* السقا ينتظر عرض «المصلحة».. وعز يتحدي الفشل بـ«حلم عزيز»! * من الأفلام
التي سوف تصاب حتما بسهام الخيبة "بارتيتا" للمخرج شريف مندور * مجموعة
ضخمة من الافلام تقف في حالة انتظار لوقت مناسب للعرض الموسم السينمائي
الصيفي مهدد بالانهيار هذا العام، وهو مايسبب قلقا وتوترا يصل الي درجة
الهلع لشركات الانتاج والتوزيع السينمائي وقبلهم نجوم السينما الذين اصبح
وجودهم علي المحك! مجموعة ضخمة من الافلام تقف في حالة انتظار لوقت مناسب
للعرض، لكن الوقت المناسب يصعب تحديده، فالأحداث سريعة ومتلاحقة وتهدد
بتصاعد قد يؤدي الي موجات من العنف الثوري، حملات الانتخابات الرئاسية
احتلت كل الشوارع والميادين، الامتحانات اقتربت وهناك احتمال لتقديمها عدة
اسابيع، شهر رمضان قادم في عز الموسم الذي كان في سنوات ماضية هو المفضل
لدي نجوم السينما! الجميع يقف مكتوفي اليدين، وكلما أعلن أحد المنتجين عن
قرب عرض أحد افلامه يعود ليسحبه من السوق بعد ان تكون افيشات دعايته قد
ملأت الشوارع! وربما يكون هذا أحد اسباب غزو نجوم السينما الشباب
والمخضرمين لشاشة التليفزيون بعد أن دب اليأس في قلوبهم من انصلاح حال
السينما في وقت قريب! مايقرب من عشرة افلام بلغ تكاليف انتاجها ثلاثمائة
مليون جنيه علي اقل تقدير مهددة بخسارة فادحة، الملاحظ أن ليس من بينها أي
فيلم كوميدي، ونسبة كبيرة منها تدور في اجواء الغموض والمطاردات، وبعض قصص
إنسانية تطل أحياناً بين أحداث فيلم وآخر. سوء الحظ من الافلام التي صادفها
سوء حظ "دكر" فيلم «أسوار القمر» الذي تلعب بطولته مني زكي وآسر ياسين
ويخرجه طارق العريان، وكان قد بدأ تصويره منذ ثلاثة اعوام، ولاسباب غير
مفهومة لم يعرض حتي الآن، مما أخرج مني زكي من دائرة المنافسة نهائيا،
وتراجع شعبيتها! أما فيلم «المصلحة» الذي يعول عليه أحمد السقا ويعتبره
مشروعاً قد يساعد في تغيير دفة حياته الفنية "المصلحة" خاصة انه فيلمه
الاول مع المخرجة ساندرا نشأت، وهو فيلم يدور في اجواء تجارة المخدرات
والصراع الازلي بين رجال الشرطة وعصابات جلب وتوزيع المخدرات، وتشارك في
البطولة زينة واحمد عز في لقائه الاول مع السقا، وهو ما كان يتوقع له درجة
من سخونة التنافس في ظروف افضل مما نمر به الآن، ولأحمد عز فيلم آخر باسم
"حلم عزيز" من إخراج عمرو عرفة ومشاركة شريف منير، ويبدو ان أحمد عز يصارع
بضراوة ليثبت قدميه في مضمار السباق، بعد الضربة القاسية التي تلقاها فيلمه
«365 يوم سعادة»، الذي فشل فشلاً فوق الذريع والمريع، وأكمل عليه اعلان
الجمبري الذي يقلد فيه"جوني ديب " في شخصية جاك سبارو وقراصنة الكاريبي!
مركز التجارة العالمي من الأفلام التي سوف تصاب حتما بسهام الخيبة
"بارتيتا" لمخرج شريف مندور وبطولة كندة علوش، وعمرو يوسف ودينا فؤاد، فليس
بين الابطال من يحفز علي دفع ثمن التذكرة، أو الخروج من المنزل اصلا مع
احتمال المرور علي عصابة تقوم بتثبيتك وسرقة سيارتك، او خطف زوجتك أمام
عينيك، وكل ده ليه؟عشان تشوف بارتيتيا! ومصير فيلم "جيم أوفر" ليسرا ومي عز
الدين قد يقترب من مصير بارتيتيا! مع إحتمال ضعيف أن تتدخل العناية الإلهية
لإنقاذه من الفشل! ويلعب فيلم «مصور قتيل» للمخرج كريم العدل في منطقة
الغموض والاثارة، وجرائم القتل الغامضة وهو ربما ينجو من الفشل لهذا السبب
خاصة في وجود "مُزتين " مثل درة وحورية فرغلي ومعهما إياد نصار في دور
المصور الذي تدور حوله الاحداث! أما فيلم "مركز التجارة العالمي" الذي تغير
اسمه مرتين الي "محمود ومريم وفاطمة"، واستقر الأمر أخيرا إلي " بعد
المعركة" فهو من الافلام التي ربما تنعش الموسم السينمائي في حالة عرضه.
وهو من إخراج يسري نصر الله وبطولة منة شلبي ويشارك في مسابقة مهرجان كان،
وهذا وحده قد يثير فضول الجمهور لمشاهدته، وربما يؤدي عرضه إلي انقاذ شعبية
منة شلبي التي عانت حالة فشل متكرر بعد عرض فيلميها "إذاعة حب" و"بيبو
وبشير" ويبقي الفيلم الذي يمكن الرهان عليه فعلاً "ساعة ونص" للمخرج سامح
عبدالعزيز وهو من نوعية افلامه التي حققت نجاحا كبيرا مثل "كباريه"
و"الفرح" ويعتمد كل من الافلام علي فكرة وضع حشد من الشخصيات في مكان واحد
، معرض للخطر وقياس كيفية تصرف كل منهم وفق تركيبته النفسية والاجتماعية،
و"ساعة ونص " تجتمع شخصياته داخل قطار معرض للتصادم مع آخر، وهو من بطولة
ماجد الكدواني، هيثم احمد زكي، محمد الامام، أحمد الفيشاوي وفتحي
عبدالوهاب، وإياد نصار واعتقد انه جوكر افلام الصيف التي تنتظر العرض.
جريدة القاهرة في
01/05/2012
(رد
فعل) .. الارتداد إلي زمن إنسان الغاب
بقلم : د. وليد سيف
يأتي توقيت عرض فيلم (رد فعل) في هذا الموسم الراكد وكأنه انتحار أو إفشال
متعمد لعمل ربما رأي صناعه أو المسئولون عن توزيعه أن نجاحه مسألة ميئوس
منها فتعاملوا معه باعتباره جثة أوشكت أن تفوح رائحتها. واعتبروه بالفعل
ميتا يلزم إكرامه بدفنه في غياب الجمهور دون أن يدري أحد. ولكن المفاجأة أن
الروح عادت إلي الجثة الهامدة واستطاع الفيلم أن يحقق إيرادات مقبولة، بل
وتعتبر جيدة بالقياس إلي محدودية شعبية أبطاله والإيرادات السابقة لأفلام
نجمه محمود عبدالمغني القليلة السابقة. في مرحلة الكساد وذعر السينمائيين
من انصراف الجمهور التي نعيشها حاليا يأتي فيلم (رد فعل) كإحدي المحاولات
اليائسة في التواصل مع المشاهد الذي فشل خبراء السينما تبعنا في استيعاب
ذوقه أو توقع رد فعله. فهو لم يعد يقبل علي الأفلام الهزلية كما سبق وإن
كانت الأفلام المسفة مثل شارع الهرم مازال لها جمهورها. وهو يرفض الأفلام
الجادة التي تتناول سيرة رموز الثورة مثل الفاجومي والتحرير 2011 بصرف
النظر عن مستواها ومدي مصداقيتها. وبصرف النظر أيضا عن مدي إيمان هذا
المشاهد أو كفره بالثورة. أصبح جمهورنا ايضا ينصرف عن افلام العنف والأكشن
حتي لو كانت أمريكية محكمة الصنع، فلا يوجد عنف ولا حركة ولا انفلات أمني
أكثر من الذي يعيشه الشارع والمواطن المصري اليوم .. وهو أيضا لن يجد في أي
مأساة ما هو أبشع من حكايات وصور شهداء الثورة ولا ضحايا مؤامرة مجزرة
بورسعيد ولا حرائق اللهو غير الخفي. كما أن مواسم الرواج المعتادة لم تعد
تشهد أي رواج، فعيد شم النسيم عاني حالة انصراف عن السينما أرجعها البعض
إلي حداد الإخوة المسيحيين علي وفاة البابا.. بينما رأي البعض أن الوطن كله
يعيش حالة حداد علي ضحايا وشهداء الثورة الذين لم تلوح أي بادرة للقصاص
لهم، بينما تتوالي أحكام البراءة علي المتهمين في قضايا القتل والفساد
والإفساد وتصاحبها الحرائق المنتشرة في أنحاء البلاد بطولها وعرضها. إطار
التشويق وبعيدا عن جرائم القتل التي نعايشها كل يوم وكل ساعة من أجل انبوبة
بوتاجاز أو رغيف عيش أو قرص طعمية فإن مؤلفي فيلم (رد فعل) وائل أبوالسعود
وإيهاب فتحي يختاران القتل لأسباب نفسية علي غرار ما تقدمه أفلام المجتمعات
المرفهة في السويد وسويسرا والدنمارك والنرويج. ولكننا علي أي حال ليس من
حقنا أن نفرض علي المؤلف نوع فيلمه أو طبيعة موضوعه وإنما نحن مضطرون لأن
نقيمه من خلال القالب الفني الذي اختاره له. ربما تجد الدراما النفسية إطار
التشويق هو الأنسب لعرض موضوعاتها غالبا. وقد تأثرت أجيال السينما كثيرا في
هذا المجال بأعمال العبقري الفريد هيتشكوك ومن بينها رائعته الطيور. وفي
السينما المصرية كان المنزل رقم 13 والخائنة وبئر الحرمان وكلها لكمال
الشيخ من أنضج النماذج في هذا المجال. والحقيقة أن هذه الأعمال المميزة قد
تتواري في ظلها إجتهادات كثيرة في هذا النوع بعيدا عن الإطار التشويقي
غالبا الذي يعتمد علي جريمة وتحقيق وقاتل هارب وصورة تغلب عليها الظلال
وأجواء شتوية ليلية مسيطرة. بعيدا عن هذا الإطار شاهدنا من الروائع التي
تنتمي للدراما النفسية أعمالا مثل باب الحديد ليوسف شاهين والمستحيل لحسين
كمال والسراب لأنور الشناوي وأين عقلي لعاطف سالم وغيرهم. والحقيقة أن
مسألة اللجوء للدراما النفسية بإطارها التشويقي أو بدونه قد شهدت حالة من
الغياب في أفلامنا المحلية لسنوات طويلة ربما بسبب الأزمات الاقتصادية
المتلاحقة القاتلة التي عانتها صناعة السينما في بلدنا منذ منتصف
الثمانينات والتي صحبها تجنب المنتجين للأنواع التي لا يتوقع لها أن تدر
ربحا كبيرا ومنها الدراما النفسية . وعندما عادت الانتعاشة التجارية
للسينما بعد 1997 كان التوجه واضحا ومحددا نحو الكوميديا والهزلية منها
خصوصا التي كانت تحقق أرباحا خيالية وتفرز نجومها الاسطوريين بشعبيتهم
الخرافية تباعا من هنيدي الي علاء ولي الدين الي محمد سعد وغيرهم ممن
تجاوزت إيرادات أفلامهم سقف العشرين مليون. لكن مع تراجع إيرادات هذه
النوعية وإفلاس نجومها- فنيا وليس ماديا- عادت السينما تبحث في ألوانها
الغائبة، علها تجذب المشاهد من جديد. ضحايا بالجملة في (رد فعل) تتوالي
حالات الوفاة الغامضة لسكان نفس العمارة وتصيب الحيرة الضابط حسن (عمرو
يوسف) ويزيد الأمور غموضا تقارير الطبيب الشرعي سعد الدميري (محمود عبد
المغني) الذي يؤكد عدم وجود شبهة جنائية في الوفاة. ولكن تكرار الجرائم
يعيد فتح باب التحقيق من جديد. وتتدخل في البحث رضوي (حورية فرغلي) الباحثة
في الجرائم الاسرية وابنة خالة سعد الدميري التي تتمكن من حل اللغز عبر
دراستها لعلم النفس وتوصلها إلي مظاهر الارتباط بين شخصيات الضحايا.
والغريب أن اتساع خريطة الشخصيات لسكان عمارة كاملة لم يضف أي حالة من
التشويق أو التوقع لقاتل من بينهم كما أنه أيضا لم يطرح أي صورة للمجتمع من
خلال هذا الاستعراض البانورامي لأن النقد الاجتماعي ليس هدفه، حتي ولوكانت
العلاقات بين الجيران تمس من قريب أو بعيد التواطؤ حول قضايا فساد وانحراف
اجتماعي. فتناول هذا الامر لا يتحقق بالإخلاص الكافي أو الجدية المطلوبة
ليحمل دلالات أكبر من كونه حكايات ثرثارة مثل تلك المنتشرة في جرائد
الفضائح الصفراء. وتبدو أقرب للحشو وملء فراغ مساحات طويلة من الفيلم يعجز
الكاتبان عن الاستفادة منها في تحقيق التشويق أو تطوير الحدث أو تدعيم
الشخصيات المجوفة الهزيلة أحادية التكوين. ويبدو أن المؤلفين والمخرج قد
استهواهم جو العمارة كمسرح للأحداث وربما تاثروا بشكل أو بآخر بعمارة
يعقوبيان. ولكن الإفراط في متابعة خريطة واسعة للشخصيات جاء علي حساب وحدة
الموضوع والسيطرة علي الإيقاع في فيلم يعتمد أساسا علي الجذب والتشويق. تي
شيرت القاتل أما المفاجأة العبقرية اللوذعية التي يكشف عنها الفيلم فهي أن
سكان العمارة تتشابه وظائفهم جميعا مع وظائف ضيوف الحفل الذي لقي فيه والد
البطل مصرعه منذ أكثر من ثلاثين سنة. ولأن البطل مريض نفسيا دون أي تفاصيل
محددة لحالته يقرر ان يقتلهم جميعا انتقاما لوالده. والمأساة الحقيقية أن
القاتل يكاد يكشف عن نفسه منذ منتصف الفيلم تقريبا ولم يكن ينقصه سوي أن
يرتدي تي شيرت مكتوبًا عليه أنا القاتل من اجل تسهيل الأمر علي المشاهد
محدود الذكاء أو ضعيف التركيز. ربما يعتقد بعض الكتاب أن تكرار جرائم القتل
في سيناريو واحد كفيل وحده بجذب المشاهد وتحقيق قدر كاف من الإثارة. ولكن
الحقيقة أن هذه الأمور لا تتحقق إلا بفضل التعاطف الحقيقي مع الشخصيات
والخوف عليهم والحزن من أجلهم ومن خلال بناء درامي وسينمائي وإيقاع مشدود
يصنع التوتر وهي كلها أمور لم تتحقق في هذا الفيلم بأي قدر. وعلي جانب آخر
قد يري المخرج أن الموسيقي التصويرية المثيرة للتوتر والإضاءة الخافتة
الموحية بالخطر يكفيان لتحقيق التأثير المطلوب. وكأن الصوت والصورة وحدهما
في الفيلم هما وحدهما اللذان يستطيع بهما المخرج أن يستحوذ علي جمهوره. وهو
بهذا يتعامل مع الفيلم باعتباره معرضًا للصوتيات والبصريات وليس وسيلة فنية
للتعبير الدرامي الذي عليه أن يدرك أصوله وفنياته. التمثيل الفوتوغرافي هي
أمور كان يلزم علي مخرج رد فعل أن يلم بها بالقدر الكافي لأن استيعاب
الدراما وتذوقها والتمكن منها هو جزء أصيل من أعمال المخرج . والحقيقة ان
حسام الجوهري يبدو مهتما بهذا النوع من الأفلام الذي سبق له تقديمه في
فيلمه الأول شارع 18 . ولكنه مع الأسف لا يبذل اي جهد في تطوير قدراته أو
تصحيح مفاهيمه تجاه فن الفيلم. ومن الجائز ان السبب في هذا كونه يتعامل
بافتتان مع إنجازاته المتواضعه، فيصمم علي أن يتضمن فيلمه الثالث مشاهد من
فيلمه الأول وكأنه من علامات السينما. يلعب محمود عبدالمغني دور طارق وهي
شخصية مركبة حظت بعناية مقبولة مقارنة بباقي الأدوار الهشة النمطية احادية
الجانب والتي يبدو معظمها أقرب لشخصيات مجلات الكومس حيث تكفي لقطة ثابتة
للتعبير عن الدور وحيث يعجز أي ممثل عن إضافة أي ملامح أو لمسات للشخصية
بعد مشهد ظهوره الأول . فلا شخصية تنمو ولا حدث يتطور ولا موقف يبرز جوانب
جديدة. وفي هذا الإطار يأتي تثبيت عمرو يوسف في دور رجل الشرطة النمطي
بمحدودية قدراته وتعبيراته وباعتماده الكامل علي وسامته وحسن مظهره. أما
اختيار حورية فرغلي في دور رضوي فمن الواضح أنه ينبع من رغبة في منحها دفعة
إلي الامام. ولكن هذا يأتي علي حساب مصداقية الشخصية وإن كان لم يؤثر كثيرا
في المستوي المتواضع الرديء لمستوي التمثيل في الفيلم عموما. وهي مسألة
ربما تعود في الاساس إلي بطل الفيلم محمود عبدالمغني الذي لا ينشغل ببناء
ودرامية الشخصية بقدر اهتمامه بالحركات واللفتات والتعبيرات التي يتصور
انها كفيلة برسم صورته كنجم. وكأنه يفكر في الألبوم الفوتوغرافي والصور
الدعائية المصاحبة لاخباره. وهي مسألة ترتبط أساسا بهوس النجومية وربما
يكون هذا الاسلوب قد طغي علي أداء الجميع دون إرادتهم . في ظل سينما تنشد
التنوع بحثا عن توجهات جديدة لمزاج المشاهد عادت مؤخرا الأفلام الاجتماعية
والتراجيدية وأفلام الحركة بل والرعب أيضا. وظهرت من جديد أفلام تنتمي إلي
الدراما النفسية أو السايكو دراما ومنها التوربيني في تقليد ماسخ ومستنسخ
دون أدني تصرف عن الفيلم الأمريكي الاشهر رجل المطر. لكن جاءت بعد ذلك
محاولات شديدة النضج وطازجة في أفكارها ومعالجاتها وبأسلوبية جديدة بعيدة
عن الشكل التقليدي في التشويق وحتي لو اعتمدت علي تيمات أجنبية ومنها آسف
علي الازعاح لخالد مرعي وميكانو لمحمود كامل. ولكن (رد فعل) رغما عما يشاع
عن نجاحه التجاري فإنه يرتد بمستوي الفيلم النفسي إلي أزمنة غابرة سابقة
لهيتشكوك وكمال الشيخ وربما لإنسان الغاب أيضا.
جريدة القاهرة في
01/05/2012
العمال.. ظاهرة سينمائية ازدهرت في أفلام
الخمسينات والستينات وتلاشت في عهد
بقلم : محمود قاسم
الخصخصة هل لاتزال احتفالات المصريين بعيد العمال تحتفظ بالرونق القديم
نفسه الذي عهدناه به في أيام جمال عبدالناصر؟ وهل تخلي العمال الحقيقيون عن
مكانتهم المقدسة في مسيرة الإنتاج بعد أن رضخوا لقسوة الخصخصة، وتم بيع
مئات من المصانع والشركات الكبري لتهدم مبانيها وتتحول إلي مساكن وناطحات
سحاب، مثلما حدث لشركة الغزل الأهلية في كرموز ومحرم بك بالإسكندرية، أم أن
صورة العامل قد تغيرت، فلم يعد يهتم أن يكون عيد العمال بمثابة منح
العاملين بالدولة إجازة من «الشغل» يوم الأول من مايو كنوع من الراحة بعد
أن فقدت منحة هذا الاحتفال بهجتها، وقد ذابت بين مفردات المرتب؟ صورة طيبة
رصدت السينما المصرية تحولات العمال منذ قرابة ثمانين عاما، وقدمت صورة
طيبة لهذا العامل الذي ترك الماكينة يصيبها الصدأ، وملأ الأرصفة يبيع اشباه
الأمشاط والفلايات. وعندما نقرأ تاريخ السينما المصرية مع صورة العامل سوف
نكتشف أن طبقة العاملين كانت ظاهرة سينمائية زمنية في هذه السينما صعدت
بشكل ملحوظ في فترات بعينها، ثم تقلصت في فترات أخري، وربما ابتعدت وتلاشت
مثلما حدث منذ صعود الخصخصة، وحتي بعد قيام ثورة يناير فازدادت تضاؤلا.
ورغم أن الطبقة العاملة في مصر قد تنامت مع مشاكلها منذ الثلاثينات من
القرن الماضي، بدأ اهتمام السينما بها وحتي الآن فإنها تحولت إلي ظاهرة مثل
جميع الظواهر، وهي تظهر ثم تختفي تبعا لظروف خاصة بالسينما من ناحية، وخاصة
بحركة المجتمع من جهة أخري. في أغلب قصص السينما المصرية تري أن علاقة
الأغنياء بالفقراء كانت بالغة الغرابة، فهناك ازدراء دائم للفقر، وعلي
الفقراء الذين يظهرون في بعض الأفلام علي أنهم معدمون وهم بشر طيبون أن
يكشفوا فيما بعد أنهم من الأثرياء أخفوا ثرواتهم لظروف خاصة مثلما حدث في
فيلم «العريس الخامس» و«ابن الحداد» أي أن الأصل عند السينما هو الثراء
وليس العكس، وأثرياء السينما في مستوياتها لم يكونوا من أصحاب المصانع، بل
من ملاك الأرض الزراعية. إذًا فمنذ نشأة السينما المصرية وهي تعطي ظهرها
للطبقة العاملة، وتتعامل معها بازدراء ملحوظ، فالفقير أو البسيط في الأفلام
التي تم إنتاجها إبان الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي هو المجرم
الحاقد الذي يسعي للابتزاز ودس المكائد، وقد ظلت هذه الصورة في حالات صعود،
وهبوط حتي وقتنا هذا، وتحديدا للدراسة، فسوف نتناول من كل عقد زمني من عمر
السينما المصرية فيلما أو أكثر يكشف صورة الطبقة العاملة التي تمثل غالبية
المجتمع في هذه الفترة. العزيمة من أبرز الأفلام في الثلاثينات «العزيمة»
لكمال سليم عام 1939، الذي تدور أحداثه في حارة بالقاهرة، ومحمد أفندي هو
الشاب المتعلم الوحيدة بالحارة، يمثل المكان الذي يسكنه، حيث يتوق الأهل
إلي تعليم أبنائهم، فالوظيفة الحكومية هي الأمل اللانهائي الذي يتطلع إليه
الشاب المصري، حيث تضمن له دخلا شهريا طيبا طيلة حياته، ونتيجة للظروف التي
يمر بها الأب، وهو يعمل حلاقا، فإن محمد أفندي الموظف هو أمل أهل الحارة،
ولاشك أن اقترانه بفاطمة كان حلما عند أبيها ولفاطمة نفسها، إلا أن هذا
الحلم يتبدد تماما حين يطرد من عمله بسبب ضياع ملف مهم، فيخفي محمد أفندي
الخبر عن زوجته، ويعمل سرا كبائع في متجر يلف البضائع، وعندما تعلم الزوجة
بالأمر فإنها تتعامل مع زوجها علي أنه خدعها، وتصر علي الطلاق.. وقد كشف
فيلم «العزيمة» أزمة المتعطلين التي تسيطر حتي الآن علي الشباب، حيث يبحث
ألوف الشباب عن عمل ولكنهم لا يجدون وظائف، وفي لقطات متتابعة قدم المخرج
قصاصات من الصحف تكشف عن الأزمة ومنها عنوان تحقيق في إحدي الصحف جاء فيه
«600 جامعي يتقدمون لوظيفة فراش». ويقول سعد الدين توفيق في كتابه «قصة
السينما في مصر»: «ولكننا عندما نعيد الآن النظر في فيلم «العزيمة» فإننا
نعتب عليه النهاية التي حل بها المؤلف مشكلة بكل القصة، إذ نجد أن الإنقاذ
جاء علي يدي باشا رأسمالي.. ولعل هذه النتيجة غير المنطقية تحيرنا فتجعلنا
نتساءل: كيف اختارها هذا الفنان التقدمي، علمًا بأنه هو مؤلف القصة وكاتب
السيناريو ومخرج الفيلم؟ الأربعينيات وفي سنوات الأربعينات ظهرت مجموعة من
الأفلام التي تدور أحداثها في المصانع وتتناول ظروف العمال الاجتماعية
والنفسية من أبرزها «لو كنت غني» لبركات عام 1942، و«الورشة» لاستيفان
روستي عام 1940، و«ابن الحداد» ليوسف وهبي عام 1944 و«العامل» لأحمد كامل
مرسي عام 1943 و«سفير جهنم» ليوسف وهبي أيضا عام 1945 وغيرها من الأفلام.
في فيلم «بركات» نري الأسطي محروس الحلاق البسيط الذي يحلم دوما بالثراء
ويعد زملاءه من العمال أنه سوف يدافع عنهم إذا صار ثريا، هؤلاء العمال
الذين يبتزهم صاحب العمل إلا أنه عندما يصاب بالثراء فجأة تتملكه نوبة
هيستيرية هو وأسرته المكونة من زوجته وابنته وابنه فتبعا لهذا الثراء فإن
محروس ينتقل إلي فيلا فخمة ويقتني السيارات والرياش ويبعثر أموال ويشتري
مطبعة ويسند إدارتها إلي صهره، ويسي مصالح العمال أنه يتحول إلي رأسمالي
جشع مثل رئيسة الأسبق ثم تجذبه النوادي الليلية فيبرز ويهمل بيته وينتهن
الصهر هذه الفرصة فيسرق أمواله، فتهجره الزوجة وينحرف الابن وتباع المطبعة
ويفيق الاسطي محروس من طيشه ويقسم أن يعود إلي الطبقة التي جاء منها ويعي
بأن السعادة ليست في الثراء بل في الاقتناع بما قسمه الله للبشر من أرزاق.
تكلم المخرج أحمد كامل عن فيلم «العامل» في نشرة جمعية الفيلم «العدد 22»
أن حسين صدقي يعمل في مصنع كبير مملوك لأحد كبار الرأسماليين، وفي أثناء
العمل يصاب عامل إصابة تكون نتيجتها أن يفصل من عمله دون تعويض، وكان هذا
عرفا شائعاً وقتها، بلغ مرتبة القانون لدي كل الرأسماليين وكان أحد بنود
المطالب العادلة للعمال في جوقة الصراع الطبقي منذ ثورة 1919، ويحدث أن
تحتج مجموعة من العمال علي هذا الإجراء، ويبدأ المشرفون علي المصنع حملة
إرهاب خفية ضد العمال الذين كونوا جمعية سرية وتعاهدوا علي النضال المشترك
ضد صاحب المصنع ولصالح العمال. ويبدأ الإضراب العام لعمال المصنع تحت زعامة
المجموعة القيادية، وعندما يحس صاحب المصنع بالخطر المؤكد يلجأ إلي الوسائل
غير القمعية فيحاول استمالة زعيم المجموعة، وهو حسين صدقي، وذلك باغرائه
بواسطة مديحة يسري، لكن لإيمانه القوي يحاول دون وقوعه في الشر، بل إنه
يصبح صاحب مركز بكفاحه ونضاله، فلم ينس العمال الذين نجحوا في الاستيلاء
علي مصنع الرأسمالي وإدارته ذاتياً، حيث يعطون لكل ذي حق حقه. الفيلم كما
جاء علي لسان صاحبه يتناول مشكلة التأمينات، فالإضراب ينجح ويضطر صاحب
العمل إلي التنازل في النهاية والاستجابة لمطالب العمال، وقد يكون هذا
طريقاً يجب أن تسلكه الطبقة العاملة في كفاحها، وقد يكون مرحلة فحسب، لكن
المهم هو ان قانونا قد صدر في أعقاب نجاح الفيلم غير المتوقع يقضي بالزام
صاحب العمل بتعويض العامل عن الإصابة بسبب العمل، بل إن النقابات العمالية
قد علا صوتها كثيراً وأطلقت علي بعض الأفلام «المخرج الأحمر». لقد كان أول
فيلم في مصر يتناول بشكل مباشر ومن موقع متقدم مشكلة العامل. وحول الموضوع
نفسه ذكرت مجلة «السينما والمسرح» يناير 1979 أنه بعد ظهور الفيلم شنت
التشريعات العمالية التي ترعي العامل وأسرته وتنظم علاقته بمن يعمل لديهم،
أما مصطفي عبدالوهاب فيؤكد في نشرة نادي سينما القاهرة «27 أكتوبر 1980» أن
هذا الفيلم شاهده الملك فاروق متنكرا مع الناس، فأمر بإيقاف عرضه في الحال
لأنه يفتح أذهان العمال علي حقوقهم المشروعة، ويدعو المنتج حسين صدقي وزير
الشئون الاجتماعية عبدالحميد عبدالحق لمشاهدة الفيلم، فيأمر بعرضه بعد أن
يعجب به، ويهنئه علي جهوده العظيمة في إنتاجه، لكن فؤاد سراج الدين يأمر
بمنعه مجاملة للملك، باعتباره خطراً علي الأمن العام وتتألف لجنة عليا
لمشاهدة الفيلم مع الجمهور فتقرر عرضه باعتباره فيلما إصلاحياً جيداً..
وهذه المعلومات علي مسئولية كاتبها. إنسانية الطبقة العاملة ومع بداية
الخمسينات بدأت المناظير تتغير كثيراً في السينما المصرية فازداد الاهتمام
بالكشف عن نقاب إنسانية الطبقة العاملة، وقد حدث ذلك في العديد من الأفلام
وكان هناك عقاب صارم ضد كل عامل تسول له نفسه الخروج عن عشيرته، والترقي
إلي طبقة الأثرياء مهما كان السبب، هذه الطبقة الثرية «النخبة» صورتها
أفلام عديدة علي أنها فاسدة ينخر فيها السويس ويحولها إلي أطلال لا أمل في
إعادة بنائها وفي أحيان أخري فانها تتسم بطيبة وخلق قويم، علي كل فأكثر
حالات الصعود الاجتماعي الذي قامت به الطبقة العاملة إلي درجات أعلي منها،
هو صعود انتهازي مثلما حدث في «الأسطي حسن» و«لست شيطانا ولا ملاكا»
و«الشيطان امرأة» و«الأرملة تتزوج فورا» و«خيوط العنكبوت» و«صاحب الإدارة
بواب العمارة» و«الجردل والكنكة».. والغريب أننا في مؤسسة كبري يمتلكها
«مرجان أحمد مرجان» لم نتعرف علي عامل واحد فقط يعمل لدي هذا الانتهازي
الفاسد. الأسطي حسن انتهز أول فرصة للخروج عن طبقته العاملة، كي ينقلب
عليها فلا يعود إليها إلا بعد أن امتصت كوثر هانم من رجولته كل ما يمكنها
الحصول عليه ثم تتجه إلي عصير آخر تمتص منه رجولة أخري.. ولو لم تنقلب كوثر
هانم علي «الأسطي» حسن لظل هذا في نعيم يغرف منه، فالعامل هنا شخص غشيم
يبحث عن الشهوة والصعود القائم علي قوة الجسد.. يبيع ماضيه وأهله، فهو لا
يكتفي فقط بالارتماء في أحضان ساكنة الزمالك، بل إنه يطرد زوجته التي جاءت
تبحث عنه لتخبره بمرض ابنه وهو يصرخ في وجهها: أنا شفت جوع وفقر، سيبيني
أدوق طعم الدنيا. أما أمين في «الشيطان امرأة» لنيازي مصطفي 1972، فهو
العامل في مصنع صغير للأقطان، وهو يعمل في وظيفته بالأمن محاطاً بالعديد من
العاملات الجميلات وينساق وراء إحداهن التي تسرق القطن فيتركها تفعل، بل
إنه يحميها ويندفع وراءها كي تنقله إلي طبقة عليا من خلال انغماس كل منهما
في عالم الجريمة، إنه يلفظ الطبقة التي جاء منها وعندما أحس بخطر العودة
إليها يقتل فتاته مثلما حاول الأسطي حسن ان يقتل كوثر هانم. وفي «لست
شيطانا ولا ملاكا» لبركات نري صعود عامل آخر داخل مصنعه والصعود هنا مزدوج
الوجه، فأحمد العامل في المصنع يدرس الهندسة يصير مهندسا أما كوثر التي
تزوجت بصاحب المصنع من أجل إنقاذ أسرتها من الفقر ومن خلال رغبة الانتقام
لقصة حب فاشلة، فانها تري حبيبها القديم يصعد اجتماعياً ويقترن بمهندسة من
طبقة راقية. ومرسي في فيلم «الأرملة تتزوج فوراً» هو عامل آخر صعد السلم
الاجتماعي من خلال اقترانه غير المتوقع بوريثة المصنع، هو رئيس عمال ماهر
يتسم بالأمانة وحسن الخلق، ولأن صاحبة المصنع تكتشف أن زوجها الراحل كان
يعاشر نساء أخريات، فانها تتزوج بمرسي نكابية في الورثة، وينتقل العامل من
العنبر إلي المكتب كمدير للمصنع، ثم إلي فراش الأرملة الوثير كزوج، ولم
يهتم الفيلم بالكشف عن علاقة مرسي بزملائه العمال فيما بعد وصار عليه أن
يؤكد لصاحبة المصنع أنه رجل وفي، وإن تعرض لنكايات خاصة تحاول إثبات عكس
ذلك. أغلب هؤلاء العمال الصاعدين اجتماعياً لا يرغبون العودة مرة أخري إلي
الطبقة التي صعدوا منها، وهناك تمرد موجود داخل كل منهم ضد طبقته حتي وان
غلفه ببعض العبارات التي تعبر عن انتمائه إلي طبقته الأصلية ، مثلما حدث في
«لست شيطانا ولا ملاكا» لبركات ثم «خيوط العنكبوت» لعبداللطيف زكي 1985 .
عامل الستينيات في الستينات من القرن العشرين، ظهرت مجموعة من الأفلام تمجد
العمل وحياة العاملين وتدعو إلي ممارسة الشغل.. مهما كانت نوعيته، فالبرنس
في الفيلم الساذج «الأيدي الناعمة» يجد نفسه مضطراً إلي ممارسة عمل يرتزق
منه بعد أن تفسخت الطبقة التي ينتمي إليها في «النظارة السوداء» لحسام
الدين مصطفي وقف المهندس إلي جوار العمال يدافع عن مصالحهم، ورغم أن
المهندس ينتمي إلي الطبقة الوسطي فانه يقف ضد صاحب العمل من أجل عامل فقد
ذراعه أثناء العمل، وحين يسعي المهندس إلي إحداث تغيير في حياة الفتاة ماجي
فإنه يأخذها معه لزيارة العامل المصاب في المستشفي وعندما يتحول المهندس عن
موقفه كمتمرد، فإن ماجي تواصل زياراتها لأسرة العامل ويكون هذا سببا في
إعادة العلاقة فيما بين ماجي والمهندس الذي يرجع عن شططه، وفي فيلم
«الحقيقة العارية» لعاطف سالم 1963، نري نموذجاً من العمال يمارسون عملهم
بحب، وهم يدقون أوتارهم في مواقع العمل أثناء بناء السد العالي، لكن الفيلم
نظر إلي العمال بشكل هامشي قياسا إلي اهتمامه بقصة الحب التي ربطت بين
مهندس يعمل في السد، وبين مرشدة سياحية جاءت للعمل في المنطقة وقد ظهرت هذه
الأفلام لتواكب صدور قوانين يوليو الاشتراكية وتطبيقها، كما أن هذه الرؤية
لم تتغير كثيراً في الفيلمين اللذين أخرجهما يوسف شاهين حول السد العالي
وهما «النيل والحياة» 1968 و«الناس والنيل» عام 1972 . تغيرت الصورة
الاجتماعية للعامل، فصار في سنوات الستينات هو الموظف التكنوقراطي فوق
المكتب، ولو توقفنا مثلا عند الأدوار التي جسدها فريد شوقي في ثلاثة عقود،
فانه في الخمسينات جسد مهنا مارسها أبناء الطبقة العاملة، ابتداء من العامل
الميكانيكي في «الأسطي حسن» إلي الصياد حميدو وصول البحرية «رصيف نمرة 5»
والسائق في «سواق نص الليل» والبائع الجوال في «الفتوة» والحمال في «باب
الحديد» وبائع اللبن في «جعلوني مجرماً»، إلا أنه بدأ يرتدي بدلة الموظف
البسيط في أفلام الستينات، مثل دوره في «العملاق» و«لعبة الحب والزواج»
و«مطلوب زوجة فوراً» و«المغامرة الكبري» ثم اتجه لأداء شخصيات أخري في
«الجاسوس» و«العميل 77» و«سكرتير ماما» وهي كلها أفلام أقل أهمية من تلك
التي لعبها فيما قبل وجسد دور العامل بكل أشكاله. فترة الانفتاح ومع بداية
السبعينات وسنوات الانفتاح بدأ التناول الحاد لمشكلة أبناء الطبقة العاملة
يختفي إلي حد كبير وقد كتب الفاروق عبدالعزيز في الدراسة السابقة الذكر،
ومع الانفجار الاستهلاكي علي جثة القطاع العام بعد 1971، ازدادت نسبة
الأمية بمعدل مخيف وواصلت السينما رسالتها التي أخلصت لها منذ نشأة هذا
الفن في بلادنا التحذير والابتعاد الكامل عن عامل الطبقة العاملة، وسري
تيار الأفلام التي تمجد العالم البرجوازي، وتشيع التطلع إليه باعتباره حلما
في ظل الصعوبات التي يواجهها التطبيق الاشتراكي في مصر، بل إني أؤكد أن
الأفلام التي تناول الطبقة العاملة قد اختفت نهائياً مع بداية الستينات
ولعل الأمر هو أحد الغاز السينما المصرية المكشوفة.. ربما. من سمات الطبقة
العاملة في سبعينات القرن العشرين أنها تغيرت، وعند أول تحول أصبح الكثير
من أبنائها انتهازيين، وهبطت البرجوازية الاجتماعية الصغيرة إلي طبقات أدني
ماكانت عليه، وأصبح من الصعب وضع تقسيم علمي لما حدث في هذه المرحلة، وصار
من العسير إطلاق أحكام مطلقة علي ماحدث من انتهازية، أو من تحول سلبي لهذه
الطبقات. وقد اهتمت السينما بهذا التغيير فجعلته كل همها، ولا يمكن أن ننكر
أن كل السينما المصرية ازعجها هذا التحول، فقدمته بكل مقاييسها، وتعني كلمة
«كل» هنا كل المستويات الفنية الجيد منها والرديء، وانشغل كتاب السينما
ومخرجوها بالبحث عن كل ما يمكن من تناول للتحول، مثل التباين الشديد الذي
حدث بين أستاذ جامعي وزبال في «انتبهوا أيها السادة» لمحمد عبدالعزيز عام
1980، وصعود الزبال علي حساب هبوط الأستاذ، وقبل سقوط الطبقة البرجوازية
المتمثلة في طلاب الجامعة الذين يعملون بعد التخرج في مهن لا تتناسب مع
مؤهلاتهم من أجل مكسب أكبر في «الحب وحده لا يكفي» لعلي عبدالخالق، فالخريج
يعمل في البناء تارة، ثم في الأعمال المشبوهة أحيانا.. أما الطالبة فانها
تعمل غانية وتتلذذ بإذلال إحدي زميلاتها السابقات، أما التباين الأكثر
وضوحاً فيبدو في المواجهة بين ضابط شرطة ولص ارتقي اجتماعياً في «أهل
القمة» لعلي بدرخان، ويكون دخول هذا النشال التائب سببا لهدم قيم كثيرة عند
الضابط. وقد ازعج مثل هذا التغير مخرجين من طراز محمد شبل لدرجة أنه يشبه
أبناء الطبقة العاملة بأنهم «دراكولا» خفاش الليل الذي يمتص دماء ضحاياه،
فالعامل هو الذي يستغل المواطنين فيرفع أجره إلي حد لا يحتمله إلي
الموسرين، ويسعي إلي احتكار السوق من خلال ما يمارسه من أعمال الاستغلال
متدنية. امتدت هذه الظاهرة إلي الثمانينات وصارت الشاغل الرئيسي للسينما
المصري، ولم يختف العامل المصري تماماً من الأفلام مثلما تنبأ الفاروق
عبدالعزيز، بل ظهرت أفلام تتناول وضعية العمال في ظل الخصخصة الشرسة، مثل
«الخبز المر» لأشرف فهمي الذي يتحدث عن العمال في جمرك الإسكندرية، وهو
صراع أقرب إلي ما صوره يوسف شاهين في «باب الحديد» انه صراع من أجل امتلاك
لقمة العيش، حيث يتناطح العاملون من أجل الحصول علي أكبر قدرمن هذه اللقمة
إلي حد اللجوء إلي العنف والقتل. حدث هذا أيضاً داخل أفراد أسرة واحدة في
«عيون لا تنام» لرأفت الميهي، تدور الأحداث داخل ورشة في بولاق أبوالعلا
ولأسرة تسكن داخل ورشة إصلاح السيارات، ويدور صراع بين الإخوة حول امتلاك
الورشة، والأشقاء هنا قوم بلا أخلاق، يتناطحون من أجل امتلاك أشياء من
المفروض أنها تربط بينهم «أين أمك التي تتكلم عنها، أنت لم ترها قط».. أحد
هؤلاء الإخوة يستبيح لنفسه زوجة أخيه الأكبر.. لكن هذه المرأة سفاحاً يكون
سببا في حل الخراب علي الجميع. تغيرت صورة العامل في «سواق الأتوبيس» لعاطف
الطيب حيث ابتعد عن أجواء الطبقة العاملة كما عهدنا، فرغم أن الورشة هي
البطل الرئيسي في الفيلم، فان هذه الورشة صارت خراباً وأعلنت إفلاسها
وأصحابها رغم أن «حسن» يناضل من أجل إعادة أمجاد الورشة فانه يفضل العمل
كسائق لأتوبيس، وأيضاً لسيارة أجرة في المساء من أجل أن يقيم أود أسرته،
رغم أن إنقاذ الورشة كان ممكناً لو تفرغ لها. ويمثل «فارس» في فيلم
«الحريف» لمحمد خان 1984 نموذجاً من أبناء الطبقة العاملة في سينما
الثمانينات، فهو يكسب رزقه من العمل في محل أحذية، ومن موهبته في لعب الكرة
الشراب، إنه يعرض لطرد من صاحب العمل وهو معرض لتجربة زواج فاشلة تدفعه إلي
نبذ العمل بالورشة، بعد أن يختلف مجدداً مع صاحب العمل، وكل هذه الظروف
تساعد فارس في أن ينحرف من خلال العمل بالتهريب مع أحد زملائه. تغيرت
الصورة أكثر علي صعود أبناء الانفتاحيين في السينما الجديدة، فذهبوا إلي
السواحل السياحية وعاشوا أوقاتهم السعيدة في عشرات الأفلام، ورأينا
العاملين في بعض هذه الأفلام شبه عاطلين، ومجرد أشباح، وبالتالي فلم نعد
نري أفلاما تدور أحداثها داخل المصانع، هذه المصانع التي تمت خصخصتها،
وتحويلها إلي بنايات سكنية، واهتمت بعض الأفلام بأصحاب الأعمال، ومنهم
كثيرون يهرولون وراء المال، والاختلاس وكما أشرنا فإن العاملين في مصر
صاروا يتواجدون في الأرصفة وفي المجلس النيابي والبرلماني، وهناك استثناءات
بالطبع، مثلما أشرنا لفيلم «الجردل والكنكة».. حيث نافس العامل رئيس مجلس
إدارته في انتخابات مجلس الشعب.
جريدة القاهرة في
01/05/2012 |