد ما أعجبني خلال العمل مع نيكولاس وصداقته بساطة
حديثه، وتشجيعه الدائم لمن يعمل معه، وهما أهم شيء بالنسبة لي . وعندما
استعيد ذكريات “كلوزر” أشعر بسعادة بالغة، خاصة عندما اتذكر ليلة عرضه
الأولى، عندما كنت منومة بالمشفى في انتظار مولودي الأول، وجاء مايك
للاطمئنان علي وهو في طريقه لحضور العرض .
·
قبل أداء دور جوان هيرينغ، في
فيلم تشارلي ويلسونز وور، هل تحدثت إلى مايك عن شخصيتك، فقد كان مارلون
براندو يدون السير الذاتية لشخصياته حتى بداية العمل في الفيلم، لذا كان
لديه إحساس بالشخصيات ومكنوناتها .
- جوليا: كان لدينا قصة فيلم “تشارلي ويلسونز وور”، كما كانت “جوان”
مصدراً مهماً للمعلومات، وهي تتمتع بشخصية قوية واضحة، واستوعبتها بسرعة
شديدة، ولكن كان لابد من استخدام كثير من مساحيق الوجه ووضع شعر آخر لتقريب
الشبه بيني وبينها . هذا ما يفعله نيكولاس دائماً، يجعل الممثل يعيش في
بيئات غريبة، وكم أحببت العمل معه.
الخليج الإماراتية في
04/04/2012
الفيلم التركي التاريخي ''الفتح 1453'':
فتح القسطنطينية والعثمانيون الجدد في تركيا الحديثة
كلاوس كرايزر ـ ترجمة: رائد الباش ــ مراجعة:
هشام العدم
يعرض حاليًا في دور السينما في إسطنبول فيلم تركي
عنوانه "الفتح 1453" وتدور أحداثه حول فتح العثمانيين العاصمة البيزنطية
القسطنطينية في العام 1453 الذي روي بدماء الشهداء وأصبح أعظم مفتخرات
المؤرخين القوميين والدينيين الأتراك. كلاوس كرايزر في قراءة لهذا الفيلم.
بلغت تكاليف إنتاج فيلم "الفتح 1453" سبعة عشرة مليون دولار وهو بذلك أغلى
فيلم على الإطلاق في تاريخ السينما التركية والفيلم الأكثر نجاحًا بعد بدء
عرضه في الأسابيع الماضية في دور السينما في إسطنبول. ومن الوهلة الأولى
يبدو هذا الفيلم الذي أخرجه المخرج التركي فاروق أكصوي وتبلغ مدته مائة
وخمس وستون دقيقة ويبدأ بحديث نبوي وقد روت ملحمته دماء الشهداء مناسبًا
تمامًا في جدول أعمال العثمانيين الجديد الذي يديره الحزب الحاكم في تركيا
- "حزب العدالة والتنمية". ويبدو كذلك أنَّ ممولي مشروع الفيلم وعلى رأسهم
أمانة إسطنبول الكبرى التي يحكمها حزب العدالة والتنمية كانوا معجبين
كثيرًا برسالته.
منح المؤرخون القوميون الدينيون الأتراك أعلى الدرجات لهذا الفيلم، على
الرغم من معرفتهم أنَّه يحتوي على بعض الأخطاء الواقعية المذهلة وأنَّ في
تسلسل أحداثه خروجًا واضحًا عن الحقائق التاريخية. وكذلك احتفل معلقو الصحف
الشعبية التي تعد رزينة في أمور الدين بقصة فتح القسطنطينية مثلما يصوِّرها
هذا الفيلم واتضح ذلك أيضًا في تحمسهم له؛ وبالنسبة لهم يعتبر هذا الفيلم
خير دليل على أنَّ بلادهم قادرة على إنتاج أفلام بمستوى أفلام هوليوود،
وأنَّ بإمكانهم الآن إنتاج أفلام تاريخية كبيرة مثل فيلم "طروادة".
"أمسية ملونة بمستوى المدرسة الابتدائية"
وحتى إنَّ صحيفة راديكال الليبرالية التي أزعجها أنَّ جميع أبطال الفيلم
كانوا يتكلمون في كلِّ مناسبة "كما لو أنَّهم يلقون خاطابات" قد مدحت
الفيلم وذكرت أنَّ فيه "تأثيرات بصرية ناجحة نسبيًا". ولكن لم يعترض على
الفيلم إلاَّ ناقد يكتب في الموقع النخبوي التركي "kültür mafyasi"
ذكر أنَّه أمضى في أثناء مشاهدته هذا الفيلم "أمسية ملونة بمستوى المدرسة
الابتدائية". وبعد تسعين عامًا من انهيار الدولة العثمانية بلغت عبادة
السلطان محمد الثاني ذروتها في هذا الفيلم؛ تمكَّن هذا السلطان من فتح
العاصمة الرومانية الشرقية القسطنطينية في التاسع والعشرين من شهر
أيَّار/مايو عام 1453 بعد حصارها ستة أسابيع. يؤدِّي دور السلطان محمد
الثاني الذي كان عمره إبَّان فتح القسطنطينية ثمانية عشر عامًا ممثل تجاوز
عمره أربعين عامًا، هو الممثل ديفريم إيفين الذي يشبه شكله لوحة تظهر
السلطان محمد الفاتح النحيل رسمها الفنَّان جينتلي بيليني في عام 1480 وهي
موجودة حاليًا في المعرض الوطني في لندن.
وفي الفيلم شخصية رئيسية ثانية تبقى مطبوعة في الذاكرة، هو أولوباتلي حسن
الذي يعد في الموروث الشعبي بطلاً استشهد في التاسع والعشرين من شهر
أيَّار/مايو بعد أن رفع راية الفاتحين على أسوار القسطنطينية ومهَّد بذلك
طريق النصر للجنود الإنكشارية. وفي الفيلم يتم تحويل أولوباتلي حسن إلى
مدرب مبارزة وأقرب المقربين من السلطان، كما أنَّه يلعب بالإضافة إلى ذلك
دور عاشق رومانسي ويتم استخدامه أيضًا لعرض القتال بين المحاصَرين
والمحاصِرين. ويعرض في الفيلم خصم حسن أولوباتلي وهو قائد روماني من مدينة
جنوة اسمه غيوستيناني شكَّل رماته التعزيزات الوحيدة التي تستحق الذكر مما
حصل عليه اليونانيون من الغرب.
دور مجري منشق
تمثَّل العامل الحاسم لإسقاط مدينة القسطنطينية في دور عمال المناجم وتأثير
المدفعية - يدين العثمانيون للمعلم أوربان المنشق عن المجر في معرفة
الطريقة الصحيحة لسكب المدافع الضخمةلم تسقط تحصينات القسطنطينية فقط بفعل
قوة وتأثير الصلاة التي كان السلطان شخصيًا يؤديها أمام جيشه الضخم، بل لقد
تمثَّل العامل الحاسم الذي تم وصفه في الفيلم وصفًا كبيرًا في دور عمال
المناجم وتأثير المدفعية. وفي الفيلم شخصية رئيسية هو المعلم أوربان المنشق
عن المجر الذي يدين له العثمانيون في معرفة الطريقة الصحيحة لسكب المدافع
الضخمة. ويوجد في الفيلم لدى المعلم أوربان ابنة بالتبني اسمها إيرا (تؤدي
دورها الممثِّلة ديليك سربست) اشتراها في سوق للرقيق بعد أن نجت من هجوم
قام به الصليبيون على قريتها في كوسوفو وتم تصويره في الفيلم بشكل مثير
جدًا. ولا يمدحها سيدها إلاَّ بعدما اكتشفت وهي ترتدي ملابس صبي متدرب
المزيج الصحيح لصب المدافع. تلعب هذه الفتاة الألبانية إيرا في الفيلم دور
المرأة القوية والذكية - هذا الدور الذي كثيرًا ما يتم تمثيله في الأفلام
التركية، ولكنها مع ذلك ترحب بتقدم حسن إليها.
يستخدم الفيلم رسومًا متحركة مرسومة بالحاسوب وذلك بشكل خاص من أجل إلقاء
نظرة خلف أسوار المدينة. كان مسرح المناورات الدبلوماسية البيزنطة في منطقة
تاريخية مصممة من كواليس تضم قصر القيصر وكنيسة آيا صوفيا وميدانًا لسباق
الخيل. وضع المخرج فاروق أكصوي مشهدًا يتم فيه إجراء مداولات حول الوضع
السياسي في حمام يشاهد فيه القيصر قسطنطين الحادي عشر وهو يسبح بالماء مع
ثلاث فتيات يرتدين ملابس سباحة. فهل كان يريد بذلك إظاهر لعنة "العاهرة
بيزنطة" أم أنَّه كان يريد السخرية من لوحات الفنَّانين المستشرقين الذين
صوَّروا الحكَّام العثمانيين منغمسين في مثل هذه الملذات؟ وفي آخر المطاف
لا يتم حتى التلميح إلى أعمال السلب والنهب التي تعرَّضت لها القسطنطينية
على يد الجيش العثماني واستمرت ثلاثة أيَّام. يظهر السلطان محمد متسامحًا
عندما يتم عرض جثة القيصر قسطنطين الحادي عشر عليه، إذ يأمر بدفنه حسب
تعاليم "دينه". لكن لم يعرض المخرج فاروق أكصوي مشهد الفتيات العذارى
اليونانيات اللواتي كثيرًا ما يتم تصويرهن في الأعمال التركية وهن يقمن
بتقديم الزهور للفاتحين العثمانيين شكرًا منهن على إنقاذهم المدينة من
الاتحاد مع اللاتين. وفي المقابل صوَّر المخرج سلطانه محمد الثاني في كنيسة
آيا صوفيا وهو يداعب طفلاً أشقر يقوم هذا الطفل بشد لحيته ليسلي بذلك
الفتيات اليونانيات المحيطات بهما.
حماس وإعجاب بقوة العثمانيين
لقد أصبح حماس الأتراك الوطني وإعجابهم بقوة العثمانيين تقليدًا تركيًا
حديثًا يتجلى هنا في فيلم المخرج فاروق أكصوي فتح مدينة القسطنطينية الذي
توجد فيه شخصيات تستحق الملاحظة من حقبة الحكم العثماني. في عام 1951 تم
عرض أوَّل فيلم بالأبيض والأسود حول فتح مدينة القسطنطينية "فتح إسطنبول"
في دور السينما التركية وقد حطَّم بمبيعاته جميع الأرقام القياسية؛ وفي
مقدمته شكر مخرجه أيدين أركون (1918-1982) الذي اشتهر من خلاله قائد مدينة
إسطنبول، إذ تولى الجيش التركي حينها الجزء الأكبر من الفيلم. بدأ عصر نهضة
الفتح أيضًا في هذه الحالة قبل ذلك، أي في آخر أيَّام الرئيس عصمت إينونو
ثاني رئيس للجمهورية التركية. وفي تلك الأيَّام صدر قانون يسمح بفتح أضرحة
العظماء الأتراك التي كانت مغلقة في عهد أتاتورك، كما تم فتح ضريح السلطان
محمد الثاني.
"سينما هوليود بأسلوب تركي" - يعرض حاليًا في دور السينما الألمانية الفيلم
التاريخي الجديد حول فتح الجيش العثماني مدينة القسطنطينية بقيادة السلطان
الفاتح محمد الثاني.ومنذ ذلك الحين صار يحتفل بيوم الفتح في كلِّ عام بموكب
كبير يذكِّر بنقل السفن عبر البر إلى مياه القرن الذهبي. ومنذ ذلك الحين
أيضًا نشأت في تركيا العثمانية الجديدة حتى وإن كان وجودها في وظائف
مختلفة؛ فقد كانت مصبوغة بصبغة عاطفية في الأوساط الفنِّية حول المهندس
أكرم حقي أيفردي وزوجته سميحة، حيث أسَّسا جمعية لرعاية ذكرى فتح إسطنبول
وكان أعضاؤها يرتابون من الحماس للعلمانية ونزعات التحديث الكمالية تمامًا
مثلما كانوا يرتابون من الحركة التركية القومية العنصرية.
"آخر المدافعين عن إسطنبول"
وهؤلاء الناشطون "آخر المدافعين عن إسطنبول" لا يمتازون عن المجدِّدين
الأناضوليين الغاضبين فقط بمستوى تعليمهم بل كذلك أيضًا بارتيابهم من
الحداثة. وكذلك كان لهم تأثير كبير على جيل ما بعد الكمالية، كما أنَّ
أفكارهم أثرت أيضًا في تيار الإسلام السياسي الواثق من نفسه والذي ظهر في
تركيا في العقود الماضية. وفقط ضمن هذا السياق يمكننا فهم كيف عمل الرئيس
التركي تورغوت أوزال الذي توفي إبَّان ولايته الرئاسة في العام 1993 على
استخدام العثمانية في السياسة الخارجية، إذ طالب بضرورة رعاية الجمهورية
التركية علاقات مميزة مع الذين كانوا في السابق من مواطني الدولة العثمانية
ممن يعيشون الآن خارج حدود البلاد. وكان يقصد بذلك "حلقة" تمتد من ألبانيا
عبر البوسنة ومقدونيا وكوسوفو إلى تراقيا الغربية اليونانية. وكان يميِّز
فيما يخص الأكراد بين من كانوا يعيشون في سوريا والعراق، أي الذين كانوا
مواطنين سابقين وبين أكراد إيران "الذين لم يعد لدى الأتراك اهتمام بهم".
لا يمكن الحديث إذًا عن وجود نبذ للتراث العثماني في تركيا الحديثة إذا
استثنينا أبناء الجيل الذي ولد بين عام 1908 وعام 1939. يشكِّل فلما فتح
إسطنبول اللذان تم تصور كلّ منهما في عام 1951 و2012 حلقات في سلسلة من
الروايات التاريخية الوطنية تتعامل مع عصر العثمانيين الذهبي أحيانًا
بطريقة مثقفة أكثر وأحيانًا بطريقة تبدو أكثر تجميلية وكذلك أيضًا بطريقة
شعبوية عفوية متزايدة. ولكن من الملاحظ أنَّ العثمانيين الذين فتحوا
القسطنطينية في هذا الفيلم في عام 2012 كان فكرهم إسلاميًا أكثر من فكر
أسلافهم الذين فتحوها في عام 1453.
حقوق النشر: صحيفة زود دويتشه تسايتونغ/قنطرة 2012
قنطرة في
04/04/2012 |